كتب – د. أيمن شبانة
مدير مركز البحوث الأفريقية جامعة القاهرة

 تحولت القارة الأفريقية مؤخراً إلى ساحة للتنافس بين تنظيم القاعدة العالمى وتنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، من أجل قيادة الحركات الإرهابية ذات المرجعية الإسلامية الراديكالية فى القارة، حيث يسعى كل تنظيم إلى تقديم نفسه كمرجعية جهادية لتلك الحركات، واستقطابها نحو اعتناق أفكاره، وتبنى أطره التنظيمية، وانتهاج نفس ممارساته.

 أدى ذلك إلى تبلور الانشقاقات التنظيمية داخل حركات الإرهاب بأفريقيا، بسبب تنازع الولاءات داخلها، وظهور العديد من الخلايا الإرهابية الفرعية الجديدة فى القارة، وتحول أفريقيا إلى مورد رئيسى للعناصر المقاتلة فى إطار تنظيمى القاعدة وداعش. وعلى ذلك تسعى هذه الورقة إلى رصد وتحليل ظاهرة التنافس على قيادة حركات الإرهاب فى أفريقيا، من خلال المحاور الخمسة الآتية:

أولاً-  جذور تنظيم القاعدة فى أفريقيا:

 تعود جذور تنظيم القاعدة فى أفريقيا إلى تسعينيات القرن الماضى، عندما أنشأ مؤسسه أسامة بن لادن عدداً من معسكرات التدريب بالسودان ودول القرن الأفريقى. وكان ذلك بمثابة النواة الأولى للارتباط العقيدى بين العناصر التى شكلت تنظيم القاعدة العالمى عام 1998 وبين الحركات المتطرفة فى القرن الأفريقى، بصفة خاصة، وفى أفريقيا بشكل عام، وذلك بداية من حزب الاتحاد الإسلامى فى الصومال، الذى اختفى من المشهد بعد عام 1996، ولكن ظلت أفكاره مؤثرة فى فكر بعض الحركات السفلية الجهادية.

تمكنت القاعدة بفضل هذا الارتباط من تنفيذ عدد من العمليات ضد مصالح الولايات المتحدة وحلفائها فى أفريقيا، وذلك بداية من تفجير سفارتى الولايات فى نيروبي ودار السلام فى أغسطس 1998، وتفجير المدمرة الأمريكية كول بميناء عدن فى نوفمبر2000، وتفجير فندق باراديس المملوك لاسرائيلي فى ممباسا، بالتزامن مع محاولة تفجير طائرة إسرائيلية فى كينيا في نوفمبر2002، ثم توالت العمليات فى شمال أفريقيا وإقليم الساحل الأفريقى.  

وعقب شن الحملة الأمريكية على تنظيم القاعدة ونظام طالبان فى أفغانستان فى أكتوبر2001، تجمعت عناصر تنظيم القاعدة فى إقليم وزيرستان ومناطق الحدود الأفغانية-الباكستانية. وأعاد التنظيم إنتاج نفسه مرة أخرى، عبر خلاياه التى انتشرت بالجزيرة العربية واليمن، وبلاد الرافدين، وشمال أفريقيا، والقرن الأفريقى. وطالت عملياته العواصم والمدن العالمية فى مدريد ولندن واسطنبول وبالى ومومباى والدار البيضاء والرياض وغيرها.

 كانت العمليات المتوالية للقاعدة، والظهور الإعلامى المتكرر لقياداتها، مثاراً للإعجاب وعاملاً مهماً فى خلق قدر من التعاطف مع التنظيم، والتأثر بأفكاره، وزيادة قدرته على كسب المزيد من العناصر والحركات الجهادية الحليفة فى أفريقيا. إذ أصبحت القاعدة تتبع استراتيجية تنظيمية متطورة، أقل تكلفة، وأكثر أمناً وسرعة، تقوم على استخدام أسلوب ” الإرهاب الإلكترونى”، بمعنى الاستفادة من إمكانيات شبكة المعلومات الدولية فى التنسيق بين المعقل الرئيسى للتنظيم والحركات المرتبطة به، حيث توجه الأوامر إلى تلك الحركات لكى تنفذ العمليات التى يتم تخطيطها مركزياً.

