كتب – محمد الدابولي

تعد نيجيريا من أكثر البلدان الأفريقية تضررًا من الإرهاب، فمنذ عام 2003 دخلت أبوجا في حرب مفتوحة مع تنظيم بوكو حرام، وفي عام 2009 شهدت تصعيدًا غير مسبوق أدى إلى مقتل مؤسس التنظيم «محمد يوسف» على يد قوات الجيش.

 فيما بلغت ذروة العمليات الإرهابية للتنظيم في عام 2015؛ أي منذ إعلان بيعة بوكو حرام لزعيم تنظيم داعش «أبوبكر البغدادي» في مارس 2015، ومنذ ذلك الوقت لم تقتصر عمليات التنظيم الإرهابي على الداخل النيجيري فحسب بل امتدت إلى باقي الدول المتشاطئة على بحيرة تشاد مثل النيجر وتشاد والكاميرون.

تصاعدت الإجراءات الأمنية والاستخباراتية والعسكرية النيجيرية من أجل مواجهة المد المتصاعد للتنظيم الإرهابي، وقابل هذا التصعيد الأمني العسكري مضاعفة النفقات المخصصة لقطاعي الأمن والجيش في نيجيريا، ففي تقرير أعده مركز الدراسات الأمنية The Institute for Security Studies (ISS) في بريتوريا بجنوب أفريقيا أكد أن إجمالي الإنفاق الأمني والعسكري النيجيري لمكافحة الإرهاب خلال الفترة من عام 2010 وحتى 2017 بلغ حوالي 7.6 تريليون نيرة؛ أي بما يوازي 20 مليار دولار أمريكي تقريبًا.

رغم تزايد حجم الإنفاق المالي على الإجراءات الأمنية والعسكرية في نيجيريا إلا أن وتيرة العمليات الإرهابية ما زالت مستمرة، ولم تستطع العمليات الأمنية والعسكرية اقتلاع التنظيم الإرهابي، ففي مؤشر الإرهاب العالمي 2019 Global Terrorism Index أوضح احتلال نيجيريا المرتبة الثالثة عالميًّا والأولى أفريقيا في أكثر البلدان تعرضًا للعمليات الإرهابية، وأن الإرهاب بتلك الدولة لا يزال مهددًا لأمنها واستقرارها.

فمنذ عام 2003 بلغ عدد ضحايا العمليات الإرهابية لبوكو حرام حوالي 30 ألف قتيل، وتشريد نحو 2.4 مليون نسمة، وتشهد المناطق الشمالية الشرقية في نيجيريا نشاط إرهابي لثلاث تنظيمات هم تنظيم بوكو حرام وتنظيم أنصار الموالي للقاعدة «تنظيم القاعدة في بلاد ما وراء القاعدة» وأخيرا تنظيم داعش ولاية غرب أفريقيا المعروف باسم “Islamic State West Africa Province” (Iswap) الذي قام في ديسمبر 2019 بقتل 11 رهينة مسيحية ردًّا على مقتل زعيم التنظيم أبوبكر البغدادي، وفي يناير 2020 قام التنظيم باختطاف ثلاثة محاضرين جامعيين في شرق نيجيريا، فيما شهدت ولاية برنو هجمات متفرقة على خلفية مقتل البغدادي.

انفاق سخي

لم يقتصر الانفاق العسكري النيجيري على مبلغ 7.6 تريليون نيرة السابق الإشارة إليهم؛ حيث شملت مخصصات مكافحة الإرهاب مبالغ أخرى لم يتم إدراجها ضمن الميزانية العامة النيجيرية، ففي عام 2013 اقترضت نيجيريا نحو مليار دولار لمكافحة الإرهاب، وفي يونيو 2015 تم اقتراض نحو 21 مليون دولار لدعم «فرقة العمل المشتركة متعددة الجنسيات» MNJTF

نجاح محدود

رغم الإنفاق النيجيري السخي على قطاعي الأمن والجيش، إلا أن عمليات مكافحة الإرهاب التي قامت بها قوى الأمن والجيش والقوة المتعددة الأطراف لم تحقق سوى نجاح محدود في مواجهة التنظيمات الإرهابية الثلاثة، حيث اكتفت تلك القوت بصد التنظيمات الإرهابية عن المدن الكبرى في الشمال الشرقي مثل مايدوجوري، وحصر تلك الجماعات في القرى النائية على ضفاف بحيرة تشاد، وهو ما يمكن ملاحظته من انخفاض العمليات الإرهابية في المناطق الحضرية منذ عام 2018.

