كتب –  محمد الدابولي

في إطار سياسة مواجهة الجماعات الإرهابية، تلجأ الحكومات والدول إلي استخدام تكتيك تصفية زعماء الجماعات الإرهابية في محاولة منها لتحقيق انتصار لحظي عليها وإحداث خلخلة هيكيلة بها فضلا عن تحقيق العديد من المكاسب السياسية التي تواكب عمليات التصفية.

وفي هذا الاتجاه توسعت إدارة الرئيس الأمريكي السابق «باراك أوباما» في سياسة تصفية زعماء الجماعات الإرهابية، ففي مايو 2011 تم اغتيال مؤسس تنظيم القاعدة «أسامة بن لادن» في ولاية أبوت آباد في باكستان،  وفي الأول من سبتمبر  2014 تمكنت غارة جوية أمريكية على الصومال في تصفية «مختار على الزبير» زعيم حركة شباب المجاهدين، وفي يونيو 2015 تم تصفية «ناصر الوحيشي» أمير تنظيم القاعدة في الجزيرة العربية بواسطة غارة جوية أمريكية في اليمن.

على خطى أوباما

سار ت إدراة الرئيس الأمريكي الحالي «دونالد ترامب» على خطى سابقه في تصفية قيادات وزعماء الجماعات الإرهابية في محاولة لإضعاف تلك الجماعات وإسكاتها وتحقيق العديد من المكاسب السياسية، فمنذ سبتمبر 2019 وإلي الآن تمكنت واشنطن من تصفية أربعة زعماء لتنظيمات إرهابية.

استهل «ترامب» عمليات التصفية والاغتيال في منتصف سبتمبر 2019 حين تم اغتيال «حمزة بن لادن» نجل مؤسس تنظيم القاعدة «أسامة بن لادن»، ورغم أن «حمزة» لم يكن زعيم التنظيم، إلا أن البيت الأبيض برر عملية الاغتيال بأنها محاولة لحرمان تنظيم القاعدة من القيادات المهمة والرمزية نظرا لكونه نجل مؤسس التنظيم.

الصيد الثمين

بدت سياسة واشنطن نحو تصفية زعماء الجماعات الإرهابية أكثر وضوحا وجدية بعد شهر تقريبا من تصفية «بن لادن الإبن»، ففي 26 أكتوبر 2019 أعلن ترامب في مؤتمر صحفي عن نجاح بلاده في اغتيال مؤسس تنظيم داعش «أبو بكر البغدادي» في قرية باريشا بقضاء إدلب، في خطوة اعتبرها العديد ضربة قاسمة للتنظيم.

بلغت السياسة الأمريكية في تصفية زعماء الجماعات الإرهابية ذروتها في فجر الجمعة الثالث من يناير لعام 2020 حين قصفت غارة أمريكية موكباً لقائد فيلق القدس «قاسم سليماني»[i] أثناء خروجه من مطار بغداد رفقة «أبو على المهندس» القائد البارز في ميليشيات الحشد الشيعي العراقي.

امتدت سلسلة التصفيات الجسدية لكبار  زعماء التنظيمات الإرهابية لتطال «قاسم الريمي» مسئول تنظيم القاعدة في اليمن والجزيرة العربية بعد غارة جوية أمريكية في 29 يناير 2020، ويأتي اغتيال «الريمي» بعد خمسة سنوات على اغتيال «الوحيشى» الأمر الذي يدل على مدى اهتمام الإدارة الأمريكية بمحاربة تنظيم القاعدة في اليمن.

أين أفريقيا؟

يدور تساؤل حول إمكانية تطبيق واشنطن سياسية استهداف رؤوس التنظيمات الإرهابية المنتشرة في أفريقيا، فبعد عمليات الاستهداف المستمر لقادة التنظيمات الإرهابية في سوريا والعراق وباكستان وأفغانستان، أصبحت القارة الأفريقية تعج بالقيادات الإرهابية وتحتل المرتبة الأولي في عدد القيادات التنظيمية.

فمنذ اغتيال  «مختار على الزبير» زعيم حركة الشباب في سبتمبر 2014 لم يتم استهداف أي قائد تنظيم في أفريقيا سوى «عبد الحكيم دوكوب» نائب أمير تنظيم داعش في الصومال الذي تم استهدافه في 14 إبريل 2019، لذا في النقاط التالية إعطاء نبذة حول أبرز القيادات الإرهابية التنظيمية النشطة في أفريقيا.

