كتبت – أماني ربيع

تفتش شبكة نتفلكس باستمرار عن قصص واقعية لتحويلها إلى أفلام ومسلسلات ناجحة على منصة البث المدفوع الأكثر شعبية في العالم، ويجد القائمون على المحتوى لديها في قصص البسطاء مَعينًا لا ينضب من الأحداث والحبكات المشوقة والشخصيات الملهمة.

سمعنا كثيرًا عن مارتن لوثر كينج، وروزا باركس وتأثيرهم في التاريخ الأمريكي كمواطنين من أصول أفريقية، وفي كل عام في شهر تاريخ السود يتم تناول سيرتهم بالتبجيل والاحتفاء، لكن واحدة حققت نجاحًا كبيرا في وقت صعب هي مدام سي جي ووكر التي تم التقليل من إنجازاتها كأول مليونيرة في أمريكا بطريقة عصامية.

وفي واحد من أحدث أعمال الشبكة “Self Made”، وتعني الشخص العصامي الذي بدأ نجاحه بنفسه دون مساندة من أحد، تسلط نتفلكس  الضوء على شخصية هذه المرأة، وهي قصة حقيقية عن السيدة سارة بريدلاف الشهيرة بـ “سي جي ووكر” ذات الأصول الأفريقية.

والعمل مأخوذ عن سيرتها الذاتية التي كتبتها حفيدتها آليليا باندل، وإخراج كاسي ليمونز وديمان ديفيس، ويقدم في 4 حلقات من بطولة النجمة الحائزة على الأوسكار أوكتافيا سبنسر.

تحدي اللون الأسود

أن تكون امرأة، فضلا عن كونك من أصول أفريقية تحمل بشرتك السوداء مثل وصم يحرمك من كل سبل الحياة بكرامة هو تحد كبير خاصة في أمريكا في بدايات القرن العشرين حيث كانت العنصرية ضد ذوي البشرة السوداء في أوجها.

لكن لامرأة ذات تصميم مثل سارة لا يبدو أي شيء مستحيلا، لكن هذ لا يعني أن الطريق كان مفروشا أمامها بالورود، فسارة التي تقف اليوم لتحكي قصتها وهي تبدو امرأة قوية وجميلة وناجحة، كانت مجرد امرأة فقيرة فقدت شعرها بسبب القلق والحزن والعنف الزوجي، لكنها لم تفقد إيمانها في قدراتها، والأهم لم تفقد رغبتها في مساعدة النساء من حولها بتعليمهم كيف يعتنين بشعورهن، وقوتهم الداخلية.

في طريقها إلى الحلم، واجهت سارة العنصرية ضد بشرتها السوداء، ورفضت إيدي مونرو تعيينها ضمن فريق بائعاتها لأن بشرتها سوداء صريحة وشعرها غير ناعم، لكنها قابلت هذه الإهانات بكبرياء، ولعل هذه السخرية كانت أكبر خدمة قدمت لها دون قصد، فبدلا أن تكون مجرد فتاة ضمن فريق بائعات، قررت أن تبيع منتجها الخاص، ومن مدينة إلى مدينة ظلت تدور على البيوت وتستغل حماسها وموهبتها في التسويق.

في البداية رفضها حتى أبناء بشرتها، وحتى العاملين بحقوق ذوي البشرة السوداء بحجة أنها امرأة، وكيف لامرأة حتى لو سوداء أن تترقى على حساب الرجال.

ورغم ذلك نجحت سارة في تجاوز كل عثرة تقف في طريقها، وتخطت خيانات المقربين، ونرى أحداث  قصتها على أنغام موسيقى الجاز، ومحاولاتها هي ورفيقاتها البسطاء التشبث بالهوية الأفريقية وخلق محددات خاصة بثقافتهن من طريقة الكلام والأزياء وتسريحات الشعر، كي لا يتشبهن بالبيض وينسين أصولهن.

ولدت سي جي ووكر باسم سارة بريدولف عام 1876 كأول طفل حر في عائلة من العبيد السابقين في مزرعة قطن بلويزيانا، تيتمت في سن السابعة وأرسلت للعيش مع شقيقتها الأكبر لوفينيا، ثم انتقلت إلى المسيسبي عام 1877.

وهناك قامت سارة بجمع القطن من الحقول، عملت بكد في بيئة قمعية لا تسمح بالراحة، وعانت من سوء المعاملة، وتزوجت في سن الرابعة عشرة من موسى ماكويليامز، وبعد ولادة ابنتها ليلة أصبحت أرملة في سن العشرين، انتقلت بعدها إلى سانت لويس لتعمل غسالة وكانت تكسب دولارًا ونصف الدولار في اليوم الواحد، وبعد انتهاء ساعات العمل كانت سارة تذهب إلى مدرسة ليلية.

