كتب – محمد الدابولي

شهدت السياسة الخارجية الأمريكية تحولات وتغييرات جوهرية منذ تولي الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب» مهامه في البيت الأبيض في يناير 2017، حيث أعاد «ترامب» مصطلح «أمريكا أولًا» لمفردات السياسة الخارجية الأمريكية([i]).

بزغ مصطلح أمريكا أولًا في العديد من المحطات السياسية الأمريكية؛ أبرزها عقب انتهاء الحرب العالمية الأولى، حيث ساد الجدل حول إمكانية انضمام واشنطن للتنظيم العالمي الذي تشكل عقب الحرب العالمية «عصبة الأمم»، مما دفع الكونجرس الأمريكي إلى رفض التصديق على انضمام الولايات المتحدة للعصبة رافعًا شعار أمريكا أولًا وداعمًا فكرة انسحابها من الحياة السياسية العالمية وعدم التورط في الصراعات الأوروبية، إلا أن تلك السياسة لم تصمد كثيرًا مع بدء الحرب العالمية الثانية التي تبدلت فيها السياسة الخارجية الأمريكية من العزلة إلى الهيمنة([ii]).

احتل مفهوم أمريكا أولًا مكان الصدارة في خطاب الحملة الانتخابية لدونالد ترامب، وفور توليه السلطة بنى ترامب سياساته الخارجية تجاه العديد من المناطق؛ مثل أوروبا الغربية والشرق الأوسط والشرق الأدنى بناءً على هذا المفهوم، إذ طالبت واشنطن حلفاءها في الناتو على سبيل المثال بزيادة نفقاتهم في الحلف وإلا ستقلل واشنطن دعمها للناتو([iii])، أما في منطقة الشرق الأوسط ورغم الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي إلا أن ترامب لم يتخذ أي قرارات رادعة بحق التهديدات الإيرانية للملاحة البحرية والنفط في الخليج، داعيًا الدول المستوردة للنفط الخليجي إلى التدخل ومواجهة التهديدات الإيراني([iv])، كما انتقد ترامب معاهدة الدفاع المشترك بين بلاده واليابان مطالبًا اليابان بتولي أمر حماية نفسها([v]).

أدت سياسة «أمريكا أولا» -التي اتبعها ترامب إزاء حلفاء الولايات المتحدة التقليدين في أوروبا وآسيا والشرق الأوسط- إلى إثارة المخاوف الأفريقية من أن تمتد تلك السياسية إلى العلاقات الأمريكية الأفريقية، وبدورها تسعى الولايات المتحدة إلى تقليص التزاماتها تجاه الدول الأفريقية، خاصة أن القارة الأفريقية شهدت اهتمامًا ملحوظًا من قبل الولايات المتحدة خلال العقدين الأخريين، وتمثل ذلك في تعزيز التواجد العسكري الأمريكي في أفريقيا من خلال إنشاء «القيادة العسكرية الأمريكية في أفريقيا -«الأفريكوم»- الذي لعب أدوارًا هامة في محاربة التنظيمات الإرهابية في الصومال، وليبيا، ومالي، وأخيرا غرب أفريقيا.

ولم يقتصر التواجد الأمريكي في أفريقيا على الشق العسكري، إذ امتد إلى النواحي الاقتصادية والاجتماعية، فمنذ نهاية عهد الرئيس الأسبق جورج بوش توسعت أمريكا في برامجها الاقتصادية الموجهة لأفريقيا؛ مثل تقديم حزمة من المساعدات الأمريكية للدول الأفريقية في مواجهة الأمراض المنتشرة مثل الإيدز.

ورغم التخوفات الأفريقية المتنامية من التوجهات الجديدة للسياسة الخارجية الأمريكية، إلا أن البيت الأبيض بدَّد تلك التخوفات ولو جزئيًّا في ديسمبر 2018 حين أعلن مستشار الأمن القومي الأمريكي «جون بولتون» الاستراتيجية الأمريكية الجديدة تجاه أفريقيا، متضمنة تقديم المزيد من المنح والمساعدات إلى الدول الأفريقية وعدم المساس سواء بالعمليات العسكرية الأمريكية ضد التنظيمات الإرهابية في أفريقيا أو بقانون النمو والفرص.

