حسام عيد – محلل اقتصادي

اتفاقية مفيدة لتحفيز الدعم السياسي والتجاري حول موضوع هو الأكثر جدلًا في القارة السمراء، وربما يكون خطوة طموحة على مسار التكامل بأفريقيا، والذي لطالما سعت إليه المنطقة الأكثر ديناميكة بالعالم باعتباره خطوة تاريخية نحو السلام والازدهار.. هكذا تفاعل شون دوهرتي، رئيس التجارة الدولية والاستثمار في المنتدى الاقتصادي العالمي.

ففي قارة اعتادت منذ زمن طويل على عقبات وعراقيل التأخر الحدودي وموظفي الجمارك غير المؤهلين، تم الترحيب بتوقيع اتفاقية التجارة الحرة الأفريقية، كإشارة رئيسية على أن القارة السمراء مستعدة لاحتضان مستقبل التجارة الحرة عبر حدود أكثر مرونة، على عكس توترات تجارية أوسع في أماكن أخرى من العالم.

اتفاقية التجارة الحرة القارية الأفريقية AfCFTA

بعد سنوات من المشاحنات والمفاوضات، تلقت آفاق التجارة في أفريقيا دفعة إيجابية كبيرة في مارس 2018 بتوقيع اتفاقية التجارة الحرة القارية الأفريقية؛ وهي خطة طموحة تهدف إلى توسيع التجارة البينية.

وسرعان ما تعززت الاتفاقية في يوليو عندما وافقت نيجيريا، أكبر اقتصاد في القارة، بالانضمام إليها، مع إعلان مصر باعتبارها رئيس الدورة الحالية للاتحاد الأفريقي عبر قمة استثنائية احتضنتها نيامي، عاصمة النيجر، في 7 يوليو 2019، بدء سريان اتفاقية التجارة الحرة بين الدول الأفريقية.

وتهدف الاتفاقية إلى إزالة الحواجز والمعوقات الجمركية وغير الجمركية بين دول القارة، وخلق سوق أفريقية موحدة للسلع والخدمات، حيث تعمل الاتفاقية على زيادة التجارة البينية إلى 60% مقارنة بحجم التجارة الأفريقية مع باقى دول العالم، وذلك من خلال إزالة 90% من التعريفات الجمركية على مدى 5 سنوات بين 54 دولة موقعة على الاتفاقية.

ومن المتوقع أن تساهم الاتفاقية في جذب رؤوس الأموال الأجنبية، خاصة أن الأسواق الأفريقية لم تصل لحد الكفاف حتى الآن لتصنف كواحدة من أكثر الأسواق المتعطشة لدخول منتجات وخدمات جديدة على عكس الدول المتقدمة.

التكتل الأكبر عالميًا.. حلم قديم يتحقق

ويأتي هذا الإعلان التاريخي بعد 17 عامًا من المفاوضات الصعبة؛ إذ أطلق الاتحاد الأفريقي “المرحلة التشغيلية” لمنطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية التي وصفها رئيس مفوضية الاتحاد موسى فكي بأنها “لحظة تاريخية”.

وقال فكي إن “حلما قديما يتحقق، والآباء المؤسسون سيكونون فخورين بذلك”، مشيرًا إلى أن منطقة التبادل الحر الأفريقية ستكون “أكبر فضاء تجاري في العالم”.

وستخضع منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية لخمس أدوات تشغيلية هي: قواعد المنشأ، منتدى التفاوض عبر الإنترنت، رصد وإزالة الحواجز غير الجمركية، نظام المدفوعات الرقمية، ومرصد التجارة الأفريقي.

وتعمل منطقة التجارة الحرة القارية على زيادة حجم التجارة البينية الأفريقية من 16% في عام 2018 إلى 60% بحلول 2022، لتصبح بذلك واحدة من أكبر مناطق التجارة الحرة منذ تشكيل منظمة التجارة العالمية، بالنظر إلى عدد سكان أفريقيا الحالي البالغ 1.3 مليار نسمة، والذي من المتوقع أن يرتفع إلى 2.5 مليار بحلول عام 2050.

وستكون المنطقة التجاريّة جاهزة للعمل بدءًا من الأول من يوليو 2020، حتى يتاح للدول الأعضاء التكيّف مع التغييرات التي ستطرأ، بهدف إيجاد كتلة اقتصادية بقيمة 3.4 تريليون دولار، ما يمثل 3.5% من الناتج الإجمالي العالمي.

خطوة طموحة نحو التكامل.. ركيزتها الحكومات والقطاع الخاص

لا شك أن بإقامة منطقة التجارة الحرة الأفريقية فإنها سوف تسهم بتطوير البنية التحتية للقارة وكذلك تحقيق التنمية الصناعية بين دولها، كما أنها سوف تسهم في تسهيل وحرية حركة الأشخاص ونقل الخبرات الفنية والخدمات الأخرى المتصلة بالتجارة بين دول القارة وخارجها.

ومن المتوقع أن تساهم الاتفاقية في تطوير خدمات الطاقة وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات بين دول القارة الأفريقية.

وتصل نسبة التجارة البينية الأفريقية حاليًا ما يقارب 16%، وهي نسبة ضعيفة للغاية إذا ما قورنت بـ 59% في قارة آسيا، و69% في أوروبا. فهناك 80% من تجارة القارة تذهب إلى خارج القارة السمراء، مما يعني أن بلدان العالم الأخرى خاصة الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والصين هي المستفيد الأكبر من صادرات وواردات الدول الأفريقية.

