كتب – د. محمود زكريا

مدرس العلوم السياسية بكلية الدراسات الأفريقية العليا ونائب مدير مركز دراسات حوض النيل بجامعة القاهرة

تعد مصر أحد أبرز القوى الإقليمية في القارة الأفريقية، وذلك منذ قيام ثورة 30 يونيو 2013م، وتحديدًا منذ وصول الرئيس المصري (عبدالفتاح السيسي) إلى سدة الحكم في منتصف عام 2014م؛ حيث أعادت مصر وضع الدائرة الأفريقية ضمن دوائر الحركة الرئيسية لسياستها الخارجية، وهو ما تبلور من خلال توجهات وسياسات القيادة السياسية المصرية القائمة على مركزية أفريقيا بأقاليمها المختلفة ضمن مصفوفة السياسية الخارجية المصرية، والتي اتسقت مع المادة الأولى من الدستور المصري الصادر في عام 2014م، والذي تحدث عن الانتماء المصري إلى قارة أفريقيا.

وتزامنت إعادة هيكلة التفاعلات الخارجية المصرية حيال أفريقيا مع تبني الاتحاد الأفريقي لأجندة أفريقيا 2063م في مايو 2013م، وقد ارتكزت هذه التفاعلات في جانب كبير منها على تحقيق التطلعات المندرجة في إطار الأجندة على مختلف المستويات السياسية والاقتصادية، والأمنية والعسكرية، والاجتماعية والثقافية، والتي تعكس تطلعات ورغبات الدول الأفريقية سواءً على مستوى الرسمي (الحكومات) أو غير الرسمي (الشعوب).

واكتسبت التوجهات المصرية في أفريقيا دفعة قوية حيال تحقيق التطلعات المندرجة في إطار الأجندة مع تولى مصر رئاسة الاتحاد الأفريقي في عام 2019م، حيث وضعت جملة من الأولويات على أجندة رئاستها للاتحاد والـمُتسقة بالأساس مع كل من التطلعات الواردة بأجندة أفريقيا 2063 وأهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة 2030 (SDGs). وتستهدف هذه الدراسة محاولة إلقاء الضوء على جملة من المحاور الرئيسية، والمتمثلة فيما يلي:

أولًا– أولويات مصر في إطار رئاستها للاتحاد الأفريقي 2019

حددت الدولة المصرية جملة من الأولويات الـمُستهدف تحقيقها في إطار رئاستها للاتحاد الأفريقي عام 2019م، والتي تنوعت من حيث طبيعتها بما يتفق مع حجم التحديات والفرص القائمة في القارة الأفريقية، كما اتسقت في مجملها مع التطلعات الواردة في إطار أجندة أفريقيا 2063، وهو ما يعكس الرؤية المصرية لدعم العمل الأفريقي البيني المشترك في شتى المجالات، وتتمثل هذه الأولويات فيما يلي([1]):

  1. السلم والأمن: يعد أبرز الأولويات المرتبطة بالرئاسة المصرية للاتحاد الأفريقي، انطلاقًا من مركزية تأثيره على مختلف الأولويات الأخرى، وتمثلت مساحات التركيز في إطاره على جملة من المسائل متمثلة في: تعزيز الآليات الأفريقية لإعادة الإعمار والتنمية لمرحلة ما بعد النزاعات، تأسيس مركز الاتحاد الأفريقي لإعادة الإعمار والتنمية لما بعد النزاعات خلال عام 2019، إصلاح مجلس السلم والأمن الأفريقي، تعزيز التعاون الأفريقي لتجفيف منابع الإرهاب، تعزيز الجهود لمنع المنازعات، والوساطة في النزاعات، بالإضافة إلى إطلاق منتدى رفيع المستوى “منتدى أسوان للسلام والتنمية المستدامة”.
  2. التنمية الاقتصادية والاجتماعية: يندرج في إطارها محاور فرعية، متمثلة في توفير فرص العمل وتعظيم العائد من الشباب الأفريقي، تطوير منظومة التصنيع الأفريقية، تطوير منظومة الزراعية الأفريقية، وتوسيع مشروعات الثروة السمكية لتحقيق الأمن الغذائي.
  3. التكامل الاقتصادي والاندماج الإقليمي: تم التركيز في إطاره على محورين رئيسيين؛ أما الأول فيتعلق بدخول اتفاقية التجارة الحرة القارية (AFCFTA) حيز النفاذ خلال رئاسة مصر للاتحاد الأفريقي، بينما يتمثل الثاني في تنفيذ مشروعات البنية التحتية لتحقيق التكامل الاقتصادي وتعزيز التجارة البينية.
  4. الإصلاح المؤسسي والمالي للاتحاد الأفريقي: انصبّ نطاق التركيز في إطاره على عدة أمور رئيسية متمثلة في مواصلة عملية الإصلاح المؤسسي والمالي للاتحاد، تعزيز قدرات التجمعات الاقتصادية الإقليمية، فضلًا عن تطوير نظام متكامل لتقييم الأداء والمحاسبة والشفافية.
  5. التعاون مع الشركاء: انصبّ التركيز في إطاره بالأساس على تعزيز التعاون بين الاتحاد الأفريقي وشركاء التنمية والسلام سواء الدوليين أو الإقليميين.
  6. التواصل الثقافي والحضاري بين الشعوب الأفريقية: تم في إطاره التركيز على دعم الفاعليات الثقافية الأفريقية، تعزيز التبادل الثقافي بين الدول الأفريقية، فضلًا عن تطوير منظومة الرياضة الأفريقية.

