كتب – د. أيمن شبانة

مدير مركز البحوث الأفريقية جامعة القاهرة

مـقدمـة:

 تعد الصومال تاريخياً هدفاً للتمدد الإثيوبى، خاصة منذ الربع الأخير للقرن التاسع عشر، عندما تمكن امبراطور الحبشة منليك الثانى– بدعم من بريطانيا وفرنسا- من الاستيلاء على المدن والأقاليم الصومالية، مثل هرر وأجاودين وسدامو، قبل أن تقطع أوصالها بين إثيوبيا والقوى الاستعمارية الأوروبية، لتضم إثيوبيا إقليم الصومال الغربى (أوجادين)، فيما سيطرت بريطانيا على الساحل الشرقي المواجه لخليج عدن، واقتطعت فرنسا جيبوتى، بينما آل الساحل الجنوبي، بما فى ذلك مقديشو وكسمايو لإيطاليا.

 ومع استقلال عام 1960، اندلعت المواجهات المسلحة بين الصومال وإثيوبيا، لاستعادة إقليم الصومال الغربى، مثلما حدث عام 1964 وكذا عامى1977 و1978. ومنذ ذلك الحين ظلت الصومال تحتفظ بموقع فائق الأهمية على أجندة السياسية الخارجية الإثيوبية.

وعلى ذلك، تسعى هذه الورقة إلى تحليل الدور الإثيوبى فى الصومال، بالتركيز على المرحلة الراهنة، عبر تناول مصفوفة المصالح الإثيوبية بالصومال، والآليات التى تعتمد عليها لتحقيق تلك المصالح، وتأثيرات النفوذ الإثيوبى بالصومال، والتحديات التى تواجه الدور الإثيوبى.

أولاً – المصالح الإثيوبية فى الصومال:

يرتبط الدور الإثيوبى فى الصومال بتحقيق مجموعة من المصالح التى تضمن الحفاظ على وحدة إثيوبيا وسلامتها الإقليمية، وتأمين منفذ مباشر على البحر الأحمر، والاستفادة من مواردها، وتدعيم دورها كقوة إقليمية. لذا سعت إثيوبيا لبسط نفوذها على الصومال، بغية تحقيق المصالح الآتية:

1- استمرار حالة الانقسام فى الصومال:  

 تحرص أديس أبابا على استمرار حالة الانقسام فى الصومال، لتظل البلاد أسيرة لمعادلة الحكومة المركزية الهشة والدويلات المتصادمة معها، فلا يفسح ذلك المجال لتبلور نظام مركزى قوى، قد يسعى لاستعادة إقليم أوجادين، أو يحرم إثيوبيا من استخدام الموانئ الصومالية مثلما فعلت إريتريا منذ عام 1998، أو يطالبها بمقابل كبير فى سبيل استخدام الموانئ على نحو ما فعلت جيبوتى.

ولعل ذلك هو ما يفسر التمسك الإثيوبى بإجهاض التيارات التى تطالب بإحياء مشروع الصومال الكبير، الذى تجسده النجمة الخماسية التى تتوسط علم البلاد. وكذا سعيها لقطع الطريق أمام أى احتمالات لعودة الصومال كمنافس لها بالقرن الأفريقى، خاصة بعد التجربة الإريترية.

2- تأمين الحدود الشرقية:

تسعى إثيوبيا لتأمين حدودها الشرقية مع الصومال، والتى يبلغ طولها 1640 كم، حيث تعتبر أطول خطوط الحدود التى تربط إثيوبيا بدول جوارها الست، والتى تبلغ إجمالاً 5925 كم. وهو ما يعكسه حرص أديس أبابا على الاحتفاظ بوجود عسكرى شبه دائم بالصومال منذ عام 2006، وتوقيع اتفاقات أمنية لمراقبة الحدود معها، بما يسهم فى تصفية القواعد الخلفية لحركات المعارضة الإثيوبية التى تتخذ من الأراضى الصومالية معقلاً لها، وأهمها جبهة تحرير أورومو، وجبهة تحرير أوجادين وغيرهما.

