كتبت – شيماء مصطفى

أحد رواد الجيل الموسوعي في دراسات علم الاجتماع الأفريقي، مفكر فذ يمتلك رؤية عالمية تميز كتاباته منذ بداياته وحتى رحيله، ليظل تراثه الذي حمل اسم “المزروعيات”، شاهدًا على اسهاماته التي أكدت تمسكه بهويته العربية الأفريقية ودفاعه عن الإسلام.

ولد على الأمين مزروعى فى مدينة مومباسا الساحلية فى كينيا عام 1933، وهو سليل أسرة عربية عريقة من عمان، حكمت هذه الدولة المدينة خلال سنوات القرن التاسع عشر، وهى منطقة الساحل الشرقى لأفريقيا التى كانت أولى المناطق التى دخلها الإسلام، ويقال إن بها أقدم مسجد بناه المسلمون فى أفريقيا ، ومنها انطلقت اللغة السواحيلية التى انتشرت فى كل مناطق شرق أفريقيا وامتدت إلى وسط وجنوب القارة وهى تعد الآن من أكبر اللغات الأفريقية.

ومع أن والده كان كبير القضاة فى كينيا فإنه تلقى تعليما غربيا حديثا فى مانشستر ونيويورك واكسفورد ليعود بعدها للعمل أستاذًا فى جامعة ماكريرى الأوغندية.[1]

وكان والده حريصاً على تدريسه مبادىء الإسلام من خلال مدارس تحفيظ القرأن الكريم، ومن هنا نشأ مزروعي مهتماً بالعلم والبحث حيث كان والده يعده ليكون شيخًا أزهرياً إذ كان يزمع إرساله إلى القاهرة للدراسة في الأزهر، ولكن ظروفاً طارئة حالت دون ذلك – كما روى هو نفسه[ii].

وأرسل علي مزروعي إلى إنجلترا من قبل حكومة كينيا في عام 1955 لاستكمال تعليمه الثانوي، حيث مكث لكسب أول درجاته العلمية بامتياز من جامعة مانشستر في عام 1960. وحصل على الدرجتين الماجستير والدكتوراة على التوالي، من جامعة كولومبيا في عام 1961 ومن جامعة أكسفورد في عام 1966.

قام المزروعي بالتدريس في جامعة “ماكيريري” الأوغندية خلال الفترة من 1963-1973 ، حيث شغل منصب رئيس قسم العلوم السياسية، عميد كلية العلوم الاجتماعية وكذلك عميد كلية الحقوق. كما عمل ايضًاً في جامعة ميشيغان 1974-1991 ، وفي جامعة بينجهامتون بنيويورك ،1991-2014[iii] .

إضافة إلى النشاط الأكاديمي، عُرف المزروعي بنشاطه السياسي وانتقاده الشديد لنظام الرئيس الأسبق دانيال أرب موي الذي منعه من دخول كينيا فترة طويلة، كما انتقد الرئيس الأوغندي الأسبق عيدي أمين، تولى في عهد الرئيس الكيني مواي كيباكي- رئاسة جامعة كينياتا خلال 2003-2009 ثم استقال منها.

ألّف مزروعي أكثر من عشرين كتابا أبرزها “نحو تحالف إفريقي” في العام 1967 وذلك في خضم الحرب الباردة وبزوغ أهمية العالم الثالث الذي اتجه جزء كبير منه نحو الاتجاهات الاشتراكية، وكذلك “المفاهيم السياسية للغة الإنجليزية” العام 1975 و”علاقات إفريقيا الدولية”. وله مقالات عديدة في مجلات وجرائد عالمية من “نيويورك تايمز” إلى مجلة “التايم” إلى “الجارديان”… إلخ. له خمسة أولاد وحرص على أن يطلق عليهم أسماء إسلامية إفريقية مثل جمال – كيم أبو بكر- فريد شينيدو- حارس إيكنشوكو.

وكان يرأس أيضا الجمعية الأفريقية للدراسات الإفريقية. وفي العام 1986 أعدّ مزروعي للتليفزيون البريطاني سلسلة حلقات عن إفريقيا لاقت نجاحا كبيرا، كما شارك في إعداد الموسوعة التي أصدرها اليونسكو تحت عنوان “تاريخ إفريقيا”[iv].

توفي علي المزروعي يوم 12 أكتوبر 2014 في الولايات الأميركية المتحدة، ونعاه الرئيس الكيني أوهورو كينياتا واصفا إياه بأنه أحد أعظم العلماء في البلاد، ودفن في مقابر عائلة المزروعي بمومباسا.