ثانيًا – الإطار العام لأجندة أفريقيا 2063: أفريقيا التي نريدها

تعد أجندة أفريقيا 2063 بمثابة الإطار القاري، أو خطة العمل الاستراتيجية الحاكمة لتحقيق التنمية الشاملة والمستدامة وذلك على مدار نص قرن من الزمان، والتي تم إطلاقها في عام 2013م، وذلك في إطار الاحتفالات باليوبيل الذهبي لتأسيس منظمة الوحدة الأفريقية (الاتحاد الأفريقي حاليًا) في عام 1963م، وقد تم تقسيم الإطار الزمني الكلي لها إلى خمس خطط تنفيذية، ومدة كل منها نحو (10) سنوات، على أن يتم تمويل هذه الأجندة بالاعتماد على نوعين من الموارد، تتمثل الأولى في الموارد الداخلية (الموجودة داخل أفريقيا)، والتي تشكل نحو(70- 90%) من إجمالي حجم التمويل، بينما تتمثل الثانية في الموارد الخارجية (الوافدة من خارج أفريقيا)، والتي تشكل نحو (10-30%) من إجمالي حجم التمويل.  

ويعد إطلاق هذه الأجندة بمثابة امتداد لمختلف المساعي القارية على مدار الفترات التاريخية المختلفة لتحقيق الاندماج والتكامل الأفريقي، والتي تعود بالأساس إلى تأسيس حركة الجامعة الأفريقية على يد (سلفيستر ويليامز) في عام 1900، وتطورت المساعي القارية تجاه تحقيق الوحدة والتكامل مع نهاية عقد الخمسينيات من القرن العشرين، وتحديدًا مع انعقاد سلسة مؤتمرات الدول الأفريقية المستقلة، والتي بدأت بمؤتمر عقد في (أكرا) وذلك في عام 1958م، وانتهت بعقد المؤتمر التأسيسي في (أديس أبابا) لمنظمة الوحدة الأفريقية في 25 مايو 1963م، والتي تحولت إلى الاتحاد الأفريقي مع صدور القانون التأسيسي له في (لومي) وذلك في يوليو 2000م.

وقد ارتكزت هذه الأجندة في مضمونها على سبعة تطلعات رئيسية ونحو عشرون هدفًا وأولوية لتحقيقها، وتدور هذه التطلعات في مجملها على تحقيق التنمية المستدامة والشاملة في أفريقيا على مختلف المستويات وتتمثل فيما يلي([2]):

  • أفريقيا تنعم بالازدهار القائم على النمو الشامل والتنمية المستدامة.

خُصص لتحقيق هذا التطلع نحو سبعة من الأهداف والأولويات، والمتمثلة في: رفع مستوى المعيشة وجودة الحياة للأفراد، التعليم الجيد للمواطنين وثورة المهارات المدفوعة بالعلم والتكنولوجيا والابتكار، الصحة والتغذية الجيدة للمواطنين، والاقتصاديات والوظائف الـمُتحولة، الزراعة الجديدة القائمة على زيادة الإنتاج والإنتاجية، والاقتصاد الأزرق لتسريع النمو الاقتصادي، فضلًا عن استدامة المناخ البيئي.

  • قارة متكاملة ومتحدة سياسيًّا ومعتمدة على الـمُثُل العليا للوحدة الأفريقية الشاملة ورؤية النهضة الأفريقية.

