كتبت – أسماء حمدي

بعد ست سنوات على معاناة عاشتها فتيات “شيبوك”، اللاتي اختطفتهن بوكو حرام في نيجيريا، والتي ما زال بعضهن مفقودات حتى اليوم، تحاول الفتيات اللاتي حالفهن الحظ بالنجاة، التمسك بحياتهن، وبذل جهودهن لتحويل الظلمة التي حاصرتهن إلى غد مشرق.

 ففي 14 أبريل 2014، اقتحم مسلحون من “بوكو حرام” مدرسة شيبوك الداخلية للفتيات بولاية بورنو شمال البلاد، حيث خطفوا 276 طالبة تتراوح أعمارهن ما بين 12 و17 عاما، وتوجهوا نحو غابة سامبيسا، وهي محمية طبيعية احتلتها المجموعة الجهادية لشن حرب دموية ضد الحكومة، ونجحت 57 منهن بالفرار عبر القفز من الشاحنات.

ليلة مرعبة

تمسك بيشنس بولس وإستير جوشوا بأيدي بعضهن البعض أثناء خروجهن من غرفتهن تحت تهديد السلاح في تلك الليلة من أبريل، فقدوا قبضتهن على بعضهن البعض، وأجبرن على الصعود في شاحنة مفتوحة، وسط مجموعة من الطالبات، سمعت بيشنس صوت إستير تسأل ، “ماذا سيحدث لنا؟”.

فجأة قفزت إحداهن من الشاحنة، ومن ثم بدأت الفتيات الأخريات بالقفز في الظلام، مستعدين للمخاطرة بإطلاق النار عليهن أو الضياع في الغابة، نظرت بيشنس إلى جوارها، ولكنها لم تجد استير، اتجهت بيشنس إلى الحافة وقفزت دون صديقتها.

تحكي بيشنس “قفزنا من الشاحنات وأمسكنا بأغصان الأشجار ثم ركضنا حتى وجدنا المساعدة، أما الآخريات، مثل ماري، التي تآمرت مع زملائها وانقسموا إلى مجموعتين، وطالبن باستخدام الحمام، ثم ركضن في الوقت الذي كان يتجادل فيه الخاطفون فيما بينهم”، بحسب “ناشيونال جرافيك”.

لمدة خمس سنوات كانت الهجمات المسلحة في شمال شرق نيجيريا قد أرهبت المنطقة وأغلقت المدارس، في منطقة يلتحق فيها أقل من نصف الفتيات بالمدارس الابتدائية.

 وأصبحت شيبوك، وهي بلدة نائية غير معروفة قبل عمليات الاختطاف، تمثل بعض القضايا الأكثر أهمية في نيجيريا مثل الفساد، وانعدام الأمن، والفقر.

أمل يلوح في الأفق

من بين 276 من طالبات شيبوك المختطفات، هربت 107 فتاة، أو تم الإفراج عنهن مقابل إطلاق سجناء أو أنقذهن الجيش، ما زالت 112 فتاة مفقودة، ويعتقد أن بعضهن قد قتل.

قبل عامين ونصف، قدمت الحكومة للفتيات الناجيات منحة دراسية في جامعة بمدينة “يولا” في شمال البلاد، كما حصلت 10 فتيات على منح دراسية في مدارس أمريكية، بينهن بيشنس وتسعة ناجيات أخريات، تقول بيشنس: “تمسكت بالفرصة، على الرغم من أن جيراني حذروا والداي من السفر بمفردي، لكني شعرت بأن هناك أمل يلوح في الأفق.. سأتمسك به وأكمل دراستي وسأتحدى كل الظروف والعقبات”.

قدمت مدرسة (NFS)، وهو برنامج مصمم خصيصًا لإعداد 24 امرأة شابة من شيبوك للمرحلة الجامعية، مناهج دراسية ودروس موسيقى ورحلات تسوق.

في مايو 2016 ، نجت أمينة علي، طالبة من شيبوك، مع طفلها، وبعد خمسة أشهر، عرضت الحكومة النيجيرية نقودا على “بوكو حرام” وسجناء لإطلاق سراح 21 فتاة أخريات، وبعد إطلاق سراحهن كانو قد أُصيبن بسوء التغذية الحاد، وقالوا إن المقاتلين قد أعطوهم خيارًا: “اعتنقوا الإسلام وتزوجوا، أو أصبحوا عبيدا، اختار معظمهن العبودية”، حسبما ذكرت “ناشيونال جيوجرافيك”.

في مايو 2017 ، تم إطلاق 82 فتاة أخرى، تم بث لحظات لم شملهم مع والديهم  في وسائل الإعلام بجميع أنحاء العالم، شاهدت بيشنس وهي في الولايات المتحدة، اللقطات الإخبارية، وهي تفحص أسماء الذين تم إنقاذهم، تقول “قفز قلبي عندما وجدت اسم صديقتي “استير جوشوا” بينهم”.

