كتبت – أسماء حمدي

حتى النساء لم تسلم.. فمنذ عشرة أيام، وللمرة الأولى، كانت النساء من بين من تم إنقاذهم من مدرسة داخلية في ولاية كادونا شمال نيجيريا، في ظروف غير إنسانية ومهينة تحت غطاء تعليمهم القرآن وإصلاحهم.

أشار تقرير لموقع بي بي سي إلى أنه خلال مداهمة جديدة، أنقذت الشرطة النيجيرية 147 شخصًا بينهم 22 امرأة و4 أطفال، وهي رابع مداهمة خلال شهر، وكشفت الشرطة عن تعرضهم للتعذيب وسوء المعاملة، وفقًا لصحيفة “دكا تريبيون”.

تقول حفصة بابا، مفوض الخدمات الإنسانية والتنمية الاجتماعية لولاية كادونا، عثر على جميع الأشخاص مقيدون بسلاسل، وقالو إنهم تعرضوا للضرب، فيما قالت النساء انهن تعرضن للاعتداء الجنسي”.

وأضافت بابا “ما يحدث غير عادي، فهذه المؤسسات نادرا ما تقبل كلا الجنسين”، وأشارت إلى إن بينهم اثنين من الكاميرون واثنين من النيجر”.

وتنتشر المدارس الإسلامية الخاصة المعروفة محليا باسم “الماجري” في شمال البلاد ذي الغالبية المسلمة، وتكشف حالات التعذيب وسوء المعاملة في هذه المدارس التي تتنكر في صورة مدرسة لتعليم القرآن، وقع الحياة داخلها دون آي حسيب أو رقيب.

خلال الشهر الماضي، داهمت الشرطة النيجيرية، مدرسة “دورا” الإسلامية الداخلية، بولاية “كاتسينا”، وكانت مدرسة القرآن والتأهيل واحدة من سلسلة من المدارس القرآنية، حيث يرسل الآباء أطفالهم للتعليم، أويرسلون الشباب المدمنين على المخدرات أو الذين ارتكبوا جرائم صغيرة، لكنها تحولت إلى “بيوت تعذيب”، كما وصفها المسؤولون.

كانت المدرسة في دورا، مسقط رأس الرئيس محمد بوهاري، مكونًا من مبنيين رئيسيين، أحدهما نظيف حيث كان الأطفال يتعلمون القرآن، وعلى الجانب الآخر من الطريق، كان مكان الإقامة في المركز عبارة عن مجمع مكون من طابق واحد، يضم خمس أو ست غرف مظلمة بنوافذ وأبواب مسيجة.

“كان الهواء خانقًا ورائحته تسبب الغثيان”، ويقول الطلاب أنه تم وضع ما يصل إلى 40 شخصًا مقيدون بالسلاسل في كل غرفة، وتبلغ مساحة الغرفة 7 أمتار مربعة (75 قدمًا مربعة)، بحسب “بي بي سي” البريطانية.

على أرض الغرف تتناثر الملابس القذرة والفراش، وغالبًا ما أُجبر الذين عاشوا هناك على قضاء حاجتهم وهم مقيدون بالسلاسل في نفس المكان الذي يأكلون ويناموا فيه، ويتم إخراجهم بانتظام إما لينالوا عقابهم بالضرب أو للاغتصاب على أيدي الموظفين.

جحيم على الأرض

“جحيم على الأرض”، هكذا وصفها رابيو عمر وهو معتقل سابق في المدرسة، وتقول الشرطة أنه تم تحرير سبعة وستين صبيا ورجلا من المدرسة، وتشير إلى إن هناك 300 شخص في سجل المدرسة، لكن العديد منهم فروا بعد أعمال شغب في نهاية الأسبوع الماضي.

خلال الشهر الماضي، عثر على حوالي 600 شخص يعيشون في مثل هذه الظروف المروعة، حيث عانوا من المعاملة السيئة، ووجدتهم الشرطة يتضورون جوعا ومقيدون بالسلاسل.

كان الاكتشاف الأول في أواخر سبتمبر في حي ريجاسا بمدينة كادونا في الشمال الغربي من البلاد، بعد تلقي بلاغ من إحدى السكان الذين يعيشون بالقرب من المدرسة، وعثرت الشرطة على حوالي 500 شخص، بمن فيهم أطفال.

 وأظهرت مقاطع فيديو الطلاب الذين تم إنقاذهم وهم في حالة ذهول، وأرجلهم مقيدة بالأغلال وأجسادهم مغطاة بالندوب جراء التعذيب، كما أظهرت بعض الصور بعض منهم يتدلى من السقف، فيما قيد آخرون بالسلاسل إلى جنوط عجلات السيارات.