يتضمن هذا التطلع على ثلاثة من الأهداف والأولويات والمتمثلة في: وحدة أفريقيا (الفيدرالية/ الكونفدرالية)، تطوير بنية تحتية عابرة للحدود بمواصفات عالمية، فضلًا عن تأسيس وتفعيل المؤسسات المالية والنقدية. 

  • أفريقيا يسودها الحكم الرشيد والديمقراطية واحترام حقوق الإنسان والعدالة وسيادة القانون.

تضمن هذا التطلع على اثنين من الأهداف والأولويات، أما الأول فيتعلق بتعزيز القيم والممارسات القانونية والمبادئ العالمية لحقوق الإنسان والعدالة وحكم القانون، بينما يتعلق الثاني بالمؤسسات القوية والتحول في القيادة على كافة المستويات.

  • أفريقيا قارة مسالمة وآمنة.

يتضمن هذا التطلع ثلاثة من الأهداف والأولويات والمتمثلة في: تفعيل بناء السلم والأمن الأفريقي (African Peace and Security Architecture)، الحفاظ على السلم والأمن من خلال تبني مبادرة إسكات البنادق بحلول 2020م، فضلًا عن تحقيق السلم والاستقرار في أفريقيا.

  • أفريقيا ذات هوية ثقافية قوية وتراث وقيم وأخلاقيات مشتركة.

ارتكز هذا التطلع على هدف وحيد رئيسي تمثل في التركيز على النهضة الثقافية الأفريقية. 

  • الاعتماد على الطاقات الكامنة للشعوب الأفريقية لتحقيق التنمية، لاسيما الشباب والمرأة والاعتناء بالأطفال.

يتضمن هذا التطلع هدفين، أما الأول فيتمثل في المساواة الكاملة بين الجنسين، بينما الثاني يتعلق بتمكين الشباب والأطفال.

  • جعل أفريقيا قوية وموحدة ومؤثرة كلاعب وشريك دولي.

يتضمن هذا التطلع على اثنين من الأهداف والأولويات، أما الأول فيتعلق بجعل أفريقيا شريكًا رئيسيًا في الشئون العالمية وتحقيق التعايش السلمي، بينما يتصل الثاني بتولي أفريقيا لمسئولياتها لتمويل تنميتها الذاتية. 

ثالثًا– الرئاسة المصرية للاتحاد الأفريقي وتحقيق التطلعات المُندرجة في أجندة أفريقيا 2063

يستهدف هذا الجزء من الدراسة إلقاء الضوء على الجهود والمبادرات التي قامت بها الدولة المصرية في إطار رئاستها للاتحاد الأفريقي في عام 2019م والرامية لتحقيق التطلعات المختلفة الواردة في إطار أجندة أفريقيا 2063م، ويمكن تناول ذلك كما يلي:

  1. على مستوى التطلعات الاقتصادية، نجد أن مصر تبنت عدة خطوات فعلية في هذا الشأن، والمتمثلة فيما يلي:

(أ) ساهمت مصر من خلال رئاستها الاتحاد الأفريقي في دخول منطقة التجارة الحرة القارية في أفريقيا حيز النفاذ في 30 مايو 2019م، وذلك بعد استيفاء عدد التصديقات اللازمة لذلك (22 تصديقًا) في 29 أبريل 2019، وقد أعلن عن إطلاق المرحلة التشغيلية لها في إطار قمة رؤساء الدول والحكومات للاتحاد الأفريقي المنعقدة في (نيامي) بالنيجر، وذلك في 7 يوليو 2019م، علمًا بأن الاتفاقية المنشئة لهذه المنطقة كان قد تم تبنيها في إطار قمة عقدت في (كيجالي) برواندا في 21 مارس 2018م[3].

وتمثل منطقة التجارة الحرة القارية في أفريقيا أحد أكبر مناطق التجارة على مستوى العالم منذ تأسيس منظمة التجارة العالمية في يناير 1995م، حيث إنها تضم (55) دولة عضو في الاتحاد الأفريقي، ويبلغ إجمالي تعداد سكانهم نحو (1,2) مليار نسمة في عام 2019م، ومن المتوقع أن يتضاعف ليبلغ نحو (2,5) بحلول عام 2050م، وهو يعني أن الدول الأفريقية تشكل قاعدة مستهلكين كبيرة أمام حركة التفاعلات الاقتصادية المختلفة.

