حسام عيد – محلل اقتصادي

عام الاستثمار النفطي، هكذا يمكن وصف 2020، فالعام الجديد حلّ في أوغندا، حاملًا معه آمال كبيرة طال انتظارها، فشركات النفط قد تتخذ قرارًا استثماريًّا من شأنه تحفيز تطوير حقول النفط في البلاد.

أوغندا؛ بلد غني بالذهب الأسود، فشواطئ بحيرة ألبرت غرب البلاد تموج فوق مخزونات ورواسب نفطية هائلة يعود عمرها لملايين السنين. لكن منذ اكتشافه فعليًّا في 2006، تعثرت خطط استخراج النفط، التي تقدر بأكثر من مليار برميل، مرارًا وتكرارًا بسبب خلافات بين الحكومة وشركات النفط، كان آخرها نزاع ضريبي حمل معه مصير المشروع بأكمله إلى المجهول، مما أدى إلى تعليق خطط الإنتاج التجاري.

النزاع كان بين شركات النفط الثلاث التي تعمل على تطوير حقول النفط؛ توتال، الشركة الفرنسية الكبرى، كنوك CNOOC، شركة حكومية صينية، وتولو Tullow، شركة مستقلة مقرها في لندن، والتي أعلنت في عام 2017، أنها ستبيع معظم مصالحها في مشروع أوغندا لشركائها الاثنين الأكبر، مما يقلل حصتها إلى 11.76%.

وفي أغسطس من عام 2019 الماضي، لم تتفق الشركات والحكومة على كيفية فرض الضريبة على الصفقة المقدرة قيمتها بـ 900 مليون دولار، وهذا ما أدى لاحقًا إلى انتهاء صلاحية اتفاقية البيع بين الشركات، وكذلك تعليق وإغلاق الصفقة.

أبريل 2020.. قرار الاستثمار النفطي الأول

أدى عدم اليقين بشأن الصفقة إلى تأخير قرار الاستثمار النهائي الذي طال انتظاره بشأن مشروع النفط، والذي كان متوقعًا في 2019.

بالإضافة إلى تعليق شركة توتال الفرنسية، في فبراير الماضي، نشاطها على خط الأنابيب البالغ طوله 1445 كيلومترًا والذي سينقل النفط الأوغندي إلى البحر، فرئيسها باتريك بوياني، كان يسخر دومًا من التحديات العديدة لمشروع النفط، قائلًا: “هناك العديد من التماسيح في بحيرة ألبرت.. نحن بحاجة إلى ترويضها قبل أن نمضي قدمًا”، وكأن التماسيح كتبت نهاية قصة النفط الأوغندي قبل بدايتها.

لكن اليوم، قالت وزيرة الطاقة إيرين مولوني: إن القرار الاستثماري الأول أصبح جاهزًا، وسيتخذ بحلول أبريل 2020، مشيرة إلى أنه عادة ما يستغرق الأمر ثلاث سنوات لكي تنتقل المشروعات النفطية من مرحلة التطوير إلى التشغيل والإنتاج، ومن ثم يصبح لأوغندا مشروعها النفطي الأول.

المنازعات الضريبية.. سبب رئيسي للتأخير

أوغندا انتظرت قرنًا من الزمن للتحول إلى الحقبة النفطية، ففعليًّا أجري أول مسح رسمي حول بحيرة ألبرت من قبل فريق بريطاني في عام 1925.

وفي عام 1986، عقد الرئيس يويري موسيفيني اجتماعات حول النفط مع المستشارين بعد أسبوعين من الاستيلاء على السلطة، وبعد ذلك بوقت قصير أوقفت المحادثات مع شركات النفط رغم أن البلاد -حينذاك- تمكنت من بناء قدرة تفاوضية جيدة.

ومنذ ذلك الوقت، كانت معظم عمليات التنقيب الأفريقية عن النفط قبالة ساحل المحيط الأطلسي،  وأخيرًا في عام 2006، تم اكتشاف كميات تجارية في ثلاثة حقول بالجزء الغربي من أوغندا، وكان هذا أكبر اكتشاف داخلي في أفريقيا منذ عقدين.

وعندما أعلن موسيفيني عن هذا البحث، استغرق الأمر بعض الوقت لتمرير القوانين ذات الصلة لدخول السوق النفطية وتعيين فريق من الفنيين المختصين.

وكانت القضية الأكثر إثارة للجدل هي الضرائب، ففي عام 2010، وافقت شركة Heritage، التي أنجزت الكثير من أعمال الاستكشاف الأولية، على بيع أصولها إلى Tullow، لكن أعقبها فاتورة ضريبية باهظة فرضتها الحكومة على أرباح رأس المال بقيمة 434 مليون دولار، والتي سرعان ما عارضتها ورفضتها Heritage.

وحكمت محكمة أوغندية وقضية تحكيم في لندن لصالح الحكومة، ليمنح بعدها موسيفيني مكافأة قدرها 1.6 مليون دولار لـ42 مسؤولًا ساعدوا في القضية، حسبما أكدت مجلة “أفريكان بيزنس”.

وفي نزاع مماثل، باعت Tullow البريطانية جزءًا من حصتها إلى Total الفرنسية، وCNOOC الصينية، وتمت تسوية هذه المسألة خارج المحكمة في عام 2015.