قيادات أينعت وحان قطافها

تتميز الجماعات الإرهابية في أفريقيا باحتفاظها بقياداتها التنظيمية والتاريخية، مما أهلها لتكون قادرة على امتصاص الضربات الموجهة إليها والاستمرار  العملياتي لها باستهداف المدنيين والعسكريين في الدول الأفريقية وأيضا استهداف بعض القوى الأجنبية العاملة في أفريقيا، ومن أبرز تلك القيادات:

  • «المختار بلمختار» المكني بـ«أبي العباس خالد»: يعد أحد أبرز قيادات القاعدة في منطقة المغرب العربي ودول الساحل والصحراء، وساهم بلمختار في العديد من العمليات الإرهابية في منطقة الساحل مثل الهجوم على مصفاة النفط بمنطقة أميناس جنوب الجزائر.

 وتكمن أهمية بلمختار التنظيمة في كونه قادر على لم شمل وشتات الجماعات الإرهابية في منطقة الساحل والصحراء، فمنذ عام 2012 حرص على إنشاء العديد من الكيانات الإرهابية الجامعة لمعظم التنظيمات الإرهابية، ففي البداية أسس جماعة الموقعون بالدم ثم جماعة المرابطون، وفي مارس 2017 ساهم في تأسيس جماعة نصرة الإسلام والمسلمين ككيان إرهابي يضم داخله العديد من الكيانات الأخري مثل “أنصار الدين” وجبهة تحرير ماسينا.

  • «عبد الملك دروكدال» المكنى “أبو مصعب عبد الودود”: يعد «دروكال» هو ظل القاعدة في شمال أفريقيا ومندوبها الدائم منذ تأسيس تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي عام 2007، حيث شغل دروكال أمير التنظيم منذ 2007 وإلي اليوم ويتحكم دروكدال اليوم بالعديد من التنظيمات الإرهابية الموالية للقاعدة في أفريقيا مثل جماعة نصرة الإسلام والمسلمين التي بايعت تنظيم القاعدة وفرعه في بلاد المغرب الإسلامي.
  • إياد أغ غالي: يعد«إياد أغ غالي» من أبرز القيادات النشطة حاليا في منطقة الساحل والصحراء، ومعظم الأحداث الدائرة في منطقة الساحل منذ عام 2012 تدور حوله، فـ«غالي» يعد من أبرز  القيادات السياسية للأزواد في تسعينيات القرن الماضي، وفي عام 2012 تعاون مع ميليشيات الأزواد من أجل تحرير  مناطق شمال مالي وتأسيس دولة الأزواد، وفي 1 مارس 2017 نجح في لم شمل كيانات الجماعات الإرهابية في منطقة الساحل تحت مسمى «جماعة نصرة الإسلام والمسلمين» وتولى هو قيادتها.
  • أمادو كوفا: في نوفمبر 2019 أدرجت واشنطن «أمادو كوفا» على لائحة الإرهاب لقتله مالايقل عن 500 مدني في وسط مالي، وينشط أمادوا كوفا كقيادي إرهابي تكفيري منذ عام 2012 حين أسس جبهة تحرير ماسينا، التي نحجت في السيطرة على منطقة وسط مالي عام 2012  قبل دخول الجيش الفرنسي محاربته للجبهة وإجبارها على التراجع عن مناطق وسط مالي، وسبق أن عرض «أمادو كوفا» الجيش الفرنسي للاحراج، إذ أعلن الجيش في نوفمبر 2018 عن مقتله إثر غارة للجيش الفرنسي، إلا أنه عاد في تسجيل مصور يسخر فيه من إعلان الجيش الفرنسي تصفيته.
  • مالام ديكو:  ترعرع مالام إبراهيم ديكو كداعية ديني في منطقة السوم شمال بوركينافاسو والتي تعاني منذ عقود من حالات من التهميش السياسي والاجتماعي، بدأ ديكو نشاطاته في عام 2009 بانشاء جمعية الإرشاد لتقديم الخدمات الاجتماعية للفقراء في منطقته، واستغل مرور بلاده بأزمة سياسية ما بين عامي 2013 و2014  في الاتصال مع الجماعات الإرهابية بشمال مالي  مما أدي إلي إلقاء القبض عليه من قبل القوات الفرنسية  في تيساليت شمال مالي عام 2013 وبحوزته مبالغ مالية، ويعتقد أنه تواصل مع «أمادوا كوفا» زعيم جبهة تحرير ماسينا.

أفرجت القوات الفرنسية عن «ديكو» في عام 2015، وتوجه بعدها إلى مسقط رأـسه شمال بوركينافاسو وفيها  حول جماعة الإرشاد إلي جماعة «أنصار الإسلام» التي نجحت في السيطرة على مناطق شمال بوركينافاسو وتوجيه الضربات المتتالية لقواعد الجيش البوركيني.

