كتب – محمد الدابولي
باحث في الشؤون الأفريقية

أوشكت المهلة الممنوحة للبعثة التعليمية المصرية بمغادرة الصومال على الانتهاء، حيث سبق أن أمهلت السلطات الفيدرالية الصومالية في 7 مارس 2020 أفراد البعثة التعليمية المصرية في الصومال شهرين بإخلاء مقر البعثة ــــــــــــــ الكائن  بـ«مدرسة 15 مايو»ــــــــــ   قبل 30 إبريل، حيث تم الغاء البرتوكول التعاوني التعليمي بين البلدين.

ساقت وزارة التربية والتعليم الصومالية جملة من المبررات والدوافع لإلغاء البرتوكول التعليمي أبرزها اقدام وزارة التربية والتعليم المصرية على إبرام تفاهمات مع ولاية بونت لاند لإنشاء مدارس مصرية في الولاية، وهو ما اعتبرته السلطات في مقديشيو تخطيا لدورها وسلطاتها الفيدرالية.

أتي توقيع البرتوكول التعليمي بين مصر والصومال في سياق توجه النظام السياسي في مرحلة ما بعد 30 يونيو 2013 إلي تعميق العلاقات والشراكات المصرية مع الدول الأفريقية خاصة دول القرن الأفريقي، ففي 2015 أبرم وزير التربية والتعليم المصري مع نظيره الصومالي برتكول تعاوني لإعادة تشغيل البعثة التعليمية المصرية في الصومال حيث تم إيفاد بعثة تعليمية مصرية إلي الصومال واتخذت من مدرسة 15 مايو بالعاصمة مقديشيو مقرا لها، كما تم تخصيص مدرسة شيخ حسن برسنى كمدرسة إنجليزية نموذجية وفقا للمنهج المصري.

ونص البرتوكول التعليمي على أن تتكفل البعثة بكل ما تتطلبه مهام البعثة من تجهيزات وتدريب، وفي المقابل تلتزم الحكومة الصومالية بتوفير السكن والحماية لأفراد البعثة التعليمية المصرية، وحاليا تشرف البعثة التعليمية المصرية على تقديم خدماتها التعليمية إلي حوالي ألف طالب صومالي من منطقتي بورتنلى وجالكعويا في ولاية بونت لاند.

لم تكن التفاهمات المصرية مع ولاية بونت لاند حديثة العهد نسبيا، إذ تعود تلك التفاهمات إلي عام 2018، حيث طالب وزير التعليم في الولاية «عبد الله محمد حسن» من وزير التعليم المصري طارق شوقي مساعدة مصر في تطوير قطاع التعليم في ولاية بونت لاند، وجرى الاتفاق على انشاء 6 مدارس مصرية في الولاية وتطوير عدد من المدارس.

هل انتهكت مصر السيادة الصومالية

يبدو للوهلة الأولي أن مصر أقدمت على انتهاك السيادة الصومالية بتخطيها مستوى الحكومة الفيدرالية الصومالية وإبرامها تفاهمات مع ولايات أدني من مستوى الدولة، إلا أنه في الحقيقة نجد أن السياقات السياسية الصومالية هي من تدفع الدول الأخري إلي إبرام تفاهمات مع حكام الولايات متخطية بذلك سلطات الحكومية الفيدرالية.

تعاني الحكومة الفيدرالية الصومالية من عدم قدرتها علي بسط سيطرتها ونفوذها على باقي الأقاليم الصومالية، إذ يمكن القول بأن الحكومة الفيدرالية لا تسيطر إلي علي العاصمة مقديشيو وبعض المناطق في وسط الصومال أما باقي الأقاليم الصومالية فينعدم فيها وجود الحكومة الفيدرالية.

أدي انعدام سيطرة الحكومة الفيدرالية على الولايات إلي اقدام الدول المهتمة والمعنية بتطوير علاقتها مع الصومال إلى تعزيز علاقتها مع الولايات الصومالية فعلي سبيل المثال تمتلك كينيا علاقات متشعبة مع ولاية جوبالاند تفوق العلاقات الكينية الصومالية الرسمية، ومؤخرا حرصت الإمارات على إرسال مساعدات طبية لكل من الحكومة الصومالية في مقديشيو وحكومة ولاية بونت لاند حرصا منها على ضرورة إيصال المساعدات إلي عدد كبير من الشعب الصومالي.

ومن الدلائل التي تشير إلي تخطي الولايات الصومالية مسألة الحكومة الفيدرالية في مقديشيو وإبرامها تفاهمات مع الدول الأجنبية، هو ما أقدمت عليه ولاية جوبالاند في أكتوبر 2016 بالتشاور مع غرفة تجارة وصناعة قطر  من أجل جذب المزيد من الاستثمارات القطرية في مدينة كسمايو عاصمة جوبالاند.

وننتهي من هذا الأمر بالقول أن المبررات التي ساقتها مقديشيو لانهاء البرتوكول التعاوني مع القاهرة واهية، فمن الأجدي على الحكومة الفيدرالية الصومالية العمل أول على اكتساب ثقة الولايات النافرة من محاولات الحكومة الفيدرالية بسط سيطرتها على سلطات الولايات وهو ما اتضح في مؤتمر بونت لاند التشاوري الذي عقد في منتصف مارس 2020، وعدم الزج بالعلاقات مع مصر في أتون صراعات داخلية بين الحكومة المركزية وحكام الولايات الصومالية.

