حسام عيد – محلل اقتصادي

طوى ثالث أكبر سوق في أفريقيا، بجنوب الصحراء الكبرى، صفحة عقود من الحرب الأهلية، متحولًا نحو تنفيذ برنامج طموح لتنويع الاقتصاد بعيدًا عن قطاع النفط، في ظل حكومة جديدة ملتزمة بتحسين بيئة الأعمال.

إنها أنجولا، ثاني أكبر منتج للغاز والنفط بالقارة السمراء، والتي توصف بالأكثر ديناميكية، فهناك أكبر تحول أفريقي يحدث اليوم، وذلك بفضل الإصلاحات الجارية والتي تمهد لنموذج جديد لاقتصاد سوق حر تحكمه قوانين التنافسية، لطالما تهافت عليه المستثمرين من مختلف بقاع ودول العالم.

واليوم، في القارة الأسرع نموًّا بالعالم، أفريقيا، تستعد أنجولا لاستغلال فرص استثمارية واعدة لا تحصى، تدعمها اتفاقية التجارة الحرة القارية الأفريقية، لتعزيز الوصول إلى الأسواق العالمية، كالسوق الأمريكي.

أنجولا قبل الاستقلال كانت مكتفية ذاتيًّا؛ لكن اليوم تمتلك الموارد اللازمة للبقاء بين أقوى الاقتصادات في القارة السمراء بأكملها بمتوسط معدل نمو 5% حتى عام 2025، فهي مركز الأعمال المشرق والمتجدد في شرق أفريقيا والذي يتيح للمستثمرين الوصول إلى سوق إقليمية لأكثر من 200 مليون مستهلك.

دولة القانون تسود

الجانب الأساسي الذي تتطور إليه قيادة الرئيس جواو مانويل جونسالفيس لورنسو في أنجولا هو أن يكون هناك امتثالًا صارمًا للقانون فيما يتعلق بمناحي الحياة في المجتمع، هذا ما أكد عليه وزير الدولة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، مانويل خوسيه نيونيس جونيور.

فالرئيس الأنجولي يعمل جاهدًا على محاربة الفساد والهاربين من العقاب، وذلك للوصول إلى دولة القانون الحقيقي.

صناعة اقتصاد المنافسة العادلة

ويعتبر جواو لورنسو، أول من تولى الحكم في أنجولا بعد خوسيه إدواردو دوس سانتوس الذي دام حكمه لأربعة عقود تقريبًا، والتي احتدمت خلالها حرب أهلية اندلعت من بعد الاستقلال، حيث كانت ضارية وطويلة، استمرت من 1975 وحتى العام 2002، كما كان لسياساته دورًا بارزًا في تهميش الاقتصاد غير النفطي.

واحتلت أنجولا مع دوس سانتوس مرتبة متقدمة بين أكثر الدول فسادًا في العالم.

لكن الحكومة الجديدة تحت قيادة جواو مانويل لورنسو، والتي صعدت من خلال انتخابات سلمية وشفافة وديمقراطية في عام 2017، لم تتردد عندما تعلق الأمر بالإصلاح في هذه الدولة التي يبلغ عدد سكانها 29 مليون نسمة، لتقر قانون المنافسة الأول في البلاد والذي يهدف إلى خلق “اقتصاد سوق حر قائم على المنافسة العادلة والأخلاق”.

كما أدخلت تعديلات على قانون الاستثمار الخاص للأجانب كي تتم استثمارات أجنبية خالصة دون شريك محلي.

واليوم، أنجولا ماضية في برنامجها الطموح لخصخصة 195 شركة عامة، و32 شركة وطنية بين عامي 2019 و2022 لتعزيز كفاءتها وتحفيز خلق فرص عمل جديدة.

توازن النظام المالي

بدوره، أكد نائب محافظ بنك أنجولا المركزي، روي ميجينس، أن سياسة ونهج البنك تكمن في بناء نظام مالي مستقر ومتوازن يرتكز على قاعدة مصرفية صلبة ولوائح مشددة فيما يتعلق بحوكمة الشركات، ومكافحة غسيل الأموال.

فاليوم أصبح كل شيء جاهز لمستثمري العالم لاستكشاف أنجولا، وهذا أيضًا ما شدد عليه المدير التنفيذي للبورصة الأنجولية، باتريسيو فيلار، بقوله: “إن أملنا هو تحقيق الاستقرار الاقتصادي، وإعطاء مساحة للشركات لبدء إصدار السندات أو الأسهم، فمع دفع برنامج الخصخصة سيكون لدينا عدد من الشركات الرائدة والجذابة بما يكفي لجلب رؤوس الأموال الأجنبية، وكذلك تحفيز شركات القطاع الخاص المحلية للانخراط والاندماج في آليات السوق الحر وتعزيز دورها الاستثماري”.

بيئة مستقرة واقتصاد نوعي

وإلى جانب كونها إحدى دول أفريقيا الغنية بثرواتها التعدينية، فهي ثالث أكبر منتج للألماس في القارة السمراء بحجم يناهز 9.4 مليون قيراط بقيمة تعادل 1.2 مليار دولار، وباحتياطيات تصل إلى 180 ميلون قيراط، وفقًا لإحصاءات الاتحاد العالمي لبورصات الماس في 2019. بالإضافة إلى أنها تعد من اللاعبين الرئيسيين في صناعة النفط، فهي ثاني أكبر منتج للنفط في جنوب صحراء أفريقيا بحجم بلغ 1.37 مليون برميل يوميًّا، بحسب بيانات حكومية أنجولية.

