حسام عيد – محلل اقتصادي

أكثر ما يخيف المزارعين قبل حصد محاصيلهم، أسراب الجراد؛ فهي قادرة على نزع اللقمة من فم الفلاح، لإنها تجرد الأرض من نبتها وزرعها وتلتهما بزمن قياسي، ليفزع معها مواطنو دول منطقة القرن الأفريقي بشرق القارة السمراء، مستخدمين كافة وسائل المكافحة والتصدي لأسراب الأجراد التي اجتاحت مزارعهم وحقولهم، والتي بلغت حد إطلاق النار عليها في الصومال.

 الجرادة الواحدة تستطيع التهام ما يعادل وزنها في اليوم الواحد، فيما تخشى منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة “فاو”، تضاعف أعداد أسراب الجراد بمقدار 500 ضعف بحلول شهر يونيو من العام الجاري.

كما تقدر منظمة الأمم المتحدة أن سرب الجراد الواحد يغطي وحده مساحة 2400 كيلومتر مربع، وما يزيد الأمر خطورة؛ أنها قادرة على الطيران لمسافة 150 كيلومتر في اليواحد الواحد.

فالجراد ذو اللون الوردي يحول جميع الأشجار إلى اللون الوردي، ويتشبث بفروعها مثل الحُلي المتلألأة، ثم يقلع فيما يبدو وكأنه سحب رمادية “جائعة”.

هذه الأسراب تضرب في الوقت الراهن دول شرق أفريقيا، إريتريا، كينيا، إثيوبيا، والصومال، وتهدد جنوب السودان وأوغندا، كلها جاءت من اليمن وكانت قد اجتاحتها في شهر ديسمبر الماضي.

الآفة الأسوأ منذ 70 عامًا

أحجام أسراب الجراد هذه المرة، أسطورية، فمئات الملايين هذه الحشرات اجتاحت دول شرق أفريقيا، ما تسبب في أسوأ انتشار للجراد الصحراوي هناك.

ووفقا لمنظمة الأغذية والزراعة “الفاو”، يعد غزو الجراد الحالي، الأكبر في إثيوبيا والصومال منذ 25 عامًا، والأكبر في كينيا منذ 70 عامًا.

ووفقًا لتقرير نشرته “المنظمة العالمية” مستدلة بشهادات من مواطني المنطقة، أوضح المُزراع الكيني “ندوندا ماكانغا”، أن الجراد قضى على محاصيل الذرة واللوبيا، لتقف معها الأبقار مندهشة من الخطورة البالغة للهجوم.

وأيده الرأي مُزارع صومالي، بقوله، “إن الجراد دمر جميع الأراضي الزراعية ويهدد المنطقة بالكامل بالجوع”.

تغيرات مناخية جاذبة للجراد

ويرجع سبب هذه الظاهرة إلى تقلبات مناخية قد تكون كارثية لمنطقة يضربها الجفاف وتضربها الفيضانات أيضًا.

فالجراد الصحراوي يستفيد من ظاهرة الطقس التي أدت مؤخرًا إلى حرائق مدمرة في أستراليا، بينما تسببت في شرق أفريقيا في هطول أمطار ليعم كساء أخضر؛ ما خلق ظروفًا مثالية لتكاثر الجراد.

وكشف جوليد أرتان المسؤول بمركز التنبؤات والتطبيقات المناخية في كينيا، أن هذه المساحات الرطبة نشأت بسبب الأجواء الدافئة في المحيط الهندي الغربي أي ما يعرف بظاهرة النينيو الهندي التي أدت إلى سقوط أمطار غزيرة للغاية في بعض المناطق.

وكان الجراد آخر أعراض الظروف القاسية التي شهدتها كينيا في العام 2019، بداية من الجفاف وانتهاء بمواسم الأمطار.

أما عالم المناخ الكيني، أبوبكر صالح بابكر، أكد أن التغير المناخي ساهم في ظروف التكاثر “الاستثنائية” للجراد.

حالة طوارئ وطنية في الصومال

وفي التحرك والتعاطي السريع لحكومات منطقة القرن الأفريقي للتعامل مع الأزمة، أعلنت الصومال حالة طوارئ وطنية.

ففي بيان مقتضب، قال وزير الزراعة: “بالنظر إلى شدة انتشار الجراد، يجب أن نبذل قصارى جهدنا لحماية الأمن الغذائي وسبل عيش الشعب الصومالي. إذا لم نتصرف الآن فإننا نخاطر بأزمة غذائية حادة لا يمكننا تحملها بأية حال من الأحوال”.

مخاوف من أزمة إنسانية

بدورها، حذرت الأمم المتحدة من مرض يهدد أفريقيا يسمى “طاعون الجراد” يتسبب فى هلاك المحاصيل ومراعي الماشية في شرق القارة، الأمر الذى جعل المنظمة العالمية تصفه بالازمة الإنسانية.

فلم يشهد الصومال وإثيوبيا وكينياغزوًا كهذا من قبل، تسبب في إتلاف الأراضي الزراعية، وتهديد منطقة بالجوع القاتل.

