حسام عيد – محلل اقتصادي

ساعدت ثورة التكنولوجيا المالية على تحقيق شمول مالي شبه كامل في كينيا؛ فالدولة صاحبة التجربة التنموية الأكثر إشراقًا وازدهارًا في شرق القارة السمراء، صنفت كواحدة من أفضل الاقتصاديات أداءً في أفريقيا، ومن المتوقع أن تحقق نموًّا بمعدل 6% خلال عام 2020؛ وذلك وفقًا لآخر أرقام وتقديرات بنك التنمية الأفريقي (AFDB)، كما أنها قادت القارة في الإدماج المالي لأكثر من عقد من الزمان.

ووفقًا لمسح أجرته منصة “FinAccess” المالية الرقمية، على الأسر في عام 2019، وبالتعاون مع البنك المركزي الكيني والمكتب الوطني الكيني للإحصاء، تبين أن 82.9% من السكان البالغين يمكنهم الوصول إلى منتج مالي واحد على الأقل.

وعن كثب، تتقدم جنوب أفريقيا وأوغندا ورواندا ونيجيريا، كقادة للشمول والاندماج المالي في القارة، لكن يعرف ويشتهر السوق الكيني بعمل 150 شركة مالية في وقت واحد، مع تقديمها خدمات تتعدد بين الائتمان الرقمي إلى منصات التحويل.

ومع ذلك، مع اقتراب كينيا من الشمول المالي الكلي تقريبًا، تتغير المحادثة من الوصول إلى القيمة، إلى: هل العديد من المنتجات المالية تعود بالنفع على السكان وهل القطاع منظم جيدًا بما يكفي لضمان حماية المستهلكين؟! من منظور التنمية، فإن الإدماج والشمول المالي ليس هو الهدف النهائي، وهذا ما سنتعرض له بالتحليل في التقرير التالي.

تحفيز وتمكين الأسواق الناشئة

الشمول المالي؛ جلب ودمج المؤسسات غير المقيدة في قطاع التمويل الرسمي، ويعد بمثابة دفعة تطوير رئيسية في الأسواق الناشئة، حيث تتضمن العملية إيجاد طرق مبتكرة لتوفير المنتجات المالية للقطاعات المحفوفة بالمخاطر التقليدية والتي ستقود في النهاية النمو الاقتصادي من خلال مؤسسات وشركات صغيرة ومتوسطة، ممولة جيدًا.

ومن خلال توفير أهداف التنمية المستدامة لعام 2030 لمنظمة الأمم المتحدة، من المتوقع أن يكون الإدماج والشمول المالي بمثابة عامل تمكين للعديد من الأهداف بما في ذلك القضاء على الفقر، وإنهاء الجوع، وتحقيق المساواة بين الجنسين والتمكين الاقتصادي للمرأة.

بيئة أعمال مناسبة

تمكنت كينيا من المضي عبر خطوات حثيثة ومتسارعة نحو الشمول المالي بسبب بيئتها التنظيمية الإيجابية والاقتصاد الكلي الجذاب.

ويقول وين هينيسي-باريت، الرئيس التنفيذي ومؤسس 4G Capital، التي تعمل على رقمنة مجموعة من الخدمات المالية اللازمة لربط الاقتصاد الأفريقي غير الرسمي بالعالم، وهي تقنية تمزج بين التدريب على الائتمان والقروض غير المضمونة لتحقيق معدل سداد بنسبة 94%، إن “البيئة المؤيدة للأعمال” في كينيا سمحت بتدفق الابتكار المالي.

وبالمقارنة مع الأسواق الأفريقية الأخرى، وفر المنظمون الكينيون إطار السياسة اللازم لبث الحياة في M-Pesa الناشئة والمنبثقة من Safaricom في عام 2007، وهي خدمة تحويل الأموال والتمويل والتمويل الأصغر القائمة على الهاتف المحمول، وقد أطلقتها شركة فودافون في عام 2007 لصالح Safaricom وVodacom، أكبر مشغلي شبكات الهاتف المحمول في كينيا وتنزانيا.

وبفضل نجاحها، تعد Safaricom أكبر شركة اتصالات وأكثرها ربحية في شرق أفريقيا، حيث تساهم بحوالي 5% من الناتج المحلي الإجمالي في كينيا.

ونحو مزيد من الابتكار، لا تزال كينيا بصدد إدخال صندوق رمل نهائي (تقنية تنظيمية رقمية مشفرة) خاص بالتكنولوجيا الدقيقة يحدد شروط تنظيم التقنية في المرحلة المبكرة.

ستستخدم هيئة أسواق رأس المال (CMA) صندوق الرمل “لخلق بيئة مواتية لإطلاق إمكانات حيز التكنولوجيا”، وقد تم قبول ثلاثة من خدمات التكنولوجيا المالية حتى الآن.

وجنبًا إلى جنب مع البيئة التمكينية المناسبة، تجد المنتجات المالية بسهولة منزلاً في سوق كينيا القريب الذي يبلغ 60 مليونًا، بسبب طبقة متوسطة سريعة النمو تتمتع بمستوى جيد من المعرفة المالية والقادرة على سداد المدفوعات بسهولة من خلال النقود عبر الأجهزة المحمولة.