3- استضافة الصومال للأسطول البحرى الإثيوبى:

تتطلع إثيوبيا إلى الصومال باعتبارها أبرز المرشحين لاستضافة الأسطول البحرى، الذى تسعى إثيوبيا لتدشينه، وذلك لتأكيد وضعها كأكبر قوة إقليمية بالقرن الأفريقى، والحصول على موطئ قدم بالبحر الأحمر والمحيط الهندى، والمشاركة فى التنقيب عن النفط والغاز بالصومال. وقد تبدت أهمية ذلك مع مصادقة البرلمان الإثيوبي في ديسمبر2018 على مشرع قانون لإعادة بناء القوات البحرية، التى تفككت إثر استقلال اريتريا. وكذا بعدما وقعت إثيوبيا اتفاقاً مع فرنسا فى 14 مارس 2019 لمساعدتها في بناء قواتها البحرية.

4- المصالح الاقتصادية:

 تتمثل هذه المصالح فى النفاذ إلى الموانئ الصومالية، والحصول على نصيب من كعكة الموارد النفيسة والاستراتيجية المكتشفة بالبلاد، وتأمين المبادلات التجارية. إذ تعتبر أديس أبابا أن النفاذ للموانئ الصومالية يمثل مصلحة وطنية حيوية للدولة الإثيوبية، حيث تملك الصومال واحداً من أطول سواحل القارة (3025 كم)، التى تنتشر عليها الموانئ ذات القيمة الاستراتيجية الكبيرة، سواء على خليج عدن (بوصاصو، بربرة)، أو على المحيط الهندى (كسمايو، ميركا، هوبيو)، بينما تفتقد إثيوبيا للساحل، بما لا يتسق مع وضعها أكبر دول القرن الأفريقى، بالإضافة لاعتمادها على ميناء جيبوتى فى تجارتها الخارجية بنسبة 90%، رغم زحام القواعد العسكرية بجيبوتى، وخضوع الميناء للإدارة الصينية مؤخراً.  

 تسعى إثيوبيا أيضاً إلى الهيمنة على السوق الصومالى، حيث تتجاوز قيمة المبادلات التجارية مع الصومال– بما فيها صومالى لاند- المليار دولار، بالإضافة إلى المشاركة فى عمليات التنقيب على النفط والغاز الطبيعى، خاصة فى مناطق الحدود البحرية الصومالية الكينية. وهو الأمر الذى تبدت أهميته بعد توقيع الحكومة الإثيوبية لعقود للتنقيب عن النفط والغاز مع إحدى الشركات الصينية، وتبنيها مخططاً لإنشاء خط أنايبب لتصدير الغاز الطبيعى من إقليم أوجادين إلى موانئ التصدير عبر جيبوتى.

ثانياً-  آليات تحقيق وتعظيم المصالح الإثيوبية:

اعتمدت إثيوبيا على مجموعة من الآليات لتحقيق وتعظيم مصالحها بالصومال. ولعل من أهمها ما يلى:

1-  شبكة العلاقات الإثيوبية الصومالية:

  اهتمت إثيوبيا بتدعيم علاقاتها بكل ألوان الطيف السياسى بالصومال، بداية من الحكومة المركزية بمقديشيو، والكيانات الانفصالية الأخرى، مثل صومالي لاند (غير المعترف بها)، والأقاليم التى تتمتع بنوع من الحكم الذاتى مثل: بونتلاند وغرب الصومال وجوبالاند.

إذ تنامت العلاقات الإثيوبية مع الحكومات المتعاقبة بمقديشيو، منذ عهد الرئيس عبد الله يوسف، حيث أعيد افتتاح السفارة الإثيوبية فى مقديشيو فى مايو 2007، وهو الأمر الذى استمر مع حكومتى شيخ شريف أحمد، وحسن شخ محمود.

  ومع وصول الرئيس محمد عبد الله فرماجو إلى السلطة فى مايو2017، بادرت إثيوبيا بدعوته لزيارة أديس أبابا. فكانت هى العاصمة الأولى التى يزورها فرماجو. كما زار رئيس الوزراء الإثيوبى آبى أحمد مقديشيو فى يونيو2018، كأول مسئول إثيوبى على هذا المستوى يزور الصومال منذ عقود طويلة.

