حسام عيد – محلل اقتصادي

لعقود طويلة كان يذكر اسمها حين يتعلق الأمر بالصراعات القبلية الدامية والحروب الأهلية والمجاعات والفقر والأمراض والأوبئة الخطيرة القاتلة، لكنها اليوم أصبحت محط أنظار قادة وزعماء وشعوب دول العالم، فالجميع يحرص على استكشافها عن قرب والمساهمة في استشراف نهضتها.

إنها أفريقيا، أو القارة السمراء كما عرفها العالم؛ القارة البكر في كل شيء؛ فهي كنز للثروات الطبيعية والبشرية، وهذا ما تمكنت دول القارة من استغلاله بشكل أمثل والتحول معه إلى أسواق واعدة.

فرغم كونها تضم مليار نسمة؛ إلا أن ذلك يعتبر بمثابة قوة ضاربة وسوق عظيم، بإمكانه خلق نمور اقتصادية جديدة بالعالم، تحتضنها القارة السمراء.

تقديرات المؤسسات المالية الدولية كصندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، والبنك الأفريقي للتنمية، تشير إلى أن أفريقيا وحدها بها 30% من موارد العالم المعدنية، و12% من نفط العالم، وثلثي مجموع الأراضي الزراعية غير المستغلة بالعالم. ثروات طبيعية تسهم بشكل كبير اليوم في دعم اقتصاديات دول القارة وتعزيز فرص النمو ودعم مؤشرات التنمية الصاعدة، لعل أبرزها؛ مصر، رواندا، إثيوبيا. وتعمل اليوم اقتصادات أفريقية بأهداف طموحة نحو تأسيس تكامل نوعي تنافسي بالقارة يتهافت عليه مستثمري العالم.

خطوات نحو التكامل الاقتصادي بأفريقيا

في الماضي؛ كانت الفجوة كبيرة فى العلاقات بين دول القارة السمراء على الرغم من امتلاكها الكثير من الموارد الطبيعية والبشرية التى تساهم فى تحقيق التكامل الاقتصادى فيما بينها لإحداث نقلة اقتصادية هائلة على المستويين الإقليمى والعالمي.

لكن خلال السنوات القليلة الماضية تغير الوضع كثيرًا عندما بدأت الدول الإفريقية الانتباه إلى ضرورة وجود  تعاون اقتصادى مشترك قائم على تبادل المنفعة.

بدأت هذه التحركات من خلال اتفاقية التجارة الحرة القارية لتسهيل الحركة التجارية بين الدول الموقعة عليه والتى يبلغ عددها 49 دولة حتى الآن، بالإضافة إلى وضع أجندة افريقيا للتنمية المستدامة 2063 والتي تستهدف  تحقيق الانطلاق لأفريقيا من خلال عدد من البرامج فى عدة مجالات  بهدف زيادة حجم التجارة البينية بين دول القارة السمراء والتى لم تتعد حتى الآن 16%.

كما أن أنظار الكثير من الدول الاقتصادية الكبرى بدأت فى الاتجاه نحو أفريقيا كسوق جديد لضخ مزيد من الاستثمارات وعلى رأسها ألمانيا والصين؛ حيث بلغ حجم الاستثمارات الصينية فى أفريقيا حوالى 1.87 تريليون دولار بين عامى 2005 و2018.

وتهدف اتفاقية التجارة الحرة لأفريقيا إلى تشكيل كتلة تجارية من 55 دولة لتعزيز المبيعات في جميع أنحاء القارة السمراء، ومن المقرّر أن تبدأ الاتفاقية التداول في يوليو 2020 بهدف توحيد 1.3 مليار شخص وإيجاد كتلة اقتصادية بقيمة 3.4 تريليون دولار، لكنها لا تزال بالمراحل المبكرة للغاية ولم يتم الاتفاق على جداول زمنية لإلغاء الرسوم الجمركية.

مصر.. منصة لوجستية ومستقبل الطاقة بالقارة السمراء

مع إصلاحات جريئة أشرفت عليها القيادة المصرية برئاسة عبدالفتاح السيسي، شهد اقتصاد قلب أفريقيا النابض، طفرة وانتعاشة كبيرة تدفقت ولا تزال في جميع مفاصله وقطاعاته، جعلته اليوم الأسرع نموًا ليس بين دول القارة السمراء فحسب ولكن على مستوى العالم، فهو الثالث عالميًا بمعدل نمو 5.6%، ومن المتوقع أن يواصل النمو بوتيرة متسارعة إلى 6.8% بحلول 2027؛ وذلك وفقًا لتقديرات صندوق النقد الدولي.

في الوقت الراهن، أصبحت مصر بمثابة سوق تنافسي كبير بقلب القارة السمراء، فهي تخطو بثبات نحو الريادة اللوجستية بفضل امتلاكها لشريان حيوي مدر للعملة الصعبة، وهو قناة السويس والمنطقة الصناعية بمحورها.

ويعد مشروع قناة السويس الجديدة، علامة فارقة في حاضر القناة ومستقبلها ومنصة جديدة لخدمة حركة التجارة العالمية قدمتها الدولة المصرية للعالم أجمع.