ومن هنا يتبادر التساؤل حول أطر الاستراتيجية الأمريكية الجديدة إزاء أفريقيا، ومدى إمكانية نجاح تلك التجربة في مواجهة النفوذ الصيني والروسي المتنامي في أفريقيا خاصة بعد مرور ما يقارب العام على تطبيقها.

أولًا: أطر السياسة الخارجية تجاه أفريقيا

تتنوع أطر السياسة الخارجية الأمريكية إزاء القارة الأفريقية ما بين أطر سياسية وعسكرية واقتصادية، وأخيرا أطر اجتماعية، فمنذ نهاية الحرب العالمية الثانية كانت أفريقيا مسرحًا واسعًا للحرب الباردة بين القطبين الكبيرين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة، ففي البداية عملت الولايات المتحدة على إزاحة صور الاستعمار التقليدي القديم (الإنجليزي والفرنسي) في القارة الأفريقية([vi])، ثم عملت على مد نفوذها في العديد من دول المنطقة، ولعل الدعم الأمريكي لنظام موبوتو سيسكو في زائير (الكنغو الديمقراطية حاليًّا) خير دليل على ذلك.

فخلال الحرب الباردة عملت الولايات المتحدة على توظيف الأبعاد الأيدولوجية في علاقتها مع الدول الأفريقية لأجل محاربة النفوذ الشيوعي في القارة السمراء، إلا أنه بعد نهاية الحرب الباردة وسقوط الاتحاد السوفيتي تبدلت أبعاد العلاقات الأمريكية الأفريقية، حيث توارى البعد الأيدولوجي لصالح أبعاد أخرى غَلَبَ عليها البعد المصلحي.

إجماع واشنطن

بنهاية الحرب البادرة ظهر إطار جديد يجمع العلاقات بين الطرفين وهو «إجماع واشنطن -Washington Consensus » أو ما يعرف باسم المشروطيات الدولية لتقديم المنح والمساعدات للدول الفقيرة والنامية، حيث وضعت الولايات المتحدة عددًا من الشروط لأجل تلقي المساعدات سواء منها أو من الجهات المانحة الدولية كالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي.

حدد الخبير في معهد بيترسون للاقتصاد الدولي (PIIE) جون وليامسون عددًا من الشروط التي ينبغي تحقيقها أولًا، قبل تقديم المساعدات والمنح المالية للدول العاجزة، منها على سبيل المثال تحقيق الانضباط المالي من خلال تبني ميزانية متوازنة من خلال تقليل نسبة العجز في الموازنة والحيلولة دون ارتفاع نسبة الدين العام إلى الناتج القومي الإجمالي[vii].

كما حددت المشروطية ضرورة التوسع في برامج الخصخصة وبرامج ترشيد الإنفاق العام وحصره فقط في مجالات الصحة والتعليم والاستثمار في البنية التحتية، وتحرير قطاع التجارة الخارجية سواء الصادرات أو الواردات، وعدم فرض أي قيود على الواردات، وأخيرًا تحرير سعر صرف العملة الوطنية)[viii](.

لم تلعب المشروطيات دورًا فقط في تشكيل العلاقات الأمريكية فقط بل أيضًا لعبت دورًا في تشكيل العلاقات الأفريقية مع باقي القوى العالمية خاصة الصين وروسيا، حيث استغلت بكين وموسكو مسألة صعوبة تحقيق المشروطيات في تحقيق التقارب مع الدول الأفريقية، فمثلا أعلن الرئيس الروسي -خلال المؤتمر الروسي الأفريقي الأخير- أن بلاده ستقدم المنح والمساعدات إلى الدول الأفريقية دون أي مشروطيات خاصة.

