كتبت – أسماء حمدي

تتميز كل الشعوب والقبائل بعاداتها وتقاليدها الخاصة والتي يبدو بعضها تقليديًّا وبعضها غريًبا، والقارة السمراء تذخر بالعديد من العادات والتقاليد، نظرًا لتعدد الأعراق والأجناس وتعدد عاداتهم وتقاليدهم، والتي يحافظون عليها حتى الآن خاصة في طقوس الزواج.

ولجزر القمر الواقعة في الجنوب الشرقي لقارة أفريقيا-والتي تتكون من أربع جزر متناثرة على المحيط الهندي- عادات وتقاليد خاصة بالزواج والتي تنقسم إلى قسمين “زواج العفة” حيث يعقد قرآن العروسين وبأقل تكاليف ممكنة، والآخر هو “الزواج الكبير” والذي يعتبر بالنسبة للقمريين تحقيق ذات وإثبات لهوية الشخص في مجتمعه.

الزواج الكبير

الزواج الكبير هو من أهم العادات والتقاليد في جزر القمر، والذي يقام عند “عقد القرآن” للمقتدرين، أو بعد أعوام من “زواج العفة” يجمع خلالها الزوج مالًا كافيًا لإقامة وليمة يدعى إليها الآلاف، فهو لا يقدر عليه إلا قلة من الرجال بسبب تكاليفه حيث يكلفهم آلاف الدولارات، مما يؤهلهم إلى أن يحظوا باحترام الجميع.

تبدأ مراسم  الزفاف “الزواج الكبير” كما يطلق عليه القمريون، بتلاوة آيات من القرآن الكريم والذِكر، يتبعها حفلات غنائية يليها الرقص على الموسيقى والأناشيد بالعربية والقمرية، وتستمر لأكثر من أسبوع.

ويقوم الزوج بتوزيع الصدقات على الفقراء والمساكين، وأيضًا بتوزيع الهبات على المساجد، كما يتم توزيع الأطعمة والحلوى على المدعوين.

ومن استطاع إلى الزواج الكبير سبيلًا يصبح له مقام مرموق في المجتمع القمري وتعلو كلمته، ويصبح من أهل الحل والعقد، ويحق له التقدم في صفوف صلاة الجمعة، وارتداء لباس خاص يميزه الشال الأخضر، وغالبًا ما يكون الزواج الكبير مع زوجته نفسها ويحق له أن يتزوج بأخرى.

زواج العفة

وعند القمريين “زواج العفة” هو الزواج الشرعي ويتم بأقل تكاليف ممكنة، قد لا يكلف الزوج ذلك أكثر من 100 دولار، لكن لا يحق لهذا الشخص الحل والعقد في قريته، بل حتى إبداء الرأي إن لم يكن من طلبة العلم، فطلبة العلم قد يحق لهم طرح رأيهم فقط.

 كما لا يحق للزوج الصلاة في الصفوف الأولى يوم الجمعة، ولا يتصدر المجالس في المناسبات، ويتوجب عليه السمع والطاعة لمشايخ قريته وإذا عصى أمرهم أصدروا في حقه أمرا بالمقاطعة، ولا يرتدي الجبة أو الشال خاصة اللون الأخضر.

فيعمل على جمع المال حتى يستطيع القيام بالزواج الكبير، أما من لم يستطع، يبقى الزواج الكبير دين في عنقه، وقد يصبح لديه أولاد قد يساعدوه في جمع تكاليفه.

تكاليف باهظة

في مساء إحدى الليالي في مدينة ديموني في أرخبيل جزر القمر، بدأ آلاف الأهالي في التوافد لميدان المدينة؛ للاحتفال بعرس “بدعانت المنيرو” وزوجها “ديناراني علي قاسم”.

وفي حديثه لصحيفة “الجارديان” البريطانية، يقول زروق إنزادين، عم العروس وهو عقيد متقاعد من الجيش القمري، إن الميزانية التي أعدت للزفاف 18 مليون فرانك قمري، أي ما يعادل 41.700 دولارا، مضيفًا: “تظنونه رفاهية، ولكن لنا كقمريين هو التزام أشبه بالدين، فإذا كان زواجك أقل من صديقك، فستشعر بالخجل طوال حياتك، لذا يريد الجميع أن يفعلوا أفضل من الآخرين وينفقوا أكثر”.