ثانياً- دوافع الارتباط بين القاعدة والحركات الإرهابية بأفريقيا:

 هناك ثلاثة دوافع على الأقل لهذا الارتباط وهى:

1- رغبة تنظيم القاعدة فى إثبات قدرته على العمل والاستمرار بعد الضربات العسكرية التى واجهها فى معاقله الأساسية، خاصة أن جذور التنظيم تعود إلى القارة الأفريقية.

2-  قرب خلايا تنظيم القاعدة فى الجزيرة العربية جغرافيا من إقليم القرن الأفريقى، وهو من المناطق الحاضنة لأفكار القاعدة.

3-  ضعف السيطرة المركزية لكثير من الدول الأفريقية على أراضيها وحدودها، مما شجع عناصر القاعدة على أن تولى وجهها شطر القارة الأفريقية، لتجند المزيد من الحلفاء الجدد المتعطشين إلى استلهام أفكارها، والاستفادة من خبراتها التدريبية، ونقل أساليبها القتالية.

 فى هذا السياق، استلهمت الجماعة الإسلامية المقاتلة فى ليبيا فكر القاعدة، خاصة أن أبرز  عناصرها كانوا من هؤلاء الذين سبق لها الجهاد فى أفغانستان. كما أن هناك العديد من قيادات القاعدة من ذوى الأصل الليبى، ومنهم أبو يحيى الليبى وعطية الله أبو عبد الرحمن.

 كما أعلن عبد المالك درودكال، الملقب بأبى مصعب عبد الودود، فى سبتمبر 2006 القيادى السابق فى الجماعة السلفية للدعوة والقتال فى الجزائر الانضمام للقاعدة، وأصبحت جماعته تعرف باسم ” تنظيم القاعدة فى بلاد المغرب الإسلامى ” منذ يناير 2007، حيث اتخذ التنظيم من جنوب الجزائر مركزاً له. بل إن هذا التنظيم الجديد أصبح هو مصدر الدعم اللوجيستى ومركز تجنيد المقاتلين الأساسى لصالح تنظيم القاعدة الأم.

  وفى الصومال، شاركت عناصر من تنظيم القاعدة الأم إلى جانب اتحاد المحاكم الإسلامية فى قتال القوات الإثيوبية التى تدخلت فى الصومال عام 2006. وتم أيضاً تنصيب فضل عبد الله محمد، زعيماً لخلية تنظيم القاعدة فى القرن الأفريقى فى نوفمبر2009 بمدينة كسمايو، التى كانت المعقل الأساسى لحركة الشباب المجاهدين آنذاك، وهى الحركة الإرهابية الأبرز على الساحة الصومالية فى الوقت الراهن.

   والجدير بالذكر أن مؤسسى حركة الشباب المجاهدين الصومالية هم من العناصر المحسوبة على تنظيم القاعدة. وأن ارتباط الحركة بالقاعدة جاء انطلاقاً من تبنيها لأفكارها، وتعاطفاً مع دورها فى تحدى المصالح الغربية، والاستفادة من خبراتها التدريبية، وأساليبها القتالية، وقدراتها التمويلية.

وقد أدى هذا الارتباط لإكساب حركة الشباب شهرة واسعة، فاحتلت أخبارها العناوين الأساسية لأدوات الإعلام، وتم إدراجها على اللائحة الأمريكية للتنظيمات الإرهابية منذ مارس 2008. كما نجحت فى تجنيد المزيد من الأنصار داخل وخارج الصومال، واتسع نطاق عملها ليطال دول الجوار الجغرافى والإقليمى، مثل أوغندا فى يوليو2010 (تفجيرات كمبالا)، وكينيا (عملية ويست جيت فى سبتبر2013، وعملية جامعة جاريسا فى أبريل 2015).

لكن يلاحظ أن الارتباط بين تنظيم القاعدة والحركات الإسلامية الراديكالية بأفريقيا ليس ارتباطاً تنظيمياً فى الغالب بقدر ما هو ارتباط فكرى عقيدى. وقد صدرت بيانات عديدة عن الجانبين تؤكد ذلك، حيث صرح مصطفى أبو اليزيد المتحدث الرسمى السابق باسم تنظيم القاعدة العالمى بأن الرابطة التى تربط التنظيم بالخلايا المنتشرة عبر العالم هى رابطة عقيدية، مؤكداً أنها أقوى من الرابطة التنظيمية. وهو ذات المعنى الذى أكده مختار روبو المتحدث الرسمى باسم الشباب المجاهدين آنذاك، الذى دافع عن مبررات ارتباط حركته بالقاعدة، دون الإشارة إلى رابطة تنظيمية معها.