بينما كانت التوترات الأخرى فقاعات تحت السطح، حينما أراد الرئيس يوري موسيفيني تكرير النفط محليًّا، وأرادت شركات النفط تصديره، بحجة أن المصفاة الداخلية صغيرة غير قابلة للحياة اقتصاديًّا.

في النهاية، اتفقوا على أن ما يصل إلى 60 ألف برميل يوميًّا -حوالي ربع الإجمالي- سيتم تكريره في أوغندا، والباقي سينقل إلى الساحل التنزاني عبر أطول خط أنابيب ساخن في العالم.

تسوية نحو أول طريق نفطي

لم يكن مفاجئًا، أن يواجه قرار Tullow لعام 2017 مشكلات، حيث قال دينيس كاكيمبو الذي يعمل بشركة Cristal Advocates، وهي شركة محاماة في كمبالا تتمتع بخبرة في مجال الطاقة والضرائب، إن المعاملة التي لدينا اليوم، ننظر فيها من خلال عدسات المعاملات السابقة.

الصفقة صُممت بحيث تدفع شركة توتال وشركة CNOOC الصينية، لشركةTullow البريطانية 200 مليون دولار مليون دولار نقدًا، و700 مليون دولار أخرى مقابل حصتها من تكاليف التطوير المستقبلية.

ولكن ظهرت خلافات حول العديد من القضايا؛ مثل كيفية حساب التكاليف التي تكبدتها Tullow بالفعل بين شراء أصولها الأوغندية وبيعها.

وقدمت الحكومة إلى Tullow فاتورة أرباح رأسمالية بمبلغ 167 مليون دولار، وهو ما عارضته الشركة.

ومؤخرًا، توصل رئيس أوغندا موسيفيني ورئيس توتال بوياني إلى حل وسط بعد اجتماعات مباشرة، تدفع بموجبه Tullow البريطانية 85 مليون دولار فقط، على أن تتحمل توتال وكنوك الباقي.

ومع ذلك، لم يتمكنوا من الاتفاق على ما إذا كانت الشركتان الأكبر حجمًا ستتحملان تكاليف Tullow القابلة للاسترداد، وما إذا كانت ستتم تسويتها مقابل الالتزامات الضريبية المستقبلية، وظلت هذه المسألة وغيرها دون حل عندما انهارت عملية البيع في نهاية أغسطس.

وقال هانز كيازي -المتخصص في الاتصالات بوزارة الطاقة والتنمية المعدنية، في ديسمبر 2019- إن شركات النفط قبلت مجموعة من المقترحات الجديدة التي قدمتها الحكومة، وهو ما لم تؤكده أو تنفيه شركات النفط بعد في بيان.

وحتى إذا تمت تسوية المسائل الضريبية، فإن اتفاقية البيع الأصلية بين شركات النفط قد انتهت؛ وسيكون عليهم إعداد واحدة أخرى، وربما بشروط جديدة.

خطط تحفيزية بمليارات الدولارات

الاهتمام السياسي في أوغندا اليوم يتحول بالفعل إلى انتخابات مثيرة للجدل في عام 2021، وهذا ما جعل الحكومة تشعر بتكلفة تأخير أية استثمارات نفطية.

لقد ضخت الحكومة أموالًا في الطرق والسدود والمطارات على وعد بحدوث طفرة نفطية وشيكة.

وتوقعت دراسة أجراها عام 2018 سيباستيان وولف من معهد التنمية لما وراء البحار، وفيشال أديتيا بوتلوري من مدرسة هارفارد كينيدي، أن أرباح النفط ستصل إلى ذروتها عند 73% من عائدات الضرائب غير النفطية للحكومة في غضون بضع سنوات من بدء العمل بها (بافتراض السعر يبدأ من 77 دولارًا للبرميل وينمو بنسبة 2% سنويًّا).

فيما حذر كبار المسؤولين في بنك أوغندا من أن الديون قد تصبح غير مستدامة إذا وصل النفط متأخرًا.

كل شيء يتوقف اليوم على قرار الاستثمار النهائي، وهذا ما أكده “هانز كيازي”، اختصاصي الاتصالات في وزارة الطاقة، بقوله: إن الاستثمارات النفطية وتحولها إلى واقع ملموس، ستغير أوغندا بشكل كبير.

ومن المتوقع أن يتدفق ما يصل إلى 20 مليار دولار إلى البلاد لتطوير البنية التحتية للنفط.

وختامًا، يمكن القول: إن ملحمة النفط في أوغندا بدأت للتو، لكن بمجرد التوصل إلى قرار في النهاية، تلوح في الأفق تحديات أخرى بالفعل، فآلاف الأشخاص في غرب أوغندا، نزحوا بالفعل، والبعض يتنافس على حزمة إعادة التوطين التي تلقوها.

كما أن جزءًا من النفط يكمن تحت حديقة وطنية، ومن المتوقع أن تقاضي 6 منظمات غير حكومية، توتال، خلال يناير 2020 أمام محكمة فرنسية، لفشلها في وضع وتنفيذ خطة اليقظة البيئية لحقوق الإنسان.