ويتمثل الهدف الرئيسي من هذه المنطقة في تعزيز معدلات التفاعلات الاقتصادية على المستوى البيني، وذلك من خلال رفع معدلات التجارة الأفريقية البينية؛ إذ تشير الإحصاءات والتقديرات إلى ضآلة حجم التجارة الأفريقية البينية بالمقارنة بإجمالي حجم تجارة أفريقيا الخارجية؛ حيث مثلت التجارة الأفريقية البينية (15.5%) و(16.1%) من مجمل حجم تجارة أفريقيا الخارجية خلال عامي 2017 و 2018 على الترتيب[4].

وتتعدد وتتنوع العوامل المفسرة لذلك، ولعل من بينها تشابه الهياكل الإنتاجية للدول الأفريقية، والقائمة بالأساس على انتاج المواد الخام الأولية، محدودية التركيز على تطوير استراتيجيات للتصنيع المحلي تتيح لها القدرة على إنتاج منتجات نهائية تصدرها للخارج، فضلًا عن تركيز أفريقيا في تجارتها الخارجية على القوى الدولية المتحكمة في حركة التجارة العالمية، من قبيل الصين والتي بلغ حجم تجارتها مع أفريقيا نحو (204,19) مليار دولار في 2018م[5]، الولايات المتحدة الأمريكية والتي بلغ حجم تجارتها مع أفريقيا نحو (56,8) مليار دولار في عام 2019م[6]، والاتحاد الأوروبي والذي بلغ حجم تجارته مع أفريقيا نحو (303) مليار يورو في عام 2018م[7].    

ولذا وفي ضوء هذه الحقائق السالف الإشارة إليها تستهدف منطقة التجارة الحرة القارية زيادة معدل التجارة الأفريقية البينية بقيمة (34,6) مليار دولار أو بنسبة (52,3%) من إجمالي حجم تجارتها الخارجية عام 2022، وذلك وفقًا لتقرير التنمية الاقتصادية في أفريقيا 2019 الصادر عن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (UNCTAD)[8].

 والجدير بالذكر أن مصر قد أسهمت بنسبة (4.37%) و(4.39%) في إجمالي حجم التجارة الأفريقية البينية في عامي 2017 و2018 على الترتيب، وهو ما وضع مصر ضمن الدول الأفريقية العشر الأبرز من حيث الاسهام في حركة التجارة الأفريقية البينية خلال ذات العامين السابقين، وذلك إلى جانب كل من (جنوب أفريقيا، جمهورية الكونغو الديمقراطية، نيجيريا، ناميبيا، زامبيا، زيمبابوي، بتسوانا، كوت ديفوار، جمهورية الكنغو)، علمًا بأن جنوب أفريقيا تعد الدولة الأكثر اسهامًا في مجمل التجارة الأفريقية البينية، إذ أسهمت بنحو (23,47%) و(22,95%) خلال ذات العامين السابقين على الترتيب[9].

(ب) تنظيم واستضافة مصر للكثير من المحافل والمؤتمرات الاقتصادية المعنية بالتفاعلات الاقتصادية في أفريقيا منذ بدايات عام 2016م، وهو ما يمكن تسميته “دبلوماسية المؤتمرات الاقتصادية”، حيث استضافت مصر منتدى الاستثمار في أفريقيا للمرة الأولى عام 2016، وتوالي استضافتها لهذا المنتدى بشكل سنوي، وصولًا لعام 2019م، حيث استضافت (العاصمة الإدارية الجديدة) النسخة الرابعة (الأخيرة) من منتدى الاستثمار في أفريقيا خلال الفترة (22- 23 نوفمبر) 2019.

وقد تم تنظيم هذا المنتدى بواسطة وزارة الاستثمار والتعاون الدولي بالتعاون مع وزارتي الخارجية والتجارة والصناعة تحت عنوان “استثمر في أفريقيا”، وشارك في إطاره عدد من رؤساء الدول والحكومات والوزراء من مختلف الدول الأفريقية، ونحو (2000) شخص من ممثلي شركاء مصر في التنمية، ورجال الأعمال والمستثمرين وشخصيات رفيعة المستوى من مجال الأعمال من المصريين والأفارقة وجميع أنحاء العالم[10].

وقد توصل هذا المنتدى إلى جملة من التوصيات والنتائج، لعل من أهمها: توقيع (13) اتفاقية تبلغ قيمتها نحو (3) مليارات دولار، دعوة مؤسسات التمويل الدولية والصناديق الاستثمارية لتمويل مشروعات البنية الأساسية، ضرورة أن تقدم المؤسسات الدولية حزمة من الأدوات التمويلية الجديدة لمشروعات التكامل الأفريقي، تشجيع القطاع الخاص على الاستفادة من الإمكانات التنموية الهائلة لبلدان القارة والمساعدة في خلق المزيد من فرص العمل، دعم مبادرات التحول الرقمي لبلدان القارة الأفريقية، فضلًا عن تعميق التصنيع المحلي لبلدان القارة وزيادة الروابط الصناعية وسلاسل القيمة[11].

