حسام عيد – محلل اقتصادي

انقسمت دول غرب أفريقيا على مستقبل اتحاد العملة في المنطقة الأنشط والأكثر ديناميكية بالقارة السمراء؛ بعد إعلان رئيس كوت ديفوار وفرنسا في شهر ديسمبر الماضي عن إصلاحات بعيدة المدى على عملة الاتحاد الاقتصادي والنقدي لغرب أفريقيا “الفرنك”، والذي سيتم تغيير اسمه إلى “إيكو”.

وكان “فرنك المستعمرات الفرنسية في أفريقيا” (سي إف آ) طُرح في 1945، وأصبح بعد ذلك “فرنك المجموعة المالية الأفريقية” (إف سي إف آ) بعد استقلال هذه المستعمرات.

ويقضي الإصلاح بأن المصارف المركزية لدول غرب أفريقيا لم تعد ملزمة بإيداع خمسين بالمئة من احتياطيها من النقد لدى المصرف المركزي الفرنسي، فيما كانت معارضة الفرنك الأفريقي تبعية مهينة لفرنسا.

في المقابل، تم الإبقاء على السعر الثابت لليورو مقابل الفرنك الفرنسي (اليورو الواحد يعادل 655.95 فرنك أفريقي)، لكنه يمكن أن يتغير عندما يتم طرح “الإيكو” للتداول.

فهل تعد خطوة إصلاح وإعادة تسمية “الفرنك”، خطوة إيجابية نحو عملة واحدة لغرب أفريقيا، أم تصبح محاولة لاختطافها؟!

تخفيف الوصاية الفرنسية

وافقت فرنسا على تقليص الإشراف التاريخي على عملتها الاستعمارية السابقة “الفرنك”، والتي تستخدم في الدول الأعضاء الثمانية في الاتحاد الاقتصادي والنقدي لغرب أفريقيا (WAEMU)، وهو لا يشمل حاليا الدول الست في وسط أفريقيا التي تستخدم الفرنك الأفريقي لكنها تشكل منطقة نقدية منفصلة.

سبعة من هذه البلدان -بنين، بوركينا فاسو، غينيا بيساو، كوت ديفوار، مالي، النيجر، السنغال، توجو- كانت مستعمرات فرنسية واستمرت في استخدام الفرنك منذ الاستقلال، وانضمت إليهم في عام 1997 غينيا بيساو، المستعمرة البرتغالية السابقة.

وتمثل هذه الخطوة تخفيفًا تاريخيًّا للعلاقات مع فرنسا، وتمهد نحو العملة الموحدة التي تأخرت طويلًا لغرب أفريقيا والتي روجت لها المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس Ecowas)، والتي تشمل الرأس الأخضر وغامبيا وغانا، غينيا وليبيريا ونيجيريا وسيراليون بالإضافة إلى دول الاتحاد.

ومع ذلك، فقد واجهت تلك الخطوة انتقادات في بعض الأوساط لعدم ذهابها بما فيه الكفاية في إزالة الوصاية الفرنسية.

في الوقت نفسه، عبرت معظم الدول غير الأعضاء في الاتحاد الاقتصادي والنقدي لغرب أفريقيا عن قلقها بشأن الآثار المترتبة على العملة الموحدة.

وكان قادة مجموعة “إيكواس” قد قرروا في يونيو 2019، اعتماد عملة “إيكو” كاسم لهذه العملة وتفعيل تداولها في عام 2020.

إصلاحات بعيدة المدى

في معرض حديثه بصفته الرئيس الحالي للاتحاد الاقتصادي والنقدي لدول غرب أفريقيا WAEMU، قدم رئيس جمهورية كوت ديفوار الحسن واتارا، الإصلاحات الثلاثة الرئيسية لفرنك غرب أفريقيا في مؤتمر صحفي مشترك مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في العاصمة أبيدجان خلال ديسمبر 2019.

فمع إعادة تسمية العملة في عام 2020، لن يكون هناك ممثل فرنسي في مجلس إدارة البنك المركزي لدول غرب أفريقيا (BCEAO)، الذي يعمل كبنك مركزي لجميع دول الاتحاد، والتي لن يعد لديها إمكانية الاحتفاظ بنصف احتياطياتها من النقد في باريس.

النقطتان الأخيرتان جاءت كاستجابة للمطالب الشعبية في دول الاتحاد، في حين أن دور فرنسا كضامن لفرنك غرب أفريقيا قد كفل استقرار الاقتصاد الكلي، حيث أثارت مشاركتها في إدارة العملة والاحتفاظ بالاحتياطيات استياء من اعتبر هذا الأمر بمثابة الحفاظ على الهيمنة السياسية والتجارية الفرنسية في مستعمراتها السابقة.