لذا تركزت هجمات الإرهابين على استهداف القرويين مستغلة ضعف التواجد الأمني والعسكري بتلك القرى النائية، وأغلب تلك الهجمات تستهدف أسواق القرى التي ترفض دفع إتاوات منتظمة للتنظيمات الإرهابية.  

تساؤل مشروع

تثير الإجراءات النيجيرية في مواجهة الإرهاب تساؤلات عديدة حول مدى جدية تلك الإجراءات والتكتيكات، وهل نجحت في مواجهة في صد العمليات الإرهابية أم لا؟ كما يثير حجم الإنفاق المالي الرهيب في أبوجا تساؤلات أيضًا حول جدواه في ظل معاناة قوى الأمن والجيش من نقص حاد في الإمكانيات اللوجستية المعززة لمكافحة الإرهاب.

يمكن الإجابة على التساؤلات السابقة بأن ثمة عوامل مشتركة متضافرة هي من أجلت الحسم العسكري في مواجهة بوكو حرام وغيرها في شمال نيجيريا منها على سبيل المثال:

  • الفساد المالي للمؤسسة العسكرية النيجيرية: في هذا السياق يشير الباحث النيجيري Maurice OGBONNAYA في دراسته المنشورة في معهد الدراسات الأمنية تحت عنوان “هل أصبحت تجارة الإرهاب مربحة في نيجيريا” إلى أن ثمة صراع دائر داخل المؤسسة العسكرية والأمنية في نيجيريا حول مخصصات مكافحة الإرهاب، حيث دائمًا ما يتم استخدام تلك المخصصات من أجل إثراء القادة المشاركين في مكافحة الإرهاب معتمدين على سرية تلك النفقات وعدم وجود إجراءات تدقيقية حول الانفاق العسكري في نيجيريا اِلأمر الذي يشجع على الاختلاس.

ومؤخرًا ظهرت العديد من قضايا الفساد المتعلقة بمكافحة الإرهاب مثل تخصيص مستشار الأمن القومي النيجيري مبلغ 2.1 مليار دولار لشراء أسلحة، وفي عام 2015 قام رئيس الأركان بتخصيص مبلغ 3.9 مليار نيرة لأجل ذات الغرض، وفي عام 2017 تم اكتشاف 43 مليون دولار أمريكي في مبنى الاستخبارات الوطنية قيل إنها مخصصة لإجراء عمليات سرية، وفي عام 2018 دارت تحقيقات حول اختفاء مليار دولار كانت مخصصة لشراء أسلحة لصالح الجيش النيجيري، هذا بالإضافة إلى العقود الوهمية التي أبرمها القطاع الأمني، فضلًا عن التواطؤ بين عناصر الأمن والعناصر الإرهابية فيما يتعلق بالتهريب والتجارة الغير شرعية، والصيد الغير قانوني.

ويشير OGBONNAYA إلى معاناة الضباط والجنود على الخطوط الأمامية من نقص حاد في الإمكانيات اللوجستية، وإن وجدت تكون رديئة وغير صالحة للاستعمال، كما أن معظم الجنود يعانون من تأخر رواتبهم في الكثير من الأحيان، الأمر الذي يجعلهم صيدًا سهلًا للتنظيمات الإرهابية التي عادة ما تستهدف تجمعات العسكرية سواء في الأكمنة أو المعسكرات مستغلين سوء حالتها التجهيزية.

