كتب – محمد الدابولي

تعد الانتخابات الدورية بمثابة الآلية الأهم في عملية التداول السلمي للسلطة وتحقيق المزيد من استقرار الدولة، إلا أن تجربة الانتخابات في العديد من الدول الأفريقية لم تكن دافعًا للاستقرار السياسي، بل كانت سببًا في تأزيم الأوضاع الداخلية وانجرار العديد من الدول إلى حالات الاقتتال الأهلي مثلما حدث في الانتخابات الرئاسية في كينيا عام 2007، ويحدث حاليًا في مالاوي التي تشهد منذ شهور تدهورًا أمنيًّا متزايدًا بسبب الخلاف حول نتائج تلك الانتخابات.

تتشابك العديد من العوامل البنيوية الداخلية في الدول الأفريقية التي تعزز اندلاع أعمال العنف في أعقاب أي انتخابات في تلك الدول، وتتراوح تلك العوامل ما بين هشاشة النظم الحزبية والتصارع الإثني، فضلًا عن ارتفاع مؤشرات الفقر والفساد والجريمة بتلك الدول.

ومن المقرر أن تشهد أكثر من دولة أفريقية -خلال العام الجاري- إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية داخلها، ومن المفترض أن تسهم هذه الانتخابات في تشكيل الصورة السياسية لأفريقيا خلال الأعوام المقبلة، خاصة أن معظم تلك الانتخابات تعكس أزمات داخلية في تلك الدول على غرار الانتخابات الكاميرونية التي أجريت يوم 9 فبراير 2020 والتي يعول عليها بأن تنهي سنوات الحرب الأهلية في المناطق الأنجلوفونية.

لكن الحدث الأبرز حاليًا على الساحة الانتخابية الأفريقية هو قرار المحكمة العليا (3 فبراير) في مالاوي بإلغاء نتائج الانتخابات الرئاسية التي أجريت في مايو 2019 والتي فاز بها الرئيس بيتر موثاريكا، كما أمرت المحكمة بإجراء انتخابات رئاسية جديدة في غضون 150 يوم.

أقرت المحكمة بوجود مخالفات جسيمة ارتكبتها اللجنة المنظمة للانتخابات، حيث تم تزويد اللجان بمزيل حبري Tippex، تم من خلاله شطب تصويتات عديدة للمرشحين المعارضين، ويحمل قرار المحكمة في مالاوي العديد من الدلالات والمآلات سيتم توضيحها في النقاط التالية:

صدام السلطات الثلاثة

أشعل حكم المحكمة صدامًا بين السلطة التنفيذية برئاسة بيتر موثاريكا والسلطة القضائية برئاسة «آيفي كامانغا» رئيس المحكمة، حيث اتهم موثاريكا المحكمة بالتحيز ضده، وأن حكم المحكمة بمثابة هدم للديمقراطية، وبالفعل قدم استئناف ضد حكم المحكمة يوم 7 فبراير الأمر الذي أثار الجدل حول الصحة القانونية لهذا الإجراء.

بالإضافة إلى الصدام بين الرئيس والمحكمة، من المحتمل أن يثير الحكم أيضًا صدامًا بين الرئيس والجمعية الوطنية «البرلمان»، فبالتزامن مع تقديم الرئيس لاستئنافه ضد الحكم، أعلنت الجمعية الوطنية يوم 7 فبراير التزامها بحكم المحكمة، وأنها بصدد وضع قانون جديد للانتخابات بحلول 24 فبراير المقبل([i]).

وترجع خطوة البرلمان المالاوي إلى كون حزب الرئيس لا يحظى بأغلبية داخله، ومن المحتمل أن يشمل قانون الانتخابات الجديد تعديل النظام الانتخابي ليجبر الفائز بمنصب رئيس الجمهورية الحصول على نسبة 50%+1 من الأصوات، الأمر الذي سينهي مسألة حكومات الأقلية([ii]).