ثالثاً- اتجاه تنظيم الدولة الإسلامية ” داعش ” إلى أفريقيا:

نشأ تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” فى كل من العراق وسوريا، حيث استطاع تنفيذ الآلاف من العمليات الإرهابية النوعية، التى قضت مضاجع السلطات بمعقله الأساسي، وشكلت تهديداً مباشراً للسلامة الإقليمية للدولتين. ثم شبت داعش عن الطوق لتتمكن من تنفيذ عمليات إرهابية خطيرة بالعواصم والمدن العالمية، فى فرنسا وألمانيا وبلجيكا ولندن وسيريلانكا وغيرها، فضلاً عن ابتكارها للعديد من طرق القتل والتدمير، بداية من التفجيرات وصولاً إلى دهس المدنيين بالشاحنات، سواء فى الميادين الكبرى، أو حتى فى الأسواق والمناطق العشوائية، وذلك لبث الرعب فى النفوس، والتأكيد على أنه لا توجد بقعة على وجه الأرض بمنأى عن الذراع الطويلة للتنظيم.  

 لكن داعش تعرضت لسلسلة من الهزائم العسكرية التى أدت لانسحابها من معاقلها الأساسية بالعراق وسوريا، فى الموصل ودير الزور والرقة، والاتجاه للتوسع بمناطق أخرى بالعالم، مثل أذربيجان  والفلبين وباكستان، بالإضافة للقارة الأفريقية، التى أضحت داعش تعتبرها معاقل بديلة لمعاقلها الأساسية، خاصة فى مصر وليبيا ونيجيريا ودول الساحل الأفريقى، والصومال والكونغو الديموقراطية وغيرها. وقد توخت داعش من التمدد فى أفريقيا تحقيق ثلاثة أهداف على الأقل هى:

1- الحفاظ على تماسكها التنظيمى، وإثبات قدرتها على الانتشار والسيطرة على مزيد من الأرض، وتوجيه رسالة مفادها أن خسائرها على المستويات البشرية والاقتصادية والتسليحية لن تمنعها من مواصلة التمدد والانتشار، والانتقال للشكل التنظيمى العنقودى، القائم على وجود تنظيم مركزى وخلايا تابعة له، تعمل بشكل لا مركزى فى إطار السياسة العامة للتنظيم الأم. وبالفعل كانت هناك 12 ولاية تابعة لداعش في أفريقيا وداخل آسيا والمنطقة العربية حتى يناير2020. 

2- منافسة تنظيم القاعدة فى كسب الخلايا وتجنيد الأنصار، خاصة بعد نجاح القاعدة فى تكوين أفرع جديدة موالية له بالقارة، أهمها: حركة تحرير ماسينا، وجماعة أنصار الدين، وهو ما مهد لظهور جماعة “نصرة الإسلام والمسلمين” في مارس 2017، والتى تمثل أكبر ” تحالف قاعدي” بالعالم. وهى الجماعة التى أعلنت عن مسئوليتها عن تنفيذ العديد من العمليات ضد بعثة الأمم المتحدة فى مالى ” مينوسما”.

3- توجيه ضربات انتقامية ضد بعض القوى الدولية المعادية للتنظيم، خاصة فرنسا التي ساهمت فى تأسيس تحالف إقليمي بمنطقة الساحل الأفريقى، وقدمت دعمًا عسكرياً لدول الساحل لأجل مواجهة التنظيمات الإرهابية، بالإضافة للولايات المتحدة التى تشن الهجمات ضد خلايا داعش فى ليبيا، من خلال القيادة الأمريكية الجديدة لأفريقيا “أفريكوم”.

