كتب. محمد الدابولي

أحداثاً ساخنة تشهدها الساحة السياسية السودانية عقب محاولة اغتيال رئيس الوزراء «عبد الله حمدوك» بتفخيخ موكبه أثناء مروره أسفل «كوبرى كوبر» بمنطقة الخرطوم بحري وهو في الطريق من منزله إلي مقر رئاسة الوزراء السودانية، وتأتي محاولة الاغتيال الأخيرة لتضاف إلي سلسلة من الحوادث شهدتها السودان مؤخرا من شأنها أن تعيق استقرار السودان ونجاح ثورته.

تأتي محاولة الاغتيال بعد مرور أقل من شهرين على محاولة التمرد الفاشلة الأخيرة التي قام بها بعض منتسبو جهاز المخابرات السودانية في 14 يناير 2020 بحي كافوري شمال الخرطوم، كما تأتي المحاولة بعد أيام قليلة من تلقي البنك المركزي السوداني خطابا من مدير مكتب العقوبات بوزارة الخارجية الأمريكية يفيد بانهاء كافة أشكال العقوبات الأمريكية المفروضة على السودان.

كما تأتي محاولة الاغتيال في ظل حالة الاستقطاب السياسي في السودان وتدني مؤشرات الاقتصاد وانخفاض مؤشر الثقة في حكومة «حمدوك» نظرا للاستمرار الأزمة الاقتصادية وعدم قدرتها القاطعة على تفكيك أواصر الدولة العميقة التي أنشأها نظام الرئيس المعزول «عمر البشير» والتي تحاول من حين لأخر زعزعة استقرار السودان وضرب ثورته.

من وراء الحادث؟

تشير أغلب التحليلات السودانية إلي تورط عناصر النظام القديم في الحادث، خاصة وأن الشعب السوداني في انتظار نتائج لجان التحقيق التي تم تشكليها للنظر في الأحداث التي مرت بها السودان، حيث تشكلت خمس لجان وهم اللجنة الوطنية المستقلة المتعلقة بأحداث فض اعتصام القيادة العامة ولجنهة إزالة التمكين ولجنة المفصوليين تعسفيا، ولجنة بحث حوادث الاعتداء على المواكب، وأخيرا اللجنة المتعلقة باعتداء الشرطة على المتظاهرين.

وفي هذا السياق، ظهر بيان منسوب إلي كيان جديد يدعى «حركة الشباب الإسلامي السوداني» ـــــ طالبان السودان ــــــ أعلنت عن مسئوليتها عن الحادث مبررة عملياتها بضرورة تحرير السودان من الاستعمار ومنع التدخل الأجنبي في الشأن الداخلي السوداني، ولم يفت على كاتب البيان الأول لحركة الشباب الإسلامي في السودان أن ينفى صلته بالحركة الإسلامية المحسوبة على تنظيم الإخوان والرئيس المعزول عمر البشير. 

وفي المقابل لم توجه الأجهزة الأمنية أية اتهامات لأية جهة حتي الآن، حيث أكدت تلاحق بعض المجهولين المتورطين بارتكاب الحادث، لكن المعاينات الأولية أثارت الجدل حيث اشتبه العديد من المحللين في سيارة «أكسنت» كانت متوقفة أسفل كوبري كوبر ويرجح أنها كانت مفخخة، وفي هذا الاتجاه أوضحت صحيفة «الراكوبة السودانية» تخص أحد منتسبي القوى الأمنية ويقيم بحي كافوري وأنها كانت متعطله في ذلك الوقت، وأن مصادر شرطية نفت صلاتها بالحادث.

رغم عدم التأكد من صحة الرواية الخاصة بالسيارة، إلا أن ثمة هاجس يساور الحكومة السودانية حاليا وهو خطورة منتسبي الأمن المحسوبين على النظام البائد، فأغلب التعليقات السودانية سارت في اتجاه ضرورة تطهير الأجهزة الأمنية من المحسوبين على نظام الانقاذ وإلا ستسقط الثورة السودانية، وأن حادث تمرد الاستخبارات ليس ببعيد عن الذاكرة.

ردود الأفعال

رغم جسامة الحادث الأخير، إلا أن حمل القليل من الإيجابيات أبرزها عودة اللحمة الوطنية السودانية كما كانت هي عليه وقت عزل البشير، وأيضا انتفاض السودانيين دفاعاً عن ثورتهم حيث جاءت معظم ردود الفعل الداخلية منددة بالحادث تقريبا وتطالب بتغليظ يد الحكومة في مواجهة رموز النظام البائد، حيث دعت قوى الحرية والتغيير  إلي الخروج في مواكب لدعم «حمدوك» وإظهار التلاحم الشعبي، فيما شدد حزب المؤتمر  على ضرورة السيطرة على الأجهزة الأمنية والعسكرية وإزالة تمكين النظام البائد وأن الحادث ما هو إلي جرس إنذار للسلطات الانتقالية في البلاد بتنامي قوى الثورة المضادة، فيما عبر  حزب الأمة القومي على لسان رئيسه عن أمل الحزب في أن توفق الأجهزة الأمنية في الكشف عن مدبري الهجوم، فيما وصف ياسر عرمان نائب رئيس الحركة الشعبية شمال ـ قيادة مالك عقار ـ الحادث بأنه بضاعة جديدة لقوى الثورة المضادة.

فيما عبرت حركة تحرير السودان عن استياؤها من الحادث  واعتبرت الحادث مؤشرا خطيرا وبداية لسلسة من العمليات الإرهابية، في حين أكد المتحدث الرسمى باسم الحكومة «فيصل محمد صالح» بأنه سيتم التعامل بحسم مع محاولة الاغتيال، فيما أدان طرفي التفاوض بجوبا ـ جنوب السودان ــــ عملية الاغتيال  حيث أكد عضو الفود الحكومي الفريق أول ركن شمس الدين كباشي أن ما حدث عملية إرهابية.  