وخلال قمة روسيا – أفريقيا احتضنتها مدينة سوتشي الروسية يومي 23 و24 أكتوبر الجاري، أكدت روسيا أن مصر بالتحديد تعتبر مركزًا أساسيًا لتصدير التقنيات من سائر أنحاء العالم إلى أفريقيا، وكذلك مشروع المنطقة الصناعية الروسية في قناة السويس، فمصر باتت اليوم أرضًا خصبة للأعمال والاستثمار.

ومن المخطط أن تمتد المنطقة الصناعية الروسية في مصر على مساحة 5.25 كيلومتر مربع وباستثمارات تبلغ 6.9 مليار دولار وستنفذ على ثلاث مراحل ولمدة 13 عامًا.

وعلى مسار التنمية المستدامة، مصر تمضي بخطوات متسارعة نحو التحول إلى مركز إقليمي بأفريقيا والشرق الأوسط في الطاقة، فهي اليوم مكتفية ذاتيًا من الغاز الطبيعي، المورد الذي وصفه وزير البترول طارق الملا بالطاقة القادرة على صنع السلام وخلق فرص لرجال الأعمال في العالم.

وبحسب بيانات وزارة البترول المصرية، ارتفع إنتاج مصر من الغاز الطبيعي في سبتمبر 2019 إلى 7 مليارات قدم مكعبة يوميا.

وتأمل مصر في استغلال موقعها الاستراتيجي وبنيتها التحتية المتطورة كي تصبح مركزا رئيسيا لتجارة وتوزيع الغاز، في تحول لافت لبلد أنفق نحو 3 مليارات دولار على واردات الغاز الطبيعي المسال في 2016.

كما تضم مصر أكبر محطة للطاقة المتجددة في العالم، وهي محطة بنبان للطاقة الشمسية بأسوان.

ويضم المشروع نحو 32 محطة شمسية بقدرة تصل إلى 1465 ميجاوات، بما يعادل 90% من الطاقة المنتجة ‏من السد العالي، ويقام على مساحة قدرها ‏37 كم2 على 8843 فدانًا، بإجمالي استثمارات تبلغ ‏2 مليار دولار.

رواندا.. مركز تكنولوجي بقلب أفريقيا

من الحروب والإبادة إلى التنمية المستدامة والتحول إلى مركز تكنولوجي هو الأول بقلب القارة السمراء.. هكذا استطاعت رواندا تحدي كافة الظروف القاسية التي مرت بها والتغلب عليها مسطرة معجزة اقتصادية كبيرة في أفريقيا، ستظل إلهامًا لمن يطمح إلى التحول لقوة اقتصادية تنافسية.

رواندا، الاقتصاد الذي يصنف من بين الأسرع نموًا، والذي يوصف أيضا بقاطرة النمو ليس في شرق أفريقيا فحسب ولكن على مستوى القارة السمراء، يمضي نحو التحول إلى مركز تكنولوجي إقليمي يُدخل معه أفريقيا إلى عالم التكنولوجيا الذكية الرقمية.

فتحت شعار “صنع في رواندا”، كشفت مجموعة مارا MARA التكنولوجية الرواندية، النقاب عن أول هاتفين ذكيين مصنوعين بالكامل في أفريقيا، في سابقة هي الأولى من نوعها، من المرجح أن تكون بوابة لدخول القارة السمراء عالم صناعة التكنولوجية الذكية بعدما مكثت عقودًا طويلة في غرف الاستهلاك المغلقة.

الهاتفان اللذان حملا اسم “مارا أكس ومارا زد” من المقرر أن يستخدما نظام تشغيل أندرويد من جوجل، وهي خطوة كبيرة على مسار النهضة الصناعية في رواندا والتي يأمل منها الرئيس بول كاجامي التحول نحو مركز تكنولوجي إقليمي.

إثيوبيا.. قوة اقتصادية نوعية

إثيوبيا ، التي يبلغ عدد سكانها أكثر من 100 مليون نسمة ، لديها الاقتصاد الأسرع نموًا في أفريقيا، بمعدل 8.5% في عام 2018، مع تطبيق آليات التحرير الجزئي للاقتصاد الذي تسيطر عليه الدولة.

وتتجه إثيوبيا، المعروفة تاريخيًا كواحدة من أكثر الدول استبدادًا وتقييدًا سياسيًا في أفريقيا، اليوم بصورة متزايدة نحو الانفتاح والديمقراطية، مصحوبة بطريق نحو المصالحة والسلام في الخارج.

إثيوبيا الدولة “الشابة” التي ترتكز على قاعدة سكانية 70% منها تقل أعمارها عن 30 عامًا، وحوالي 50% منها أقل من 15 عامًا، أصبحت سوقًا تنافسيًا في قطاعات السكك الحديدية والطرق والطاقة.

كما أنها تعمل على إجراء خصخصة واسعة النطاق للشركات المملوكة للدولة وتحسين مناخ شفافية الأعمال وتشجيع الاستثمارات.

وأصبحت إثيوبيا وجهة مهمة للتصنيع، وخاصة في قطاع الملابس الجاهزة، وفي حال استغلال رأس مالها البشري بشكل أمثل ستشهد صناعة الخدمات زخمًا كبيرًا.

وهذا ما دفع وكالة “فيتش” للتصنيفات الائتمانية، إلى التوقع بأن تكون إثيوبيا محركًا للنمو لمنطقة شرق أفريقيا خلال السنوات العشر المقبلة.