كتب – محمد الدابولي
باحث متخصص في الشئؤن الأفريقية

مر عامان على تولي رئيس الوزراء الإثيوبي «أبي أحمد» منصب رئيس وزراء إثيوبيا في أعقاب اضطربات شعبية أطلقتها جماعة الأورومو اعتراضا على نتائج الانتخابات البرلمانية عام 2015، وبعض السياسات الحكومية الخاصة بتطوير العاصمة أديس أبابا وانتزاع أراضي الأورومو لصالح تطوير العاصمة.

شكل تولي «أبي أحمد» رئاسة الوزراء في 27 مارس 2018، نقطة تحول سياسية كبيرة في التاريخ الإثيوبي الحديث، إذ أنه نجح في كسر احتكار جماعتي الأمهرا والتيجراي لمقاليد السلطة في البلاد، فطوال التاريخ الإثيوبي منذ عهد الإمبراطور منيلك الثاني (1889- 1913) وحتي عهد رئيس نظام الديرغ منجستو هيلامريام (1974 ــ 1991) سيطرت جماعة الأمهرا على الحكم.

 في حين شهدت الفترة الممتدة من عام 1991 وحتي 2018 سيطرة جماعة التيجراي على السلطة بتولي زعيم حركة تحرير التيجراي ميلس زيناوي رئاسة البلاد منذ عام 1991 وحتي وفاته في عام 2012، وأعقبه «هايلي مريام ديسالين» المنتمي للشعوب الجنوبية الذي حافظ على النفوذ المترامي لجماعة التيجراي في السلطة والاقتصاد الإثيوبي.

آمال متصاعدة

بدأ «أبي أحمد» مسئوليته السياسية في إبريل 2018 بإجراء مصالحة سياسية مع قوى المعارضة لتخفيف حدة الاضطربات السياسية، وذلك من خلال الإفراج عن السجناء السياسيين وإجراء حوار مع المعارضة والسماح مع معارضي المهجر بالقدم لإثيوبيا، ومحاربة نفوذ جماعة التيجراي في مؤسسات الدولة، ومراعاة توزيع المناصب السياسية في حكومته بين الجماعات الإثنية المختلفة في بلاد.

وبجانب تحركاته الداخلية شرع أبي أحمد في تسويه أزمات إثيوبيا الإقليمية خاصة مع إريتريا وجيبوتي والصومال، مما أهله ليكون أبرز شخصية إقليمية قادرة على التأثير في مجريات الأمور في القرن الأفريقي وهو ما أهله لحوز جائزة نوبل للسلام عام 2019، على خلفية تحقيق السلام مع إريتريا.

واستكمالا لما سبق أخرج «أبي أحمد» قريحة فكره السياسي في أكتوبر 2019 باصدار كتابة «فلسفة مَدمر » الذي تحدث فيه عن أطر تشكيل الدولة الوطنية المركزية الموحدة وسبل تحقيق الاندماج بها وكانت أولي تطبيقاته حل الائتلاف الحاكم القائم على تحالف أربعة أحزاب تمثل الجماعات الإثنية الأربعة الرئيسية وتشكيل حزب سياسي جديد عابر للتوجهات الإثنية وهو حزب «الازدهار».

أزمات طاحنة

رغم نجاح «أبي أحمد» في خلق صورة ذهنية عنه كونه رائدا للاصلاح السياسي في بلاده ومنطقة القرن الأفريقي وتعززت الصورة بشكل أوضح بعدما حاز على جائزة نوبل للسلام في عام 2019 على خلفية تحقيق السلام مع دولة إريتريا، إلا نه واجه ستة أزمات رئيسية كاشفة لجدوي عملية الاصلاح السياسي التي أطلقها أبي أحمد ومدي مرونتها في التعاطي مع تلك الأزمات.

كما أنه من المحمتل أن تؤثر تلك الأزمات علي المستقبل السياسي لأبي أحمد خاصة أن إثيوبيا مقبلة على انتخابات برلمانية في 29 أغسطس 2020، وفيما يلى الأزمات الست الكبرى التي اعترضت عامي «أبي أحمد» في الحكم وهم:

الأزمة الأولي “الاعتداء على أنصار أبي أحمد”:

 استهل أبي أحمد أزماته السياسية في 23 يونيو 2018، فخلال القاء خطاب له أمام أنصاره في حشد جماهيري في ساحة الثورة تم زرع قنبلة في إحدي السيارات التي انفجرت  قبل مرور موكب أبي أحمد بدقائق.

اُتهمت العديد من عناصر  من قادة جهاز الأمن والمخابرات بتدبير الحادث وكان الحادث بداية للصراع بين أبي أحمد وعناصر الدولة العميقة المنتمية لجماعة التيجراي، حيث دفع الحادث أبي أحمد إلي اتخاذ المزيد من اجراءات لتطهير مؤسسات الدولة من العناصر المحسوبة على جبهة تحرير التيجراي والتي باتت تشكل أكبر كيان معارض حاليا لسياسات أبي أحمد.