قانون النمو والفرص

خلال العقد الأول من الألفية الجديدة نجحت الصين في تعزيز نفوذها في أفريقيا عبر منتدي التعاون الصيني الأفريقي «فوكاك» -الذي تأسس مع القمة الصينية الأفريقية الأولي في العاصمة بكين عام 2000- حيث بلغ معدل التبادل التجاري بين الصين وافريقيا لعام 2018 ما يقارب 204 مليارات دولار، فقد بلغت الصادرات الصينية لأفريقيا حوالي 104 مليارات دولار في حين بلغت الصادرات الأفريقية للصين 99.2 مليار دولار([ix])، في حين بلغ معدل التبادل التجاري بين أفريقيا والولايات المتحدة عام 2017 حوالي 39 مليار دولار منهم 14.1 مليار دولار صادرات أمريكية لأفريقيا، و24.9 صادرات أفريقية للولايات المتحدة([x])، وفي عام 2018 بلغت الصادات الأمريكية لأفريقيا 15.843 مليار دولار فيما بلغت الواردات الأمريكية من أفريقيا 25.079 لتحقق بذلك زيادة طفيفة في معدل التبادل التجاري ليتجاوز 40 مليار دولار)[xi](.

بالتزامن مع الانفتاح الصيني على القارة الأفريقية في بداية الألفية الجديدة أصدرت الولايات المتحدة ما يسمى «قانون النمو والفرص – AGOA» في مايو 2000 من قبل إدارة الرئيس الأسبق «بيل كلينتون»، ليكون أحد الأطر الرئيسية الحاكمة للعلاقات الأمريكية الأفريقية في شقها الاقتصادي والتنموي، حيث هدف القانون إلى توسيع نطاق التجارة والاستثمار بين الجانبين، كما اعتبرت واشنطن أن قانون «AGOA» فرصة لإدماج الاقتصاد الأفريقي جنوب الصحراء بالاقتصاد العالمي.

منتدي أجوا والتفضيلات الاقتصادية

اشتمل قانون أجوا (قانون النمو والفرص) على العديد من التفضيلات الاقتصادية الممنوحة للدول الأفريقية جنوب الصحراء لتسهيل ولوجها إلى الأسواق الأمريكية، فعلي سبيل المثال نص القانون على أهمية وجود منتدى سنوي بغرض تحقيق التعاون الاقتصادي بين الولايات المتحدة والدول الأفريقية في جنوب الصحراء، وذلك لتعزيز قضايا التجارة والاستثمار، ونصّ القانون على بعض التفضيلات الممنوحة للدول الأفريقية، فمثلًا يوجد قانون التفضيلات العامة (GSP) الذي يسمح بتسويق المنتج في الدول الأفريقية بدخول السوق الأمريكية دون أية رسوم جمركية)[xii](.

مشروطيات أجوا

منذ انقضاء الحرب الباردة، حددت واشنطن العديد من المشروطيات الواجب تحقيقها في اقتصاديات الدول النامية ومنها الأفريقية لكي يتم تقديم المنح والمساعدات والتفضيلات الاقتصادية لها، وفي ذات السياق عزز قانون «أجوا» فكرة المشروطيات الاقتصادية والتجارية، فسنويًّا يطلب الكونجرس الأمريكي من الرئيس أن يحدد قائمة الدول الأفريقية بجنوب الصحراء المؤهلة للحصول على امتيازات قانون «أجوا»، ويحدد القانون عددًا من المعايير الاقتصادية الواجب توافرها في الاقتصاديات الأفريقية لأجل الحصول على امتيازات أجوا ومنها)[xiii](:

  1. توجه اقتصاديات تلك الدول إلى اقتصاد السوق.
  2. سيادة القانون.
  3. اتخاذ الدولة العديد من التدابير لمكافحة الفقر.
  4. حماية حقوق العمال في كافة الأنشطة الاقتصادية في الدولة.
  5. تعزيز الجهود والمبادرات التي من شأنها مكافحة الفساد.

أجوا ومعدل التبادل التجاري بين الجانبين

بعد ما يقارب عقدين على تدشين قانون أجوا أصبحت هناك 39 دولة أفريقية جنوب أفريقيا في عام 2019 تتمتع بامتيازات قانون أجوا، وتشير التقديرات الأمريكية إلى أن القانون ساعد على زيادة التبادل التجاري بين الجانبين حيث زادت الواردات الأمريكية منذ 2001 وحتي 2017 بنسبة مقدارها 68%، كما بلغت واردات أجوا الغير نفطية في عام 2018 حوالي 4.3 مليار دولار؛ أي أكثر من ثلاثة أضعاف ما كانت عليه في عام 2001، وتشمل الواردات الأمريكية الغير نفطية المركبات وقطع الغيار والذهب والكاكاو والفواكه[xiv].