     وعلى الجانب الأفريقى، كانت هناك خمسة من العوامل التى ساعدت داعش على التمدد فى القارة، وأهمها ما يلى:   

  1.  وجود تيار مؤيد لأفكار داعش بين أوساط الشباب داخل التنظيمات المتطرفة بأفريقيا، خاصة تلك المتعلقة بضرروة إقامة دولة الخلافة الإسلامية، وعالمية الجهاد.  
  2.  انخراط عناصر أفريقية ضمن صفوف داعش بالعراق وسوريا، وحصول بعضهم على مناصب قيادية بالتنظيم، حيث يعمل هؤلاء كحلقة وصل بين داعش والحركات الإرهابية بأفريقيا. ومن أبرزهم أبو أيوب الصومالى، الذى كانت داعش تعول عليه فى النفاذ إلى حركة الشباب المجاهدين.
  3. تزايد الانشقاقات داخل التنظيمات المرتبطة بالقاعدة، خاصة بعد اغتيال مؤسسه أسامة بن لادن، بما يمثله من قيادة كارزمية. ومن ذلك الاقتتال داخل حركة الشباب المجاهدين، والانشقاق داخل تنظيم القاعدة فى بلاد المغرب الإسلامى.
  4. توافر بيئات سياسية وأمنية حاضنة، ومن ذلك ليبيا، التى تعتبر أهم البيئات الحاضنة لأفكار داعش فى أفريقيا، وأكبر معقل جديد للتنظيم خارج معقله الأساسى. ويعود ذلك لرخاوة الدولة فيها بعد سقوط نظام القذافى، وتوافر الأسلحة المهربة من مخازن الجيش الليبى ” 23 مليون قطعة سلاح”، وهو ما جعلها مرتعاً للإرهابيين، الذين توافدوا إليها عبر أكثر من 70 دولة من أفريقيا وخارجها. كما شجع داعش على إقامة العديد من الولايات بليبيا فى درنة وبنغازى وسرت وطرابلس. وهنا يشار إلى تورط تنظيم ولاية طرابلس فى اغتيال 21 من المسيحيين المصريين قرب ساحل مدينة سرت فى فبراير 2015.
  5. رغبة الحركات الإرهابية فى أفريقيا فى الاستفادة من القدرات المالية والتسليحية والتدريبية والتنظيمية الأكبر نسبياً لتنظيم داعش مقارنة بالقاعدة، وهذا هو السبب الأهم فى تقديرى. إذ تعتبر داعش هى التنظيم الإرهابى الأغنى بالعالم، حيث قدرت الأمم المتحدة ميزانيتها السنوية من عام 2015 إلى 2017 بنحو300 مليون دولار. كما أنها تعد التنظيم الأكثر قدرة على استخدام الأسلحة غير التقليدية، بما فيها الطائرات بدون طيار” الدرونز”، فضلاً عن امتلاكها للعديد من محطات البث التليفزيونى والإذاعى والمواقع على شبكة المعلومات الدولية.    

رابعاً- أنماط الارتباط بين داعش والحركات الإرهابية فى أفريقيا:

 يمكن التمييز بين أربعة أنماط للارتباط بين تنظيم داعش  والحركات الإرهابية بالقارة الأفريقية وهى: انضمام التنظيم الأفريقى كلية إلى داعش، أو الانشقاق داخل التنظيم بين الولاء للقاعدة
وداعش، أو الانضمام الفردى لداعش من جانب عناصر بالتنظيمات الأفريقية، أو الارتباط الفكرى بتنظيم داعش. وفيما يلى عرض للأنماط سالفة الذكر:   

1- انضمام التنظيم كلية إلى داعش:

ومن أمثلة ذلك تنظيم أنصار بيت المقدس فى مصر، والذى تحول إلى ما يعرف ب ” ولاية سيناء”، وكذا حركة بوكو حرام بنيجيريا، والتى بايعت تنظيم الدولة الإسلامية فى مارس2015، وذلك بعدما كانت بوكو حرام تعرف إعلامياً باسم ” طالبان نيجيريا”، حيث ورد عن مؤسسها محمد يوسف الاستشهاد بأقوال ومواقف أبو مصعب الزرقاوى فى العراق. كما أكد زعيمها السابق أبو بكر شيخو انضمام الحركة رسيمأ لتنظيم القاعدة عام 2009.

 لكن بوكو حرام قررت الارتباط بتنظيم الدولة الإسلامية كرد فعل لقرار الاتحاد الأفريقى خلال قمته الرابعة والعشرين بأديس أبابا فى يناير2015 بتشكيل قوة إقليمية لمواجهة بوكو حرام. وهو ما دفع الحركة لمبايعة تنظيم الدولة، وذلك كنداء استغاثة، للحصول على مزيد من الدعم المالى والتسليحى، عبر عناصر داعش بليبيا، وتدعيم الروابط مع الحركات الجهادية الأخرى بالساحل الأفريقى ضد الحصار الإقليمى المفروض عليها. فى المقابل حرص تنظيم داعش على تدعيم بوكو حرام بغية تأسيس ولاية جديدة لها بالقارة باسم ” ولاية غرب أفريقيا”.