  ساعدت الثقافة الغربية لفرماجو، الذى ظل يحمل الجنسية الأمريكية، قبل تخليه عنها فى أغسطس2019، على تيسير تواصله مع النظام الإثيوبى، وتغليبه للاعتبارات المصلحية على الشكوك التاريخية المتبادلة بين الدولتين، خاصة أن التأييد الدولى لفرماجو يمنحه سنداً قوياً، ويخفف من قيود الضغوط العربية على نظامه، وأن الارتباط بإثيوبيا يحظى بدعم أغلب عناصر النظام الصومالى، الذين يحملون جنسيات أجنبية، وأبرزهم رئيس الوزراء (الجنسية النرويجية)، ووزير الخارجية (الجنسية البريطانية).  

من جهة أخرى تحتفظ إثيوبيا بعلاقات سياسة قوية مع حكومة صومالى لاند، التى أعلنت انفصالها عن الدولة المركزية الصومالية منذ 1991، حيث يوجد مكتب لرعاية المصالح بين الطرفين بأديس أبابا وهرجيسا، عاصمة صومالى لاند. كما تتمتع إثيوبيا بعلاقات قوية مع إقليم بونت لاند وغيره من الأقاليم التى تتمتع بالحكم الذاتى.

2- استثمار ورقة اللاجئين الصوماليين:

تكشف تقارير مفوضية الأمم المتحدة لشئون اللاجئين فى نوفمبر2019 عن أن هناك أكثر من مليون لاجئ صومالى فى دول الجوار، خاصة بإثيوبيا واليمن وكينيا وجيبوتى وأوغندا. وفى هذا الإطار تعد ورقة اللاجئين الصوماليين فى أديس أبابا (263 ألف لاجئ) من أههم أوراق الضغط التى تستخدمها أديس أبابا فى مواجهة الحكومة الصومالية.

إذ تشعر مقديشيو بالامتنان لإثيوبيا، التى لا تزال تفتح حدودها للصوماليين الفارين من ويلات الصراع المسلح وموجات الجفاف، بينما تفتقر حكومتها للإمكانيات المالية واللوجيستية والبيئة الأمنية المواتية لاستقبال اللاجئين العائدين، فيما لو اتخذت إثيوبيا قراراً بذلك، على نحو ما فعلت كينيا، عندما أبعدت الصوماليين من معسكر “داداب” عقب تنامى هجمات حركة الشباب الصومالية ضدها، وهو ما كررته الحكومة الإريترية بشكل مفاجئ فى يوليو2019، عندما طالبت اللاجئين الصوماليين لديها بمغادرة البلاد، بعد عشرين عاماً من استضافتهم، دون إبداء أسباب القرار. 

3- التدخل العسكرى المباشر:

تدخلت إثيوبيا عسكرياً فى الصومال مرات عديدة منذ عام 1996، عندما تدخلت لتدمير معاقل حزب الاتحاد الإسلامي. وتدخلت فى نهاية 1999 لطرد متمردي جبهة تحرير أورومو، التي كانت تتمركز بجنوب الصومال خاصة منطقة باي. كما تدخلت عام 2006 بضوء أخضر من الولايات المتحدة، لمساندة نظام عبد الله يوسف، وضرب اتحاد المحاكم الإسلامية، والحيلولة دون سيطرته على السلطة بالبلاد، قبل أن تنسحب فى نهاية 2009.  