تزامن مريب

تزامن قرار انهاء البعثة التعليمية المصرية مع قرار  آخر  مثير للشكوك وقد يفسر  قرار إنهاء البعثة التعليمية، ألا وهو إعلان الصومال وقوفها على الحياد في مسألة سد النهضة بين مصر وإثيوبيا وعدولها عن قرار  مجلس الجامعة العربية الذي طالب إثيوبيا بضرورة احترام الحقوق التاريخية لمصر في مياه النيل ورفض أية قرارات آحادية إثيوبية بملئ الخزان دون اتفاق مع مصر والسودان، والالتزام بمبادئ القانون الدولي.

فالعديد من المراقبين وفي مقدمتهم الصوماليين يرون بأن قرار  انهاء البعثة التعليمية جاء لإرضاء الطرف الإثيوبي إذ تحظي الحكومة الفيدرالية الصومالية بدعم واسع من الحكومة الإثيوبية حيث تدعم أديس أبابا محاولات الرئيس محمد عبد الله فرماجو  في صراعه السياسي مع حكام الولايات خاصة بونت لاند وجوبالاند، وهو ما أكده النائب في مجلس الشعب الصومالي «مهد محمد صلاد» بأن قرار إنهاء البعثة جاء لإرضاء إثيوبيا وأن الحكومة الحالية تحرص على مصالح إثيوبيا حيث سبق لها أن سلمت القيادي في جبهة تحرير أوجادين «قلب طغح» إلى أديس أبابا، وفي ذات السياق اتهم عضو مجلس الشيوخ الصومالي السيناتور «إلياس علي حسن» قرار الحكومة الفيدرالية بمحاباة إثيوبيا، وأنها تشن حربا دبلوماسية على مصر  لإرضاء العدو التاريخي للصومال وهو ما يعد أمر مخجل لا يمكن تصوره.

مآلات الموقف الصومالي

من المؤكد أن القرار ات الصومالية الأخيرة أصابت المصريين بصدمة، فكيف يمكن اتخاذ تلك القرارات في ظل تصاعد العلاقات بين الطرفين ومحاولة القاهرة تعزيز علاقتها مع مقديشيو، ففي سبتمبر 2019 انعقد منتدى الأعمال المصري الصومالي برئاسة وزيرة الاستثمار والتعاون الدولي السابقة «سحر نصر» ووزير التجارة والصناعة الصومالي «عبد الله علي حسن» وفيه تم التوقيع على مذكرة تفاهم بين الجانين لتعزيز  العلاقات الاستثمارية، كما قدمت وزارة الداخلية المصرية العديد من المساعدات إلي نظيرتها الصومالية وذلك في إطار التعاون المشترك.

لذا قد تحمل القرارات الأخيرة العديد من المآلات على مستوى العلاقات المتبادلة بين الطرفين ومنها علي سبيل المثال:

  • خلق توتر وجمود في العلاقات: ستؤدي المواقف الأخيرة إلي جمود وتوتر في العلاقات بين مصر والصومال خاصة أن المواقف الأخيرة تأتي رفقة مواقف أخرى أبرزها تسهيل الرئيس فرماجو للنفوذ القطري والتركي في الصومال والقرن الأفريقي.
  • v     خسران الثقل المصري: تسعى الصومال خلال السنوات الأخيرة إلي إزالة الصورة السلبية المأخوذة عنها منذ عام 1990 كنموذج لدولة فاشلة تسيطر عليها الجماعات الإرهابية وفي سياق تحقيق ذلك تسعي إلى اجتذاب المزيد من دعم الدول الإقليمية والدولية ومنها مصر، فعلي سبيل المثال وخلال رئاسة مصر للاتحاد الأفريقي حرص الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في ترتيب قمة ثلاثية مع الرئيس الصومالي محمد عبد الله فرماجو والرئيس الكيني أوهور كينياتا في محاولة لتقريب وجهات النظر بين الطرفين الكيني والصومالي في مسألة ترسيم الحدود البحرية بينهما.
  • زيادة حدة التوتر الداخلي: من المحتمل أن يزيد القرار الأخير من حدة الصراعات الداخلية في الصومال بين الحكومة الفيدرالية وحكام الولايات نظرا لمحاولة الرئيس فرماجو فرض وجهات نظر أحادية على الولايات الصومالية، التي ترى أنها نجحت في تحقيق الاستقرار السياسي والأمني في البلاد بعيدا عن أية دعم من الحكومة الفيدرالية المتهمة بالتعاون مع الجماعات الإرهابية.

موقف مصر

لم تصدر القاهرة أية ردود فعل رسمية إزاء القرارات الصومالية الأخيرة سواء إنهاء البعثة التعليمية المصرية أو اعلان مقديشيو الحياد الإيجابي في أزمة سد النهضة والتراجع عن تبني قرار الجامعة العربية بدعم الحقوق التاريخية المصرية في مياه النيل.

قد يٌفسر  الصمت المصري على أنه محاولة من القاهرة لعدم التصعيد السياسي مع الصومال والحفاظ علي العلاقات أو عدم اهتمام مصري لما يدور ويُحاك لها في منطقة القرن الأفريقي، وفي كلا الحالتين يجب على صانع ومتخذ القرار المصري ضرورة الانتباه للتحركات الإثيوبية في القرن الأفريقي ودول البحيرات العظمي إذ تسعي أديس أبابا إلي خلق صورة نمطية سيئة عن القاهرة في تلك الدول وهو ما تجلي في الموقف الصومالي الأخير  بشكل واضح وبدرجة أقل في مواقف كينيا وأوغندا والسودان.