كتبت – نرمين توفيق

القارة السمراء.. أفريقيا الساحرة.. أم العالم القديم كما يطلق عليها.. حيث الطبيعة الخلابة النقية التي قلما تجدها في أي مكان آخر… هي ليست قارة للحروب فقط أو الصراعات والفقر والمرض كما يحسبها الكثير… إن أردت أن تقضي جولة سياحية خارج بلدك فقبل أن تفكر في باريس أو لندن أو روما عندك أفريقيا بدولها التي قد لا نعرف عنها إلا أسماءها… سنتوجه معًا إلى الجنوب في رحلة إلى دولة بوتسوانا وسترى جمالاً بالألوان الطبيعية، وكأنها جوهرة مكنونة يأسر جمالها الأعين.. ويجعلك تفكر طويلاً في عظمة الخالق وإبداعه.

تقع جمهورية بتسوانا في جنوب القارة الأفريقية، يحدها كل من زيمبابوي وناميبيا وجنوب أفريقيا، وعاصمتها مدينة جابرون، وتبلغ مساحتها ما يزيد على ستمائة ألف كم2، وهي من الدول الحبيسة في القارة الأفريقية التي لا تطل على بحار أو محيطات.

ويتعدى سكانها المليون نسمة، يكوِّن الأفارقة غالبيتهم، ينتمي معظمهم إلى قبائل البانتو، ويوجد عدد من الأوربيين والملونين، لكن لا تزيد نسبتهم على 1٪ من مجموع السكان.

ويدين أكثر من 30٪ من السكان بالمسيحية، وما زال نحو 40 بالمائة منهم يمارسون الطقوس الدينية الوثنية المحلية القديمة، وفي البلاد قلة من المسلمين تبلغ حوالي 718 مسلمًا.

ويتكلم البوتسوانيون اللغة  البتسوانية بالإضافة إلى الإنجليزية، ومن مصطلحاتها “بو”، الذي يشير إلى هذا البلد، و”با”، الذي يشير إلى الناس، “مو”، وهو شخص واحد.

  • حقبة استعمارية

دخل الأوروبيون إلى بتسوانا في بداية القرن التاسع عشر، وقتها كان يقطنها قبائل محلية تعيش مستقلة بعضها عن بعض، غير أن دخول الأوربيين إلى هذه المناطق أدى إلى تغير أوضاع البلاد، حيث نشر الأوروبيون الدين المسيحي هناك، وحصل تنافس كبير بين الإنجليز والهولنديين على المنطقة انتهى لصالح بريطانيا التي أعلنت بتسوانا مستعمرة تابعة لها عام 1885، وظلت كذلك حتى استقلالها عام 1966، وصار اسمها جمهورية بوتسوانا.

  • اقتصاد قوي

تمتلك بتسوانا تجربة اقتصادية رائدة بين دول الجنوب الأفريقي، حيث تحولت بعد الاستقلال من واحدة من أفقر الدول في العالم إلى فئة البلدان المتوسطة الدخل، وحسب أحد التقديرات، تمتلك بتسوانا رابع أعلى إجمالي للدخل القومي في تعادل القدرة الشرائية في أفريقيا، مما يمنحها مستوى معيشة يقارب نظيره في المكسيك وتركيا، وبهذا تمتلك بوتسوانا واحدًا من أسرع معدلات النمو في نصيب الفرد من الدخل في العالم.

كما حافظت الحكومة على سياسة مالية سليمة، حيث حصلت البلاد على أعلى تصنيف ائتماني سيادي في أفريقيا 2005/ 2006 وكدست احتياطيات نقد أجنبي تخطت 7 مليارات دولار، بالإضافة إلى أن مستوى الديون الخارجية لها لا يكاد يذكر.

  • طبيعة ساحرة

أبرز ما يميز هذا البلد الأفريقي هو الطبيعة الساحرة المتنوعة التي حباها الله بها، فهناك مناطق الدلتا والصحراء، وهناك مراعي السافانا، التي تتدرج بين السافانا ذات الأشجار المتفرقة في الشمال الشرقي، إلى السافانا العشبية الهزيلة في الجنوب الغربي، ويتضاءل الغطاء النباتي، وتقل كثافته باتجاه الجنوب الغربي، في وسط صحراء كلهاري.