انضمت استر مع 102 من زميلاتها اللائي تم إطلاق سراحهن مؤخرًا إلى  أولئك الذين يدرسون في الجامعة، تقول استر: “في البداية كنت خائفة ففي شيبوك، لم يكن هناك أجهزة الكمبيوتر المحمولة أو اليوغا أو الكاريوكي، أما في السكن الجامعي بمدينة يولا، تم تجهيز غرف للترفيه بأجهزة تلفزيون ، وغرف رياضة، وقسم المبنى إلى أربعة أقسام، تم تسمية كل قسم باسم امرأة مشهورة.

تحكي استر “عندما وصلت إلى غرفتي المكونة من أربعة أسرّة، وضعت كتبي الجديدة على الأرفف وأفرغت حقيبة ملابسي في الخزانة، وسرعان ما امتلأ جهاز الكمبيوتر الجديد الخاص بي بالصور وأصبحت أتواصل مع بيشنس عبر الإنترنت، وفي البداية، كنا خائفين ولم نحتك بأي من زملائنا، وكنا نتناول طعامنا داخل الغرف، بعد مرور بعض الوقت، أصبحنا نتوجه إلى صالة الألعاب الرياضية، وبدأنا بتناول الطعام في الكافتيريا الرئيسية، وحضور بعض الدروس في المكتبة”.

تقوم الحكومة النيجيرية والجهات المانحة الخاصة بتغطية تكاليف التعليم لمدة ست سنوات على الأقل لكل طالبة، يتطلع بعضهن إلى كلية الحقوق، فيما يخطط آخريات ليصبحن ممثلات وكتاب ومحاسبات، وتخرج خمسة عشر من برنامج NFS للمدرسة الثانوية ويدرسون في الجامعة.

ذكرى مؤلمة

ليس كل الناجين من “بوكو حرام” لديهم مثل هذه الفرص، ففي ولاية بورنو مركز الأزمة، تم إلغاء الدراسة لمدة عامين، وفي ولايتين متجاورتين، تم تدمير حوالي 500 مدرسة، وإغلاق 800، وقتل أكثر من 2000 معلم.

في مايو 2019، أي قبل أسبوع من بدء إجازتهم الصيفية، استعدت طالبات شيبوك الناجيات، للاحتفال بالذكرى السنوية لإطلاق سراحهن من الأسر، تقول أمينة علي: “في هذا الوقت نتذكر الألم الذي مررنا به، كما إنه لأمر محزن للغاية لأننا نتذكر أخواتنا المختطفات الآن وهنا نحن سعداء”.

في اليوم التالي، قدم نادي الدراما مسرحية تحكي عن قصص الناجين، وتتحدث المسرحية عن فتاتان خُطفوا طلبا للفدية وقاتل أفراد أسرهم لإعادتهم، وعندما تم إطلاق سراح الأسرى ولم شملهم مع أسرهم، اندفع الجمهور بالتصفيق، وفي نهاية العرض، قرأت الطالبات رسائل لزميلاتهن المفقودات قالت إحداهن :”أختي العزيزة، أنا أعلم أن الملائكة تراقبك”، وتقول الأخرى: “أختي العزيزة أشعر أنك تمشي بجانبي، بينما تبعث أخرى لشقيقتها برسالة قائلة “شقيقتي العزيزة، لا أستطيع الانتظار.. اشتاق لرؤيتك مرة أخرى.”

يقول همساتو ألامين، وهو ناشط من شمال نيجيريا أمضيت عقدًا من الزمن أوثق لحظات الموت والمفقودين خلال الحرب، عندما أنظر إلى شيبوك ذات الطرق والمساحات الواسعة، وتسائل كيف يمكن أن يختفين هكذا؟، لقد تقدمت بالتماس لإجراء تحقيق، لكن لا أحد يستجيب.

وأشار ألامين إلى تدفق مليارات الدولارات إلى نيجيريا لمحاربة بوكو حرام والمساعدة في إنقاذ المفقودين، لكن قضية هؤلاء الفتيات، والاهتمام الدولي بها أصبح عملا تجاريا، فبوكو حرام هي مشروع ربح كامل لقادتنا والجيش والخاطفين”.

وتقول منظمة الأمم المتحدة للطفولة “اليونيسف”، إنه تم اختطاف 1000 طفل منذ عام 2013، ويقول الصليب الأحمر إن 22.000 شخص قد فقدوا في النزاع، وتعتقد امنظمة أن الرقم أعلى من ذلك بكثير، ويضيف ألامين: “عندما تريد تدمير مجتمع، استهدف النساء”.

تختتم الفاتاة الناجية حديثها قائلة : “لن أنسى أبدًا، لكنني بدأت اتظاهر بالنسيان، لا بد من أن أمضي قدما في حياتي، حتى أتمكن من مساعدة الأخرين”.