حسام عيد – محلل اقتصادي

في مخيم كاكوما لاجئين في كينيا، يعمل فريق من الشباب بالمنتدى الاقتصادي العالمي، لحل المشاكل وتجاوز التحديات، عبر المساعدة في خلق فرص اقتصادية.

وهناك في مخيم كاكوما الواقع بشمال غرب كينيا، وتحديدًا في مستوطنة كالوبيي المتكاملة، يوجد أكثر من 184 ألف لاجئ من السودان وإثيوبيا، فروا من العنف والفقر، واتخذوا من المخيم موطنًا.

خلق الفرص بأكبر مخيم للاجئين بالعالم

تأسس مخيم كاكوكا في عام 1992 بعد وصول “أولاد السودان الضائعون” -اللائجون من الحرب الأهلية الشرسة في ذلك البلد- وسرعان ما تجاوز العدد الذي صُمم وشُيد من أجله الـ 70 ألف نسمة.

في حين وجد اللاجئون الأمان في هذه المدينة المؤقتة المترامية الأطراف، لا يزال التعليم والفرص الاقتصادية مقيدين بشدة، خاصة بالنسبة للشباب، الذين يكبرون مع القليل من التعرض للعالم الخارجي.

وتأمل مجموعة من الشباب النشطاء الطموحين، بدعوة من المنتدى الاقتصادي العالمي (WEF)، في تغيير ذلك.

ويخطط منتدى القادة العالميين الشباب (YGL) -منظمة مستقلة غير ربحية، تُدار من العاصمة السويسرية جنيف ويتم الإشراف عليها من قِبل الحكومة السويسرية- وهو برنامج أعده وخصصه كلاوس شواب، المؤسس والرئيس التنفيذي للمنتدى الاقتصادي العالمي، لتشجيع ورعاية قادة المستقبل، عبر وضع خطط لتوسيع الفرص في مستوطنة كالوبيي.

البرنامج يعد بمثابة مجتمع متنوع من رجال الأعمال والسياسيين والفنانين وغيرهم من المهنيين تحت سن الـ 40، يأملون في إلقاء نظرة منعشة على المشاكل التي تواجه اللاجئين وطرح حلول جديدة.

وتقول ماريا ليفين، رئيسة منتدى القادة العالميين الشباب: “في عام 2018، أحضرنا مجموعة من القادة العالميين الشباب إلى مخيم كاكوما للاجئين في كينيا وفكرنا، فلنرى ما يمكن أن تسهم به هذه المجموعة الرائعة من الأشخاص من مختلف القطاعات في بناء وصنع الحدث”.

وأضافت، “نحن ننظر إلى قضية الهجرة على مستوى العالم. نحن نحاول أن نأخذ هذه القضايا العالمية الكبيرة التي يجب أن نهتم بها جميعًا كقادة، ونكشف لهؤلاء الأشخاص “اللاجئين” مدى متابعتنا الدقيقة لهمومهم وآمالهم، بحيث تتولد روابط عاطفية على مستوى أعمق بهم. وعملت مجموعة الشباب بإدراك واضح على حصر كمية الإمكانات الموجودة في أوضاع اللاجئين – الإمكانات الاقتصادية وإمكانات رأس المال البشري”.

إيجاد الحلول

في كل عام، يختار منتدى القادة العالميين الشباب، مجموعة جديدة من المرشحين الذين تتراوح أعمارهم بين 39 عامًا أو أقل من جميع أنحاء العالم مع خمس إلى 15 عامًا من الإنجازات المعترف بها والقيادة وخبرة العمل المهنية المتميزة والالتزام الشخصي لخدمة المجتمع على المستوى المحلي والعالمي.

يدخل المرشحون البرنامج لمدة خمس سنوات. لضمان أعلى مستوى من الموظفين، يجب على المرشحين من قطاع الأعمال إدارة شركة أو قسم.

في كاكوما، شهدت هذه المجموعة المتنوعة المشاكل مباشرة وحلول العصف الذهني.

لقد انتشروا على نطاق واسع من خلال إطار عمل ثلاثي يعرف بـ”الاتصالات، التدريب، ورأس المال” لربط اللاجئين بالاقتصاد العالمي.

مشاكل عدة عملت المجموعة على حصرها، لعل أبرزها؛ “هل هناك أشكال جديدة لرأس المال يمكن فتحها لدعم اقتصادات اللاجئين للنمو؟ كيف يمكن لمجتمع القادة العالميين الشباب، الذين لا يلتزمون بالآراء التقليدية للعالم – كيف يمكن أن يساعدنا تفكيرهم المربك على المضي قدمًا في الطرق التي نتعامل بها مع الهجرة؟”.

دخلت معها في مرحلة عصف ذهني لإيجاد حلول ناجعة، حتى يمكن خلق فرص تنموية شاملة ورائجة لكافة اللاجئين، ودمجهم في الاقتصاد العالمي.