ولكن مثل سابقتها، سيتم ربط بيئة “الإيكو” بعملة اليورو، وستواصل فرنسا دورها كضامن للتحويل، مما يعني أنها لا تزال تمارس درجة من السيطرة.

في نفس المؤتمر الصحفي، أشاد الرئيس ماكرون بالاتفاقيات التي وقعها وزير ماليته مع اتحاد WAEMU باعتباره “شراكة جديدة”، لينهي بذلك ترتيبات يُنظر إليها -خاصة من قبل الشباب الأفارقة- على أنها “ما بعد الاستعمار”.

وشدد “ماكرون” على أن فرنسا قد وافقت على مواصلة دورها كضامن للعملة بناء على رغبة صريحة من قادة الاتحاد الاقتصادي والنقدي لغرب أفريقيا (WAEMU)، الذين يرون في الربط باليورو فوائد تضمن استقرار الاقتصاد الكلي.

كما أكد الرئيس الفرنسي أن الترتيبات الجديدة تهدف إلى النهوض بالعملة الموحدة والمساهمة في التكامل الإقليمي من أجل بناء رخاء أكبر في غرب أفريقيا.

الإيكو.. ما لها وما عليها

الاستمرار في الربط باليورو والضمان الفرنسي بقابلية التحويل يضمنان الاستقرار، فدول WAEMU سيطرت بشكل عام على التضخم منذ أن تم تخفيض قيمة الفرنك الأفريقي في عام 1994، بينما شهدت دولتان من غير الاتحاد النقدي الأفريقي، وهما نيجيريا وغانا، معدلات تضخم مرتفعة بشكل دوري.

كما تتمتع دول WAEMU أيضًا بأسعار فائدة منخفضة مقارنةً بالدول الأخرى في المنطقة بسبب الربط.

ولكن هذا يعني أن دول الاتحاد الاقتصادي والنقدي لغرب أفريقيا لن يكون لها أي سيطرة على سعر صرف عملتها، مما يمنعها من تخفيض قيمة العملة لجعل الصادرات أرخص.

يقول براندون لوك، المستشار الاستراتيجي في مركز بروكسل الدولي، وهو مركز أبحاث يركز على الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إن الربط باليورو “يبقى حلًّا دون المستوى الأمثل للمنطقة”.

محذرًا، “إنه يحد بشدة من نطاق المرونة في السياسة النقدية، ويخاطر بالمبالغة في تقدير قيمة العملة، ويفصل الظروف الإقليمية عن التأثير على العملة”.

مؤيدو ربط الإيكو باليورو؛ يقولون: إن العملة المستقرة شجعت الاستثمار الأجنبي، وخاصة الفرنسي، في المنطقة، لكن المعارضين يسلطون الضوء على تقرير الاستثمار العالمي الصادر عن الأونكتاد لعام 2019، والذي يظهر أن غانا تلقت قدرًا أكبر من الاستثمار الأجنبي المباشر (FDI) بين عامي 2013 و2017 من جميع بلدان WAEMU مجتمعة.

فيما تُظهر بيانات صندوق النقد الدولي أن البلدان التي تعمل بسعر صرف ثابت في المنطقة قد شهدت مستويات نمو اقتصادي أقل مقارنة بالاقتصادات التي تعمل بعملة عائمة.

كما رأى تشارلي روبرتسون، كبير الاقتصاديين العالميين في بنك الاستثمار رينيسانس كابيتال، الرائد في الأسواق الناشئة والنامية، أن كسر ربط اليورو سيضمن على الأقل لفترة قصيرة، ارتفاع معدلات التضخم، ومثل هذه الخطوة “ستضعف العملات، لتتسبب في تكبد تكاليف اقتراض أعلى”.

ولعل المشكلة الأكثر صعوبة هي السيطرة التي تستمر فرنسا في ممارستها كضامن للتحويل إلى العملة، فرنسا تخسر أرضا قيّمة في أفريقيا، و”أداتان لمنع هذا التراجع” هما العملة والتدخل العسكري، كما يقول خبير التنمية السنغالي ندونغو سامبا سيلا.

وختامًا يمكن القول: إن فرنسا لا تريد التخلص من الفرنك الأفريقي، ولكن تسعى “لاختطاف” مشروع الإيكواس من خلال “احتلال” المساحة أولًا وتوسيع نطاق فرنك الاتحاد النقدي الأفريقي ليشمل بلدان الإيكواس الأصغر حجمًا، تاركين غانا ونيجيريا اللتين تعدان أكبر من أن تصبحا في منطقة نقدية تحت وصاية فرنسا، فدائمًا ما ينظر إلى الفرنك الفرنسي على أنه عملة (استعمارية).