حسام عيد – محلل اقتصادي

بينما تتجه أفريقيا كغيرها من قارات العالم نحو الركود، في ظل استمرار جائحة كورونا الوبائية، الأشد وطأة وتأثيرًا على الاقتصاد العالمي منذ أزمة الكساد الكبير، ليس من السهل معرفة مكان أو نوعية الاستثمار.

لكن عُرفت قارة أفريقيا تحديدًا، ودونًا عن غيرها، بأرض الفرص الواعدة والأكثر مرونة، اقتصاديًا واجتماعيًا، لذلك ستظل تمثل بعض المجالات في مختلف بلدان القارة السمراء، قيمة إضافية وميزة تنافسية، يتهافت عليها مستثمرو العالم.

ووفقًا لتوقعات وتقديرات مؤسسات مالية واقتصادية دولية، فمن المحتمل أن تكون هناك ثلاثة مجالات هي الأفضل لضخ استثمارات بها خلال فترة الانكماش المقبلة.

كورونا يغير مسار التوقعات المشرقة

بالعودة إلى يناير الماضي، كانت التوقعات الاقتصادية لأفريقيا لهذا العام مشرقة، حيث رجح  البنك الأفريقي للتنمية أن تسجل القارة نموًا بنسبة 3.9% في عام 2020 و4.1% في عام 2021. ولكن بعد ذلك، قلب الفيروس التاجي موازين وملامح الاقتصاد العالمي.

وبعد أقل من شهرين، مع تأكيد 61 حالة فقط من نوع كورونا المستجد Covid-19 في أفريقيا، قامت اللجنة الاقتصادية لأفريقيا التابعة للأمم المتحدة (UNECA) بمراجعة توقعات نمو القارة، لتخفضها إلى 2%.

في الأسبوع الثاني من شهر أبريل 2020، قال البنك الدولي إن أفريقيا تتجه نحو أول ركود لها منذ 25 عامًا، ويمكن أن تعزى هذه الأرقام القاتمة إلى حد كبير إلى اضطراب وانقطاع سلاسل القيمة، وانخفاض الاستثمار الأجنبي المباشر والتحويلات المالية، إضافة للخسائر الكبيرة التي لحقت بقطاعات مثل السياحة والنفط.

وعلى الرغم من أنه لا يمكن لأي صناعة أن مقاومة الركود في ظل استمرار وتفشي الجائحة الوبائية، إلا أن القطاعات التي تدعم التكنولوجيا قد تكون أكثر صلابة لتحمل هذه الصدمات.

تزداد التكنولوجيا الرقمية قوة حيث يجد الناس طرقًا جديدة للعمل والتواصل وتتخذ القطاعات خدماتها عبر الإنترنت.

وحددت مجموعة “بوثو” للأسواق الناشئة Botho Emerging Markets ثلاثة قطاعات من المحتمل أن تستمر، بل وتنمو في مواجهة الأزمة الاقتصادية الناجمة عن فيروس كورونا.

التكنولوجيا المالية

من المرجح أن تصبح المدفوعات عبر الهاتف المحمول أكثر شيوعًا، مدفوعة بإجراءات التباعد الجتماعي والعزل المنزلي، إضافة لمخاطر نقل العدوى عبر التعامل مع الأوراق النقدية.

وتتيح شركات مثل Safaricom الكينية، التي تدير خدمة الأموال عبر الهاتف المحمول M-PESA ، و Paga النيجيرية، هذا التحول عن طريق خفض الرسوم خلال هذه الفترة.

حتى قبل فيروس كورونا التاجي، كانت التكنولوجيا المالية أكبر وجهة لرأس المال الاستثماري في أفريقيا، حيث تمكنت من جذب أكثر من 50% من 1.34 مليار دولار التي جمعتها الشركات الأفريقية الناشئة في عام 2019.

ومن خلال الحلول القائمة على التكنولوجيا، كانت الشركات في أفريقيا رائدة في استخدام الأموال عبر الهاتف المحمول وقدمت أساليب جديدة لتحقيق المدفوعات عبر الإنترنت في وقت لا تزال الخدما المصرفية للأفراد وإقراض المستهلكين متراجعة وغير متطورة في بعض المناطق.

ومن المرجح أن يسرع فيروس كورونا المستجد COVID-19؛ هذا الاتجاه بشكل أكبر حيث يدير المزيد من الأشخاص شؤونهم المالية رقميًا.