 وعقب سلسلة الهجمات التى نفذتها حركة الشباب المجاهدين ضد أوغندا وكينيا منذ عام 2010، وتهديدها بنقل المعركة إلى الداخل الإثيوبى، عادت القوات الإثيوبية للصومال مجدداً تحت مظلة بعثة حفظ السلام الأفريقية (أميصوم) فى يناير2014، رغم أن قرار نشر أميصوم عام 2007 كان يحظر مشاركة دول الجوار فى البعثة. لكن الدعم الغربى لإثيوبيا، وانسحاب قوات سيراليون من أميصوم مهد الطريق للمشاركة الإثيوبية، وذلك بموجب قرار مجلس الأمن الدولى رقم 2124، ليبلغ قوام القوات الإثيوبية فى سبتمبر2015 زهاء 12 ألف جندى، بنسبة 54.5% من إجمالى البعثة البالغ 22 ألف عنصر. ولتزداد سيطرة أديس أبابا على البعثة بعد إسناد قياداتها إلى أحد الجنرالات الإثيوبيين.

4- قيادة المبادرات الإقليمية فى القرن الأفريقى:

تستثمر إثيوبيا وضعها باعتبارها أكبر قوة إقليمية بالقرن الأفريقى، وأنها الدولة المضيفة للاتحاد الأفريقى، وصاحبة النفوذ الأكبر داخل الهيئة الحكومية للتنمية “إيجاد”، فى الترويج لصورتها القومية باعتبارها الدولة القائد لمبادرات ترتيب الأوضاع بالقرن الأفريقى، والقادرة على حماية مصالح حلفائها، سواء محور واشنطن-تل أبيب، وكذا محور أنقره-الدوحة. 

يفسر ذلك الدور الإثيوبى البارز فى إطار مشروع القرن الأفريقى الكبير، الذى كان بين أغراضه محاصرة السودان، وفصل جنوب السودان عن الدولة المركزية. وكذا يفسر دعوتها لإنشاء (تجمع صنعاء) الذى ضم إثيوبيا واليمن والسودان، وسعى لضم الصومال وجيبوتى وكينيا، وكان على رأس أهدافه محاصرة النفوذ الإريترى. بالإضافة لدورها الأساسى فى الحرب ضد الإرهاب بالقرن الأفريقى.

لكل ذلك يتمسك النظام الصومالى بتوثيق العلاقات مع إثيوبيا، خاصة أن أوضاعه الداخلية الراهنة لا تسمح له باتباع سياسات مستقلة عن التنسيق مع أديس أبابا، سواء على المستوى الداخلى أو بالنسبة لملفات السياسة الخارجية، وهو ما يعنى ضيق مساحة المناورة الصومالية فى مواجهة الضغوط الإثيوبية.

ثالثاً-  آثار تنامى النفوذ الإثيوبى  فى الصومال:

1-  التحكم فى مسار المصالحات الوطنية:

تحرص إثيوبيا على التأثير فى مسار جهود المصالحات الوطنية فى الصومال، سواء بالنسبة للعلاقة بين الحكومة الفيدرالية والحكومات الإقليمية التى تتمتع بالحكم الذاتى، أو العلاقة بين الصومال وجمهورية صومالى لاند.

وفى هذا السياق، تم الكشف فى فبراير2020 عن لقاء استضافته أديس أبابا بين الرئيس فرماجو ورئيس صوماليلاند موسى بيحي عبدي، على هامش أعمال قمة الاتحاد الأفريقى. وهو اللقاء الذى تبعه فرماجو بالاعتذار إلى أبناء صومالى لاند، عما حدث ضدهم من انتهاكات لحقوق الإنسان فى عهد الرئيس الصومالى الأسبق سياد برى. الأمر الذى يزيد من التوقعات بعقد قمة مرتقبة بين الطرفين لتذويب الجليد بينهما.

2- ترتيب العلاقات الإقليمية الصومالية:

بلغ النفوذ الإثيوبى بالصومال مبلغاً جعل أديس أبابا هى المسئول الأبرز عن ملف المصالحات بين الصومال ودول جوارها، حيث قام رئيس الوزراء الإثيوبى بترتيب قمة فى أسمرة بين فرماجو والرئيس الاريترى أسياس أفورقى فى يوليو2018، ليتم الاتفاق على استئناف العلاقات الدبلوماسية، وتعزيز التعاون المشترك في مختلف المجالات بعد خمسة عشر عاماً من القطيعة.