يقول رافي مازر -وهو محلل مالي مستقل، كان يعمل سابقًا في Financial Sector Deepening Kenya (FSD Kenya) – “إن هذه المقاييس الأساسية حولت نيروبي إلى مركز للشركات الناشئة والشركات المالية التي تتطلع إلى القيام بأعمال تجارية؛ فالقطاع ضخم وينمو كل يوم، وهناك مجموعات من المواهب المتمثلة في حاضنات مثل iHub وNairobi Garage، والتي قامت بعمل جيد للغاية في جلب المبتكرين والمبدعين وأصحاب المشاريع الشباب إلى البلاد”.

سلبيات النجاح.. ديون وتعثر

يمكن القول: إن كينيا كانت ناجحة للغاية، ينمو عدد وكالات الائتمان الرقمية في السوق يوميًّا. ومع ذلك، فإن الطبيعة المتساهلة للتنظيم الكيني تعني في الغالب أن هذه الشركات تخضع لفحص محدود للغاية، وبعضها يستفيد من أولئك الذين يحتاجون إلى المال السريع.

وبالمثل، في حين حفز العددُ الهائل من وكالات الائتمان المستعدة للإقراض نموَّ الأعمال التجارية الصغيرة، إلا أن العديد من المستخدمين واجهوا أزمة الديون في غياب توجيهات من الحكومة بشأن كيفية الاقتراض بشكل مستدام.

وقام المكتب المرجعي للائتمان في كينيا (CRB) بإدراج 2.7 مليون شخص على القائمة السوداء لعدم قدرتهم على سداد القروض بأقل من دولارين. يشير هذا إلى أن التضمين المالي له بعض الجوانب السلبية، إذا كانت المنتجات نفسها ومقدميها غير خاضعين للتنظيم.

الثقة أمر حاسم

بدوره، شدد جوشوا أويجارا -الرئيس التنفيذي لأكبر بنك في كينيا، البنك التجاري الكيني (KCB) ، الذي يضم 17 مليون عميل في جميع أنحاء شرق أفريقيا- على أن المنتجات يجب أن تكون “ميسورة التكلفة ومناسبة ويمكن الوصول إليها” من أجل خدمة السوق بشكل جيد.

وتبنى البنك الخدمات المصرفية الرقمية، بالتعاون مع Safaricom لإطلاق KCB M-Pesa  في عام 2015، لكنه يحتفظ بالصورة الموثوقة المرتبطة ببنوك ومؤسسات لها مواقع مادية يمكن للعملاء زيارتها للقيام بأعمال تجارية، كما تقدم خدمات مصرفية عبر الإنترنت، وهو ما يعرف بــــbricks and mortar bank .

ويقول أويجارا: “أهم عنصر في المصرفية هو الثقة. فهي تمتد وتتجذر عبر الأجيال وستظل كذلك حتى مع تبنينا المزيد من التكنولوجيا في جهودنا لتقديم المزيد من الكفاءة والراحة لعملائنا”.

أما شركة 4G Capital، المتواجدة في 92 سوقًا في جميع أنحاء كينيا، وتتوسع حاليًا في أوغندا، إن مقرضي “تطبيق pure-app” الذين يمارسون القليل من الاهتمام والحماية الواجبة قبل الإقراض يخلقون مشاكل للمستهلكين الكينيين.

ويقول الرئيس التنفيذي للشركة، هينيسي-باريت: “إن المشكلة الحقيقية ليست فقط “التضمين والشمول”، إنها إيصال الخدمات المالية المناسبة إلى المناطق التي بأشد الحاجة إليها بطريقة تفيد الجميع”.

وأضاف: “إننا نشير إلى عدم إعادة تمويل الأشخاص الذين يكافحون بالفعل لسداد القروض، ونرفض ’الإقراض الأعمى‘ أو ’الإقراض للتعلم‘، مما يخلق فقاعات ائتمانية بين المستضعفين. ليست هذه هي الطريقة التي نذهب إليها، ونأمل أن نرى سلوكًا أوسع وأكثر تحسنًا في الصناعة”.

إلى جانب جودة المنتجات المتاحة في السوق، فإن اتساع التنوع مهم أيضًا؛ ومن ثم توجيه الشركات بعيدًا عن الائتمان الأساسي نحو أدوات مالية أكثر تطورًا في مجالات تتراوح من التمويل الشخصي مرورًا بالتعليم وحتى الزراعة.

وختامًا يمكن القول: إن المسؤولية تقع على عاتق الحكومة لوضع تشريع مناسب لحماية المستهلك مع الحفاظ على البيئة التمكينية.

فعمليًّا، قد يتسبب غياب القيود والحواجز أمام دخول السوق، في حدوث مشكلة، لذلك بات من الضروري إنشاء إدارات لحماية المستهلك بالإضافة إلى زيادة قوة وميزانية الجهة المنظمة لضمان فحص جميع الشركات التي تدخل سوق التكنولوجيا المالية الرقمية بدقة.