الإسهامات الفكرية لعلي مزروعي

يمكن التمييز فى مسيرة على مزروعى الفكرية بين مرحلتين أولاهما استغرقت النصف الأول من حياته حيث ركز على أيديولوجية الجامعة الافريقية ومناصرة قضايا الجنوب بشكل عام فى مواجهة النظام الرأسمالى العالمى غير العادل. أما المرحلة الثانية والتى لازمته حتى وفاته فقد انشغل فيها بدفاعه عن الاسلام.

أولا: الجامعة الأفريقية في فكر علي مزروعي:

 فى عام 1963 صاغ علي مزروعي، مفهوم «نحن جميعا أفارقة» والذى نشر فى المجلة الأمريكية لعلم السياسة ليشكل نقطة انطلاق كبرى فى تطوره الفكري. لقد وصل هذا المقال لوضعية إفريقيا فى مرحلة ما بعد الاستقلال من خلال منظور أفريقى ثقافى جامع يؤمن بأهمية محاربة الاستعمار وتحقيق حلم الوحدة الإفريقية، ولعل ذلك هو ما دفع بمزروعى لمصاف الريادة الفكرية فى مشروعات نهضة إفريقيا المستقلة.

انتقد علي مزروعي أيديولوجيات التنمية التى انتهجها الزعماء الأفارقة بعد الاستقلال واعتبرها غير ملائمة للواقع الإفريقي. وكان يعتبر نفسه على يمين زملائه من تيار اليسار الجديد ، حيث عبر أكثر من مرة عن توجهه الليبرالى ؟ فالليبرالية المنقحة والمعدلة هى الأنسب لإفريقيا من وجهة نظره[v].

وعندما دُعى ذات مرة لإلقاء محاضرة فى أكرا عن الراحل كوامى نكروما فاذا به يخاطب الحاضرين قائلا “لقد أراد نكروما أن يصنع من نفسه لينين افريقيا فإذا به يصبح قيصرا لغانا،  وعلى الرغم من تقديره للرئيس جوليوس نيريرى فى تنزانيا باعتباره مفكرا ورائدا لحركة الوحدة الأفريقية فانه انتقد بشدة سياساته ومواقفه من المثقفين واعتبره خائنا لطبقته[vi].

ويرى مزروعي أن السيطرة الاستعمارية قد أدت إلى ظهور فكرة “الجامعة الأفريقية”، وأن اكبر عدو للأمة الأفريقية هو الوعي العرقي الذي يعيق إقامة دولة حديثة، ومن وجهة نظره فإن فكرة الجامعة الأفريقية لا تعني فقط تضامن السود داخل القارة الأفريقية جنوب الصحراء لكنها تشمل أيضاً العرب في شمال أفريقيا والتضامن بين شعوب القارة الأفريقية والشتات الأسود في منطقة الكاريبي والأمريكتين[vii] .

وكانت النظم السياسية بعد الاستقلال غير قادرة على الحفاظ على نظام التعددية الحزبية، مما أدى إلى سيطرة العسكريين على الحكم في الدول الأفريقية وتحولت معظم الدول خلال الستينيات والسبعينيات إلى دولة الحزب الواحد[viii]

أفريقيا والعولمة في فكر علي المزروعي

انتبه مزروعي إلى ظاهرة العولمة وتأثيراتها على قارة مثل إفريقيا. فهو يرى أن أفريقيا في القرن الحادي والعشرين ستكون معقل آخر المواجهات بين قوى العولمة التي ستنتهي إما بالإيجاب أو السلب، فالعولمة لها فائزون وخاسرون.

ويرى كذلك أن أفريقيا أصبحت مهمشة عن النسيج العالمي، ويستشهد على ذلك بوجود جامعات في الولايات المتحدة بها أجهزة كمبيوتر يفوق عددها كل الأجهزة التي توجد في دولة إفريقية بأكملها يزيد عدد سكانها على عشرين مليون نسمة[ix].