وتمثلت إحدى نتائج الحلول التي توصل إليها القادة العالميين الشباب، هي؛ “منصة توجيه بيتا” لربط اللاجئين بالاقتصاد العالمي، والتي تم تنقيحها في كاكوما ومن المتوقع تعميمها كنموذج عالمي خلال عام 2020 الجاري.

وتقول ماريا ليفن، رئيسة منتدى القادة العالميين الشباب، “نحن ننظم. نجمع الناس معًا لمناقشة الأفكار الكبيرة، لكننا نريدهم في نهاية المطاف أن يأخذوا الملكية. سنعيد مجموعة أخرى إلى كاكوما لتجربة برنامج تدريب معتمد من جامعة أكسفورد قاموا بتطويره. سيحصل المشاركون على شهادات أكسفورد وسيوجه الشباب العالمي القادة المشاركين لمدة ثلاثة أشهر لمعرفة ما إذا كان بإمكانهم مساعدتهم في بناء أعمال قابلة للتطوير خارج السياق المحلي”.

صنع قادة للمستقبل

ومع ذلك، فإن المنتدى يهدف إلى أن يكون أكثر بكثير من مجرد مبادرة حسنة النية يسيطر عليها المرشحون من الدول الأوروبية الغنية ودول أمريكا الشمالية.

يسعى القادة العالميون الشباب بنشاط للحصول على مرشحين أفارقة من مجموعة من الخلفيات المثيرة، وقد حصلوا بالفعل على ما يعتقدون أنهم قادة المستقبل الواعدون.

وتضيف ليفن، “من جميع أنحاء أفريقيا لدينا مئات المرشحين كل عام. نحن نبحث عن مرشحين صعدوا إلى ذروة شركاتهم، والمدراء التنفيذيين أو الرؤساء، ورؤساء الأقسام الكبيرة للشركات العالمية. لدينا رئيس صندوق الثروة السيادية الجابوني. حاليًا لدينا الشخص الذي أسس Flutterwave شركة التقنية التي تختص في الدفع الالكتروني، رجل الأعمال النيجيري صموئيل أبويجي، بالإضافة إلى صانع أفلام وثائقية من كينيا وناشط مذهل من أجل حقوق الإعاقة. هذه هي أنواع الأشخاص الذين نعتقد أنهم يغيرون العالم والذين نريد تكريمهم”.

في قارة يتم فيها تجاهل الشباب أو تهميشهم على حساب السياسيين المخضرمين أو قادة الأعمال، تعتقد “ليفين” أن القادة العالميين الشباب يمكنهم البدء في تغيير نموذج القيادة وتشجيع الشباب على القيادة في حياة من الخدمة العامة النشطة.

وتقول، “إن الكثير من القادة العالميين الشباب يهتمون حقًا بهذه القضية ويستثمرون في تمثيل صوت الشباب. إنهم مستثمرون نشطون في رؤية تغيير في الديناميكية من حيث من هم الممثلون وكيف يتم تمثيلهم. إنهم بالتأكيد ليسوا خائفين من مشاركة وجهات نظرهم ورؤيتها كواجبهم في التحدث عن معتقداتهم. نحن بصدد إطلاق زمالة فرعية لمدة عام كامل، معسكر تدريبي في البداية، لنرى ما إذا كان بإمكاننا زيادة مشاركة الشباب في السياسة والحياة العامة”.

إحداث فرق واختلاف للعالم

وقد تم عرض هذا الموقف المتحد في القمة السنوية للقادة العالميين الشباب في داليان، الصين، في عام 2019.

وشارك 200 من القادة العالميين الشباب من 64 دولة تحت شعار القيادة التي تركز على الإنسان.

وهدفت القمة إلى توفير مساحة للقادة للتفكير في القيادة المطلوبة لعصر العولمة القادم؛ لربط وتبادل خبراتهم في القضايا الحرجة؛ وحشد منظماتهم وتأثيرهم الفردي لإحداث تغيير إيجابي في العالم.

وختامًا، يمكن القول إن تسليط الضوء على التحديات التي يواجهها اللاجئين في أفريقيا، من قبل المجتمع الدولي والمنظمات والمؤسسات العالمية، باتت حاجة ملحة، فبإمكانها احتواء تداعيات تلك التحديات، وتحويلها إلى فرص مدرة وواعدة لحياة كريمة لهؤلاء اللاجئين، قد تسهم فيما بعد إلى دمجهم في الحياة والاقتصاد المحلي، ومن ثم العالمي.

ولعل الأمل في حل مشاكل وتحديات اللاجئين، هو اليوم السبيل لصناعة مستقبل جديد ومزدهر، قد يساهم من خلاله لاجئ ما في العودة لموطنه الأصلي لإحداث فارق واختلاف بأحد المجالات، ومن ثم التمكين عالميًا.