سعت إثيوبيا أيضاً لرأب الصدع فى العلاقات الصومالية الكينية، التى يخيم عليها التوتر منذ عام 2009، بسبب نزاع الحدود البحرية. إذ استضاف رئيس الوزراء الإثيوبى قمة جمعته بطرفى النزاع فى مارس 2019، حيث دعا الصومال لسحب شكواه المقدمة ضد كينيا لدى محكمة العدل الدولية منذ عام 2015. وكان ذلك مقدمة لجهود دولية وإقليمية أسفرت عن حدوث انفراجة فى العلاقات بين الطرفين، حيث زار فرماجو كينيا فى نوفمبر 2019، ليتم الاتفاق على التسوية السلمية للنزاع الحدودى، واستئناف التمثيل الدبلوماسي، وتطبيع العلاقات، والتعاون فى مكافحة الإرهاب.

3- النفاذ  الإثيوبى إلى الموانئ الصومالية:

نجحت إثيوبيا فى التمركز بالموانئ الصومالية، والمشاركة فى الاستثمارات الأجنبية فى تلك الموانئ. ففى مارس 2018 وقعت أديس أبابا اتفاقاً مع هيئة موانئ دبي العالمية وحكومة صومالى لاند فى مارس 2018، لتصبح بموجبه إثيوبيا شريكاً استراتيجياً بميناء بربرة بنسبة 19% فيما تحتفظ موانئ دبي بحصة 51% في المشروع وهيئة الموانئ بأرض الصومال بحصة30%. وتتيح هذه الاتفاقية لإثيوبيا المشاركة فى إنشاء منطقة اقتصادية حرة بالمنطقة، وتأمين ممر لوجيستي إضافي للاستيراد والتصدير، والمشاركة في مشروعات تطوير ميناء وممر بربرة، ليكون بمثابة بوابة تجارية لإثيوبيا.

كما تم الاتفاق في يونيو عام 2018 على بدء الاستثمار الإثيوبى الصومالى المشترك في أربعة موانئ بالصومال. وبالفعل حصلت إثيوبيا على حق استخدام ميناء ” جرعد” على المحيط الهندي، وذلك على بعد 300 كم من الحدود الإثيوبية.

4- تعزيز العلاقات الاقتصادية:

وقعت إثيوبيا 16 اتفاقية لتعزيز التعاون الاقتصادى مع الصومال فى يونيو2018، تشمل إزالة الحواجز التي تعوق تحقيق التنمية وتدفق التجارة، والاستفادة من القدرات الإنتاجية، وتنمية البنية التحتية كالموانئ والطرق، والاستفادة من القدرات والفرص الاقتصادية السوقية التي تتمتع بها الدولتان، وإنشاء شركات استثمارية خاصة.

كما تم الاتفاق فى سبتمبر 2018 على استئناف الرحلات الجوية بين إثيوبيا والصومال، بعد قطيعة استمرت 41 عاماً، وذلك بتنظيم أربع رحلات أسبوعيا بين أديس أبابا ومقديشيو. وقد أكد المتحدث باسم الخارجية الإثيوبية أن إثيوبيا تمنح الاهتمام الواجب لتعزيز العلاقات الاقتصادية مع جيرانها. وأن تجارة الفواكه والتوابل والماشية بين إثيوبيا والصومال قد بلغت أكثر من 474 مليون دولار عام 2017. وأن عدد المشروعات الصومالية بإثيوبيا بلغ 23 مشروعاً حتى أبريل 2018. وأن الصومال تحتل حالياً المرتبة الرابعة بين قائمة شركاء الصادرات الأساسيين لإثيوبيا.

5- تأييد السياسة الإثيوبية  فى أوجادين:

ساهم تزايد النفوذ الإثيوبى بالصومال فى تأييد مقديشيو للسياسة الإثيوبية فى إقليم أوجادين، مما يعد تراجعاً عن أحد ثوابت السياسة الصومالية، وهو السعى لاستعادة إقليم أوجادين، وتحقيق حلم الدولة الصومالية الكبرى.