ويضيف: “لقد دعوني للانضمام إلى حفل الزفاف قبل ذلك بتسعة أيام، فقبل الحفل الكبير احتفال “صغير” يحضره أفراد الأسرة والأصدقاء والذي تضمن حفلة موسيقى وفرقة رقص تتكون من حوالي 30 شابًّا يرتدون بدلات سوداء وربطة عنق”.

ويصطف المتفرجون على أسطح المباني القريبة ويتدافعون للحصول على مكان للمشاهدة الاحتفال داخل استاد المدينة الرئيسي بأزياء تقليدية، أما داخل الساحة يتجنب الراقصون قرون الثور بينما يهتف الحضور ويضرب الطبالون إيقاعًا ثابتًا.

في الأيام التالية، نظموا عدة مواكب وولائم ورقصات لأهالي العروسين، والتي اختتمت باحتشاد مئات يرتدون أزياء تقليدية، حاملين أكاليل الزهور؛ ليستمعوا إلى خطاب لعم العروس، والذي تحدث خلاله عن الإرهاب بشمال نيجيريا.

وتحتفل كل جزيرة ومنطقة وبلدة في جزر القمر بـ”الزواج الكبير” بطريقة مختلفة، نظرًا للتنوع الثقافي الكبير؛ لوجود تلك الجزر على طريق تجاري حيوي.

حفلات “الزواج الكبير” هي ليست فقط لاستعراض الثراء، بل تلعب دورًا في مستقبل الفرد في الترتيب الاجتماعي والفرص السياسية، فمن لم يقم “زواج كبير” يجد نفسه ممنوعًا من ممارسة السياسة، وارتداء بعض الملابس، يُمنع من الصلاة في الصف الأمامي بالمسجد.

وخلال الزفاف، تتبادل عائلتا العروسين هدايا بقيمة آلاف الدولارات، بدءًا من الأطعمة والمقتنيات الفاخرة وحتى المجوهرات الثمينة، فتعود تلك الحفلات بالنفع على الكثير كالموسيقيين والمزارعين وبائعي المجوهرات، يقول  حسن عبده، 33 عامًا والذي يعمل في ورشة بصناعة المجوهرات التقليدية: “حفلات الزفاف هي عمل ومصدر رزق كبير بالنسبة لنا، يحتاج الناس إلى قلادات وخواتم وأقراط لعائلة العروس، والجميع يريدهم من الذهب الخالص”.

ويوفر “الزواج الكبير” قدرا متميزا للمساواة بين الرجل والمرأة، فعادة ما تتلقى العروس الكثير من المجوهرات من عائلة العريس بحيث يمكنها التمتع بمستوى معين من الاستقلال المالي، وعلى عكس معظم الدول والثقافات الإسلامية، يعيش الزوج في منزل زوجته وليس العكس.

كما يترك للزوجة ممتلكاتها الخاصة وأصولها القيمة، عادة على شكل ذهب، ولذلك صنفت آخر الإحصائيات، وضع المرأة بجزر القمر هو “الأفضل بين الدول الإسلامية”.

وفي اليوم العاشر من حفل الزفاف، قامت عائلة العريس بالاستعدادات النهائية قبل المغادرة إلى منزل عروسه، وارتدى ديناراني الزي التقليدي الكامل، مع سيف طويل منحنٍ مربوط على خصره، بالإضافة إلى تغطية وجهه بالكامل، وحمل على عرش ذهبي مزين بأضواء ملونة يحمله 4 رجال.

مع إيقاع الطبول، انطلق الموكب الذي يضم حوالي 200 شخص يعبر أزقة المدينة القديمة، وهم يهتفون ويغنون، وأحيانًا يقومون برمي حبات الأرز على العرش لدرء الشر وإبعاد الشياطين عن العريس.

في نهاية المطاف يصل العريس إلى منزل عروسه، يدخل إلى غرفة نوم زوجته، بصحبة الجميع، لتناول الطعام معًا، بينما تقوم حماة العريس بغسل قدميه، في النهاية يتبادل العروسان أول قبلة لهما، فيهتف ويهلل الجميع.