انتهاكات وتخوفات متزايدة

أشعلت نتائج الانتخابات التي أجريت في 21 مايو 2019 الاضطرابات على خلفية فوز بيتر موثاريكا بنسبة ضئيلة في الانتخابات 38.5 %، فيما حل لازاروس تشاكويرا في المرتبة الثانية بنسبة 35.4%، وحصل المرشح شالوس شيليما على 20.2 % من الأصوات([iii])، وبناء عليه اتهم تشاكويرا الرئيس موثاريكا بسرقة الفوز وتزوير الانتخابات وشطب 159 ألف صوت لصالحه.

وعلى جانب آخر أوضح المرشح شالوس شيليما تعرضه لانتهاكات أثناء الانتخابات الماضية، حيث تم نقل مركز الاقتراع الخاص به إلى مكان آخر بعيد عنه في جزيرة في بحيرة مالاوي لا يمكن الوصول إليه إلا بواسطة مركب قديم تقيم رحلة واحدة أسبوعيًّا إلى تلك الجزيرة([iv]).

واكبت جلسة المحكمة تشديدات أمنية مكثفة على خلفية الاشتباكات التي راح ضحيتها نحو ألف شخص وتشريد الآلاف منذ مايو الماضي، فضلًا عن بوار آلاف الأفدنة الزراعية بسبب أعمال العنف الأهلي، الأمر الذي أدى لانخفاض الناتج الزراعي للبلاد، وفور صدور الحكم أعلنت قوى المعارضة عن تقبلها الحكم داعية أنصارها إلى عدم الانجرار للعنف وانتظار ما ستؤول إليه الأمور.

وتسود حاليًا في مالاوي أجواء ترقب وانتظار لما ستؤول إليه الأمور، إلا أن ثمة أحداثًا تزيد تخوفات المراقبين؛ أبرزها حضور الجيش المالاوي في الأحداث الأخيرة، حيث شهدت جلسة المحكمة الأخيرة تواجدًا لعناصر الجيش فضلًا عن تحليق مروحيات لتأمين البلاد، كما حالت قوات الجيش بين المتظاهرين والمعارضين الأمر الذي يعزز من احتمال تدخل الجيش مستقبلًا للفصل في الأزمة السياسية في البلاد.

موثاريكا والتجرع من ذات الكأس

لم يكن حكم المحكمة العليا في مالاوي هو الأول في نوعه في البلاد، كما أن للرئيس الحالي بيتر موثاريكا تاريخًا حافلًا مع الأحكام القضائية التي كانت سببًا في اعتلائه منصب الرئاسة، ففي 24 مايو 2014 أصدرت المحكمة العليا وقتها قرارًا يمنع الرئيسة الأسبق للبلاد «جويس باندا» من إلغاء الانتخابات الرئاسية تحت زعم وجود انتهاكات جسيمة في الانتخابات، حيث ادعت «باندا» أن عدد الأصوات التي تم فرزها بعد أربعة أيام من التصويت تتجاوز عدد المسجلين في الكشوف الانتخابية، وطالبت بإعادة الانتخابات في غضون 90 يومًا مع عدم ترشحها في الانتخابات لضمان النزاهة الانتخابية.

جاءت تحركات «باندا» حينها في محاولة لتدارك خسارتها، وخسارة حزبها «الجبهة الديمقراطية المتحدة» في الانتخابات؛ إذ كانت المؤشرات الأولية تشير إلى تقدم مرشح الحزب التقدمي الديمقراطي بيتر موثاريكا بنسبة 42%، وتليه باندا بنسبة 23% من الأصوات، حيث كانت «باندا» تواجه تهمًا متعلقة بالفساد وفشل سياساتها التقشفية التي أدت لخفض قيمة العملة الوطنية وتورطها في فضيحة فساد تقدر بـ15 مليون دولار.

من المثير أن موقف بيتر موثاريكا تجاه الحكمين كان متعارضًا؛ ففي الحكم الأول “2014” أبدى تأييده للحكم، ودعا أنصاره للتظاهر في شوارع «ليمبي»؛ نظرًا لأن الحكم كان يصب في صالحه، أما حاليًا فأعلن رفضه للحكم متهمًا المحكمة بالتحيز ومهددًا بانهيار الديمقراطية في البلاد([v]).