كما استضافت مصر فعاليات اقتصادية أخرى خلال رئاستها للاتحاد الأفريقي من قبيل: المؤتمر الاقتصادي الأفريقي والذي انعقد خلال الفترة (2- 4 ديسمبر) 2019، وقد تم تنظيمه من قِبل بنك التنمية الأفريقي بالتعاون مع البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة واللجنة الاقتصادية الأفريقية التابعة للأمم المتحدة، واجتماعات لجنة وزراء المالية الأفارقة الخمسة عشر “F15” خلال الفترة من ( 3- 6 ديسمبر) 2019، والذي نظمته وزارة المالية بالتعاون مع مفوضية الاتحاد الأفريقي بغية مناقشة قضايا عدة من بينها الإصلاح المالي للاتحاد الأفريقي، مراجعة تنفيذ القرارات المتعلقة بالتمويل، الوضع الخاص بمساهمات الدول الأعضاء، فضلًا عن تطوير القواعد الإجرائية لعمل اللجنة[12].

  • على مستوى التطلعات العسكرية والأمنية، نجد أن مصر تبنت العديد من الخطوات الفعلية في هذا الشأن، والمتمثلة فيما يلي:

(أ) المساهمة في الجهود القارية المعنية بمكافحة الإرهاب العابر للحدود، وذلك من خلال استضافتها للمركز الإقليمي لمكافحة الإرهاب لتجمع الساحل والصحراء في (القاهرة)في يونيو 2018، ويتمثل دوره بالأساس في تبادل المعلومات والتشاور بشأن القضايا المشتركة المرتبطة بالتهديدات الإرهابية في الدول الأعضاء، وقد تم إنشاؤه بناءً على قرار صادر عن الاجتماع الخامس لوزراء دفاع تجمع الساحل والصحراء CEN-SAD)) الـمُنعقد في مدينة (شرم الشيخ) خلال الفترة من 22 إلى 25 مارس 2016م[13].

(ب) ساهمت مصر في جهود دعم السلم في القارة الأفريقية في إطار تفعيل مبادرة (اسكات البنادق في أفريقيا بحلول 2020م)، حيث لعبت دورًا هامًّا في إدارة الصراع المتعلق بكل من السودان وليبيا، وذلك من خلال استضافتها لقمة أفريقية مصغرة في 23 أبريل 2019[14]، كما لعبت دورًا مؤثرًا في تحقيق التفاهم المشترك عبر آلية الوساطة في إطار النزاع البحري القائم بين كل من كينيا والصومال وذلك على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر 2019م[15].

كما تشارك مصر في كافة بعثات حفظ السلم التابعة للأمم المتحدة المتواجدة في أفريقيا، والبالغ عددها (7) بعثات من إجمالي (13) بعثة للأمم المتحدة على مستوى العالم، وتتمركز هذه البعثات السبع في دول (جمهورية الكونغو الديمقراطية، مالي، جمهورية أفريقيا الوسطى، دارفور (السودان)، جنوب السودان، الصحراء الغربية، الصومال)، وقد بلغ إجمالي مساهمتها نحو (3085) عنصرًا، وذلك في 31 ديسمبر 2019م، وهو ما وضع مصر في الترتيب السابع على المستوى العالمي، والترتيب الثالث على المستوي القاري وذلك بعد كل من إثيوبيا ورواندا[16].

وقد تعزز دور مصر في هذا الشأن من خلال حصولها على عضوية مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي لمدة عامين خلال الفترة (أبريل 2020م- أبريل 2022) وذلك على هامش اجتماعات المجلس التنفيذي للاتحاد الأفريقي المنعقدة في (أديس أبابا) في يناير 2020[17]، وتعد هذه المرة الرابعة من نوعها التي تحصل فيها على عضوية هذا المجلس منذ صدور البروتوكول المنشئ له عام 2002م، حيث حصلت على عضويته ثلاث مرات سابقة، وهي (2006م- 2008م)، (2012م- 2014م)، (2016م- 2019م).

