كتبت – أسماء حمدي

على مدار السنوات القليلة الماضية، تراجعت القوات الحكومية من مناطق شاسعة من مالي وبوركينا فاسو والنيجر في مواجهة هجوم الهجمات المسلحة.

مع انتشار الفوضى، اكتسبت الجماعات المسلحة – والعديد منها متحالف مع تنظيم القاعدة وتنظيم الدولة “داعش” – نفوذَا في منطقة تصفها الأمم المتحدة بأنها “من المحتمل أن تكون واحدة من أغنى المناطق “الثقافية” في العالم”.

يضم الساحل بقايا أثرية يعود تاريخها إلى العصر الحجري الحديث، وفي العصور الوسطى، ازدهرت حضارة غرب إفريقيا على طول ضفاف نهر النيجر ووصلت إلى عدد لا يحصى من الممالك والإمبراطوريات.

خلال القرن الثالث عشر، أصبحت مدينتا غاو وتمبكتو مركزين كبيرين للتجارة والتعلم، ونمت ثروات الملوك من خلال تجارة الذهب والملح التي عبرت الصحراء.

نهب وتدمير

تقول صحيفة “التيلجراف” البريطانية، إنه في الوقت الذي كانت فيه أوروبا تحرق تراث معارضيها، أصبحت الكتب رموزًا في الإمبراطورية المالية، وقام علماء المسلمين بجمع مئات الآلاف من المخطوطات في مكتبات منتشرة في جميع أنحاء المنطقة، وأشهرها في تمبكتو.

وبحسب الصحيفة، حذر الخبراء من أن الجماعات المسلحة التي تنشط في منطقة الساحل الإفريقي تنهب مئات المواقع الثقافية والأثرية بنفس الطريقة التي قامت بها داعش في سوريا والعراق.

وأشار الخبراء إلى إن التراث الاستثنائي للمنطقة يتعرض للهجوم، حيث داهمت المتاحف والمقابر والقرى بسبب الآثار، وتظهر الصور مواقع تاريخية حفرت ودمرت حديثًا.

“إنها كارثة لقد تم مداهمة المواقع في كل مكان، لا نعرف عدد المواقع لأنه لا يمكننا الوصول إليها، لكن هناك مئات المواقع المتضررة في جميع أنحاء البلاد”،  حسب ما قال صامويل سيديبي، مدير المتحف المالي الوطني في باماكو لـ”التيلجراف”.

ويضيف: “لا يمكنك تقدير قيمة ما ضاع، لكن هذا هو تاريخنا، فعندما يحدث ذلك ويتدمر كل شئ، فنصبح لا نمتلك ما يربطكنا ببعضنا وبتاريخنا”.

تاريخيا، لم تلق منطقة الساحل اهتماما كبيرا من علماء الآثار مثل شمال أفريقيا والشرق الأوسط، ويقول سيديبي، هناك عدد لا يحصى من المواقع ذات الأهمية التاريخية التي تم تركها بدون خرائط وغير محمية.

يقول أحد المسؤولين لصحيفة التليجراف، إن عمليات النهب والهدم تحدث مالي وبوركينا فاسو مباشرة، لكن الجماعات المسلحة والجهاديون لا يقومون بالتقاط صور لهم خلال الهدم، كما فعل تنظيم الدولة “داعش” في سوريا والعراق، لكن الجميع يفترض أنهم متورطون.

غالبًا ما يعرف القرويون المحليون أماكن المواقع التاريخية، ولكن مع استمرار تدهور الوضع الأمني ​​في منطقة الساحل، يضطر الكثيرون إما بسبب الفقر أو الجوع أو الجماعات المسلحة للحفر والبحث عن الآثار.

القطع الأثرية المدمرة – التي تشمل كل شيء من التماثيل والأقنعة إلى مجوهرات العصور الوسطى وعظام الديناصورات – غالبًا ما ينتهي بها الحال في بيوت المزادات في أوروبا وأمريكا والصين.

من غير الواضح مقدار الأموال التي يتم جنيها من تجارة الآثار، لكن المضبوطات السابقة لآثار الساحل التي تم الاتجار بها في أوروبا قدرت بعشرات الملايين من الجنيهات.

تقول غيومار ألونسو كانو من مكتب اليونسكو لغرب إفريقيا والساحل: “غالبًا ما يتم تمرير الأشياء والقطع الأثرية حول بلدان مختلفة من قبل الوسطاء قبل أن يصلوا إلى السوق الدولية مما يجعل من الصعب جدًا تكوين صورة واضحة”.

تواصل السيدة ألونسو كانو، التي تساعد في تدريب العشرات من مسؤولي الجمارك على التعرف على الثقافة المسروقة “مع استمرار الأزمة في التصاعد، يجب علينا ضمان حماية التراث الثقافي الاستثنائي لمنطقة الساحل وعدم توجيهه نحو تمويل الجريمة المنظمة والجماعات الإرهابية”.

الآفة الحالية لا تخلو من سابقة

عندما سيطر جهاديون من أنصار الدين، وهي مجموعة متحالفة مع القاعدة، على شمال مالي في عام 2012، قاموا بنهب وتخريب المساجد والأضرحة علاوة على تدمير عشرات الآلاف من المخطوطات التاريخية.

يقول البخاري بن السيوطي، الذي يرأس لجنة تمبكتو الثقافية التابعة للحكومة المالية، إن الجهاديون استخدموا الفؤوس والمعاول وبنادق الكلاشينكوف وأحيانًا أيديهم لتدمير الأضرحة الطينية للمدينة، حيث تم تدمير 15 ضريح من أصل 16.

والأضرحة هي قبور ومزارات لمؤسسي مدينة تمبكتو الذين يبجلهم الأهالي ويعدهم أغلب السكان في المدينة من الصالحين، لكن الجهاديون يعتبرون هذا السلوك كفرا.

والأسوأ من ذلك، أنه تم حرق وسرقة أكثر من 4400 مخطوطة قديمة خلال احتلال المدينة لمدة عام، حتى أخرجتهم منها القوات الفرنسية عام 2013.

وتعتبر مدينة تمبكتو، المدرجة بقائمة مواقع التراث العالمي، من أهم مراكز تدريس العلوم الدينية في الفترة من القرن 13 وحتى القرن 17 الميلادي، وكانت تضم حوالي مئتي مدرسة وجامعة تجتذب الآلاف من طلاب العلوم الإسلامية.

بمساعدة المانحين، أعيد بناء الأضرحة وتم إصلاح الأضرار التي لحقت بالمساجد، وبمساعدة Minusma””  بعثة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، تم ترميم ثلاث مكتبات تحتوي على بعض مجموعات مخطوطات تمبكتو الخاصة.

كان يمكن أن يحدث ضرر أكبر بكثير لو لم يكن لأشخاص مثل بن السيوطي وجود، فعندما سيطر الجهاديون على المدينة، جمع 8000 مخطوطة في صناديق، وقام باخفاءها في مخبأ، ثم تمكن هو ومجموعة من المواطنين المعنيين من تهريب أكثر من 300.000 مخطوطة إلى بر الأمان في مخازن بالقرب من العاصمة باماكو.

واليوم يقود الرجل الذي دبر عملية التهريب، الدكتور عبد القادر حيدرة، مشروعًا لترميم المخطوطات ورقمنتها، بدعم من المكتبة البريطانية.

ويأمل من خلال رقمنة المخطوطات، أن يتمكن من حمايتها للجيل القادم وإتاحتها في نهاية المطاف عبر الإنترنت ليقرأها الجميع في أنحاء العالم.