التعليم الرقمي الافتراضي

لقد أخذ التعلم التقليدي في الفصول الدراسية مقعدًا خلفيًا في مواجهة هذه الأزمة، مما تسبب في تسارع في اعتماد التعلم الإلكتروني حيث تحاول المدارس تقليل الانقطاعات في التعلم لطلابها.

ووفقاً لمدير التعليم والمهارات، والمستشار الخاص في سياسة التعليم للأمين العام في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD)، أندرياس شلايشر ، “لقد اختفى كل الروتين الذي يبقي الأمور بعيدًا ويبحث الناس عن حلول لم يرغبوا في رؤيتها في الماضي”.

قام العديد من مبتكري التعليم بتطوير حلول جديدة واعدة لتمكين الطلاب من مواصلة التعلم أثناء وجودهم في المنزل.

أطلقت Ubongo التنزانية مؤخرًا منصة Ubongo Toolkits ، وهي مكتبة كبيرة من مواد التعلم المبكر ذات الجودة الأفريقية والموارد التعليمية للأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 0-14، والتي تغطي مواضيع مختلفة من الحساب المبكر، ومحو الأمية، والمهارات الاجتماعية والعاطفية إلى الهندسة، العلوم والتكنولوجيا.

وفي الوقت نفسه، دخلت Eneza Education الكينية في شراكة مع شركة الاتصالات العملاقة Safaricom لتقديم منهج معتمد من الحكومة، مصمم ومعرف للهواتف العادية.

إذا ترسخت هذه التقنيات عبر البلدان التي تبحث عن حلول لتوسيع نطاق جودة التعليم، فقد تحفز استخدامًا أوسع للأدوات الرقمية في الفصل الدراسي والتعلم عن بُعد في عالم ما بعد كورونا.

الصحة الرقمية

يمكن للنظم الصحية الهشة في أفريقيا أن تتعامل فقط مع عدد صغير من المرضى المصابين بسبب عدد المستشفيات المحدود ونقص العدد الكافي من العاملين بالطواقم الصحية.

يمكن للتكنولوجيا أن تساعد المنطقة على سد هذه الفجوات في الرعاية الصحية من خلال توفير برنامج للتقييم الذاتي وفحص الأعراض مما يحرر الأطباء من أجل متابعة الحالات الشديدة والعاجلة.

Wellvis ، شركة نيجيرية أنشأت أداة COVID-19 Triage Tool التي يمكن للمستخدمين من خلالها التحقق من فئة خطر COVID-19، كما توفر الأداة الاستشارات الطبية عن بعد.

علاوة على ذلك، يمكن أن تدعم التقنيات توصيل المعدات الطبية إلى الأماكن النائية التي تكون في حاجة ماسة إليها.

على سبيل المثال، تحتفظ Zipline ، وهي شركة طائرات بدون طيار طبية تعمل حاليًا في رواندا وغانا، بمخزون طارئ من الأقنعة والقفازات حتى يمكن تسليمها إلى المستشفيات والعيادات في غضون دقائق.

وفي الوقت نفسه، تعمل الشركة الناشئة الغانية، mPharma ، وهي مؤسسة تدير وتدبر العقاقير الطبية لمزودي ودافعي الخدمات في أفريقيا، على تطوير برمجيات ستمكّن الأطباء من جدولة الاختبارات وتلقي النتائج بمجرد الانتهاء.

إذا تم اعتماد هذه التقنيات على نطاق واسع خلال جائحة فيروس كورونا الوبائية، فمن غير المرجح أن يتم التراجع عنها عندما تنحسر الأزمة.

وختامًا، يمكن القول إنه في خضم الوباء، لا يمكننا أن نكون على يقين تام من أن قطاعًا أو شركة ستبقى على قيد الحياة، ناهيك عن تحقيق عوائد.

ومع ذلك، نظرًا لطبيعة فيروس كورونا المستجد “كوفيد-19″، من المرجح أن تشهد الشركات التي تدعم التكنولوجيا زيادة الطلب من الأفراد والشركات وحتى الحكومات لسد فجوات الرعاية الصحية الحالية وكذلك خدمات التعليم والعمل والتواصل عن بعد.

بالنسبة للمستثمرين الذين يتطلعون إلى بناء محفظة مرنة وقادرة على الركود أو قادة أعمال يبحثون عن فرص جديدة، قد تكون التكنولوجيا المالية والتعليم الرقمي والصحة والقطاعات الأخرى التي تعتمد على التكنولوجيا مجهزة بشكل أفضل للازدهار خلال هذا الوباء.