حسام عيد – محلل اقتصادي

تواصل مملكة إي سواتيني “سوازيلاند سابقًا” استخدام مواردها وقدراتها لتوسيع فرص الاستثمار لكل من الأعمال التجارية الأجنبية والمحلية، كجزء من الاستراتيجية الوطنية للنمو الاجتماعي والاقتصادي، لا تدخر أي جهد في مساعي الوصول إلى الأسواق الدولية وتأمينها لمنتجاتها، ومن ثم التحول لحلقة وصل مهمة للاقتصاد العالمي، هكذا تحدث الملك مسواتي الثالث عن آمال وطموحات مملكته الأفريقية في اقتصاد نوعي تنافسي، ليس فقط بين اقتصادات القارة السمراء فحسب، بل بين الاقتصادات العالمية أيضًا.

إي سواتيني.. مرحلة اسم ما قبل الاستعمار

في 19 أبريل 2018، احتفلت “مملكة سوازيلاند” الواقعة في جنوب شرق القارة الأفريقية بيوبيلها الذهبي منذ الاستقلال عن بريطانيا أولًا ثم جنوب أفريقيا، تزامنًا مع عيد الميلاد الخمسين للملك مسواتي الثالث.

حدث جلل دفع الملك إلى إلقاء خطاب حيوي ومفصلي في تاريخ “سوازيلاند” وشعبها، إلى القول بأنه حان الوقت لبلاده أن تحذو حذو أغلب الدول الأفريقية التي استرجعت اسمها الذي كانت تحمله قبل استعمارها من قبل الإمبراطوريات السابقة.

وأعلن الملك مسواتي الثالث الذي يحكم منذ 34 عامًا، تغيير اسم بلاده سوازيلاند الصغيرة الواقعة بالكامل داخل دولة جنوب أفريقيا، إلى “إي سواتيني”.

الاسم الجديد؛ يعنى “أرض السوازي” باللغة السواتية وهم سكان الأرض الأصليين المكونين من عرقية سوازي التي تشكل الثقل السكاني الأكبر بالإضافة لوجود عرقيات أخرى قليلة كالزولو وشعوب الأفريكان وبعض البرتغاليين.

بلد يقع على حدود جنوب أفريقيا في الشمال والجنوب والغرب، وموزمبيق في الشرق، تبلغ مساحتها 17363 كيلومترًا، خضعت لحماية بريطانية ثم لنفوذ اتحاد جنوب أفريقيا. أرضها جبلية، والقطاع الشرقي منها سهلي، مناخها معتدل على المرتفعات حار رطب في السهول الشرقية.

يعيش عليها أكثر من 2 مليون نسمة، وتنقسم المملكة إلى أربعة أقسام رئيسيّة وهي؛ هوهو، ومنزيني، ولوبومبو، وشيزلويني.

ويعتنق حوالي 82% من السكان الدين المسيحي، 10% مسلمون، أصحاب ديانات أخرى مثل الإنجيليكية واليهودية 30%.

واللغة الرسمية الإنجليزية، ولغة “سي سواتي” المحلية، ويمتلك المستثمرون الأوروبيون نصف الأراضي في سوازيلاند “إي سواتيني” تقريبًا حيث يزرعون الأرز، والذرة وقصب السكر، والقطن، وتربي الأبقار والأغنام والماعز ومخارجها من موزمبيق وجنوب أفريقيا.

رؤية التحول الاقتصادي 2017 – 2022

بداية جديدة تلتزم بها الأمة، والتي قد بدأت مهمة في السابق من خلال رؤية 2017- 2022 التي تركز على جعل “إي سواتيني” دولة رائدة في العالم بقطاعات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والسياحة والصناعة التحويلية والطاقة والتعدين.

وتمشيًا مع روح الرؤية وبطريقة غير مسبوقة، تم بعد ذلك تعيين رئيس وزراء جديد بعد بضعة أشهر، من خلال منح برلمان الشعب “سيبايا” الثقة في ثلاثة أيام فقط.

ماندولو أمبروز دلاميني؛ عقليته في القطاع الخاص كان لها دورًا رئيسيًا في توفير التحول المناسب الذي يتطلبه الحزب الديمقراطي الأفريقي المتحد وفي تشكيل مجلس الوزراء الجديد الذي تحرك سياساته وإصلاحاته من خلال توفير بيئة أعمال مبتكرة تمكينية للمستثمرين والشركات الصغيرة والمتوسطة.

يولي القطاع الخاص الأولوية للكفاءة. وقال سانديل دلاميني، المدير التنفيذي لهيئة تنظيم الخدمات المالية (FSRA)، إن 50% من الأصول الخاضعة لإشرافه ستوفر البيئة الجاذبة للاستثمار الأجنبي المباشر.

منذ ذلك الحين تم وضع تشريعات جديدة لضمان تسجيل الشركات السريع والحصول على تراخيص التداول من خلال المنصات الإلكترونية.

وأوضح دوميساني مسيبي، المدير العام لمجموعة فينكورب، “أن إي سواتيني لديها البنية التحتية الاقتصادية الأساسية اللازمة لجذب الاستثمارات الدولية”.

كانت المبادرات لتحفيز نمو تكنولوجيا المعلومات والاتصالات حاسمة في قيادة الطريق إلى النمو الاقتصادي السريع.

بدوره، أكد بيتروس دلاميني المدير العام لمجموعة إي سواتيني للاتصالات والبريد EPTC، أن بلاده بحاجة إلى الاستثمار في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، لأنها ستكون المحرك للنمو الاجتماعي-الاقتصادي ومفتاح لتسارع نمو الناتج المحلي الإجمالي الوطني.