وقد تسبب حشد من 360 مليارا من الحشرات في هدر الأراضي الزراعية في إثيوبيا وكينيا والصومال، وأضرارًا في وإريتريا، مما يشكل تهديدًا غير مسبوق للأمن الغذائي. إنه أسوأ طاعون جراد يهدد المنطقة منذ عقود.

وقدرت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة “فاو”، أن سربًا واحدًا في كينيا ينتشر على مساحة تقدر بحوالي 2400 كيلومتر مربع -تقريبًا مساحة ولاية زارلاند- وتقطع مسافة تصل إلى 150 كيلومترًا في اليوم، الأمر الذي يعني أنه يمكن أن يحتوي على ما يصل إلى 200 مليار جرادة. فيما دمر الجراد 700 ألف فدان من المزارع في كينيا والصومال وإثيوبيا المجاورة، والتي ينتقل عبرها الجراد الآن نحو غور ريف؛ سلة الخبز لثاني أكبر دولة في أفريقيا من حيث عدد السكان.

أرقام مفزعة تظهر سبب خوف شرق أفريقيا من هذا الغزو الماحق. ففي أفريقيا هناك 24 مليون شخص يتضورون جوعًا، ثلثهم في شرق القارة، حسبما أوضح بوكار التيجاني، مساعد المدير العام لمنظمة الأغذية والزراعة “فاو”.

وبحسب بيان للفاو، فإن سربًا متوسطًًا من الجراد يمكنه تدمير محاصيل تكفي لإطعام 2500 شخص لمدة عام كامل، لذلك يتعين على المجتمع الدولي التحرك سريعًا كي لا يتفاقم الوضع.

فيما يمر الجراد حاليًا بمرحلة تكاثر، لذا يخشى الخبراء من أن هذا قد يتسبب في نشوء أسراب جديدة وأكبر بكثير في شهر أبريل.

ويمكن أن يؤدي الانتشار الإضافي للحشرات إلى تفشّي المجاعة والنزوح والنزاعات على حصاد المحاصيل القليلة التي لا تزال متاحة.

فمن المتوقع أن يكون الجيل القادم من الجراد الصحراوي، الذي يستطيع مليون منه تناول ما يكفي من الطعام لـ 35000 شخص في يوم واحد فقط، جاهزًا لسرب في أبريل، الذي يتزامن مع موسم الزراعة.

“فاو” تطلب دعمًا عاجلًا

وتبقى أفضل طريقة لمحاربة أسراب الجراد هي من الجو، غير أن كينيا وإثيوبيا لا تستطيعان استخدام سوى عدد قليل من الطائرات مقابل مناطق متضررة شاسعة؛ إذ تقدر منظمة الأغذية والزراعة “الفاو” تكلفة الرش في القرن الأفريقي بأكثر من 60 مليون يورو.

وهذا ما دفع بعض المزارعين وسكان المناطق المتضررة إلى اللجوء لطرق تقليدية وغريبة، فتارة يطلقون صفارات الإنذار، وتارة أخرى يطلقون على أسراب الجراد رصاص الكلاشينكوف.

ويدمر  أسوأ طاعون جراد في القرن الأفريقي منذ عقود المحاصيل والمراعي، وتواجه المنطقة المجاعة. ولا يمكن للبلدان المتضررة أن تتعامل مع هذا الطاعون وحدها، ويجب على المجتمع الدولي دعمها في هذا الصدد.

الأمر الذي دفع المدير العام لمنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة “تشو دونغ يو” إلى مناشدة المجتمع الدولي بضرورة توفير تمويل عاجل لمساعدتها على توفير الأمن للمنطقة.

وقد استخدمت بالفعل 15.4 مليون دولار من أصل 76 مليون دولار طلبتها لمعالجة الأزمة الناشئة في البلدان الخمسة.

وحاليًا، قدمت وزارة الخارجية الألمانية لبرامج الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو) بصورة عاجلة مليوني يورو لتدابير الإغاثة في حالات الطوارئ للتعامل مع الطاعون.

ويتوقع برنامج الغذاء والزراعة بشكل عام الاحتياج إلى تمويل بمبلغ 70 مليون دولار، ومن المقرر أن يتم بذلك المبلغ تكثيف الرقابة على التربة والهواء، كما يجب البدء في اتخاذ تدابير لحماية وتأمين سبل العيش الأساسية (على سبيل المثال عن طريق المساعدات النقدية).

وختامًا يمكن القول، أنه على الرغم من أن معركة القضاء على الجراد تعتبر باهظة الثمن. فمن العام 2003 وحتى العام 2005، تم إنفاق 450 مليون دولار لوقف طاعون الجراد الصحراوي في أفريقيا، إلا أنه مع غزوات الجراد الكثيفة اليوم، قد يتفاقم الأمر إلى حد كارثة إنسانية واسعة النطاق بمنطقة القرن الأفريقي، وهو ما يستدعي تكاتف جهود المجتمع الدولي من أجل درء المخاطر عن الشعوب الأفريقية.