كما ركزت مصر في هذا السياق على دعم قضايا إعادة الاعمار والتنمية في إطار مرحلة ما بعد الصراعات، حيث تم التوقيع على استضافتها لمقر مركز الاتحاد الأفريقي لإعادة الإعمار والتنمية فيما بعد الصراعات، والذي شكل أحد المخرجات الرئيسية المنبثقة عن مؤتمر السلام والتنمية المستدامة المُنعقد في مدينة (أسوان) خلال الفترة (11- 12 ديسمبر 2019)، والذي استند على صيغة قائمة على التأثير المتبادل بين الاعتبارات الأمنية المتمثلة بالأساس في تحقيق السلم والاستقرار والاعتبارات الاقتصادية المتمثلة في تحقيق التنمية المستدامة[18].    

  • على مستوى التطلع المتعلق بتعزيز مكانة أفريقيا كشريك مؤثر في النظام الدولي، نجد أن مصر أكدت على أن العلاقة التي تحكم أفريقيا مع العالم الخارجي ينبغي أن تستند بالأساس إلى مفهوم الشراكة القائمة على مبدأ المصالح المشتركة المتبادلة، ومن ثم تغيير الصورة النمطية المرتبطة بهذه العلاقة والقائمة على مفهوم التبعية، والذي ظل يحكم علاقة أفريقيا بالخارج لعقود زمنية ممتدة منذ سنوات ما بعد الاستقلال وتحديدًا مع مطلع عقد الستينيات من القرن العشرين. 

وقد انعكست الفلسفة المصرية القائمة على دعم المكانة الدولية لأفريقيا كشريك مؤثر وفاعل ومُتحد، من خلال المشاركات المصرية في مختلف القمم الدولية التي أفريقيا فاعلًا رئيسيًّا في إطارها، والتي لم تكن المشاركة فيها قائمة على تمثيل المصالح المصرية فحسب، بل تمثيل منظومة الأهداف والمصالح المختلفة للقارة الأفريقية أيضًا، وقد مثل هذا العام تحديدًا نقلة نوعية ملموسة في تاريخ القمم الدولية التي جمعت أفريقيا مع مختلف الأطراف الدولية، حيث شاركت مصر في نحو (6) قمم على الأقل.

وتتمثل هذه القمم الدولية في القمة الصينية – الأفريقية المصغرة المنعقدة على هامش قمة مجموعة العشرين في (أوساكا) باليابان في الفترة من (28 -29 يونيو) 2019م، قمة مجموعة السبع الكبرى (G7) المنعقدة خلال الفترة (25 -26 أغسطس) 2019م، القمة اليابانية الأفريقية (تيكاد) المنعقدة خلال الفترة (28 -30 أغسطس) 2019م، مجموعة العشرين وأفريقيا  G20″” المنعقدة خلال الفترة (19-21 نوفمبر) 2019م، القمة الروسية الأفريقية في المنعقدة خلال الفترة (23 -24 أكتوبر) 2019م، القمة الألمانية الأفريقية المنعقدة خلال الفترة (19 -20 نوفمبر) 2019م، بالإضافة إلى قمة الاستثمار البريطانية الأفريقية المنعقدة في 20 يناير 2020م[19].

  • على مستوى التطلعات السياسية استضافت مصر عدد من الفعاليات المرتبطة بدعم هذا التطلع السياسي، ولعل من بينها المنتدى الأفريقي الأول لمكافحة الفساد المنعقد في 12 يونيو 2019م، والذي شارك في إطاره أكثر من (200) من كبار المسؤولين من (48) دولة أفريقية وتسع منظمات دولية، ويتمثل الهدف الرئيسي له في تشجيع الدول الأفريقية على اعتماد سياسات وبرامج وخطط عمل تسهم في القضاء على الفساد[20].

   كما استضافت مصر اجتماعات الآلية الأفريقية لمراجعة النظراء (APRM) خلال الفترة من (2 -6 أبريل) 2019، والتي يدور مجال عملها حول أربعة موضوعات رئيسية، وهي الديمقراطية والحكم الرشيد، الحوكمة والإدارة الاقتصادية، حوكمة الشركات، التنمية الاجتماعية[21]، وبالتالي فإن الغايات السياسية (الديمقراطية والحكم الرشيد) مندرجة بالأساس ضمن مجال اختصاصها الرئيسي، وتعد هذه الآلية بمثابة أداة لتبادل الخبرات، وتعزيز أفضل الممارسات، وتحديد أوجه القصور وتقييم احتياجات بناء القدرات للدول الأفريقية[22].