  • ضعف الدور الاستخباراتي: يضيف البعض بُعدًا آخر تسبب في عدم التوصل لنصر حاسم على التنظيمات الإرهابية في بحيرة تشاد ألا وهو ضعف الدور الاستخباراتي لدول بحيرة تشاد في تعقب الجماعات الإرهابية، فمنذ مقتل «محمد يوسف» في عام 2009 مؤسس بوكو حرام لم تستطع نيجيريا تعقب أيًّا من قادة التنظيم في مرحلة لاحقة مثل أبوبكر شيكاو أو أبومصعب البرناوي.

كما فشلت الاستخبارات النيجيرية في تقدير القوة المتنامية لتنظيم بوكو حرام؛ ففي 2009 تم القضاء على مؤسس التنظيم وساد اعتقاد أن التنظيم انتهى بمقتل مؤسسه، إلا أن سنوات ما بعد محمد يوسف شهدت نموًّا متزايدًا في هيكل التنظيم وعملياته الإرهابية، الأمر الذي دفع الرئيس النيجيري السابق «جودلاك جوناثان» في عام 2013 إلى إعلان حالة الطوارئ في الولايات الشمالية أداماوا وبرنو ويوبي، وشنّ العديد من الهجمات على مواقع بوكو حرام، إلا أن الحملة التي أطلقها جوناثان لم تؤت أُكلها؛ حيث بلغت ذروة العمليات الإرهابية للتنظيم خلال الأعوام الممتدة من 2014 وحتى 2016 وهي الفترة التي أعلن فيها بوكو حرام مبايعته لزعيم تنظيم داعش أبوبكر البغدادي.

وفي عام 2015 قام الرئيس محمد بخاري بإطلاق المزيد من السياسات والتكتيكات التي من شأنها إضعاف التنظيمات الإرهابية؛ مثل زيادة التمويل العسكري وتغيير العديد من القيادات العسكرية والاستخباراتية، فضلًا عن نقل مقر قيادة الجيش من أبوجا إلى مايدوجوري، إلا أن سياسات بخاري لم تنجح كليًّا في القضاء على التنظيم.

  • ضعف البنية التحتية للجيش النيجيري: رغم حجم الإنفاق العسكري الكبير في نيجيريا إلا أن الجيش النيجيري ما زال يعاني من حالة ضعف في الإمكانيات؛ ففي تصنيف Global Fire Bower لعام 2020 أوضح احتلال الجيش النيجيري المرتبة 42 على مستوى العالم من حيث القوة والتجهيزات العسكرية، حيث أوضح المؤشر أن إجمالي القوة العسكرية النشطة للجيش النيجيري حوالي 120 ألف جندي، وهو رقم هزيل بالنسبة لتعداد سكان نيجيريا البالغ حوالي 203 مليون نسمة.

أما بالنسبة للتجهيزات العسكرية فيعاني الجيش النيجيري من ضعف شديد في الإمكانيات العسكرية، فعلى سبيل المثال تمتلك القوات الجوية النيجيرية ثماني مقاتلات فقط وخمس عشرة مروحية هجومية، الأمر الذي يضعف من دور القوات الجوية في مطاردة العناصر الإرهابية وتدمير أوكارهم حول ضفاف بحيرة تشاد، أما على مستوى القوات البرية فتمتلك نيجيريا حوالي 253 دبابة، ويبلغ إجمالي الميزانية العسكرية لوزارة الدفاع حوالي 2 مليار دولار.

وختامًا.. لعبت العوامل السابقة مجتمعة دورًا في إضعاف قدرات الدولة النيجيرية في مواجهة الإرهاب، إلا أننا نعيد التأكيد على أن عامل الفساد يعد هو الأبرز في ضعضعة القدرات العسكرية النيجيرية، فبالإضافة إلى دور الفساد في إهدار الموارد المالية للجيش النيجيري، ساهم الفساد بشكل عام في البلاد في تنامي معدلات الفقر وخلق شعور التهميش السياسي والاجتماعي في المناطق النائية في الشمال النيجيري الأمر الذي وفر بعض الحاضنات الشعبية لبوكو حرام.