وتعد كلا من جنوب أفريقيا ونيجيريا وأنجولا وتشاد وكينيا من أهم الدول المستفيدة من تفضيلات أجوا؛ حيث تصدر جنوب أفريقيا سيارات وقطع غيار وفواكه ومكسرات إلى الولايات المتحدة بقيمة 2.9 مليار دولار، فيما تصدر نيجيريا إلى أمريكيا نفطًا بقيمة 6.1 مليار دولار، وكذلك تصدر أنجولا النفط للولايات المتحدة بقيمة 2.3 مليار دولار، وأما الصادرات التشادية النفطية للولايات المتحدة فبلغت 590 مليون دولار.

تحديات قانون النمو والفرص

بعد مرور ما يقارب العقدين على إصدار قانون النمو والفرص، يواجه القانون العديد من التحديات الاقتصادية سواء بالنسبة للولايات المتحدة أو الدول الأفريقية، التي سيتم سردها كالتالي:

  • المشروطية وتدني معدلات التبادل التجاري بين الجانبين: أدت المشروطيات التي حددها قانون النمو والفرص إلى تدني معدلات التبادل التجاري بين أمريكا والدول الأفريقية؛ إذ بلغت 39 مليار دولار في مقابل حجم التبادل التجاري بين الصين وأفريقيا الذي تخطى الــ200 مليار دولار، إذ إن انعدام المشروطية في العلاقات الصينية الأفريقية ساهم في تعزيز التبادل التجاري مع الصين على حساب التبادل التجاري مع الولايات المتحدة.
  • تقسيم أفريقيا إلى مستويين: تعتمد المصادر الأجنبية إلى تقسيم أفريقيا سياسيًّا إلى مستويين؛ شمال أفريقيا وأفريقيا جنوب الصحراء، ويتم اعتبار شمال أفريقيا جزءًا من إقليم الشرق الأوسط الذي يضم دولا أفريقية وآسيوية، وعلى هذا المنوال سار قانون النمو والفرص في تقسيمه للدول الأفريقية؛ إذ اعتبر أن دول شمال أفريقيا ليست من الدول الأفريقية.

من المحتمل أن يكون تقسيم الأفريقيين إلى مستويين من أبرز العوامل التي أدت إلى تدني معدلات التبادل التجاري بين الطرفين نظرا للثقل الاقتصادي والسياسي لدول الشمال في تسيير مجريات الأمور في أفريقيا، فعلى سبيل المثال تلعب كل من مصر والجزائر دورا كبيرا في تعزيز التكامل التنموي على مستوى الاتحاد الأفريقي، فكلا الدولتين كان لهما دور فعال في تأسيس منظمة الوحدة الأفريقية عام 1963 والاتحاد الأفريقي عام 2002، كما أن للدولتين دور فعال في تشكيل مبادرة “النيباد” الشراكة الأفريقية لأجل تنمية أفريقيا.

  • فخ صناعة السيارات: جنوب أفريقيا من أكثر الدول الأفريقية ريادة في صناعة السيارات، حيث دفع وجود جنوب أفريقيا على قائمة الدول ذات التفضيلات العليا في قانون أجوا إلى لجوء شركات صناعة السيارات الآسيوية والأوروبية إلى إنشاء مصانع تجميع للسيارات في جنوب أفريقيا تمهيدا لتصديرها إلى الولايات المتحدة مستفيدة من انعدام التعريفات الجمركية على الصادرات الجنوب أفريقية إلى السوق الأمريكي، وتعد شركات مثل تويوتا اليابانية وكيا الكورية الجنوبية من أبرز الشركات الآسيوية العاملة في جنوب أفريقيا وغيرها من الدول الأفريقية والمستفيدة من تفضيلات قانون أجوا.