  • على مستوى التطلعات المتعلقة بدعم الهوية الثقافية، ودعم إمكانيات الشعوب الأفريقية ولاسيما الشباب نجد أن الدولة المصرية استضافت ملتقى الشباب العربي والأفريقي المُنعقد خلال الفترة (16 -18 مارس) 2019م، والذي جاء كأحد توصيات النسخة الثانية من منتدى شباب العالم (2018) حيث تم اختيار مدينة (أسوان) عاصمة الشباب الأفريقي في العام 2019م وإقامة منتدى الشباب العربي – الأفريقي بها[23].

وقد صدر عن الملتقى الأفريقي عدة توصيات، لعل من أهمها فتح باب المشاركة للباحثين من الدول العربية والأفريقية للاستفادة من بنك المعرفة المصري، إطلاق وزارة الصحة مبادرة مصرية للقضاء على فيروس سي لمليون أفريقي، وإطلاق حملة 100 مليون صحة للوافدين المقيمين في مصر، وتأسيس مجلس التعاون بين الجامعات العربية والأفريقية بغية تعزيز التعاون العلمي والثقافي بين العرب وأفريقيا[24].

كما استضافت مصر منتدى الشباب العربي الأفريقي في مدينتي (أسوان والأقصر) في (21 -26 ديسمبر) 2019م، والذي نظمه الاتحاد العربي للشباب والبيئة التابع لجامعة الدول العربية تحت عنوان “التعاون العربي الأفريقي الشبابي”، بمشاركة ما يزيد عن (300) من الشباب العربي والأفريقي من (31) دولة بالإضافة إلى العديد من الهيئات والمؤسسات المتخصصة، وقد تناول المنتدى أربع قضايا رئيسية وهي: التراث وحوار الثقافات، تمكين الشباب والمرأة، قضايا الشباب؛ مثل البطالة والهجرة غير الشرعية والإرهاب الإلكتروني عبر مواقع التواصل الاجتماعي، فضلًا عن قضايا المياه وترشيد الاستهلاك[25].

رابعًا– الرؤية المستقبلية لدور مصر في أجندة أفريقيا 2063

تشير القراءة المستقبلية لدور مصر في أجندة أفريقيا 2063 إلى استمرار التركيز على تحقيق التطلعات المندرجة في إطارها، على اعتبار أنها تمثل الإطار القاري الناظم للعمل الأفريقي المشترك في شتى المجالات على المدى الزمني البعيد، كما أن أولويات ومحاور الحركة المصرية تجاه أفريقيا منذ وصول الرئيس (السيسي) إلى سدة الحكم في منتصف عام 2014م تتسق مع التطلعات الواردة في إطار هذه الأجندة على مختلف المستويات السياسية والاقتصادية، العسكرية والأمنية، الثقافية والاجتماعية، والتي تتنسق بدورها مع أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة 2030 (SDGs)، واستراتيجية التنمية المستدامة: رؤية مصر 2030.

كما تطرح الرؤية المستقبلية في هذا الشأن استمرارية الدور المصري  القائم على دعم المصالح والأهداف المرتبطة بالقارة الأفريقية بأقاليمها المختلفة بصفة عامة، وعلى رأسها أجندة أفريقيا 2063م بصفة خاصة؛ حيث إن هذا الدور لن يتوقف عند الحد الزمني المرتبط بالعام الذي تولت فيه رئاسة الاتحاد الأفريقي، بل سيستمر من خلال وجودها في إطار دول الترويكا للاتحاد الأفريقي، والذي يضم الدولة السابقة والحالية والقادمة في رئاسة الاتحاد الأفريقي، وهو ما يعنى استمرار مصر كعضو في الترويكا لمدة عام بصفتها دولة سابقة في رئاسة الاتحاد الأفريقي، وذلك على نحو يمنحها مساحة كاملة للقيام بمتابعة تنفيذ مختلف السياسات والبرامج التي أطلقتها في ظل رئاستها للاتحاد الأفريقي، وذلك بغية تحقيق تطلعات أجندة أفريقيا 2063م.