انكشاف النظام السياسي

من المؤكد أن الأزمة السياسية الدائرة حاليًا في مالاوي كشفت هشاشة النظام السياسي في البلاد؛ فمالاوي منذ التحول للتعددية الحزبية عام 1994 شهدت انتخابات بصفة دورية أسفرت عن تداول للسلطة بين العديد من المرشحين، الأمر الذي رسّخ صورة ديمقراطية وهمية عن البلد.

لم تكن الأزمة الحالية هي الأولى من نوعها، بل يمكن تصنيفها بأنها تتويج لسلسة من الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تعانيها البلاد، ومن أبرزها:

  • تدني المؤشرات الاقتصادية: يبلغ تعداد سكان مالاوي حوالي 18 مليون نسمة، يعتمد أغلب السكان على زراعة التبغ والشاي وإنتاج السكر، ويعيش حوالي 41% من سكان البلاد تحت خط الفقر، ويعيش 80% من السكان في المناطق الريفية،وتتعرض الزراعة في البلاد حاليًا إلى أزمات كبيرة؛ مثل التصحر ومواسم الجفاف، فضلًا عن تأثرها بالعنف المشتعل، الأمر الذي أدى لانعدام الأمن الغذائي في البلاد([vi]).
  • هشاشة النظام الحزبي: يعاني النظام الحزبي في مالاوي من هشاشة شديدة اتضحت معالمها في الانتخابات البرلمانية التي أجريت في يونيو 2019، حيث لم ينجح أي حزب سياسي في تحقيق الأغلبية أو الأكثرية المريحة، حيث تصدر المستقلون الانتخابات بنسبة 52 مقعدًا من أصل 193 مقعدًا، فيما حصل الحزب المنتمي إليه الرئيس بيتر موثاريكا الحزب التقدمي الديمقراطي على 50 مقعدًا، وحصل حزب المؤتمر المالاوي الذي ينتمي إليه المرشح المعارض تشاكويراعلى 48 مقعدًا.

وأخيرًا.. يعد حكم المحكمة في مالاوي أملًا للشعوب الأفريقية لتعزيز الديمقراطية في القارة السمراء، حيث لم يكن الحكم الأول من نوعه في أفريقيا؛ إذ ينضم الحكم إلى حكم كبير القضاة في كينيا «ديفيد مارجا» في عام 2017 الذي ألغى الانتخابات التي فاز بها الرئيس أهور كينياتا، حيث يُعَدُّ الحكمان انتصارًا للديمقراطية وتعزيزًا لدور السلطة القضائية في مناهضة الاستبداد السياسي.

إلا أن ثمة نظرة سوداوية حول مآلات الحكم القضائي في مالاوي، وهي أنه قد يولد ريبة في الأنظمة الأفريقية تجاه المؤسسات القضائية ومحاولة التغول على صلاحيات واختصاصات تلك السلطات من أجل تقزيم دور القضاء، ومنعه من إصدار أحكام تعارض السلطة التنفيذية، ويشار هنا إلى الأخبار المتداولة عن تقديم رشاوى إلى القضاء النيجيري لمنع إصدار حكم بإلغاء الانتخابات التي فاز بها الرئيس محمد بوخاري.


[i] Malawi leader lashes court order that quashed election win, AT

https://www.dispatchlive.co.za/news/2020-02-06-malawi-leader-lashes-court-order-that-quashed-election-win/

[ii] Malawi president appeals to keep job after court cancels his election, AT

https://www.indopremier.com/ipotnews/newsDetail.php?jdl=Malawi_president_appeals_to_keep_job_after_court_cancels_his_election&news_id=1467718&group_news=ALLNEWS&taging_subtype=PG002&name=&search=y_general&q=,&halaman=1

[iii] Malawi election: Court orders new vote after May 2019 result annulled, AT

https://www.bbc.com/news/world-africa-51324241

[iv] Covering Malawi’s political crisis, AT

[v] Malawi high court rejects president’s call to annul elections, AT:

https://www.reuters.com/article/us-malawi-election/malawi-high-court-rejects-presidents-call-to-annul-elections-idUSBREA4N0CU20140524

[vi] WORKING IN CRISES AND CONFLICT, AT:

https://www.usaid.gov/malawi/working-crises-and-conflict