أما أحواض بوتسوانا فهي بقايا لبحيرة بوتسوانا، وهي لوحة تاريخية تضيء بضوء الشمس والصخور الكلسية التي تكونت من الأصداف منذ ملايين السنين ونحتت من ماء الشتاء.

ومن أهم الحيوانات في هذه البيئة الفيل الأفريقي ووحيد القرن والغزلان والثيران الوحشية والضباع والأسود والفهود والقردة، أما الطيور فمنها المقيمة ومنها المهاجرة، وهي ذات أنواع كثيرة، لكن النعام أكبرها وأشهرها. ويوجد عدد من الحدائق الوطنية والمحميات الطبيعية على أراضي بوتسوانا، يقصدها السياح لمشاهدة الحيوانات البرية في بيئتها الطبيعية مثل حديقة تشوبي الوطنية، التي تغطي نحو 11,000 كم2 (4247 ميل مربع) وتحوي نحو 350 نوعا من الطيور.

ويقدر عدد السياح الأجانب الذين يزورونها بنحو 200000 سائح سنويًّا معظمهم من جنوب إفريقية، ويقبل السياح على حفلات الرقص الشعبي، التي تمارس في المناسبات الاجتماعية المختلفة.

  • فلكلور أفريقي

الموسيقى أهم ما يميز الفلكلور الأفريقي، والموسيقى التسوانية صوتية وتُستخدم الآلات الوترية فيها بكثرة، مثل سيتينكاني وسيجانكوري، وسيجابا، في العقود القليلة الماضية تم إدخال الجيتار الذي أضاف تنوعًا على الموسيقى البتسوانية.

وفي الجزء الشمالي من بوتسوانا، تشتهر النساء بمهارتهن في صناعة السلال من نخيل موكولا وصناعة الأصباغ المحلية، وتنسج السلال في ثلاثة أحجام: كبيرة بغطاء للتخزين وسلال كبيرة مفتوحة لحمل الأشياء على الرأس أو لذر الحبوب وسلال أصغر للحبوب المطحونة، ويتم تطوير فن صناعة هذه السلال بشكل مطرد من خلال استخدام الألوان والتصاميم، كما تنتج بشكل متزايد للاستخدام التجاري.

وتصور أقدم اللوحات في بوتسوانا وجنوب أفريقيا الصيد والحيوانات والشخصيات البشرية ورسمها الخويزانيون (كونج سان – بوشمن) قبل نحو عشرين ألف سنة في صحراء كالهاري، وهناك بعض المعارض الفنية التي يستوحى بعضها من المناظر الطبيعية الجميلة لبيئة بتسوانا.

أما التراث العمراني فهو متواضع؛ بسبب اعتماد القبائل الأفريقية على السكن المؤقت المتناسب مع حياة الترحال الدائم، إذ لا توجد آثار عمرانية تذكر تعود إلى ما قبل العهد الاستعماري ونشوء المدن، والمعالم الحضارية والثقافية حديثة عمليًّا وتعود إلى ستة عقود أو سبعة مضت، ويغلب عليها الطابع الأوروبي.

وتعد كرة القدم الأكثر شعبية في بوتسوانا، وهناك ورياضات شعبية أخرى تشمل لعبة الكريكيت والتنس والرجبي والكرة اللينة وكرة الطائرة والجولف وألعاب القوى، بالإضافة إلى أن بوتسوانا عضو منتسب لمجلس الكريكيت الدولي.

وبالرغم من ذلك لا تزال هذه الدولة الجميلة تعاني من مشاكل صحية يأتي على رأسها معاناة السكان من السل وسوء التغذية، وتظل مستويات الإصابة بالإيدز والسرطان مرتفعة.

وبالنسبة للتعليم فقد حققت بتسوانا تقدمًا كبيرًا في مجال التعليم عقب استقلالها، وتسعى الدول بكل مؤساستها إلى تطوير التعليم نظرًا لأهميته في تقدمها ونهضتها.