كتب. محمد الدابولي

بهدوء شديد وبعيدا عن الصخب الإعلامي تسعى كل من رواندا وقطر تعزيز العلاقات المتبادلة بينهما، فمؤخرا وخلال زيارة أمير قطر تميم بن حمد إلى روندا في 9 ديسمبر 2019 أعلنت شركة «الخطوط الجوية القطرية» استحواذها علي  نسبة 60% من قيمة مطار دولي جديد جاري الإنشاء جنوب شرق العاصمة الرواندية «كيجالي».

وتقدر قيمة الاستثمارات القطرية في مطار «بوجيسيرا» ــــــ يبعد 25 كم عن كيجالي ـــ بحوالي 1.3 مليار دولار، وخلال التوقيع على مذكرة التفاهم بين الجانبين تم الاتفاق علي زيادة سعة المطار تدريجيا من 4.5 مليون زائر سنويا إلي 7 مليون زائر وأخيرا 14 مليون زائر بحلول 2032، وعلقت روندا عبر  وزير بنيتها التحتية «كلافير جاتيتي» أن شركة الطيران الرواندية «رواند آير» من الممكن أن تساهم في المشروع وأن المرحلة الأولي من مشروع المطار ستنتهي بحلول 5 سنوات.

ولم تقتصر زيارة الأمير القطري علي توقيع عقود الاستحواذ على المطار الجديد بل شملت أيضا إقامة العديد من الفعاليات في كيجالي منها تقديم جائزة خاصة لبعض المسئوليين تحت عنوان جائزة«التميز الدولية لمكافحة الفساد».

عقد رعاية «باريس سان جيرمان»

لم يفت على الدوحة استغلال كافة الأساليب التي من شأنها زيادة التقارب مع روندا خلال الفترة الحالية، حيث سبق التوقيع على مذكرة التفاهم الخاصة بالمطار تم توقيع عقد رعاية بين الوكالة الرواندية للسياحة ونادي «باريس سان جيرمان» الذي يمتلكه القطري «ناصر الخليفي» يوم 4 ديسمبر 2019، وفحوي عقد الرعاية هو استغلال شعبية النادي الفرنسي في الترويج السياحي لروندا في أوروبا والعالم.

يقدر قيمة عقد الرعاية بحوالي 10 مليون يورو سنويا، حيث سيتم وضع عبارة «زوروا روندا ـ VISIT RAWNDA» علي قمصان لاعبي «باريس سان جيرمان» الخاصة بالإحماء وأطقم التدريب، كما سيتم وضع العبارة على أكمام قمصان الفريق النسائي، كما سيتم استغلال نجوم باريس سان جيرمان كـ«نيمار وكيليان مبابي» في الترويج للسياحة الرواندية، وفي هذا الإطار نقلت لوفيجرو الفرنسية عن مدير الرعاية بالنادي الباريسي «مارك أرمسترونج» أن شراكة النادي مع روندا ستعزز من جود النادي في أفريقيا.

بداية التقارب

تبدأ قصة العلاقات المتنامية بين الدولتين إلي فترة رئاسة روندا للاتحاد الأفريقي عام 2018، حيث استغلت قطر موقعها في الاتحاد الأفريقي كعضو مراقب من أجل تعزيز علاقتها ببعض الدول الأفريقية المؤثرة كروندا رئيسة الاتحاد في ذلك الوقت، وتوجت المحاولات القطرية باستمالة روندا في نوفمبر 2018 حين قام رئيس روندا ورئيس الاتحاد الأفريقي في ذلك الوقت بزيارة الدوحة.

وخلال عام واحد تقريبا التقي الطرفين تميم بن حمد وبول كاجامي أربع مرات الأولي في نوفمبر 2018 في الدوحة والثانية في إبريل 2019 في كيجالي وفيها تم التوقيع علي العديد من مذكرات التفاهم المشتركة في مختلف المجالات الثقافية والاقتصادية والرياضية والثالثة في أكتوبر  2019 في الدوحة وكانت على هامش «اكسبو الدوحة للمدن الذكية» والأخيرة في ديسمبر 2019 في كيجالي.

دواعي ومآلات التقارب القطري ـ الرواندي

تسعي الدولتان من خلال إرساء التعاون بينهما في مجالات متعددة إلى تحقيق ثمة مكاسب اقتصادية تخفى ورائها أبعادا سياسية تسعي الدولتان إلي تحقيقها وهو ما يتضح في النقاط التالية:

  • تعظيم المكاسب التنموية الرواندية: خرجت روندا من مرحلة الابادة الجماعية في فترة التسعينيات مثقلة بالهموم، إلا أنه مع تولي بول كاجامي رئاسة البلاد في مارس 2000 بدأت الدولة الصغيرة في منطقة البحيرات العظمى تشق طريقها نحو التقدم وإعادة العمران في البلاد، فروندا خلال السنوات الأخيرة نجحت في تحقيق أرقام قياسية في معدلات النمو حيث حققت معدل نمو يبلغ  11.9%  خلال الشهر الجاري([i])، لذا تسعي كيجالي إلي استمرار معدلات النمو المرتفعة لديها خلال الفترة المقبلة عبر تنشيط السياحة العالمية لجعلها أبرز المقاصد السياسية العالمية، لذا جاء توقيع عقد الرعاية مع باريس سان جيرمان من أجل هذا الغرض، كما أنه من المفترض أن يعمل المطار الجديد ـــــــــــــــــــــــــــ تمتلك قطر 60% من قيمته ــــــــــــ على استيعاب نسبة الزياة المنتظرة لأعداد السائحين الوافدين لروندا للاستمتاع بمناظرها الطبيعية.
  • تسعي روندا من خلال توافقها مع قطر في تحقيق العديد من المكاسب السياسية أبرزها الترويج للنظام السياسي الحالي الذي توجه له العديد من الاتهامات بقمع المعارضة واستئثار السلطة، ففي ديسمبر 2015 أجري كاجامي تعديلا دستوريا يسمح له بتميد ولايته مدتين إضافيتين بعد أن كان مقررا أن تنتهي فترة رئاسته في عام 2017، وأدت التعديلات الدستورية في روندا إلي ظهور معارضة وطنية ترفض بقاء الرئيس في الحكم مدة طويلة، كما انتقدت الولايات المتحدة أبرز الدول المانحة لروندا عملية تعديل الدستور في البلاد، لذا تحاول كيجالي من خلال عقد رعاية باريس سان جيرمان في إخفاء الصورة السلبية المتنامية للنظام الرواندي وإبراز صورة روندا الخلابة أمام الجميع.
  • الاستقواء بالدوحة: قد يكون من دواعيتعزيز  روندا علاقتها مع الدوحة هو رغبتها في كسب حليف دولي في حال لوعاد التوتر مرة أخري مع جارتها الشمالية أوغندا فقبيل زيارة تميم لكيجالي في إبريل 2019 اندلع صراع سياسي بين روندا وأوغندا حيث اتهم وزير الخارجية الرواندي ريتشارد سيزبيرا في أول مارس 2019 أوغندا بمحاولة زعزعة استقرار روندا عبد تقديم الدعم للعديد من الفصائل الرواندية المتمردة مثل المؤتمر الوطني الرواندي والقوى الديمقراطية لتحرير روندا مما أدي لاغلاق الحدود بين البلدين وطرد العديد من الرواندبين من أوغندا وظلت اتلأزمة بين البلدين مشتعلة حتي أغسطس 2019 بعد تدخل الرئيس الكيني أوهورو كينياتا وتوقيع مذكرة تفاهم بين الجانبين.
  • تموضع جديد في حوض النيل: تزايدت العلاقات القطرية الروندية في عام 2018 ـــــــــ أي بعد المقاطعة العربية للسياسات القطرية يونيو 2017 ــــــــ في محاولة للنظام القطري الإلتفاف على المقاطعة العربية وتعويض الخسائر التي منيت بها جراء المقاطعة، ومما يزيد الأمور إثارة هو اختيار روندا كمنصة انطلاق جديدة نحو الداخل الأفريقي، فروندا إحدي دول منابع حوض النيل وتمتلك العديد من المواقف الرافضة للسياسات المصرية تجاه حل أزمة مياه النيل بيبن مصر ودول المنابع، كما أنها من الدول الموقعة على اتفاقية عنتيبي، لذا يمكن رؤية أن الدوحة  قد تحاول محاصرة الدور المصري في ملف أزمة مياه نهر النيل عبر التغلغل في منطقة حوض النيل.
  • ·         قد تري قطر أن نفوذها المتنامي في روندا خير تعويض عن خسرانها لنفوذها في الخرطوم بعد خلع الرئيس السابق “عمر البشير” وجمود العلاقات القطرية السودانية، ومما يدل على تزايد أهمية العلاقات مع روندا تجاهل أمير قطر حضور القمة الخليجية في الرياض ــــــــــ أشيعت في العديد من وسائل الإعلام العربية قبل القمة أن ثمة تصالح خليجيا كان علي وشك حدوثه في القمة ـــــــــــ لصالح إتمام زياردة روندا.

وأخيرا.. نستخلص أن قطر تمكنت من مد نفوذها في منطقة حوض النيل مستغلة العديد من أدوات سياستها الخارجية مثل الاستثمارات المباشرة وامتلاكها لنادي باريس سان جيرمان في تعزيز علاقتها مع روندا التي من المحتمل أن تكون لاعبا هاما في منطقة حوض النيل خلال الفترة المقبلة.


[i]https://ar.tradingeconomics.com/rwanda/gdp-growth-annual