الأزمة الثانية “احتجاجات أديس أبابا العسكرية”:

في مشهد صاخب في العاصمة أديس أبابا أقدم العديد من منتسبى القوات الخاصة الإثيوبية علي الخروج إلي الشارع للاحتجاج على تدني أوضاعهم الداخلية، في مشهد  يشي بأن الخطوة التالية انقلاب عسكري لضبط الأمن في العاصمة، إلا رئيس الوزراء نجح في امتصاص غضب الجنود بالتواصل المباشر معهم ونجح ف تحويل التظاهرات الغاضبة إلي حصة تمرينية للجنود.

الأزمة الثالثة “مقتل مدير مشروع سد النهضة”:

 شكل مقتل مدير سد النهضة الإثيوبي سيمجنيو بيكلي يوم الخميس 26 يوليو 2018 بطلق ناري في سيارته بالقرب من موقع السد صدمة في الشارع السياسي الإثيوبي حيث دارت العديد من التكهنات حول ملابسات مقتله مما أدخل النظام السياسي في حرج شديد خاصة أن المشروع يعد من أبرز المشاريع القومية الإثيوبية، ولم يكد يمر شهرين على مقتله حتي أعلن مفوض الشرطة الفيدرالية أن بيكلي انتحر بواسطة مسدسه الخاص نظرا لتعرضه للمزيد من الضغوط النفسية خلال أيامه الأخيرة لتأخير تنفيذ مشروع السد، وفشله في ضبط عملية الانفاق علي بناء السد.

الأزمة الرابعة “تمرد الأوجادين”:

شهدت عاصمة إقليم الصومال الإثيوبي “الأوجادين” اضطربات أمنية واسعة في أغسطس 2018 قادة رئيس الإقليم الأسبق «عبدي محمود عمر» احتجاجات على تصريحات رئيس الوزراء حينها بتخصيص 5% من عائدات نفط الإقليم لصالح عملية التنمية في الإقليم، وخلال تمرد الأوجادين تعالت صحيات الانفصال عن الدولة مما استدعى تدخل الجيش الإثيوبي وملاحقة قادة التمرد الذين تم القبض عليهم تباعاً.

رغم نجاح العملية الأمنية في الإقليم في إحباط التمرد الأخير إلا أن الاضطربات السياسية في الإقليم مازالت مستمرة ففي إبريل 2020 شهد الإقليم محاولة انقلابية فاشلة قادها رئيس الجهاز الأمني وجهاز الاستخبارات ضد رئيس الإقليم الحالي «مصطفي محمد عمر» الذي شرع في اعتقال بعض القياداتوعزلهم وتولية أخريين.

الأزمة الخامسة “انقلاب أمهرا الداخلي”:

ساهم تعيين  أبي أحمد رئيسل لوزراء إثيوبيا في إبريل 2018 في تقليل توترات جماعة الأمهرا رغم أن أبي أحمد أورومي المنشأ، إلا أنه تربطه صلات قوية بجماعة الأمهرا، الأمر الذي قلل من اعتراضات جماعة الأمهرا على تولي أورومي منصب رئاسة وزراء البلاد، إلا أن الأمر لم يرق لبعض العناصر المتطرفة في القومية الأمهرية.

ففي 22 يونيو 2019 شهدت مدينة بحر دار عاصمة إقليم أمهرا محاولة انقلابية قُتل على إسرها رئيس الولاية “أمباتشيو ميكونين” وكذلك مستشاره “إزيز واسي” كما اغتيل رئيس أركان الجيش الإثيوبي “سياري ميكونين” أثناء محاولة تصديه لمحاولة الانقلاب، كما قتل النائب العام لولاية أمهرا متأثرا بإصابته.

وأشارت التحقيقات الإثيوبية إلي تورط جنرال سابق في جهاز الأمن الإثيوبي يدعي «أسامنيو تسيجي» في قيادة الميليشيات  المسلحة التي هاجمت مقار ولاية أمهرا في مدينة «بحر دار» واغتيال المسئوليين، في خطوة استباقية  لمنع صدور أية قرارات من شأنها وقف دعوات «تسيجي» لتشكيل ميليشيات مسلحة أمهرية.

الأزمة السادسة اضطربات الأورومو “أكتوبر 2019”:

في مفاجئة نوعية لنظام الحكم في إثيوبيا، اندلعت احتجاجات واضطربات دموية في ولاية أوروميا ضد سياسات أبي أحمد، ففي تلك الاضطربات هوت شعبية أحمد بدرجة كبيرة جدا خاصة في وسط أبناء قوميته الأورومو، ردا على تحرشات النظام السياسي ببعض القيادات الأورومية التاريخية مثل «جوهر محمد».

أثبتت اضطربات الأورومو الأخيرة فقدان أبي أحمد لظهير شعبي قوى يساند خطواته السياسية، فتوقيت الاضطربات الأخيرة أظهرت انعدام شعبية أبي أحمد، كما عصفت بلحظة انتشائه السياسي بفوزه بجائزة نوبل للسلام.