حسام عيد – محلل اقتصادي

يحتوي حوض نهر روفوما في موزمبيق على احتياطيات من الغاز يمكن أن تولد ثروة كبيرة، لكن الحكومة تواجه تحديًا أمنيًّا من قبل متمردين؛ فهم بمثابة تهديد خطير لمشاريع الغاز في مقاطعة كابو ديلجادو الشمالية.

موزمبيق تبني طموحاتٍ وآمالًا كبيرة على اكتشاف وتطوير حقول كبيرة للغاز الطبيعي في حوض روفوما الشمالي، الذي يعاني من الإهمال والتخلف، فلديه القدرة على تنمية المنطقة، لكن الكفاح ضد المتمردين المحليين قد يهدد الاستثمار.

ومنذ عام 2017، شنّ المتمردون هجمات على القرى والهياكل الحكومية وشبكات النقل المحلية، التي تنمو وتزدهر في منطقة تعاني من الفقر.

وفي قمة الاستثمارات البريطانية-الأفريقية، التي احتضنتها لندن في يناير 2020، قال رئيس موزمبيق فيليب نيوسي: إن بلاده بحاجة إلى مساعدة من الخارج للتعامل مع التمرد، مما قد يفتح الباب أمام المتعاقدين العسكريين الخاصين للانضمام إلى القتال، على الرغم من تواجد مجموعة فاجنر الروسية، لكنها على ما يبدو قد فشلت في إيقاف هجمات المتمردين.

وتعد مقاطعة كابو ديلجادو الشمالية في موزمبيق موطنًا لأحد أكبر عمليات اكتشاف الغاز في العالم خلال العقد الماضي، وتعمل شركات أجنبية كبرى مثل إكسون موبيل وإيني على مشاريع ضخمة للغاز الطبيعي المسال يمكن أن تحول الاقتصاد.

تمرد غامض في مقاطعة نفطية

تعود الجذور التاريخية للسخط والتمرد في المنطقة الشمالية إلى التحيز الاقتصادي الملحوظ تجاه جنوب البلاد، والذي بدأ في عهد المستعمرين البرتغاليين، والذي تفاقم في وقت لاحق من قِبَل حزب فريليمو الحاكم في موزمبيق.

وقد سمح الفقر والبطالة ونقص التعليم في مقاطعة كابو ديلجادو لقادة المتمردين باستغلال مشاعر المرارة والتهميش بين المجتمعات المحلية.

ومع ذلك، فإن الدافع وراء الهجمات التي بدأت في أواخر عام 2017، لا يزال غير واضح. وتُعرف المجموعة المتمردة محليًّا باسم “السنة والجماعة”، بينما يشير الآخرون إليها باسم “الشباب”، على الرغم من عدم وجود روابط معروفة بالشبكة الجهادية الصومالية التي تحمل الاسم نفسه.

واستهدفت الهجمات المدنيين إلى حد كبير، سواء عبر الاختطاف، أو قطع الرؤوس، وأيضًا ضرب سبل معيشة المواطنين والتقدم في مشروعين للغاز الطبيعي المسال، تبني عليهما الدولة آمالًا كبيرة في تغيير الاقتصاد.

ووفقًا لتقارير عن عمليات اعتقال الشرطة، فإن المجموعة المتباينة -التي تتكون في معظمها من السكان المحليين مع بعض المقاتلين الأجانب من تنزانيا وأوغندا وكينيا- قد قتلت أكثر من 250 قرويًّا ودمّرت شركات محلية.

في مناسبتين على الأقل تعرضت الحافلات التي تُقِلّ عمال النفط للهجوم على الطرق التجارية الرئيسية التي تربط بلدة موسيمبوا دا برايا الحدودية، الميناء الأقرب من مواقع الغاز البحرية، إلى القرى الأخرى في كابو ديلجادو.

بينما يشير المحللون إلى أن الحوادث كانت أحداثًا معزولة، فإن توظيف العسكريين الروس مؤخرًا يشير إلى أن الحكومة تشعر بقلق متزايد إزاء التطورات.

كما تشير التقارير إلى أن كمينًا في منطقة مومومبي في كابو ديلجادو في أكتوبر 2019 قد أسفر عن مقتل 20 جنديًّا موزمبيقيًّا وخمسة من أفراد الأمن الذين تستخدمهم مجموعة فاجنر، وهي شركة عسكرية روسية خاصة تنشط في العديد من مناطق النزاع حول العالم، فهي بمثابة وكيل للحكومة الروسية.

وفي حين أن إنهاء التمرد أمر حاسم بالنسبة لموزمبيق، التي تأمل في استغلال احتياطاتها الهائلة من الطاقة من أجل إحياء ثروات المنطقة المهملة، فإن استجابة مفرطة من جانب حكومة تسعى لفرض إرادتها “عسكريًّا” قد تؤدي إلى تأجيج الوضع وتفاقم العنف.

ووفقًا لما أوردته مجلة “أفريكان بيزنس”؛ يرى الباحثان هيلاري ماتفيس وألكساندر نويز، بأن موزمبيق تحتاج إلى التعامل مع هذا التحدي الأمني ​​المتنامي بطريقة تعالج المشكلة بدلًا من تفاقمها؛ عبر نهج أكثر شمولًا، يركز على التنمية الاجتماعية والاقتصادية المشتركة ويدعم الشراكات الدولية، وسيكون أكثر فعالية في قتال الجماعات المتطرفة مثل “السنة والجماعة”.

