كتبت – أماني ربيع

تبدو صور مدن الغرب المنتشرة حاليًا عبر مواقع الأخبار والصحف العالمية فارغة تمامًا بسبب الحجر الصحي المفروض على المواطنين إثر تفشي فيروس كورونا المستجد كوفيد 19، وبدت شوارع المجتمعات الصناعية فارغة، بحيث أصبح الغياب والفراغ إحدى أقوى انتصارات الفيروس التاجي.

لكن الصورة مختلفة تمامًا في البلدان التي يعيش مواطنوها في ظل الفقر وانعدام المساواة، حيث يصبح التمتع بمساحة آمنة وبعيدة يجد المرء نفسه وأسرته فيها أمرًا صعبًا بسبب الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، وحيث للاتصال الحميمي بين الناس أهمية مختلفة.

ربما لم تتغير الحياة كثيرًا في الأماكن؛ حيث يعيش الأشخاص ميسوري الحال في ضواحي شمال جوهانسبرج، هناك يستطيع الناس الاختباء وراء الجدران العالية، لكنه ليس نفس الحال بالنسبة للذين يعيشون في الأحياء الفقيرة المزدحمة، أو في الشوارع.

وفي بعض الأحياء عندما يصادف الناس شخصًا أبيض، يصرخون: “كورونا، كورونا!”؛ لأنهم يعتقدون أنه مرض ينتقل بين البيض الأغنياء.

ربما كانت جنوب أفريقيا سريعة في تنفيذ إجراءات صارمة للسيطرة على انتشار المرض، إلا أن بلدًا عانت طويلًا من الفصل العنصري، نجد فيها أن تلك الإجراءات لا تطال الجميع، ورغم أن الفقراء يحاولون فعل الشيء الصحيح، لكن أوضاعهم كثيرًا ما تحول بينهم وبين ذلك.

فهؤلاء المواطنون يعيشون في أكواخ، حيث لا يمكنهم الوصول إلى الماء لغسل الأيدي، أو التمتع بأبسط قواعد النظافة الشخصية، وحتى المشردين الذين تم احتجازهم في استاد كاليدونيا يعيشون في خيام تساعهم بالكاد وفي ظروف لا تمنع تفشي المرض بينهم.

ويظل الشاغل الرئيسي لدى الفقراء هو كيف يمكنهم البقاء نظيفين.

بالطبع لدى العديد من الدول الأفريقية تاريخ مع الأوبئة مثل إيبولا، لكن مع الإيبولا لديك فرص أقل بكثير للإصابة به، ما لم تسقط رأسك أولاً في دلو من القيء بجوار سرير شخص يموت، فإن احتمالات التقاط الفيروس ضئيلة، لكن فرص الموت عالية جدًّا مع الفيروس التاجي.

المعادلة الصعبة

ويعيش أكثر من ثلث سكان القارة تحت خط الفقر، ومعظمهم في المناطق الريفية حيث يعتمدون على زراعة الكفاف، بينما يعيش 20% منهم بالمناطق الحضرية معتمدين على العمل اليومي لإطعام أنفسهم وأسرهم.

وإذا حدث إغلاق تام لمدة طويلة، وانقطاع عن الوظائف وإقامة الأسواق، فسيكون هناك قتلى أيضا، يقول الدكتور فرانشيسكو تشيتشي ، أستاذ علم الأوبئة في كلية لندن للصحة والطب الإستوائي: “الركود الاقتصادي وتدهور سبل العيش يعني الفقر وسوء التغذية وتفاقم الوصول إلى الخدمات الصحية الروتينية، وهذا بدوره يعني أن هناك أرواحًا سوف تُفقد أيضًا”.

وأضاف: “لن يكون الأمر بين كبار السن فقط، ولكن كذلك بين الشباب والأطفال؛ لذا فالمعادلة صعبة جدًّا”.

وبدأت دول مثل رواندا في توزيع الغذاء والموارد تحسبًا لتلك العواقب، وفي كيب تاون بجنوب أفريقيا، حتى عصابات الشوارع سيئة السمعة، بدأت في المساعدة في توزيع الطعام.

في كينيا، بدأت مجموعات المجتمع المدني في جمع الأموال والغذاء للأسر ذات الدخل المنخفض، وأعلنت إثيوبيا حالة الطوارئ، على الرغم من أن رئيس الوزراء أبي أحمد قال مؤخرًا: “لا يمكننا فرض حظر مثل الدول الأكثر تقدمًا، فلدينا العديد من المواطنين الذين ليس لديهم منازل”.