لذا تأتي اتفاقية التجارة الحرة القارية لتقديم مزيدًا من العون للدول الأفريقية نحو تحقيق مزيد من التكامل الاقتصادي؛ إذ يتوقع الخبراء الاقتصاديون أن هذه الاتفاقية سوف تزيد حجم التجارة البينية الأفريقية من 150 مليار دولار في الوقت الحالي إلى 220 مليار دولار بحلول عام 2022.

ولهذا حرصت الاتفاقية على ضرورة إلزام الدول الأعضاء بها على خفض الرسوم الجمركية بين الدول الأفريقية بما يقارب 90%، بحيث يؤدي ذلك إلى خفض أسعار السلع وسهولة الإجراءات الروتينية التي تؤدي إلى ضياع الكثير من الوقت بين البلدان الأفريقية، على أن تحصل الدول على خمس سنوات كفترة تهيئة لتحقيق هذه النسبة، بينما الدول الأفريقية الأقل نموًا فقد حصلت على 10 سنوات كفترة تهيئة للوصول إلى تلك النسبة.

وفيما يتعلق بالقضاء على الفقر في القارة، فمن المتوقع أن اتفاقية التجارة الحرة الأفريقية وتماشيًا مع الأهداف الاستراتيجية لمبادرة أجندة الاتحاد الأفريقي 2063، سوف تتيح أداة يمكن استخدامها من أجل وضع القارة استراتيجيًا لاستغلال مواردها التجارية الهائلة وفرصها الاستثمارية والإسهام إيجابيًا نحول التحول الهيكلي للاقتصادات الأفريقية، لاسيما وأن القارة تخطو خطوات جدية نحو تحقيق التنمية الاقتصادية، حيث تستحوذ القارة على سبعة من الاقتصادات العشرة الأسرع نموًا في العالم، وتمتاز كذلك القارة بطبقة وسطى سريعة النمو، وفقا للبنك الأفريقي للتنمية.

وستسمح اتفاقية التجارة الحرة للقطاع الخاص بمزيد من التطوير والمشاركة في السوق الأفريقي من خلال إلغاء القيود بين دول القارة، لاسيما وأن تحقيق النجاح الطويل الأجل في تكامل السوق لا يتأتي إلا من خلال بناء الشركات والصناعات ذات القدرة التنافسية على الصعيد العالمي، ويعد تسيير خدمات الاقتصاد المتسم بالكفاءة، أحد العناصر الأساسية في مجال تطوير الاقتصادات التنافسية.

دعم عالمي عبر مبادرات لتسهيل التجارة والاستثمار

وبالعمل مع عدد من الشركاء الدوليين، أشار شون دوهرتي، رئيس التجارة الدولية والاستثمار في المنتدى الاقتصادي العالمي، إلى التحالف العالمي لتسهيل التجارة، والذي يعد نشطًا في القارة السمراء، فلديه مشاريع جارية في كينيا وغانا والمغرب ونيجيريا وزامبيا، من شأنها إصلاح المنظومة التجارية.

ففي زامبيا يعمل التحالف على تطبيق أنظمة ترخيص سماسرة الجمارك، بأهداف تيسير عمل الشركات في التواصل مع وسطاء الجمارك، ومن ثم يصبح الأمر أقل بيروقراطية.

وفي كينيا وغانا، تطور الأمر إلى حد معرفة المبالغ الجمركية المطلوب دفعها قبل وصول البضائع بدلًا من الانتظار.

فيما تركزت مبادرات أخرى على على السماح للجمارك بالتنبؤ بالشحنات المحتملة للمستوردين والمصدرين على المدى الطويل، وتوفير الوقت لعمليات التفتيش غير الضرورية وتسهيل حركة المراكز الحدودية المكتظة.

ويعد تيسير الاستثمار أيضًا جزءًا أساسيًا من عمل المنتدى الاقتصادي العالمي في القارة ، حيث يتيح للمستثمرين المحتملين التواصل بسهولة مع الشركات المستهدفة والنظام البيئي الأوسع نطاقًا للمقاولين من الباطن ودعم الأعمال.

وهذا ما أكد عليه دوهرتي، عبر قوله: ” يعد تيسير الاستثمار أيضًا جزءًا أساسيًا من عمل المنتدى الاقتصادي العالمي في القارة ، حيث يتيح للمستثمرين المحتملين التواصل بسهولة مع الشركات المستهدفة والنظام البيئي الأوسع نطاقًا للمقاولين ودعم الأعمال”.

وأضاف، “في غانا، ننظر إلى ما يمكن القيام به للمساعدة في فرص أن يكون هذا الاستثمار مستدامًا، مع تأثيرات غير مباشرة فيما يتعلق بالوظائف والنتائج الجانبية البيئية. نحن لسنا وكالة تنفيذية تقليدية للتنمية ، فنحن نغطي منطقة تطوير السياسة ومجال التأثير. هناك مناقشات جارية حول تسهيل الاستثمار في منظمة التجارة العالمية، ما نقوم به هو أخذ هذه الأفكار، والذهاب إلى غانا والتحدث إلى الشركات المحلية والحكومة ورؤية أي منها مناسب”.

وبالتالي يصبح العمل على هذه المبادرات الأصغر حجمًا، مساعدًا نشطًا على توقيع وتنفيذ اتفاقيات أوسع متعددة الجنسيات مع دول القارة السمراء.

ويأمل المنتدى الاقتصادي العالمي في الاستفادة من هذا العمل المشجع وتطبيقه على التجارة الإلكترونية، وهو موضوع آخر مثير للجدل يتم مناقشته على نطاق واسع على مستوى منظمة التجارة العالمية، والذي سيثبت أنه ذو صلة بمستقبل أفريقيا مع تزايد أهمية تجارة التجزئة والتكنولوجيا، في ضوء تيسير السياسات الضريبية.