كتبت – أماني ربيع

منذ دخولنا بوابة القرن الحادي والعشرين، اعتبر الكثيرون أن أعوام التمييز على أساس العرق ولون البشرة والجنس قد ولت إلى الأبد، لكن للأسف لا زلنا إلى الآن نعاني من ميراث طويل من الثقافة الخاطئة عن الآخر، ولا زلنا نسمع كلمة أول نجم أسود البشرة يفوز بالجائزة “الفلانية”، وأول أديبة أفريقية تفوز بالجائزة “العلانية”، رغم أن ذلك يعتبر تغييرًا في حد ذاته، لكنه تغيير بطيء، يفترض أنه لا يتماشى مع طبيعة العصر الذي نعيشه والذي تشدق الجميع فيه بأنه عصر الحريات.

وفي عام 2019، نجحت ثلاث نساء أفريقيات في كسر “تابو” مجالات الجمال والأدب والسينما

وكأن البشرة الداكنة خطيئة ينبغي إخفاؤها، فكثيرة هي إعلانات كريمات تفتيح البشرة التي تلقى رواجًا بين المراهقات اللاتي يسعين للتخلص من لونهن الأصلي كما لو كان عارا يلاحقهن.

كانت النجمة الكينية لوبيتا نيونجو قد عانت قبل انطلاق شهرتها من لون بشرتها، واعترفت بأنها في وقت ما من طفولتها دعت الله أن يغير لون بشرتها لتصبح أفتح، لاعتقادها أن البشرة السمراء لعنة، لكن بعد فوزها بالأوسكار عام 2013 عن دورها في فيلم “12 Years a Slave”، ثم منحها لقب أجمل امرأة في العالم عام 2014، من مجلة “People”، قالت: كانت أمي تخبرني دوما أنني جميلة، الآن صدقتها”.

وفي الفيلم القصير “الحمى الصفراء”، للمخرجة الكينية “نيجاندو موكي” خلال 7 دقائق العلاقة بين المرأة ولون جسدها، وعولمة الجمال التي تفرض تصورًا معينًا على عقول الفتيات وأجسادهن، والسؤال هو: لماذا يجب أن تشعر أي فتاة أنها ستصبح أكثر جمالًا إذا صارت بيضاء؟

وهكذا بمرور الوقت حدث تغيير في وعي الناس ونظرتهم إلى الجمال، وعدم حصره في البشرة البيضاء والشعر الأشقر، خاصة وأن التنوع أصبح حاضرًا بشدة سينمائيًّا وفي الدعايات الإعلانية وغيرها من وسائل التثقيف المختلفة، ما يجعل فوز فتاة ثانية بلقب ملكة جمال الكون وهي من ذوات البشرة السمراء حدثًا طبيعيًّا جدًّا.

الجنوب أفريقية زوزيبيني تزنزي.. ملكة جمال الكون لعام 2019

“نشأت في عالم لا يعتبر امرأة مثلي -بلون بشرتي ونوع شعري- جميلة، وأعتقد أن ذلك الزمن انتهى اليوم”.

استطاعت الجنوب أفريقية زوزيبيني تزنزي اقتناص تاج الجمال العالمي من ملكتي جمال بورتوريكو ماديسون أندرسون، والمكسيك سوفيا أراجون، في المرحلة النهائية من مسابقة جمال العالم لعام 2019، واختيرت الفتاة السمراء للقب بعد سؤالهن في مواضيع مختلفة؛ مثل التغيرات المناخية والتظاهرات المنتشرة حول العالم، ومواقع التواصل الاجتماعي.

وكان السؤال النهائي لزوزيبيني ذات الستة والعشرين ربيعًا، حول ما الذي يجب أن تتعلمه بنات اليوم؟ وإجابتها كانت: “الزعامة”.

