حسام عيد – محلل اقتصادي

صناعة النفط لا تموت لكن يجب أن تتغير؛ كي تخدم الهدف الرئيسي وهو مواءمة الصناعة مع رؤية مصر 2030 من أجل التنمية المستدامة لاقتصاد البلاد والمجتمع والبيئة. طموح أفصح عنه وزير البترول والثروة المعدنية، طارق الملا، معبرًا عن مدى توافق صناعة البترول مع رؤية مصر 2030 للتنمية المستدامة، بل ومساعدة كي تصبح ضمن أكبر 10 اقتصاديات عالميًّا بحلول ذلك العام.

لذلك، تطرقت مجلة “فوربس” الأمريكية إلى دور الحكومة المصرية البارز نحو خلق مستقبل مختلف للاستثمارات والأعمال التجارية يراعي البعد البيئي، وخفض انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون أحد الأسباب الرئيسية للتغير المناخي والظواهر الناجمة عنه.

ولطالما يثير قطاع الطاقة المتجددة في الأسواق الناشئة اهتمام المستثمرين والممولين والمشغلين على حد سواء.

مركز إقليمي للطاقة النظيفة

الوزير المصري طارق الملا، أكد أن الحكومة مدعومة بتوجيهات الرئيس عبدالفتاح السيسي، تركز على الغاز في الفترة الحالية، وتسعى لتدبير 40% من احتياجاتها من الطاقة من خلال الرياح والشمس بحلول 2030.

وأشار إلى أن وزارة البترول والثروة المعدنية لديها اليوم رؤية ترتكز على تأهيل مصر كي تصبح مركزًا إقليميًّا للطاقة النظيفة، إلى جانب الوفاء بالتزامات السوق المحلي.

وبفضل الاستراتيجية الواضحة والجهود التي بذلتها الوزارة المصرية منذ أن تولاها الملا ففي عام 2015 اتضح جليًّا أن هذا الهدف، طويل الأمد، لديه بالفعل فرصة للتحقق والنجاح.

وتحسن ترتيب مصر في مؤشر تغير المناخ لتحتل المرتبة 24 عام 2019 مقارنة بالمرتبة 28 لعام 2018، فضلًا عن احتلال مصر المركز الـ32 عالميًّا، والمركز الثالث في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا على مؤشر تنظيم كفاءة الطاقة المتجددة بالتنافسية العالمية.

وأشار تقرير “كلايمت سكوب 2019” للدول المتحولة لاستخدام الطاقة النظيفة إلى أن مصر هي ثاني أعلى معدل تدفقات في الطاقة النظيفة في العقد الماضي، وكذلك إشارة الوكالة الدولية للطاقة المتجددة إلى أن المرحلة الحالية من نشر الطاقة المتجددة في مصر، وفرت 6 آلاف وظيفة مباشرة وغير مباشرة عام 2018، فضلًا عن إشادة “البنك الدولي” بمحطة بنبان، مشيرًا إلى “أنها ستساهم في إمداد مصر بالطاقة النظيفة اللازمة لتحقيق النمو الاقتصادي المستدام”، وأخيرًا إشادة “بيرني ساندرز” عضو مجلس الشيوخ الأمريكي، ببناء مصر لأكبر محطة طاقة شمسية في العالم وسط الصحراء، مؤكدًا أن ذلك يعد ثروة تكنولوجية يحتذى بها في تحقيق نمو اقتصادي يضمن للأجيال القادمة حقها.

وكان إجمالي إنتاج الطاقة المتجددة سجل زيادة بنسبة 76% خلال الفترة من يوليو 2014 حتى يونيو 2020، لتصل إلى 5800 ميجاوات/ ساعة -مستهدف- عام 2019/2020، مقارنة بـ5100 ميجاوات/ ساعة عام 2018/ 2019، وذلك بحسب إحصائية صادرة عن وزارة الكهرباء والطاقة المتجددة في ديسمبر 2019.

اقتصاد بين الـ10 الكبار بحلول 2030

وهذا ما دفع “فوربس” إلى التأكيد على أن الاستراتيجية الحالية لتحقيق الإصلاح الاقتصادي المستدام، بالإضافة إلى تحقيق كشف ظهر للغاز في البحر المتوسط، جعلا بنك “ستاندرد شارترد” يتوقع أن تصبح مصر واحدة من أكبر عشر اقتصادات عالميًّا خلال 10 سنوات لتحتل المركز السابع قبل روسيا واليابان وألمانيا، بإجمالي ناتج محلي يصل إلى 8.2 تريليون دولار.

وكان بنك التنمية الأفريقي قد أشار إلى أن مصر نجحت في تحقيق أهداف ونتائج برنامج الإصلاح الاقتصادي، وأجرت إصلاحات هيكلية مثيرة للإعجاب خلال الفترة 2017: 2019؛ أبرزها في قطاع الطاقة الذي أصبح أكثر استدامة وتنافسية، فتحول من خانة العجز إلى تسجيل فائض في 2019، وفي طريقه لتحويل البلاد إلى مركز إقليمي للطاقة، وأكد البنك أن مصر تصدرت هذا العام قائمة الدول الأفريقية في جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة.

