حسام عيد – محلل اقتصادي

“محيطنا هو أثمن مورد لدينا، نحن لا ندرك إمكاناته الهائلة فحسب، بل ندرك أيضًا هشاشة النظم الإيكولوجية والحاجة إلى الحفاظ عليها للأجيال القادمة، المحيط هو القلب الأزرق النابض لكوكبنا”… هكذا تحدث رئيس جمهورية سيشيل داني فوري عن بلاده، كاشفًا مدى أهميتها الاستراتيجية والحيوية للعالم.

جمهورية سيشيل تتميز بالتنوع البيولوجي الغني للغاية سواء على الأرض أو في محيطاتها، فبعد السياحة يوظف قطاع مصايد الأسماك 17% من سكان سيشيل، مما يجعله أهم صناعة في البلاد.

ونتيجة لذلك، أصبحت سيشيل رائدة في الاقتصاد الأزرق من خلال إدراك الأهمية الهائلة لحماية أعظم أصول الأرض.

الاقتصاد الأزرق مستقبل العالم

في مايو 2019، ألقى داني فوري، رئيس سيشيل، كلمة افتتاحية في مؤتمر الاقتصاد الأزرق في موزمبيق، ركز خلالها على فوائد وأهمية دول العالم مجتمعة لتحقيق خطة جماعية ومستدامة للحفاظ على المحيط وحماية مستقبل الأرض.

وفي الوقت الراهن، يزدهر الاقتصاد الأزرق مدعومًا من 36 دولة.

والاقتصاد الأزرق؛ هي مبادرة اقتصادية تركز على أفضل الممارسات للأعمال مع ضمان قيام القطاعات بتعزيز الاستخدام الآمن والمستدام لموارد البحار والمحيطات.

والنتيجة؛ هي النمو الاقتصادي وخلق فرص العمل وتحسين الظروف المعيشية مع حماية صحة المحيطات وجميع النظم الإيكولوجية البحرية النسبية في وقت واحد.

الاقتصاد الأزرق يتخلل كل قطاع في سيشيل، مما يخلق اقتصادًا كاملًا مكرسًا لحماية المحيط، هذه ليست مجرد مشكلة ذات صلة بدولة جزرية؛ مثل سيشيل، وقد ألهمت هذه المبادرة البلدان في جميع أنحاء العالم لتنفيذ ممارسات أفضل لها آثار إيجابية على البيئة.

بدوره، اعتبر وزير دولة سيشيل للشؤون الخارجية والاقتصاد الأزرق، باري فوري، أن “الاقتصاد الأزرق هو مفتاح المستقبل؛ ليس فقط للدول الجزرية والدول الساحلية ولكن أيضًا للدول التي بها ممرات مائية”.

السندات الزرقاء

وفي إطار هدفهم للحفاظ على البيئة، استحدثت سيشيل أداة مالية جديدة لزيادة رأس المال من المستثمرين المتحمسين والمتحفزين لتمويل المشاريع البحرية المتمركزة في المحيط والتي لها فوائد بيئية واقتصادية ومناخية إيجابية، وهي السند الأزرق.

نائب رئيس سيشيل، فنسنت ميريتون، قال: إن السندات الزرقاء هي واحدة من أكثر الأدوات المالية ابتكارًا في العالم في السنوات الأخيرة، وجمعت 15 مليون دولار أمريكي من مستثمرين دوليين، وهو ما يعني إمكانية قيام البلدان بتسخير أسواق رأس المال لتمويل الاقتصاد الأزرق”.

لقد ساعد السند الأزرق حكومة سيشيل على توفير أكثر من 8 ملايين دولار كرسوم فائدة على مدى السنوات العشر القادمة.

فيما أكد ميريتون، أن حشد التمويل الخاص يعد إنجازًا كبيرًا، يمكن تحقيقه في دول أفريقية أخرى، مما يسمح لها بحماية بيئتها مع إعادة هيكلة اقتصادها وتحويله.

خلق مجتمعات مستدامة

للاقتصاد الأزرق تأثير على معظم القطاعات؛ المصايد، الزراعة، الطاقة المتجددة والمد والجزر، الأدوية، النفط والغاز.

في قطاع السياحة، تساعد صيانة محيطات سيشيل وشواطئها الجميلة مجلس السياحة على الترويج للبلد باعتباره ملاذًا مُرحَّبًا وغريبًا للمسافرين.

بينما تلتزم قطاعات البناء والبنية التحتية بالاقتصاد الأزرق، حيث تنفذ ممارسات صديقة للبيئة في مشاريعها.

وللقطاع المالي يد كبيرة في الاقتصاد الأزرق مع السند الأزرق، ولكن أيضًا صندوق التنمية الزراعية، وصندوق تنمية الثروة السمكية، وصندوق تنمية المناخ الأخضر، والتي تعمل كذلك عبر خطط تشغيلها وإنجازاتها المستقبلية على الحفاظ على هذه الصناعات وضمان ازدهارها.

والرسالة التي ترسلها هذه القطاعات هي أنه حتى أصغر الجهود المستدامة قد أثرت على البلاد بطريقة رائعة.

فيما صرح يوهان فان شالكويك -المدير العام لمجموعة أبسا Absa المالية- “إذا بدأنا في خلق فرص لنا لإضافة المزيد من القيمة مما نجنيه في المحيط، فهذا أمر لا يصدق بالنسبة للمشروعات المحلية”.

على سبيل المثال، شركة محلية تنظف الأعشاب البحرية من الشواطئ لا تبقي الشواطئ ممتعة للسياح فحسب، بل تحول الأعشاب البحرية التي تم جمعها إلى سماد لصناعة الزراعة، مما يؤثر على قطاعات متعددة في وقت واحد، هذا مجرد مثال واحد على كيفية تأثير التفاني في الاقتصاد الأزرق على الاقتصاد بطريقة إيجابية.

سيشيل.. سوق أزرق رائج

بالإضافة إلى ذلك، أصبحت سيشيل مكانًا مثاليًّا للبحث، ليس فقط من حيث استكشاف المحيطات وثرواتها ولكن أيضًا كسوق تجريبية.

شركة خدمات الاتصالات العالمية الهندية Airtel؛ هي أحد الأمثلة على ذلك، حيث وصلت إلى سيشيل من أجل أول توسع جغرافي لها، وهو تنفيذ مشروع الكابلات البحرية في البلاد.

يتكون مشروع كابل سيشيل البحري شرق أفريقيا (SEAS) من إنشاء أول كابل بحري للألياف البصرية للاتصالات الدولية من سيشيل إلى القارة الأفريقية، وبعد نجاح كبير في هذا المشروع، أصبحت Airtel موجودة حاليًا في العديد من البلدان الأفريقية.

وختامًا يمكن القول: إنه في بلد صغير مثل سيشيل، يمكن أن يكون للتحركات والمبادرات نحو المحافظة على المحيط والتنمية المستدامة للقطاعات نتائج سريعة وإيجابية لاقتصاد البلد.

ولا تزال سيشيل؛ جزيرة الملاذ الآمن، والمتجدد، والمزدهر للسياح من جميع أنحاء العالم، ومن الواضح أن سيشيل تتصدر نموذج الاقتصاد الأزرق، لقد وضعوا أنفسهم كرائد للاقتصاد الأزرق، وأظهروا للعالم أن التنمية المستدامة ليست مجرد حلم، بل يمكن أن تكون حقيقة واقعة.