وأوضحت “هذا شيء كانت تفتقر إليه الفتيات والنساء لوقت طويل، ليس لأننا لم نكن نريد ذلك، بل بسبب التصنيفات التي ألصقها المجتمع بدور النساء، أعتقد أننا المخلوقات الأكثر قوة في العالم، وبنبغي أن تتاح لنا جميع الفرص، هذا ما يجب أن نعلمه للفتيات أن يأخذن مكانهن”.

تؤيد زوزيبيني الجمال الطبيعي، ولذا ظهرت ببشرتها الداكنة دون تفتيح أو تعديل، كما ارتدت تاج الجمال على شعر قصير مجعد لم تلجأ لكيّه أو فرده، كما اعتدنا، فبدت فتاة تعتز بلونها وهويتها وثقافتها.

ربما هي ليست الأفريقية الأولى التي تفوز باللقب؛ حيث سبق أن فازت به الأنجولية، ليلي لوبيز عام 2011، والتي حرصت على تهنئة الملكة الجديدة عبر حسابها على إنستجرام قائلة: “تهانينا يا فتاة، لقد جعلتينا فخورين جدًّا”.

لكن فوز زوزيبيني، هذا العام يعني أن ما حدث عام 2011، لم يكن مجرد استثناء، أو دعاية تغسل بها المسابقة الشهيرة سمعتها، وتظهر فيها للعالم أنها تروج لمفهوم تنوع الجمال، وليس مجرد جمال الشكل فقط بل جمال الشخصية والروح أيضًا؛ فزوزيبيني ناشطة في حملات مكافحة العنف القائم على النوع الاجتماعي، وتروج عبر حساباتها على مواقع التواصل لتغيير الخطاب التقليدي عن الأفكار النمطية المتعلقة بالأدوار ++الجندرية.

وبعد فوزها بالتاج كتبت: “فُتح الليلة باب أمامي ولا أستطيع أن أكون أكثر امتنانًا، أتمنى أن تؤمن كل فتاة شهدت على هذه اللحظة بقوّة أحلامها، وأن ترى انعكاس وجهها في وجهي”.

وأنهت كلامها : “أقول بكل فخر: اسمي زوزيبيني تونزي، وأنا ملكة جمال الكون للعام 2019”.

وستتمتع زوزيبيني -بحسب موقع بي بي سي- بإقامة لمدة عام في شقة في نيويورك، بالإضافة الى راتب قيمته حوالي 100 ألف دولار، وستسافر حول العالم من أجل اللقاءات الصحفية والمشاركة في عروض الأزياء والحملات الخيرية المختلفة.

ماتي ديوب.. ماذا تحكي لنا شوارع داكار!

“كانت رغبتي في مشاهدة تجسيد لحياة السود على الشاشة دافعًا وراء إخراجي فيلم “atlantis”.

ولأول مرة في تاريخ مهرجان كان السينمائي، تفوز امرأة من أصول أفريقية بجائزة لجنة التحكيم الكبرى المرموقة لعام 2019، عن فيلمها الروائي الطويل الأول.

وتنافست ديوب مع 3 مخرجات -هن جيسيكا هسنر وسيلين سياما وجوستين ترييت- على الجائزة، وتفوقت عليهن بفيلم تمت صناعته بإمكانيات بسيطة جدًّا، وممثلين يظهرون لأول مرة على الشاشة تعرفت عليهم في شوارع داكار عاصمة السنغال.

ولجأت ديوب إلى قصة من واقع حياة الكثيرين من اللاجئين الأفارقة الذين يواجهون الموت من أجل الهرب إلى واقع أفضل هربًا من الحروب والصراعات في أوطانهم، واعتمدت على فيلم وثائقي قصير صنعته عام 2009، عن شاب سنغالي توفي أثناء محاولاته عبور البحر إلى إسبانيا.