ويجب أن نضع في الاعتبار أن موارد الدول الأفريقية محدودة، ولن تستطيع أن تحل محل دخول مواطنيها.

ويعلق الدكتور نجوزي إيروندو، اختصاصي علم الأوبئة المعدية: “إذا تمكنا من اختبار نهج استراتيجي محلي ومحدود أكثر لتقييد الحركة من شأنه أن يساعد الموارد حقًّا”.

وأضاف:  “ستحدد الجهود والموارد التي تقدمها الحكومات الأفريقية مسار تفشي المرض، وعلى الحكومات أن تستثمر في ذلك، فلا يمكنك أن تطلب من الناس عدم الذهاب إلى أعمالهم، وأن يتأكدوا من نظافتهم، بينما لا تمنحهم طريقة للقيام بذلك”.

وختم حديثه: “سنعرف حقًّا، إذا كانت إجراءات حظر التجول مع الحجر الصحي، تعمل بالفعل، في نهاية شهر أبريل”.

تحدي المستقبل

شهد الأسبوعان الأخيران من شهر مارس في جنوب أفريقيا، زيادة بمقدار 20 ضعفًا، في عدد الحالات المؤكد إصابتها بالفيروس التاجي، وفي إثر ذلك أعلن الرئيس سيريل رامافوسا حظرًا كاملًا على مستوى الدولة لمدة 3 أسابيع بدءًا من 27 مارس.

ومنذ ذلك الحين تم تمديد الحظر حتى نهاية أبريل الحالي، وبالفعل انخفض عدد الحالات الجديدة اليومية، لكن ليس مؤكدًا بشكل قاطع إذا كان الحظر هو السبب في ذلك.

والمهم الآن هو القيام بالمزيد من الاختبارات لاكتشاف الإصابة بالفيروس، وحتى الآن، أجرت جنوب أفريقيا،  نحو 60 ألف اختبار لفيروس كوفيد 19، وبحسب وزيرة الصحة، زويلي ماخيزي، يتم حاليًا إجراء 5 آلاف اختبار يوميا.

لكن بالمقارنة مع دول أخرى وقعت في قبضة الفيروس، لا يبدو هذا العدد كافيًا على الإطلاق، فإيطاليا -وهي واحدة من أكثر البلدان تضررًا في العالم، ولديها عدد سكان مماثل لجنوب أفريقيا- أجرت أكثر من 700 ألف اختبار.

وأجرت كل من نيجيريا وكينيا، نحو 5 آلاف اختبار، ولنقارن ذلك بـ 600 ألف اختبار في كوريا الجنوبية، ويقول الدكتور عبدالله زيرابا -عالم الأبحاث وأخصائي الأوبئة في المركز الأفريقي للبحوث السكانية والصحية- “بالفعل نشهد زيادة في عدد الاختبارات ولكن أعتقد أننا يمكن أن نفعل المزيد”.

وأضاف الدكتور زيرابا: “نعلم أن هناك تحديات للقيام بذلك، خاصة في ظل تكلفة الاختبار وفقر الخدمات اللوجستية المعنية، لكن لا يمكننا أن نكتفي فقط بالرضا عن الوضع الحالي، معتقدين أن الناس لن يموتوا”.

ووفقا لدراسة أعدها علماء الأوبئة في لندن وجوهانسبرج، فإن حالة وفاة واحدة يمكن أن تعني أن الدولة لديها بالفعل مئات أو حتى آلاف الحالات، وكلما زادت الاختبارات التي يمكن إجراؤها، زادت ثقة القارة في بياناتها والأنظمة الموجودة لديها لمحاربة المد المتصاعد للفيروس.

وتتمثل إحدى المشاكل الرئيسية التي ستواجهها أفريقيا في الأسابيع المقبلة في كيفية محاربة الفيروس بالضبط، وحتى الآن أظهرت استراتيجية الحظر في جنوب أفريقيا علامات واعدة، وقد حذت دول أخرى حذوها، مثل نيجيريا الدولة الأكثر سكانًا في أفريقيا، والتي قصرت الحركة في شوارعها على الأنشطة الأساسية، وكذلك كينشاسا عاصمة الكونغو الديموقراطية.

وفرض حظر التجول كذلك في داكار بالسنغال، ونيروبي في كينيا، بما يسمح للناس بمواصلة العمل نهارًا، لكن مع منع النشاط الاجتماعي والسفر ليلًا.

ورغم ذلك يمثل الإغلاق التام مخاطرة حقيقة، قد تُضعف مع الوقت اقتصادات القارة الضعيفة أصلًا.