2- الانشقاق بين الارتباط بالقاعدة وداعش:

 حدث هذا الأمر فى حالتين هما: تنظيم القاعدة فى بلاد المغرب الإسلامى، وحركة الشباب المجاهدين بالصومال. ففى الحالة الأولى بويع تنظيم داعش من جانب كتيبة عقبة بن نافع بتونس وجماعة جند الخلافة فى أرض الجزائر، فيما ظل التيار الرئيسى داخل تنظيم القاعدة فى بلاد المغرب الإسلامى مرتبطاً بتنظيم القاعدة الأم.

  وبالنسبة لحركة الشباب المجاهدين فقد ظل التيار الرئيسى للحركة بقيادة أحمد ديرى “أبو عبيدة” على ولائه للقاعدة، مبرراً ذلك بالاقتناع بفكرة محلية الجهاد والتركيز على قضايا الداخل الصومالى، ورفض مبدأ عالمية الجهاد. وكذا بسبب التخوف من تشوه سمعة الحركة على المستويين الداخلى والخارجى، نظراً لما تقوم به داعش من ممارسات، تحض على القتل والتمثيل بالجثث والتعذيب والتخريب للمنشآت الدينية.

 فيما دعا تيار آخر داخل الحركة لمبايعة تنظيم داعش، الذى بدا أكثر جاذبية للجيل الجديد من العناصر المتحمسة صغيرة السن بالحركة، وذلك عبر طرح فكرة إقامة (ولاية القرن الأفريقى) كولاية جديدة تتبع داعش، وهو ما تحقق فى أكتوبر2015 عندما أعلن فصيل عبد القادر مؤمن الولاء لداعش، مؤكداً ذلك فى رسالة صوتية منسوبة له، قامت داعش ببثها عبر شبكة المعلومات الدولية. وتكمن خطورة هذا التنظيم فى تمركزه بجبال ” جال جالا ” القريبة من خليج عدن، بما يسمح له بتهديد حركة الملاحة فى المنطقة.  

3- الانضمام الفردى إلى داعش:

ينصرف هذا النمط إلى اتجاه بعض الأشخاص إلى الانضمام بشكل فردى إلى تنظيم داعش. ومثال ذلك انضمام أحمد الرويسى، الملقب بأبى زكريا التونسى لتنظيم داعش فى ليبيا. وقد كان الرويسى قيادياً فى جماعة أنصار الشريعة فى تونس. وسبق اتهامه باغتيال بعض الساسة بتونس أمثال شكرى بلعيد ومحمد البراهمى. لكن الرويسى هرب إلى ليبيا، وتحديداً إلى مدينة سرت، ليكون بعد ذلك أحد أمراء داعش بولاية طرابلس، قبل اغتياله على يد قوات الجنرال خليفة حفتر قرب سرت. 

4- الارتباط الفكرى بتنظيم داعش:

 أبدت بعض الحركات الإرهابية فى أفريقيا تأييدها لداعش، وسارت على نهجها فى تنفيذ عملياتها. ولكنها لم تعلن مبايعتها رسمياً حتى الآن. ومن ذلك تنظيم أنصار الشريعة فى تونس، وذلك بقيادة سيف الله بن حسين المعروف بأبي عياض، وكذا أنصار الشريعة فى بنغازى فى ليبيا، الذى كان يقوده محمد الزهاوى قبل اغتياله فى نوفمبر2014، والذى تحمله الولايات المتحدة مسئولية الهجوم على السفارة الأمريكية فى بنغازى. يضاف إلى ذلك، بعض التنظيمات الصغيرة، التى تعمل بدوافع  محلية أكثر من كونها عالمية، مثل أنصار الشريعة فى درنة بقيادة سفيان بن جومه، وجماعة شباب التوحيد ومجلس شورى شباب الإسلام.