وقد تجسد ذلك فى اتهام الحكومة الصومالية للجبهة الوطنية لتحرير أوجادين بأنها حركة إرهابية، وتسليمها لأحد قادة الحركة وهو عبد الكريم شيخ موسى (قلب طغح) إلى السلطات الإثيوبية فى أغسطس 2017، ليتم اعتقاله بسجونها، رغم أنه من أصول صومالية، حيث تذرعت مقديشيو بوجود علاقة بين شيخ موسى وحركة الشباب المجاهدين، وأن الصومال لن يكون مأوى للحركات الإرهابية التى تهدد المنطقة، بالإضافة لوجود اتفاقات أمنية بينها وبين أديس أبابا بشأن تبادل تسليم المجرمين. 

6-  تطويع الموقف الصومالي من أزمة سد النهضة:

تجسد ذلك فى تراجع الحكومة الصومالية عن تأييدها لقرار جامعة الدول العربية الصادر في 4 مارس2020، خلال الدورة رقم 153 لمجلس الجامعة، والذي أكد التضامن مع موقف مصر الخاص بسد النهضة الإثيوبي، وحقها فى صيانة حقوقها التاريخية فى مياه النيل. ورفض أي إجراءات أحادية إثيوبية. كما يطالب إثيوبيا بالالتزام بمبادئ القانون الدولي.

 لكن وزير الشئون الخارجية والتعاون الدولي الصومالى عاد ليؤكد أن الصيغة التى صدر بها القرار سالف الذكر لم يترك المجال للصومال سوى للتحفظ عليه، وأنه لن يحل المشكلة بل سيؤدي لتفاقم الوضع. وأن الصومال لم يتراجع عن تأييد القرار، ولكنه اتخذ من البداية موقفاً محايداً إزاء الخلاف المصرى الإثيوبى، وأن الطريق الوحيد المفتوح أمام بلاده هو المساعدة في حل الخلاف. كما رحب الوزير الصومالى بموقف بعض أعضاء الجامعة العربية الداعي إلى استمرار التشاورات لحين الوصول إلى حل يرضي كافة الأطراف.

 يكشف هذا التراجع الصومالى أن مقديشو كانت تحاول إرضاء جامعة الدول العربية ومصر وبعض الدول العربية الأخرى. لكنها لم تتوقع رد الفعل الإثيوبى الرافض، مما اضطرها للتراجع عن موقفها، بسبب الضغوط القوية للنظام الإثيوبى صاحب النفوذ الأقوى بالصومال. وهو ما أكدته تصريحات وزير الخارجية الإثيوبي جيدو أندارجاشيو الذى ذكر أن بلاده طالبت الصومال بتقديم تفسيرات عن موقفها المؤيد للقرار الداعم لمصر، مما اضطرها للتراجع عنه.

7- التضييق على الأنشطة  المصرية بالصومال:

 بالرغم من الدور المهم الذى تمارسه مصر فى دعم الصومال حكومة وشعباً، سواء من خلال المساعدات المالية أو الإنسانية أو العلاقات الثقافية. لكن الحكومة الصومالية فى المقابل أضحت تمارس سياسات من شأنها التضييق على الأنشطة المصرية بالصومال.

ومثال ذلك قرار وزارة التربية والثقافة والتعليم العالي بالصومال، الذى يطالب رئيس البعثة التعليمية المصرية بمقديشو بإخلاء “مدرسة 15 مايو” التابعة للبعثة قبل نهاية أبريل2020، وذلك تمهيداً لتحويلها إلى معهد لتدريب المعلمات، ابتداء من مايو2020. وفى تصورى أن هذا القرار يأتى لكسب ود إثيوبيا، خاصة أنه لا يوجد ما يبرره. فالمدرسة المصرية المطلوب إخلاؤها كانت تقدم خدماتها التعليمية لأبناء الصومال دون مقابل مالى. كما أنه كان بالإمكان إيجاد مقر بديل لمعهد تدريب المعلمات.