عمليات وخطط تطوير حقول الغاز

يأتي التمرد في وقت تأمل فيه الحكومة زيادة الاستثمار في مشاريع النفط والغاز؛ حيث تعتقد موزمبيق أن مشاريع الغاز الطبيعي المسال لديها القدرة على توفير أكثر من 15 ألف وظيفة مع دعم المشروعات الخارجية بما في ذلك توليد الكهرباء.

ويشير تقرير البنك الدولي لعام 2019 حول تقييم الفقر في موزمبيق؛ إلى أن الناتج المحلي الإجمالي نما بمعدل 7.2% في المتوسط ​​بين عامي 2000 و2016. ومع ذلك، ظلت معدلات الفقر على حالها إلى حد كبير في منطقة كابو ديلجادو.

وكانت حكومة موزمبيق وافقت في مايو 2019 على خطط تطوير لمشروع روفوما للغاز الطبيعي المسال الذي تقوده إكسون موبيل، والذي سينتج ويبيع الغاز الطبيعي من ثلاثة خزانات تقع في المنطقة الرابعة من ساحل موزمبيق، اثنتان منها تقعان على الحدود مع المنطقة المجاورة 1.

فيما قال إرنستو إلياس ماكس تونيلا، وزير الموارد المعدنية والطاقة، إن هذه هي خطة التطوير الثالثة المعتمدة في فترة الخمس سنوات المقبلة لتمكين التنمية المستدامة لاحتياطيات الغاز الطبيعي الضخمة المكتشفة في حوض روفوما، وتمثل التزام الحكومة بضمان تنفيذ المشاريع التي ستدفع تنمية موزمبيق.

وفي أكتوبر الماضي، أكدت إكسون موبيل أنها تخطط لاستثمار أكثر من 500 مليون دولار في مرحلة البناء الأولية لمشروعها للغاز الطبيعي المسال، وهو مشروع بقيمة 30 مليار دولار يتم تشغيله بشكل مشترك مع إيني الإيطالية، وتبلغ طاقته أكثر من 15 مليون طن في السنة.

وتصف شركة إكسون موبيل “روفوما للغاز الطبيعي المسال” بأنه مشروع مصمم للنجاح، وسيمهد الطريق للتصنيع الذي سيفيد الأجيال القادمة.

مظالم محلية

وعلى الرغم من الوعد بمثل هذا الاستثمار، يتهم المواطنون المحليون الرئيس فيليب نيوسي بإعطاء الأولوية لسلامة الشركات الأجنبية على الشماليين العاديين.

وهذا ما أكده المواطن أوجستو عمر، البالغ من العمر 68 عامًا، وهو صاحب متجر في بيمبا، عاصمة كابو ديلجادو، قائلًا: “إن تجاهل الحكومة للمظالم المحلية لا يزال يؤجج التوترات”.

كل ما يريدون فعله هو حماية النفط، لكن السكان المحليين ليسوا آمنين. كل يوم تقريبًا، تتعرض قرية للهجوم؛ لأن الحكومة لا يبدو أنها قادرة على إيقاف الجماعة المتمردة، إنها ستقوم فقط باعتقال أي شخص تعتقد أنه متورط مع المتمردين، هكذا أوضح أوجستو عمر.

فيما ترى الباحثة في منظمة “هيومن رايتس ووتش”، زينايدا ماتشادو، أن عجز قوات الأمن عن التعامل مع المشكلة يخلق مزيدًا من الاستياء، فهم مطالبون بإشراك المجتمعات، وبناء بيئة من الثقة والتعاون.

بينما اقترح خالد شريف، نائب الرئيس للتنمية الإقليمية والتكامل وتقديم الأعمال في البنك الأفريقي للتنمية، أن موزمبيق يمكنها إنشاء صندوق للثروة السيادية لإدارة الإيرادات المستقبلية لصالح الأمة والمجتمعات المحلية.

وكان الرئيس فيليب جاسينتو نيوسي وحزب فريليمو الحاكم قد أعيد انتخابه في أكتوبر، ووعد بالسلام والازدهار لشعوب الشمال، خلال السنوات الخمس المقبلة، سيحاول نيوسي جذب المزيد من الاستثمارات مع ضمان عدم تصعيد الصراع على مستوى منخفض في الشمال.

وختامًا يمكن القول: إن مقاطعة كابو ديلجادو بيئة صعبة بشكل متزايد للعمل فيها، ولكن هذا لا يكفي لمنع المشاريع من المضي قدمًا.

في هذه المرحلة؛ بإمكان حكومة موزمبيق إنشاء صندوق للثروة السيادية أو ضخّ وسيلة مالية أخرى لمنع الصدمات المستقبلية ومساعدة المواطنين المحليين.

كما يمكن للشركات أيضًا أن تلعب دورًا إيجابيًّا للغاية، من خلال برامج المسؤولية الاجتماعية وممارسات العمل العادلة، ويمكنهم أيضًا دفع الحكومة في الاتجاه الصحيح.