كما أن تعاون القطاع المصرفي في خدمات التحول المالي الرقمية لرفع مستوى الخبرة والابتكار، بات ضرورة ملحة. وحسبما قال فيكيل نكوزي، المدير العام في مجموعة الخدمات المالية، “نيد بانك Nedbank”، “إن القطاع المصرفي عامل مساعد ومساهم كبير في إجمالي الناتج المحلي”.

الحديقة الملكية للعلوم والتكنولوجيا

وعلى مسار مواكبة متغيرات الثورة الصناعية الرابعة في التحول والتقدم التكنولوجي، صممت وأطلقت “إي سواتيني”، الحديقة الملكية للعلوم والتكنولوجيا باستثمارات تقدر بـ240 مليون يورو، بهدف توفير موقع للحكومات والجامعات والشركات الخاصة للتعاون في تطوير الابتكار وتطوير وتسويق التكنولوجيا من خلال منشأة واحدة.

وقال للرئيس التنفيذي لبنك ستاندرد -مجموعة للخدمات المالية في جنوب أفريقيا وأكبر مقرض في القارة السمراء من حيث الأصول- “إن استخدام التكنولوجيا لتمكين الناس من ممارسة الأعمال التجارية هو مستقبل هذه الصناعة”.

البنية التحتية تقود النمو

الفرص كثيرة داخل “إي سواتيني”، مع تعدد طرق التجارة والسياحة التي تدفع حرفيًا حدود “إي سواتيني” عبر مسارات السكك الحديدية ومطار الملك مسواتي الثالث والطرق السريعة الجديدة.

ويوضح وزير الأشغال العامة والنقل، ندلالوهلازا ندواندوي، “أنه بالنظر إلى الوضع غير الساحلي لموقع إي سواتيني وموقعه الاستراتيجي بين موزمبيق وجنوب أفريقيا، يلعب قطاع النقل دورًا محوريًّا في ضمان إمكانية الوصول وحركة البضائع والخدمات بكفاءة داخل المنطقة، فهو يعد محور الخدمات اللوجستية للبلاد”.

وقد أجريت بالفعل استثمارات ضخمة لربط إي سواتيني بموزمبيق وجنوب أفريقيا. من الناحية الجغرافية، لدى المملكة الأفريقية ميزة تنافسية، ففي الجنوب لديها واحد من أكبر موانئ الشحن في أفريقيا، حسبما أكد الرئيس التنفيذي لشركة سكك إي سواتيني الحديدية ستيفنسون نغوبان.

ومن ناحية أخرى، تقوم شركة الإنشاءات الكبرى، مثل إنياتسي Inyatsi، حاليًا بإنشاء طريق سريع استراتيجي يربط جنوب أفريقيا بموزمبيق عبر مطار إي سواتيني.

ويقول الرئيس التنفيذي لمجموعة إنياتسي، تومي سترايدوم، “إن البنية التحتية هي التي تقود النمو في أي بلد، وكانت إي سواتيني دائمًا في طليعة تطوير الطرق”.

شبكات طاقة متجددة

ومن الأمور الحاسمة للنمو والتنمية؛ تحديد أولويات الحكومة لقطاع الطاقة لديها، بهدف توفير الطاقة الكافية بحلول عام 2034 من خلال تسخير الموارد الهائلة للبلاد من أجل الطاقة المتجددة، مثل الكتلة الحيوية، والباجاس (تُفل قصب السكر)، والطاقة الكهرمائية، والطاقة الشمسية، وطاقة الرياح.

ويؤكد فوسوميزي مخوماني، الرئيس التنفيذي لهيئة تنظيم الطاقة في إي سواتيني ((ESERA: “نريد تحسين قاعدة منتجي الطاقة لدينا، مع توفير طاقة أكثر فعالية من حيث التكلفة”.

صناعات زراعية تجارية رائجة

كأكبر صناعة في البلاد ورابع أكبر منتج للسكر في القارة، أنتجت إي سواتيني 735000 طن من السكر في 2018 وحدها.

ومن أجل دعم والحفاظ على حزام السكر والمحاصيل الأخرى، نفذت الحكومة مبادرات للتكيف مع المناخ: مشروع تطوير مصب مياه كوماتي (KDDP)، ومشروع ري يوثو لأصحاب الحيازات الصغيرة (LUSIP)، بالإضافة إلى LUSIP II الذي سيوسع الأراضي الزراعية المروية المتاحة لأصحاب الحيازات الصغيرة المحلية.

ويقول سامسون سيثول، الرئيس التنفيذي لـ’إي سوادي‘: “لدينا الفرصة في إي سوادي لنقل الناس من الزراعة التقليدية إلى الزراعة التجارية؛ نريدهم أن ينتجوا ويطعموا العالم”.

وختامًا، يمكن القول: إن مفتاح قدرة الأمة على تحقيق رؤيتها هو سكانها المتعلمون والمبتكرون والمتطلعون دائمًا نحو مواكبة التقدم في العصر الحديث، وفي الوقت ذاته لديهم أصالة التمسك والحفاظ على التراث والعادات القديمة.

ولكن في نهاية المطاف، ووفقًا لرئيس الوزراء دلاميني ، “إن السلام والاستقرار هما الغراء “الصمغ” الرئيسي الذي يجعلنا معًا كأمة تسمح لبيئة الأعمال بالازدهار والرخاء”.