رابعاً- التحديات التى تواجه الدور الإثيوبى فى الصومال:

بالنسبة للتحديات التى تواجه الدور الإثيوبى فى الصومال فمن أهمها وجود اتجاهات معارضة لتزايد النفوذ الإثيوبى بالصومال، وذلك استناداً إلى الاعتبارات الآتية:

1- إن إثيوبيا تتحرك بأموال وتوجيهات الدوحة وأنقرة، وأنها لا تملك ما يمكن أن تقدمه للصومال على صعيد المساعدات الاقتصادية والإنسانية، باعتبارها هى ذاتها من الدول المتلقية للمساعدات، والتى يقبع 40% من سكانها تحت خط الفقر.  

2- إن رئيس الوزراء الإثيوبى يسعى للهروب من أزماته الداخلية إلى الانخراط في الشأن الصومالى، وأنه لم يتخل عن تصورات سابقيه بشأن ضرورة إحكام قبضة أديس أبابا على الصومال. وأنه يريد الترويج لصورة بلاده القومية كدولة راعية للسلام، أكثر من البحث عن تسويات حقيقية تعالج جذور النزاعات، حيث يقوم أسلوبه على فرض السلام، دون تخطيط مسبق أو تحقيق نتائج فعلية.

3- تملك إثيوبيا نوايا توسعية حقيقية في الصومال والقرن الأفريقى، فى ظل التطوير الذى أدخلته على قواتها الجوية والبحرية. وتمسكها باستمرار قواتها بالصومال عقب انسحاب بعثة أميصوم فى نهاية ديسمبر2020، حيث يأمل فرماجو فى الاستفادة من دعمها فى حسم الانتخابات العامة المزمع تنظيمها بأسلوب الاقتراع الشعبى المباشر (صوت واحد لكل ناخب) فى نهاية 2020، والتغلب على خصومه من حكام الولايات.

4- ارتكاب القوات الإثيوبية العاملة ضمن أميصوم انتهاكات ضد المدنيين، وعدم قدرتها على توفير الحماية للصوماليين. فخلال النصف الأول من 2019 نفذت حركة الشباب أكثر من 500 هجوم بمختلف أنواعه؛ مما أسفر عن مقتل 1155 شخصاً، مما يقلل من حجم نجاحات أميصوم، قياساً بطول الفترة الزمنية لانتشارها، وحجم الإنفاق المالي، حيث إنها تتكلف مليار دولار سنوياً. كما تنامت المخاوف بشأن تعيين الجنرال الإثيوبي طيغابو يلما قائداً لقوات أميصوم، بسبب تباين المصالح الإثيوبية الصومالية فى ملفات عديدة، ورفض الدول المشاركة فى البعثة تسليم قيادتها لإثيوبيا.

5- انتقد منتدى الأحزاب الوطنية المعارض، بزعامة شيخ شريف أحمد استعانة فرماجو بقوات إثيوبية غير تابعة لبعثة أميصوم ضد معارضيه فى ولايتي غلمدغ وجوبالاند، وذلك تمهيداً لتزوير الانتخابات بولاية غلمدغ، مثلما حدث في انتخابات ولاية جنوب الغرب نهاية عام 2018، حيث تم تزوير الانتخابات وقمع المتظاهرين، واعتقال بعض المرشحين لرئاسة الولاية.

6- هيمنة إثيوبيا على قطاع الموانئ الصومالية. وهنا أعلنت حركة الشباب المجاهدين رفضها لنهب إثيوبيا لثروات الصومال، حيث تعتبرها الحركة العدو التاريخي اللدود للصومال، وتتهمها بأنها قوة احتلال ينبغى مكافحتها بالقوة المسلحة.

7- انتقاد المعارضة بصومالى لاند دعم إثيوبيا لنظام هرجيسا، رغم تعنته فى تحديد موعد لإجراء الانتخابات البرلمانية والبلدية، وسوء أداءه الاقتصادى. كما أنها تتشكك فى حقيقة النوايا الإثيوبية فى التقريب بين الصومال وصومالى لاند، مؤكدة أن تسوية الخلافات بينهما لن تتحقق بمجرد عقد لقاءات للقمة، أو تقديم اعتذار لشعب صومالى لاند.