  • بوكو حرام وزعماؤها الثلاثة: منذ تمكن الجيش النيجيري من تصفية مؤسس تنظيم بوكو حرام «محمد يوسف» عام 2009 لم يتمكن  سواء الجيش النيجيري أو بقية جيوش دول بحيرة تشاد من تصفية أي من زعماء تنظيم بوكو حرام مثل أبوبكر شيكاو الذي ينشط منذ عام 2009 أو أبو مصعب البرناوي أو أبو عبد الله البرناوي.
  • أبو عبيدة الصومالي: رغم توالي الغارات الجوية الأمريكية على مواقع حركة الشباب في الصومال إلا أن تلك الغارات لم تتمكن من تصفية وتحييد زعيم التنظيم «أبو عبيدة الصومالي» الذي يتولي منصبه منذ اغتيال سلفه «مختار الزبير» عام 2014.
  • الإرهابي ذو اللحية الحمراء: يتبقي لنا من سلسة قادة التنظيمات الإرهابية المؤثرين في أفريقيا الإرهابي «عبد القادر مؤمن» أمير تنظيم داعش في الصومال، ورغم نشاط عبد القادر مؤمن ولاية «بونت لاند» شمال الصومال وبالقرب من خليج عدن إلا أن الغارات الأمريكية لم تستهدفه بالمرة حيث استهدفت الغارات خلال العام الماضي « عبد الحكيم دوكوب» نائب «مؤمن» في قيادة التنظيم.

لماذا تحجم أمريكا علي استهداف رؤوس الإرهاب في أفريقيا؟

منذ عام 2011 وإلي اليوم لم تستهدف الولايات المتحدة سوي  حفنة قليلة من الرؤوس الإرهابية في أفريقيا أشهرهم «مختار  على الزبير» و«أبو  منصور الأمريكي» وأخيرا «عبد الحميد دوكوب»، فيما تم اعتقال عدد من قيادات تنظيم «أنصار الشريعة» في ليبيا وهم مصطفى الإمام وأحمد أبو ختالة، والمتهمين  باستهداف القنصلية الأمريكية ببنغازي ومقتل السفير الأمريكي  «كريستوفر ستيفينز» في سبتمبر 2012، ويعود إحجام واشنطن عن استهداف الرؤس الإرهابية والاقتصار فقط على القيادات الإرهابية في الصومال إلي العديد من الأسباب التالية:

  • حسابات الأمن القومي الأمريكي:  لم تفرط الولايات المتحدة في استخدام سياسة استهداف قادة التنظيمات الإرهابية، حيث تستهدف فقط قادة التنظيمات التي تشكل خطرا حقيقيا على المصالح الأمريكية مثل أسامة بن لادن والبغدادي وسليماني وأخيرا الريمي.

 وتركز واشنطن بشكل كبير على استهداف قادة التنظيمات الإرهابية التي تشكل خطرا على مصالحها في خليج عدن وضمان عدم تكرار حادث استهداف المدمرة كول الذي تم عام 2000، لذا نجدهاتستهدف قادة القاعدة  في اليمن مثل ناصر الوحيشي وقاسم الريمي، وأيضا سبق لها أن استهدفت «الزبير» زعيم حركة الشباب.

 إلا أنه من الواضح أن كلا من حركة الشباب وتنظيم داعش خلال السنوات الأخيرة بعيدين كل البعد عن استهداف الأهداف الأمريكية الحيوية في خليج عدن وتركيز عملياتهم على استهداف المنشآت الصومالية والكينية وهو الأمر الذي لا يستادعى تدخلا أمريكيا حازما لمعاقبة قادة تلك التنظيمات فكلما كانت بعيدة عن الأهداف الأمركية كلما كانت قادتها في مأمن من الغارات الجوية.

  • احجام الجماعات الإرهابية عن استفزاز أمريكا: استكمالا للنقطة السابقة تحاول الجماعات الإرهابية الكبري في أفريقيا عدم استفزاز الولايات المتحدة فحركة الشباب خلال السنوات الأخيرة لم تستهدف أهدافا أمركية وكذلك بوكو حرام، كما أن التنظيمات المنتشرة في منطقة الساحل والموالية للقاعدة تحجم عن استهداف أية أهداف أمريكية باستثناء حادثة استهداف بعض الجنود الأمريكيين في عام 2017 حيث نصب مقاتلي داعش كمينا لهم. 
  • تولي فرنسا زمام الأمور في الساحل والصحراء: تتولي فرنسا بشكل كبير مسئولية محاربة الإرهاب في منطقة الساحل من خلال عمليتي برخان والسرفال، وتتدخل فرنسا في منطقة الساحل باعتبارها الدول صاحبة النفوذ التاريخي في المنطقة وصاحبة المصالح العليا في المنطقة  

[i] ـ يعد فيلق القدس أحد الأذرع الهامة للحرس الثوري الإيراني والذي تم تصنيفه كمنظمة إرهابية في إبريل 2019 من قبل إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.