لكن الفيلم لا يسرد قصة المهاجرين، لكن تبعات هجرتهم وهربهم على أسرهم الذين يخلفونهم وراءهم، وتدور الحبكة الرئيسية حول آدا الشابة التي تتزوج قسريًّا، ويغرق حبيبها سليمان في البحر بعد أن خاطر في رحلة عبر الأطلسي ومنها إلى جزر الكناري حالـمًا بالوصول إلى أوروبا من أجل حياة أفضل.

حاولت ديوب تسليط الضوء على من يبقى في السنغال، حيث الكثيرون تحت خط الفقر، ويعانون من البطالة وافتقار الفرص، وعن ذلك قالت: الأمر كان بالغ الحساسية، فصناعة فيلم حول هذا الموضوع يعني المخاطرة بحصر جيل كامل من الشباب بل وبلد كامل في إطار مسألة الهجرة، وأنا لم أكن أريد ذلك أبدًا”.

واختارت ديوب شبابًا التقتهم بالمصادفة في شوارع داكار، بعضهم يعمل في مواقع إنشاءات ومنهم إبراهيم تراوري الذي لعب دور سليمان، وآخرين يجلسون بلا عمل في الحانات، والبعض يتسكع في الضواحي الفقيرة.

وبعد فوزها بالجائزة قالت: “كي أكون صادقة، أول شيء شعرت به كان بعض الحزن؛ فهذا يحدث الآن فقط اليوم في 2019، إنه متأخر جدًّا إنه أمر لا يمكن تصوره أنه ما زال يمثل حدثًا اليوم، هذا يعني أنه لا تزال هناك حاجة للقيام بقدر كبير من الجهد لتحقيق المساواة في صناعة السينما”.

وصرحت ديوب بأنها أرادت بشدة مشاهدة وقائع من حياة المواطنين السود ونقلها إلى شاشة السينما، وكان هذا محركي الأول، وليس الوحيد؛ لأنه ليس محركًا كافيًا لكتابة قصة، ولكن في نهاية السيناريو كنت مثلما أنا الآن أريد أن أرى هؤلاء الممثلين السود.. وأناس كثيرون يحتاجون ذلك”.

برناردين إيفاريستو.. صوت الشتات الأفريقي في بريطانيا

كسرت جائزة “البوكر” الدولية قواعدها هذا العام بمنح جائزتها الأدبية الشهيرة لعام 2019، مناصفة للكاتبتين مارجريت أتوود وبرناردين إيفاريستو، وفازت إيفاريستو بالجائزة عن روايتها “Girl، Woman، Other”.

وبرناردين إيفاريستو هي كاتبة “أنجلو – نيجيرية” في الستين من عمرها، تعيش في لندن، وهي أول امرأة داكنة البشرة تفوز بجائزة البوكر منذ بدأت عام 1969.

تدرج أعمال إيفاريستو ضمن أدب الشتات الأفريقي، وهو الأدب الذي كتبه الأفارقة المهاجرون منذ خمسينيات القرن الماضي، يستعرضون فيه تجاربهم في الاندماج بالمجتمعات المختلفة.

و”Girl، Woman، Other”، هي رواية إيفاريستو الثامنة، تتبع الرواية مسارات 12 شخصية، معظمهم من داكني البشرة، في بريطانيا الحديثة، تُرجمت كتبها إلى عدة لغات من بينها التشيكية والفنلندية والمجرية والإيطالية والماندرين.

تقول: أعلم جيدًا كبريطانية سوداء، معنى أن يراني العالم كامرأة وسوداء أيضًا، حاولت التحدث عنا وانحزت لنا، لا يجب أن ننتظر أن نرى أنفسنا في خيال وكتابات من لا يشبهوننا، في شبابنا لم نكن نرى أنفسنا ممثلين بأي شكل في الدراما أو المسرح، كان هذا يؤلمنا ونحن شباب، وكأننا غير مرئيين، لذا وظفت قلمي في روايتي “Girl، Woman، Other”، ضد الاختفاء، وددت أن أقول إننا مهمون وغير كاملين، ومعقدون وعاطفيون ومضحكون وأنانيون ورائعون أيضًا، مثل أي إنسان آخر على هذا الكوكب، كما أتعامل مع التحيز ضد الأنثى بعد الأربعين، وكأن النساء الأكبر سنًّا لسن مدعاة للاهتمام، حاولت من خلال روايتي التحدث بلسان مجموعة متنوعة من الشخصيات بجنسيات مختلفة ومهنٍ وخلفيات ثقافية متعددة، في الغالب جذورها من بريطانيا وأفريقيا ومنطقة البحر الكاريبي والهند.