التنقيب عن الماس في أنجولا

تسير البلاد بوتيرة متسارعة مدعومة بإصلاحات قوية فعّالة، إلى التحول لـ”أنجولا جديدة”؛ فهي في الوقت الراهن من أكثر بلدان منطقة جنوب الصحراء الكبرى استقرارًا، فرغم تقلبات أسعار النفط، إلا أنها أطلقت العنان لاقتصادها، لاكتشاف واستشراف فرص استثمارية واعدة قادرة على خلق اقتصاد نوعي تنافسي على مستوى القارة السمراء.

فرص الاستثمار كثيرة في الزراعة والبناء وصيد الأسماك والغابات والتعدين وتوليد الطاقة والسياحة، على سبيل المثال لا الحصر، مدعومة بمتطلبات التأشيرة المخففة وغيرها من التدابير الصديقة للاستثمار.

كذلك باتت أنجولا تتمتع بإمكانية الوصول إلى 38 من أفضل 50 معدن يستخدم في مختلف الصناعات، مثل الماس والحديد والذهب والتيتانيوم والرخام واليورانيوم.

وأيضًا، مناخها يسمح بالإنتاج الزراعي المتنوع على مدار العام، حيث تبلغ مساحة الأراضي الصالحة للزراعة 35 مليون هكتار، منها 14% فقط مستخدمة؛ 69 مليون هكتار من الغابات لمشروعات الغابات؛ و1650 كيلومترًا من خطها الساحلي، مع مجموعة واسعة ومتنوعة من المنتجات السمكية.

وهناك فرص تنافسية بالقطاعات الهيكلية الرئيسية التي تتطلب الاستثمار، كالتعليم والصحة والطاقة والمياه والبنية التحتية.

وتوقع صندوق النقد الدولي أن يتضاعف نمو القطاع غير النفطي تقريبًا إلى 6.5% في عام 2022 من 3.5% هذا العام، مع استقرار قطاع النفط ، الذي يمثل 37% من الناتج المحلي الإجمالي، 75% من الحكومة الإيرادات و90% من الصادرات.

صناعات زراعية رائجة

الاستثمار الخاص والاستثمار الأجنبي المباشر، ضروريان لكسر دائرة الاعتماد الاقتصادي للبلاد على قطاع النفط، والإسراع في انتعاش ونمو المنتجات والخدمات في الصناعات ذات الأولوية -مثل الزراعة وصيد الأسماك- مع إمكانية استبدال نحو 3.3 مليار دولار من الواردات المتوقعة.

ولذلك تعمل مؤسسة بيوكوم الأنجولية الخاصة، التي تعد الثانية في صناعة النفط والغاز، والمنتج الرئيسي للسكر، على تنفيذ ثاني أكبر مشروع للصناعات الزراعية في أنجولا، بحسب ما قال لويس جورديلهو، المدير التنفيذي لـ”بيوكوم”.

بنية تحتية “محورية”

فيما أعلن روي ميجينس، نائب محافظ بنك أنجولا الوطني (البنك المركزي)إن أنجولا استقبلت الكثير من المستثمرين الدوليين، وخاصة المستثمرين من المؤسسات، الذين هم في طليعة أي استثمار”.

ويهدف التزام الحكومة المتجدد بمبادرات البنية التحتية الرئيسية في جميع أنحاء البلاد إلى زيادة تسهيل التجارة وحركة السلع والخدمات.

كما أن العمل في مطار لواندا الدولي الجديد، عاد وجار على قدم وساق، مما يمهد الطريق للبلاد لتكون بمثابة محور للدول المجاورة التي تفتقد لشركات الطيران أو ليس لديها بنية تحتية كافية لبناء مطار.

في أكتوبر 2019، تم الانتهاء من خط سكة حديد بنغيلا الذي يبلغ طوله 1400 كيلومتر، والذي يعبر البلاد شرقًا من ميناء لوبيتو على ساحل المحيط الأطلسي حتى الحدود مع جمهورية الكونغو الديمقراطية، ويربط المناطق الغنية بالمعادن في جمهورية الكونغو الديمقراطية وزامبيا بالمحيط الأطلسي، مما يقلل الضغط على ممرات النقل الأخرى ويقلل الاعتماد على النقل عبر موانئ جنوب أفريقيا.

وتشير ماريانا سانشيز، مديرة الموارد البشرية في شركة أسيريا الأنجولية، إلى أن دعم صناعات الحديد والصلب سيضيف قيمة إلى أنجولا لتلبية الاحتياجات في البنية التحتية، مثل بناء المدارس والمستشفيات.

طاقة متجددة “لا تنضب”

وبأهداف متابعة نمو الطاقة المتجددة، هناك الكثير من الفرص، التي يتنافس عليها كبرى شركات الطاقة في العالم، فأنجولا بلد مفتوح وغني.

وعلى مدار 40 عامًا، تعمل شركة إيني الإيطالية عبر فرعها الإقليمي بشرق أفريقيا بحسب المدير العام أندريا جياكاردو، في مجال النفط والغاز بأنجولا، وهذا ما دفعها اليوم لتنويع أعمالها، والسعي لبناء شبكات من الطاقة المتجددة لتغذية أنجولا، ودول القارة السمراء.