وبالنظر إلى تلك الحالة نجد أن قانون أجوا لم يلجأ إلى تطوير الصناعات المحلية الأفريقية، وإنما نجح في تطوير مبيعات الشركات الآسيوية والأوروبية التي اتخذت من الدول الأفريقية نقطة للانطلاق إلى السوق الأمريكية مستفيدة من امتيازات قانون أجوا، وهو الأمر الذي قد يؤثر بالسلب على الدول الأفريقية في حال إعادة النظر في الامتيازات التي حددها قانون أجوا للدول الأفريقية أو اتخاذ واشنطن مزيدًا من الإجراءات الحمائية ضد السيارات الغير أمريكية.

  • تطوير الصناعات المحلية: من النقطة السابقة ينبغي التأكيد على أهمية تطوير الصناعات المحلية الأفريقية لتكون قادرة على الاستفادة من امتيازات قانون أجوا من ناحية وعدم تأثرها بأي حرب تجارية بين الصين والولايات المتحدة مثلا، فكلما كان المنتج محلي الصنع كلما كان أكثر أمانًا في مواجهة تبعات الحرب الاقتصادية بين الدول الكبرى.

خطة الإغاثة من الإيدز (PEPFAR)

في إطار تقاربها مع الدول الأفريقية لعبت الولايات المتحدة دورًا كبيرًا في مكافحة العديد من الأمراض المستوطنة في أفريقيا؛ مثل حمى الملاريا والإيدز والسُّلّ، ففي 2003 سنّ الرئيس الأسبق جورج بوش قانون مكافحة فيروس نقص المناعة البشرية والسُّلّ والملاريا (PEPFAR) باستثمارات تقدر بقيمة 25 مليار دولار، وفي تقرير صادر عن وزارة الخارجية الأمريكية عام 2017 أوضح أن القانون نجح في تجنيب 11 مليون حالة وفاة مرتبطة بالإيدز، كما عمل القانون على تجنيب 16 مليون آخرين من الإصابة بهذا المرض، وتعد جنوب أفريقيا من أكثر الدول الاستفادة من هذا البرنامج؛ إذ ضخت واشنطن نحو 5.6 مليار دولار لمحاربة الإيدز في جنوب أفريقيا لوحدها[xv].

ثانيًا: محاور الاستراتيجية الأمريكية الجديدة

في 3 ديسمبر 2018 أصدرت الولايات المتحدة استراتيجيتها الجديدة تجاه أفريقيا، ومن المثير أن الاستراتيجية الجديدة لم تخرج كثيرًا عن الإطار السياسي الذي رسمه ترامب خلال حملته الانتخابية القائم على مواجهة التمدد الصيني، وترشيد الإنفاق الأمريكي في العالم عمومًا، وأفريقيا خصوصًا([xvi]).

أوضح مستشار الأمن القومي الأمريكي السابق، جون بولتون، أن الاستراتيجية الجديدة تهدف إلى:

  • تطوير العلاقات التجارية بين الولايات المتحدة والدول الأفريقية لصالح الطرفين، وأن تكون المعاملة بالمثل وليست بالتبعية.
  • مواجهة التهديدات الإرهابية، خاصة تلك المتعلقة بداعش والقاعدة وأفرعهما في أفريقيا.
  • ضمان استخدام المساعدات الأمريكية بكفاءة وفعالية والابتعاد عن المساعدات العشوائية التي لم تدر أي منفعة لصالح أمريكا، ومن هنا أوضح بولتون أن بلاده لن تدعم أي بعثات تابعة للأمم المتحدة غير ناجحة، ولا تحقق المصالح الأمريكية[xvii].

تحذير أمريكي من الصعود الصيني

بدا الصعود الصيني في أفريقيا مقلقا بالنسبة للولايات المتحدة، ومن هنا ركزت الاستراتيجية الأمريكية الجديدة على مجابهة النفوذ الصيني في أفريقيا محذرة من تنامي السياسات الصينية في أفريقيا فخلال الفترة من 2007 وحتى 2016 ضخت الصين نحو 6.4 مليار دولار في أفريقيا، كما اتهمتها واشنطن باستخدام الرشاوى وعقد اتفاقيات مبهمة مع الدول الأفريقية لجعل الدول الأفريقية أسيرة لرغباتها، كما أن المساعدات الصينية لأفريقيا تدعم الفساد في الدول الأفريقية[xviii].