[1] – وزارة الخارجية المصرية، ” أولويات الرئاسة المصرية للاتحاد الأفريقي”، تاريخ الدخول: 24 ديسمبر2019، متاح على:

https://bit.ly/2vbhWBj

[2]– African Union, Agenda2063: Africa We Want ( Addis Ababa, Sep 2015) Pp: 2-9

[3]– African Union، ” Operational phase of the African Continental Free Trade Area is launched at Niger Summit of the African Union”, 7 July 219, Access Date: 21 Feb 2020, Available At: https://bit.ly/32jJ7pV

[4]– African Export-Import Bank, African trade report 2019: African Trade in a Digital World (Cairo: Afreximbank, 2019) p.99

[5]– Ministry of Commerce People’s Republic of China, “Statistics on China-Africa Trade in 2018”, 26 January 2019, Access Date: 24 Feb 2020, Available At: https://bit.ly/39ZnBZZ

[6]– United States Census bureau, “Foreign Trade”, Access Date: 22 Feb 2020,  Available At: https://bit.ly/2Vg2K0n

[7]– eurostat statistics explained, “Africa-EU – international trade in goods statistics”, Access Date: 22 Feb 2020, Available At: https://bit.ly/2ST8ZFN

[8]– United Nations Conference on Trade and Development, Economic Development in Africa Report 2019: Made in Africa – Rules of Origin for Enhanced Intra-African Trade (Geneva: UNCTAD, 26 June 2019) p.36

[9]– African Export-Import Bank, Op.Cit,  p.103

[10] –  الهيئة العامة للاستعلامات، “مؤتمر أفريقيا ٢٠١٩”، 25 أغسطس 2019، تاريخ الدخول: 29 أكتوبر 2019.

https://bit.ly/349ipzZ

[11] –  وزارة الاستثمار والتعاون الدولي، “نتائج منتدى أفريقيا 2019″، تاريخ الدخول: 16 ديسمبر 2019، متاح على:

https://bit.ly/38K1F5x

[12] – وزارة التجارة والصناعة، صنع في مصر (القاهرة: مجلة إلكترونية تصدر عن وزارة التجارة والصناعة، العدد الرابع، يناير 2019) ص5، متاح على:

https://bit.ly/2Q8765G

[13]– Shay Shaul, “Egypt and the CEN-SAD counterterrorism”,International Institute for counter-Terrorism, 13 Jun 2019, accessed date: 15 Nov 2019, Available At:  https://bit.ly/2uR2OZr

[14]– Egypt Today, “Egypt to host summit on Libya and Sudan”, 23Apr 2019, Access Date: 22 Feb 2020, Available At: https://bit.ly/2Pk4vG9

[15]– Egypt today, “Kenya, Somalia hold summit meeting mediated by Egypt”, 25 Sep 2019, Access Date: 22 Feb 2020, Available At: https://bit.ly/2vTP3K1

[16]– United nations peacekeeping,  “Troop and police contributors”,  Access Date:23 Feb 2020,  Available At: https://peacekeeping.un.org/en/troop-and-police-contributors

[17]– State information service, “Egypt wins membership of AU Peace & Security Council for 2020-2022 with overwhelming majority”, 7 Feb 2020, Access Date: 23 Feb 2020, Available At: https://bit.ly/3c24KiU

[18]– State Information Service (SIS),” Egypt hosts AU center for reconstruction and development”, 11 December 2019, Access Date: 23 Feb 2020, Available At: https://bit.ly/39Yctwx

[19] – الهيئة العامة للاستعلامات، “مصر. وحصاد رئاسة الاتحاد الأفريقي عام 2019″، الإثنين، يناير 2020، تاريخ الدخول: 23 فبراير 2020، متاح على:

https://bit.ly/3c2Nc68

[20]Ahmed Morsy,  “African anti-corruption forum”, ahramonline, 13 Jun 2019, access Date: 20 Jun 2020, Available at:  https://bit.ly/2vzlJbC 

[21] – وزارة الخارجية المصرية، “مصر تستضيف اجتماعات الآلية الأفريقية لمراجعة النظراء”، 1 أبريل 2019، تاريخ الدخول: 20 يناير 2020، متاح على:

https://bit.ly/2U9okDa

[22]African union,” African Peer Review Mechanism (APRM)”, access Date: 20 Jun 2020, Available at: https://au.int/en/organs/aprm

[23]– world youth forum, “Arrival of the African and Arab delegations participating in the AAYP”, Access Date 23 Feb 2020, Available At:  https://wyfegypt.com/aayp_new1.php

[24] –  الهيئة العامة للاستعلامات، “ملتقى الشباب العربي والأفريقي (16- 18 مارس 2019 )”، 17 مارس 2019, تاريخ الدخول: 16يناير 2020، متاح على:

https://bit.ly/2QXdVIX

[25]– State Information Service (SIS),  “Arab-African Youth Forum”, 21 December 2019, access Date: 22Feb 2020, Available At: https://bit.ly/2VejCoh