وبرناردين الطفلة الرابعة ضمن ثمانية أطفال، ولدت في وولويتش، جنوب شرق لندن، لأم إنجليزية “من الثقافة الإنجليزية والأيرلندية والألمانية” وأب نيجيري “من الثقافة النيجيرية والبرازيلية، كان والدها عامل لحام ومستشارًا عماليًّا محليًّا، ووالدتها معلمة، ودرست في مدرسة “إلثام هيل” للبنات، وكلية “روز بردفورد” للدراما، وحصلت على الدكتوراه في الكتابة الإبداعية من جامعة لندن، وأمضت مراهقتها على مسرح جرينيتش يونج بيبولز.

وكتبت إيفاريستو في صحيفة “الجارديان” عن ندرة الحديث عن الأقليات في الروايات، وهو يعني أنك لا ترى نفسك منغمسًا في قصص الأمة التي تنتمي إليها، وهو ما كرست له مسيرتي ككاتبة، فنحن النساء البريطانيات السود، إذا لم نعبر عن أنفسنا في الأدب، لن يقوم بذلك أحد عنا”.

تستطيع رؤية بريطانيا المعاصرة في أعمالها وحصيلتها 8 كتب والعديد من الأعمال المنشورة التي تغطي أجناسًا أدبية متنوعة من الروايات إلى الشعر والقصص القصيرة والمقالات والنقد الأدبي والدراما الإذاعية والمسرحية، وتتركز معظم موضوعاتها حول الشتات الأفريقي، وهي أستاذ الكتابة الإبداعية بجامعة برونيل بلندن.

تحولت روايتها Hello Mum إلى مسرحية إذاعية عام 2012، كما تحولت روايتها الشعرية The Emperor’s Babe إلى مسرحية إذاعية على راديو “بي بي سي 4” عام 2013، وفي عام 2015 كتبت وقدمت فيلمًا على راديو “بي بي سي 4” من جزأين بعنوان: “Fiery Inspiration: Amiri Baraka and the Black Arts Movement”، أو أميري بركة وحركة الفنون السوداء.

أعمالها الأدبية والنقدية منشورة في كبرى المجلات البريطانية مثل: الجارديان والتايمز، وأوبزرفر، وإندبندنت، ونيو ستيتمان، وحصلت على العديد من الجوائز الأدبية، وهي عضو في هيئة تحرير الصندوق الأفريقي لكتاب الشعر.

حصلت برناردين على العديد من الجوائز، واختيرت أعمالها في فئة “كتاب العام” 13 مرة من قبل الصحف البريطانية، كما اختارت “التايمز” اللندنية كتابها  “The Emperor’s Babe” “كتاب العقد”، وانتخبت زميلة في “الجمعية الملكية” للآداب عام 2004، وزميلة “الجمعية الملكية” للفنون عام 2006، وزميلة “جمعية اللغة الإنجليزية” عام 2017، وزميلة كلية “روز بروفورد” للمسرح والأداء في عام 2018.

وتعتبر برناردين ناشطة قوية، تدافع عن دمج الفنانين والكتاب الملونين لضمان زيادة تمثيلهم في الصناعات الإبداعية.

و”Girl، Woman، Other”، هي رواية إيفاريستو الثامنة، وتتبع الرواية مسارات 12 شخصية، معظمهم من داكني البشرة، في بريطانيا الحديثة.