خامساً- تداعيات التنافس بين القاعدة وداعش فى أفريقيا:

تباينت تداعيات التنافس بين تنظيمى القاعدة وداعش على قيادة الحركات الإرهابية فى أفريقيا من حالة إلى أخرى. لكن بوجه عام كانت هناك عدد من التداعيات لعل أهمها ما يلى:

1- تصاعد الهجمات الإرهابية وتطورها نوعياً:

 وعلى سبيل المثال، فقد ساهمت مبايعة حركة بوكو حرام لتنظيم داعش فى حدوث تحول نوعى فى عملياتها، حيث كانت تلك العمليات تستهدف غير المسلمين فحسب. لكنها امتدت لتشمل المسلمين أيضاً، بما فى ذلك المدنيين، مع تعمد بث العمليات على شبكة المعلومات الدولية، ومثال ذلك العمليات التى تم بثها تحت عنوان “حصد الجواسيس”. وبعد كانت الهجمات تقوم على أسلوب الكر والفر، فقد تطورت إلى احتلال القرى والتمركز فيها لبعض الوقت. كما كانت الهجمات تتركز داخل نيجيريا، لكنها أضحت تمتد إلى دول الجوار أيضاً، فى تشاد والكاميرون والنيجر.

 وفى ذات الاتجاه، حث تنظيم داعش فصيل عبد القادر مؤمن الموالى له بالصومال على شن المزيد من الهجمات ضد أهداف تابعة للدول الأجنبية فى منطقة خليج عدن، فضلاً عن عدم حصر الهجمات داخل الصومال، والسعى لتوسيعها لتشمل كينيا وتنزانيا وإثيوبيا أيضاً.  

2- تنازع الولاءات داخل الحركات الإرهابية الأفريقية:   

 إن تنازع الولاءات بين القاعدة وداعش قد يدفع التيارات المختلفة داخل الحركات المتطرفة بالقارة إلى الاشتباك المسلح فيما بينها، وربما يؤدى إلى عزل بعض القيادات أو تصفيتها على يد خصومهم.

فبالرغم من مبايعة حركة بوكو حرام لداعش، لكن بعض القيادات داخل بوكو حرام تراجعت عن تلك البيعة، لتعود إلى ولائها للقاعدة، مما أدى لتنازع الولاءات داخل الحركة، وهو ما انعكس بالسلب على تماسكها التنظيمى. فعقب مبايعة بوكو حرام لداعش، عينت الأخيرة “أبو مصعب البرناوى”، نجل الشيخ محمد يوسف مؤسس بوكو حرام زعيماً جديداً للحركة بدلاً من زعيمها السابق أبو بكر شيخو وذلك عام 2016، مما أدى لتواتر الاشتباكات بين الفصيلين، وحدوث انقلاب جديد ضد البرناوى، انتهى بإصدار مجلس شورى بوكو حرام قراراً فى مارس 2019 بعزل البرناوى، واختيار قائد جديد للحركة، ووضع البرناوى قيد الحبس.

ومن المتوقع أن تزداد تلك الانقسامات داخل الحركات الموالية لتنظيم داعش إثر اغتيال مؤسس داعش ” أبو بكر البغدادى” فى غارة أمريكية فى أكتوبر2019، وما قد يرتبط بذلك من تراجع للقدرات المالية لداعش وتزايد للانشقاقات داخلها.

3- رفض الحركات الإرهابية لجميع التسويات التفاوضية:

  في ظل حالة التنافس بين تنظيمى القاعدة وداعش على كسب تأييد الحركات الإرهابية فى أفريقيا، تستطيع هذه الحركات الأموال اللازمة لتجنيد المقاتلين وشراء الأسلحة وتنفيذ الهجمات، فضلاً عن زيادة قدرتها على المناورة، الأمر الذى يدفعها إلى تصعيد أنشطتها، ورفض كافة العروض التى تقدم لها من أجل الجلوس إلى مائدة التفاوض، والبحث عن تسويات تفاوضيه لصراعاتها مع خصومها، خاصة أن هذا الأمر يتناقض مع أطرها الفكرية، التى ترفض التفاوض والحلول الوسطى، وترى أن القتال هو الوسيلة الوحيدة لتحقيق أهدافها، وهو ما يزيد من صعوبة تحقيق السلم والأمن فى الدول التى تتمركز فيها تلك الحركات.

 وعلى سبيل المثال، ظلت حركة بوكو حرام ترفض إجراء أى مفاوضات مع الحكومة النيجيرية للإفراج عن فتيات مدينة شيبوك المختطفات على يد الحركة. وكان قبول قائدها السابق أبو مصعب البرناوى التفاوض مع الحكومة فى هذا الشأن سبباً أساسياً للإطاحة به.