فيما أوصى البنك الدولي بمواصلة التركيز على محركات النمو الرئيسية، معتبرًا قطاع الطاقة أبرزها وأهمها.

التحديث من أجل التغيير

الملا -الذى قضى 24 عامًا من حياته فى مختلف المناصب التنفيذية والعملية (مجال العمليات) بشركة شيفرون- شدد على أن سياسات وإصلاحات الرئيس عبدالفتاح السيسي كان لها دور رئيسي في إعادة الاستقرار والتوازن لقطاع البترول والغاز المصري الذى يرجع تاريخه إلى 120 عامًا مضت.

أولى الخطوات جاءت في 2015 عبر التواصل مع الشركاء الأجانب، ليس فقط للحفاظ على ثقتهم، بل لتعزيزها في قطاع الطاقة المصري، فخلال فترات الاضطراب يسهل على المستثمرين والشركات متعددة الجنسيات أن تنهي أعمالها وترحل، وإبقائهم منخرطين في الدولة أمر ضروري لذا يجب أن يشعروا بالثقة في أن استثماراتهم محمية وبأن الحكومة شريك مستقر وموثوق.

ورغم ذلك، كانت الخطوات الأصعب هي التي تلت المرحلة الأولى “استعادة الثقة والاستقرار”، لارتكازها على التطوير والتحديث لتحقيق التغير؛ حيث إن التحول كي تصبح مصر مركزًا إقليميًّا للطاقة يتطلب تغييرات هائلة، ولذلك قامت وزارة البترول بإطلاق استراتيجية متكاملة للتطوير والتحديث تعالج نقاطًا هامة؛ مثل أداء الإنتاج، التكرير والتوزيع، والأهم من كل هذا هو تنمية الكوادر البشرية التي توصف بمجال الإصلاح الأساسي.

وتعد الوزارة منظمة منقسمة تتشكل من شركات قابضة وهيئات وشركات مشتركة وكيانات بالقطاع العام ومجموعات استثمارية، ويعمل بالقطاع 249 ألف شخص، ولكنهم غير مرتبطين ببعضهم البعض، وهذا ما دفع الوزير للإفصاح عن أن آخر تغيير مؤسسي كان منذ عشرين عامًا؛ لذا يجب توصيل رسالة الوزارة للتغيير، ويجب ربط الناس بهذه الرؤية، كما أنه بات هناك حاجة للأشخاص المناسبين للقيام بذلك.

بيئة عمل ديناميكية متنوعة

يتمثل هدف وزير البترول طارق الملا، بعد ذلك في تكوين مجموعة عمل متنوعة، بكفاءات تنافسية فائقة، وتم الإعلان عن طلب خبراء في المجال وتخصصات الأعمال الأساسية؛ مثل التمويل والإدارة، ومن ضمن 3 آلاف متقدم، تم اختيار 700 من الأكثر طموحًا وتحفيزًا منهم وبعد تقلص العدد إلى 400 تم إرسالهم للخارج للتدريب عمليًّا وإعطائهم أدوار للإدارة المتوسطة فور عودتهم للإسراع بتوجه المنظومة نحو المستقبل.

لذلك باتت منظومة الطاقة المصرية، تمتلك فريقًا مؤهلًا يوصف بالأكثر تنوعًا وديناميكية يمكنه الانتقال بالبلاد إلى مستويات متقدمة للغاية على المؤشرات العالمية.

فاليوم، أصبح في استطاعة وزير البترول طارق الملا أن يركز بقوة في عمليات التطوير والتحديث والتي تتطلب التكنولوجيات الصحيحة، ووقع الاختيار الأوليّ على برامج SAP وS/4HANA الدولية المتخصصة في التخطيط وإدارة موارد المؤسسات والذي يعرف اختصارًا بـ(ERP) ليس فقط لمعرفته السابقة بهم منذ عمله في شركة شيفرون للاستكشاف والإنتاج -واحدة من شركات الطاقة المتكاملة الرائدة في العالم التي تنتج طاقة آمنة وموثوقة للحاضر والمستقبل- ولكن لأنه يؤمن بأنهم الاختيار الأمثل للإعداد لأن تعمل الصناعة الوطنية بشكل أكثر كفاءة مع تقليل الخسائر وزيادة معدلات الإنتاج.

وختامًا، يمكن القول: إن وزير البترول والثروة المعدنية المصري طارق الملا يؤمن بالقيادة من خلال مثال يحتذى به، ولن يصبح مشروع وزارة البترول للتطوير والتحديث نموذجًا فقط للوطن فحسب، بل إنه عندما يبدأ في إظهار النتائج، فإنه سيساعد على إطلاق إمكانات المنطقة بأسرها من خلال تحسين الاقتصادات وتمكين المواطنين، وخلق مصادر مستدامة للطاقة للأجيال القادمة.