اتهم جون بولتون الصين بإيقاع الدول الأفريقية في فخ المديونيات من أجل السيطرة على اقتصاديات تلك الدول؛ فمثلا زامبيا مدينة للصين بنحو 6 أو 10 مليارات دولار، الأمر الذي دفع الحكومة الزامبية للتنازل عن شركات الطاقة لديها للصين من أجل سد التزاماتها المالية، كما أن نسبة الدين العام في جيبوتي ارتفعت بنسبة 85% خلال عام 2016، الأمر الذي دفع الحكومة الجيبوتية للسماح للصين بإنشاء قاعدة عسكرية لها في جيبوتي بجوار القاعدة الأمريكية عام 2017، كما انتشرت الأنباء عن احتمالية سيطرة الصين على ميناء دوراليه، وفي حال السيطرة الصينية على ميناء دوراليه فإن الصين تكون سيطرت وهيمنت على أكبر ممر تجاري في العالم[xix].

مبادرة أفريقيا المزدهرة «Prosper Afric»

أكد بولتون أن بلاده أنفقت خلال السنوات الأخيرة مليارات الدولارات في سبيل تحسين العلاقات الاقتصادية الأمريكية، وتحسين الأحوال السياسية والاجتماعية في أفريقيا إلا أن تلك الأموال لم تؤتِ المراد منها؛ فهي لم تنجح في إيقاف تمدد الجماعات الإرهابية في أفريقيا، ولم تقف أمام تمدد النفوذ الصيني والروسي في أفريقيا.

لذا جاءت الاستراتيجية الأمريكية الجديدة التي خطها الرئيس ترامب لمنع نمط المساعدات القديم معدوم الأثر والجدوى على المصالح الأمريكية، وتبني نمط جديد من التفاعلات والمساعدات من شأنه تعزيز المصالح والأمن القومي الأمريكي.

وفي سبيل تحقيق ذلك تبنت الولايات المتحدة مبادرة “أفريقيا المزدهرة” والتي تقوم علي:

  • تشجيع القادة الأفارقة على اختيار مشروعات استثمارية عالية الجودة والشفافية.
  • تطوير نظم التمويل والعمل على تحقيق استقلال الدول الأفريقية اقتصادية وإنهاء علاقة التبعية الاقتصادية الناجمة عن تفاقم المديونيات.
  • إنشاء شركات متبادلة المنفعة.
  • دعم المشاريع والمبادرات التي ستدعم قطاع الوظائف في الولايات المتحدة.

ويتضح من النقاط السابقة أن مبادرة ترامب تجاه أفريقيا لم تقدم شيئًا ملموسًا للدول الأفريقية، كما لم تحدد القطاعات التي من شأنها تعزيز الاستثمارات المتبادلة، إلا أنه من الواضح أن واشنطن تسعى إلى تعزيز الشراكات التي تعتمد على تدعيم توافر الوظائف في الولايات المتحدة، كما أنه من المثير أن واشنطن تبنت مفهوم “التبعية” في تفسير العلاقات الصينية الأفريقية؛ إذ تتهم واشنطن بكين بهيمنتها علي الاقتصاد الأفريقي رافعة شعار ضرورة تحرير الاقتصاد الأفريقي من الهيمنة الصينية.

وفي سياق الحديث المتتالي حول جدوى مبادرة ترامب تجاه أفريقيا، أكدت نائبة وزير التجارة والاستثمار في أمريكا «كارين دون كيلي»، ومديرة الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID) مارك جرين، في يوليو 2019، رؤية الادارة الأمريكية لتوسيع نشاط القطاع الخاص بين الولايات المتحدة والدول الأفريقية ورغبة واشنطن في توسيع علاقتها الثنائية مع الدول الأفريقية، وفي هذا الصدد اقترحت إدارة ترامب إنشاء منتدى متكامل مدعوم من قبل الحكومة الأمريكية لدعم الشركات الأمريكية التي تتطلع إلى توسيع استثماراتها وتجارتها مع الدول الأفريقية، إلا أن أهم عقبة تواجه هذا المنتدى هو ضعف التمويل المخصص له؛ إذ يُقدر الدعم الممنوح لهذا المنتدي بحوالي 50 مليون دولار)[xx](.