صدفة تصبح نجاحًا

عانت سارة خلال عام 1890 من اضطراب فروة الرأس الذي أسفر عن فقدانها الشعر بصورة هائلة، وكان تساقط الشعر مشكلة شائعة جدا في ذلك الوقت، حيث لم يكن متاحا لمعظم الناس أن يستحموا أو يغسلوا شعرهم بسبب عدم توافر المياه الطبيعية ومشاكل “السباكة” إلى جانب الحياة في أماكن ضيقة ومغلقة دون تدفئة أو كهرباء، كان الاستحمام في ذلك الوقت ترفا، لذا كان الناس من بيئة سارة هدفا للتلوث والبكتيريا والقمل، وفي محاولة لتحسين حالها، بدأت سارة في تجريب العلاجات المنزلية المختلفة، وبدأت في مزج المكونات المختلفة وفي النهاية حولت كل ذلك إلى شامبو محلي الصنع يساعد في علاج الشعر.

لم تكن سارة تعرف أن هذا المنتج الذي صنعته لعلاج شعرها سيصبح الدفعة الكبرى في حياتها المهنية، ولتسويقه زعمت أنه منشط جعل شعرها ينمو أسرع، وبمساعدة زوجها الجديد تشارلز جي ووكر الذي كان يعمل وكيل مبيعات صحفية وله خبرة في الدعاية والإعلان عززت شامبو الشعر بإعلانات الصحف إلى جانب منتجات الشعر الأخرى للأمريكيين الأفارقة تحت عنوان يعطي للشعر المجعد ملمسا حريريا.

أسلوب ووكر

بالإضافة إلى عملية البيع كانت سارة التي صنعت منتجاتها خصيصًا للنساء من ذوي البشرة السمراء تثقف النساء حول علاجات الشعر وفروة الرأس فيما عرف بـ”أسلوب ووكر”، وابتكرت فكرة الأمشاط الساخنة لتنشيط فروة الرأس.

بيع المنتج وانتشر بسرعة كبيرة وأصبح يباع في جميع أنحاء الولايات المتحدة عبر البريد، وقبل ذلك كان السيد والسيدة ووكر يسافران بأنفسهما لتسليم الطرود إلى الزبائن يدا بيد، استمرت الأرباح في الزيادة، وفي عام 1908 افتتحت ووكر مدرسة تجميل ومصنعًا في بيتسبرج قبل أن تقرر أخيرا تسوية أعمالها في إنديانا بوليس.

وأصبحت شركة مدام سي ووكر للتصنيع ناجحة جدًّا، ولم يقتصر دورها على تصنيع مستحضرات التجميل فحسب، بل قامت بتدريب خبراء التجميل أصبحوا يعرفون باسم “ووكر ايجنتس” أو وكلاء ووكر، صعدت أرباح الشركة إلى ما يعادل آلاف الدولارات، وعززت ووكر عمليات البيع بما يسمى بـ”فلسفة ووكر” فكانت ترفق عمليات البيع بنصائح خاصة منها “النظافة والراحة”، وفي دليل المنتج كانت تنصح بفتح النوافذ والتهوية الجيدة والحفاظ على الأسنان نظيفة لكي تكون الأنفاس حلوة، اصقلي أظافرك وحافظي على نظافتك” كانت تحرص على بناء علاقة مع عميلاتها وإشعارهم أنها تهتم بهم وبأناقتهم وراحتهم.

بدأت ووكر في تنظيم تجمعات يناقش فيها وكلاؤها أفكارها التعليمية والخيرية، وسرعان ما وفرت فرص عمل لمئات من الأمريكيين من أصل أفريقي في الوقت الذي توسعت فيه شركتها دوليًّا في كوبا وهاييت وبنما وكوستاريكا وجاميكا، وذلك بفضل استراتيجيتها الذكية وموهبة الدعاية.

وباستخدام نظام تسويق المبيعات متعدد المستويات وظفت العديد من الوكلاء، وصنعت فرص عمل جديدة في الوقت الذي نمت فيه ثروتها ووصفت مجلة “تايم” عام 1998 ووكر بأنها سيدة أعمال كشفت النقاب عن الإمكانيات الاقتصادية الهائلة للاقتصاد الأمريكي.

قرب وفاتها وهي في سن 51 تبرعت ووكر بسخاء إلى صناديق المنح الدراسية ولحملات ضد العنف العنصري، وساعدت في بناء “جمعية الشبان المسيحيين السود” في إنديانابوليس، ووجدت أخيرا مكانا بارزا في بيئة النخبة من رجال الأعمال في أمريكا، واستقرت في قصر فاخر في قرية ويستشستر في إرفينجتون، وهو حي يملك فيه قطبا الاقتصاد الأمريكي جون د. روكفلر وجاي جولد قصورًا أيضًا.

وأخيرا كانت السيدة ووكر تصف مسيرتها مع التدرج في السلم الاجتماعي بكلمات موجزة: “أنا امرأة جاءت من حقول القطن في الجنوب، ومن هناك ترقيت إلى حوض الغسيل ثم إلى المطبخ، ومن هناك عززت نفسي في مجال تصنيع منتجات العناية بالشعر، وبنيت مصنعي الخاص على أرضي الخاصة”.