وحذر النائب العام في السودان «تاج السر حبر» بأن عملية الاستهداف تعد استهدافا للنظام الانتقالي في السودان، وأن ماحدث جريمة مكتملة الأركان في حق الدولة بحسب نصوص القانون الجنائي وقانون الإرهاب وقانون الأسلحة والذخيرة، مضيفا أن النيابة العامة بدأت في التحقيقات بشأن ملابسات العملية.

أما بالنسبة للقوى السياسية في دافور، فقد أكد «معتصم صالح» المتحدث باسم حركة العدل والمساواة أن عملية الاستهداف محاولة بائسة من قوى النظام البائد تستهدف العودة إلى عهود الظلام مطالبا السلطات الأمنية ببذل المزيد من الجهد لتقديم الجناة إلي العدالة.

أما على مستوى ردود الفعل الخارجية فهي الأخري انصبت على التنديد بالحادث وتأكيد الدعم للحكومة السودانية في مرحلتها الانتقالية، حيث استهجنت كل من مصر والإمارات والسعودية والبحرين وبريطانيا والولايات المتحدة والأمم المتحدة ومنظمة الإيجاد الحادث، وأعلنوا تضامنهم مع الحكومة السودانية.

  • إدانة قد تكون غير مقبولة

في سياق موازي أدان «إبراهيم غندور» أخر رئيس للمؤتمر الوطني المنحل “حزب البشير” الحادث الإرهابي حيث أكد غندور أن محاولة الاغتيال لا تعبر عن قيم المجتمع السوداني داعيا سلامة الوطن والشعب من الفوضى والفتن، كما تلقي «حمدوك» اتصالا هاتفيا من نظيره القطري «خالد بن خليفة» للاطئمنان على صحته.

 إلا أنه من المؤكد أن إدانة الغندور والمسئول القطري للحادث لن يتم تقبلها  من جموع القوى السياسية السودانية التي باتت تنظر للمؤتمر الوطني المعوم قطريا على أنه المتسبب في عدم استقرار البلاد وتطالب بحله ومنع أفراده من المشاركة في العمل العام.

مآلات عملية الاغتيال الفاشلة

رغم حالة التضامن الشعبي والإقليمي والدولي الواسعة للسودان بعد محاولة الاغتيال الفاشلة إلا أن الحادث حمل العديد من المآلات التي تشي بمستقبل مضطرب للسودان في الفترة المقبلة ومن أبرز تلك المآلات:

  • ضعف حكومة «حمدوك»: رغمسلامة «حمدوك» من الحادث، إلا أن ما حدث يشير إلي حالة الهشاشة التي تعانيها الحكومة السودانية خاصة الأجهزة الأمنية، التي فشلت في التنبؤ بالحادث وتأمين موكب حمدوك وهو ما عبر عنه اجتماع المجلس السيادي بالحكومة السودانية وقوى الحرية التغيير يوم الثلاثاء 10 مارس بضرورة محاسبة الجهات المسئولة عن تأمين الموكب، ويدور التساؤل الآن حول مستقبل حمدوك نفسه كرئيس للوزراء في ظل مناداة حزب الأمة السوداني بضرورة تولي الصادق المهدي منصب رئيس الوزراء باعتباره أخر رئيس وزراء للبلاد قبل انقلاب البشير عام 1989.   
  • فقدان الثقة في الأجهزة الأمنية: اضافة لما سبق قرر اجتماع الحكومة مع المجلس السيادي ضرورة انشاء جهاز  «الأمن الداخلي» تحت إمرة وزارة الداخلية  ليكون بديلا عن الأجهزة السابقة المشكوك في ولائها وسيطرة عناصر المؤتمر الوطني عليها، وهو ما قد يجر البلاد خلال الفترة المقبلة إلي اضطرابات أمنية قد تثيرها عناصر الأجهزة الأمنية المحسوبة على النظام البائد، كما يثور تساؤل حول قدرة الجهاز الجديد علي تنظيف الشرطة والجيش من عناصر النظام البائد.
  • اشتداد عود الثورة المضادة: يدل الحادث الأخير على اشتداد عود قوى الثورة المضادة في السودان، وأن ما حدث بالأمس ما هو إلا سلسلة من تحركات بدتها تلك القوي منذ ديسمبر الماضي وإلي اليوم، حيث تم تدشين أولا حركة الزحف الأخضر الموالية للبشير ثم تمرد الاستخبارات السودانية وأخيرا محاولة استهداف حمدوك.

ومن المثير أيضا تلاعب قوى الثورة المضادة بالمسميات لأجل التمويه، فمؤخرا ظهرت حركة الشباب الإسلامية وقبلها الزحف الأخضر، إلا أنه من قراءة أهداف ومبادئ الجماعتين يتبين لنا أنهما مجرد أذرع للمؤتمر الوطني يتم استخدامهم لإعاقة عمل الحكومة ووأد الثورة السودانية.      

  • الإضرار بالمسار الاقتصادي:  الحادث الأخير قد يكون الهدف منه التأثير علي الاقتصاد السوداني ومنعه من التقدم خاصة بعد قرار الخارجية الأمريكية برفع كافة العقوبات عن السودان والدعو إلي إجراء المزيد من الاستثمارات وهو الأمر الذي قابلته الأوساط الاقتصادية السودانية بالتفاؤل الحذر على اعتبار أن القرار قد يفتح الباب أمام الاستثمارات الأجنبية في البلاد، لذا قد ترى قوى الثورة المضادة ضرورة استمرار الأزمة الاقتصادية على حالها وضرب أية محاولة من شأنها الارتقاء بالاقتصاد.