محاربة الإرهاب في إطار مبادرة “أفريقيا المزدهرة”

تضمنت الاستراتيجية الأمريكية لمحاربة الإرهاب في أفريقيا إعادة النظر في المشاركة في البعثات التابعة للأمم المتحدة في أفريقيا، حيث لن تدعم الولايات المتحدة أي بعثات من شأنها الإضرار بالمصالح الأمريكية أو الغير قادرة على القيام بمهامها.

وفي المقابل ستعتمد الولايات المتحدة على فكرة التعاون الثنائي بينها وبين الدول الأفريقية في مجال مكافحة الإرهاب، فعلي سبيل المثال تؤكد واشنطن استمرار دعمها لقوة الساحل (G -5) المتكونة من دول موريتانيا والنيجر وتشاد وبوركينا فاسو ومالي.

ثالثا. فرص نجاح أو إخفاق الاستراتيجية الأمريكية

يوجد العديد من العوامل المؤثرة على إمكانية نجاح أو فشل الاستراتيجية الأمريكية الجديدة تجاه أفريقيا (أفريقيا المزدهرة)، وفي هذا الصدد حدد «جود ديفيرمونت» مدير برنامج أفريقيا بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في العاصمة واشنطن عددًا من النقاط الواجب مراعاتها من قبل الإدارة الأمريكية في تنفيذ الاستراتيجية الأمريكية الجديدة تجاه أفريقيا؛ منها)[xxi](:

  • عدم الانخداع بتصريحات النخب الأفريقية: في هذا الإطار يحذر «جود ديفيرمونت» من الانخداع بتصريحات القادة الأفارقة سواء الموالية للصين أو أمريكا، فالسياسة الأفريقية منذ الحرب الباردة شهدت العديد من عمليات التلاعب بالتصريحات والتقلب الأيدولوجي بين المعسكرات المختلفة، وذلك من أجل جذب المزيد من الاهتمام الدولي، فالنخب الأفريقية تدرك جيدًا أهمية دولهم في تحقيق التوازن السياسي العالمي.
  • الخلاف مع الصين لأسباب داخلية وليس لأسباب أيدولوجية: مؤخرًا ظهر العديد من السياسات الأفريقية الرافضة لبعض المشاريع الصينية؛ فمثلا ألغى رئيس سيراليون «يوليوس مادا بيو» عقدا صينيا لتطوير مطار بقيمة 400 مليون جنيه لأسباب داخلية خاصة بسيراليون، وليس لأسباب أيدولوجية متعلقة بالحرب التجارية بين الصين وأمريكا، ومما يعزز هذا الأمر هو إقدام سيراليون بعد إلغاء صفقة المطار على عقد صفقة جديدة مع الصين لإنشاء جسر بتكلفة 1.3 مليار دولار، وبالتالي لا يجب تفسير أي تعثر صيني في أفريقيا بأنه توجه أفريقي نحو واشنطن

[i] . بي بي سي عربي، ترامب أمريكا أولا، 20 يناير 2017، متاح على الرابط التالي:

https://www.bbc.com/arabic/media-38698773

[ii] . ماجدة شاهين، أمريكا بين سياسة العزلة والاندماج، بوابة الشروق، 16 مايو 2016، متاح على الرابط التالي:

https://www.shorouknews.com/columns/view.aspx?cdate=19052016&id=5e6785b0-2509-43be-8af3-754c15b6386c

[iii] . دويتش فله، أمريكا لدول الناتو: أنفقوا المزيد وإلا سنقلل الدعم، 15 فبراير 2017، متاح على الرابط التالي:

https://www.dw.com/ar/%D8%A3%D9%85%D8%B1%D9%8A%D9%83%D8%A7-%D9%84%D8%AF%D9%88%D9%84-%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%A7%D8%AA%D9%88-%D8%A3%D9%86%D9%81%D9%82%D9%88%D8%A7-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B2%D9%8A%D8%AF-%D9%88%D8%A5%D9%84%D8%A7-%D8%B3%D9%86%D9%82%D9%84%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D8%B9%D9%85/a-37567577