وتشير بابا إلى إن السلطات تخطط لتحديد جميع المدارس من هذا النوع لإغلاقها، وستحاكم أصحابها الذين يعذبون الأطفال أو يحتجزون الأشخاص في مثل هذه المواقف المروعة”، ومع استمرار المداهمات وظهور المزيد من التفاصيل، أثارت هذه الأحداث غضب الرأي العام.

الشفاء الروحي

“هذه المؤسسات لم تكن سرية”، يقول جعفر جعفر، من منصة وسائل الإعلام الإلكترونية “ديلي نيجري” ويضيف: “إن الأشخاص الذين يعيشون هناك عرفوا على الدوام، ولا أعتقد أن هناك أي شخص يكبر في الشمال يمكنه أن يدعي أنه غير مدرك لهذه المدارس، نعلم جميعًا أنهم يسيئون معاملة الأطفال هناك”.

ويضيف “نشأت في كانو في الثمانينيات والتسعينيات وكنت على علم بعدد من هذه المدارس، ويعتقد الناس أن هذه المدارس لديها القدرة الروحية للشفاء، إنهم لا يمانعون في معرفة مدى تجريد الأطفال من المعاملة الإنسانية، ما دام طفلهم يتلقى تعليمًا قرآنيًا ويتم إعادة تأهيله”، ومع ذلك  نفى بعض الآباء معرفة تعرض أطفالهم للإيذاء.

بعد مداهمة المدرسة في كادونا في سبتمبر الماضي، قال إبراهيم أدامو والد أحد الطلاب: “إذا علمنا أن هذا الشيء كان يحدث في المدرسة لما أرسلنا أطفالنا، أرسلناهم ليكونوا أشخاصًا أسوياء لكنهم أساؤوا معاملتهم”، بحسب وكالة “رويترز” للأنباء.

وفقًا لسانوسي بوبا، مفوض شرطة كاتسينا، لا يستطيع الآباء التحدث إلى أطفالهم أثناء تواجدهم في المراكز، وحتى إذا قاموا بزيارتهم، يقابلونهم خارج المدرسة، وبذلك لا يعلمون بما يحدث في الداخل.

عملت هذه الموجة من المداهمات، على إثارت الوعي بمشكلة سوء المعاملة في مراكز إعادة التأهيل هذه، وقالت السيدة بوبا “إن تقاليد الناس في الشمال بأخذ أطفالهم الذين خرجوا عن سيطرتهم إلى مراكز إعادة التأهيل الديني استمر وقتًا طويلا، لكن يمكن أن يتفاقم سلوك الأطفال بسبب سوء المعاملة”.

وتصر حفصة بابا، مفوض الخدمات الإنسانية والتنمية الاجتماعية لولاية كادونا على أن “قانون هذا البلد لا يسمح لشخص ما بإنشاء مركز لإعادة التأهيل وجمع الأموال”.

الإدمان

وفقًا للأمم المتحدة، كان هناك ثلاثة ملايين متعاطي المخدرات في شمال غرب نيجيريا في عام 2017، كان ما يقرب من نصف مليون منهم في ولاية كاتسينا، التي تدير فقط مركزين لإعادة التأهيل – واحد للرجال والآخر للنساء.

مع الافتقار إلى الخيارات الممولة من القطاع العام، أصبحت مراكز إعادة التأهيل، التي تتخذ شكل هذه المدارس ملاذًا أخيرًا للآباء الذين نفدوا من الخيارات، وحتى أولئك الذين يتمكنون من الوصول إلى مؤسسة حكومية، يجدون أن الظروف ليست أفضل بكثير.

في العام الماضي، كشف تحقيق أجرته هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي”، عن ظروف مرعبة في مركز حكومي في كانو، حيث تم ربط المرضى الذين يعانون من مشاكل عقلية بالأرض.

وقال حاكم كاتسينا أمينو بيلو مساري، إن مراكزه مجهزة تجهيزًا جيدًا لتوفير إعادة التأهيل اللازمة لتعاطي المخدرات أو الاضطرابات النفسية والعقلية.

لكن مع استمرار الأهل في التوجه إلى المراكز التي يقولون إنهم يقومون بإعادة تأهيل الأشخاص باسم الدين، فليس من الواضح أن الحكومة لديها القدرة على التعامل مع المشكلة، ومع عدم وجود بدائل ملموسة، ستواصل العائلات اليائسة اللجوء إلى المراكز الدينية للحصول على حلول.