[iv] . بي بي سي عربي، دونالد ترامب للدول المستوردة للنفط الخليجي: “احموا أنفسكم”، 24 يونيو 2019، متاح على الرابط التالي:

https://www.bbc.com/arabic/world-48743856

[v]ـ محمد عمر، “استعدادا للعهد «الترامبي»: اليابان تُذخّر أسلحتها”، إضاءات، 20/ 11/ 2016، متاح على الرابط التالي:

https://www.ida2at.com/japan-changed-its-military-doctrine/

[vi] . زكريا صادق الرفاعي، السياسة الأمريكية تجاه أفريقيا جنوب الصحراء (1957م – 1961م) دراسة وثائقية، قراءات أفريقية، 11/ 4/ 2017، متاح علي الرابط التالي:

https://www.qiraatafrican.com/home/new/%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%85%D8%B1%D9%8A%D9%83%D9%8A%D8%A9-%D8%AA%D8%AC%D8%A7%D9%87-%D8%A5%D9%81%D8%B1%D9%8A%D9%82%D9%8A%D8%A7-%D8%AC%D9%86%D9%88%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D8%B5%D8%AD%D8%B1%D8%A7%D8%A1-1957%D9%85-1961%D9%85-%D8%AF%D8%B1%D8%A7%D8%B3%D8%A9-%D9%88%D8%AB%D8%A7%D8%A6%D9%82%D9%8A%D8%A9#sthash.4By1bBOQ.dpbs

[vii] . John Williamson, What Washington Means by Policy Reform, Peterson Institute for International Economics, AT: https://www.piie.com/commentary/speeches-papers/what-washington-means-policy-reform

[viii] IBID

[ix] للمزيد حول معدل التبادل التجاري بين الصين وأفريقيا راجع: إحصاءات حول التجارة بين الصين وأفريقيا في عام 2018، وزارة التجارة بجمهورية الصين الشعبية، متاح على الرابط التالي:

http://english.mofcom.gov.cn/article/statistic/lanmubb/AsiaAfrica/201901/20190102831255.shtml

[x] Africa, Office of the United States Trade Representative, https://ustr.gov/countries-regions/africa#

[xi] . International Trade Administration, U.S. Trade with Sub-Saharan Africa (SSA), January-December 2018, https://www.trade.gov/agoa/pdf/2018%20US-SSA%20Trade%20Summary.pdf

[xii] Office of the united states Trade Representative, African Growth and Opportunity Act (AGOA), AT: https://ustr.gov/issue-areas/trade-development/preference-programs/african-growth-and-opportunity-act-agoa

[xiii] Ibid

[xiv] [xiv] Africa, Office of the United States Trade Representative,OP.cite,

[xv] . The U.S. Department of Health and Human Services (HHS), What is PEPFAR?, AT: https://www.hiv.gov/federal-response/pepfar-global-aids/pepfar

[xvi] .white house, Remarks by National Security Advisor Ambassador John R. Bolton on the Trump Administration’s New Africa Strategy,13 December,2018, AT:

https://www.whitehouse.gov/briefings-statements/remarks-national-security-advisor-ambassador-john-r-bolton-trump-administrations-new-africa-strategy/

[xvii] . Ibid.

[xviii] .Ibid.

[xix] . Ibid.

[xx] . Sarah Rose, Prosper Africa Promises to Double Two-Way Trade and Investment between the US and Africa: But What’s the Starting Point?, Center for Global Development, 2 july 2019, AT:

https://www.cgdev.org/blog/prosper-africa-promises-double-two-way-trade-and-investment-between-us-and-africa

[xxi] . Judd Devermont, Haven’t We Done This Before? Lessons from and Recommendations for Strategic Competition in Sub-Saharan Africa, the Center for Strategic and International Studies (CSIS),17/4/2019, At:

https://www.csis.org/analysis/havent-we-done-lessons-and-recommendations-strategic-competition-sub-saharan-africa