يؤكد مزروعي أن كلمة العولمة في حد ذاتها مصطلح حديث ولو أن المفهوم يرجع إلى قرون عديدة بتفاعل أربع قوى رئيسية هي: الدين والتكنولوجيا والاقتصاد والإمبراطورية. ولذلك فإن عولمة المسيحية، على سبيل المثال، بدأت باعتناق الإمبراطور قسطنتين الأول في روما لهذه الديانة عام 313، ما جعل المسيحية هي الديانة السائدة، ليس فقط في أوربا ولكن في كثير من المجتمعات التي حكمها الأوربيون. وعولمة الإسلام لم تبدأ بتحول إمبراطورية قائمة إلى الدين الإسلامي ولكن عن طريق بناء إمبراطورية مترامية الأطراف من لا شيء تقريبا. فالأمويون والعباسيون ربطوا أجزاء من إمبراطوريات شعوب أخرى مثل الإمبراطورية البيزنطية السابقة في مصر وإمبراطورية فارس وأمكنهم بذلك خلق حضارة جديدة تماما. وتصارعت في بعض الأحيان قوى المسيحية والإسلام، وفي إفريقيا فإن الديانتين تتنافسان للحصول على أتباع جدد[x].

العلاقات العربية الأفريقية في فكر علي مزروعي

يرى علي مزروعي إن التاريخ الذي سطّره الاستعمار يقف عائقاً أمام تطوير العلاقات العربية الإفريقية؛ بفعل المبالغة في الدور العربي في تجارة الرقيق في القارة، وعمليات التمييز بين إفريقيا شمال الصحراء وجنوبها على أُسس لونية وعرقية ودينية؛ ومحاولة انتزاع شمال القارة من هويته الإفريقية وضمّه إلى أوروبا، وتمثّل الخلافات العربية – العربية قيداً آخر على التعاون العربي الإفريقي، تزداد خطورته بفعل التوترات الداخلية[xi].

و «المزروعي» في معظم كتاباته يخرج عن كونه من أصل عربي في أفريقيا، لأنه يرى ببساطة أن «ميراث أفريقيا الثلاثي»، من الثقافات المحلية والإسلام والمسيحية، إنما «يشكل حالة اندماجية وليست تراتبية، وأن الإسلام والعروبة هما الأوسع حضوراً في القارة، مع الثقافات الوطنية، بل إن التنويعات في عناصر الثقافة الإسلامية والعربية تتيح الكثير من التلاقي بين العرب والأفارقة».

وذهب المزروعي إلى أنّ أولى خطوات تفعيل العلاقات العربية الإفريقية هي التحام شعوب شبه الجزيرة العربية بأقرانهم على الجانب الآخر من البحر الأحمر، والبحث عن تعريف جديد لقارة إفريقيا، يجعل من شبه الجزيرة العربية جزءاً من القارة؛ ومن هنا جاءت دعوة علي مزروعي إلى قيام وحدة جغرافية بين المنطقتين تحت ما يُعرف باسم “أفرابيا”، خاصة أنّ الروابط الدينية واللغوية والتاريخية المشتركة بين العرب والأفارقة تمثّل أساساً متيناً للعلاقات العربية الإفريقية[xii].

القيم الإسلامية والقيم الغربية

 المرحلة الثانية والتى لازمته حتى وفاته فقد انشغل فيها علي مزروعي بدفاعه عن الاسلام وفي مقاله القيم الاسلامية والقيم الغربية ينتقد النظرة الغربية للمجتمعات الإسلامية على انها مجتمعات متخلفة وتعاني من القمع بسبب الدين ويوضح الإسلام على أنه ليس مجرد ديانة بل حضارة وإسلوب حياة، أوضح المقال نقاط قوة فى القيم الإسلامية لا يعيها الغربيون عادة، ونقاط ضعف فى القيم الغربية يحب الغربيون أن يتغاضوا عنها أو يقللوا من شأنها[xiii]

  يذكر على مزروعى على سبيل المثال الموقف من العلاقات الجنسية قبل الزواج، ويذكر قراءه الغربيين بأن هذا النوع من العلاقات كان مستهجنا فى الغرب إلى ما بعد الحرب العالمية الثانية، أما الآن فقد أصبحت العلاقة الجنسية قبل الزواج شائعة، بل بموافقة الأبوين فى كثير من الأحوال كما يذكر قراءه بأن ممارسة الشذوذ الجنسى مرت بمثل هذا التطور فى الغرب [xiv].

 كما ينتقد على مزروعى مبالغة كثير من البلاد الإسلامية فى الفصل بين الجنسين فى الأماكن العامة وتهميش النساء فى كثير من أوجه النشاط الاجتماعى والسياسى، ولكنه يذكر قراءه أيضا بأن المرأة فى            بريطانيا مثلا ظلت محرومة من حق الملكية، مستقلة عن زوجها حتى سنة 1870 (أى قبل أقل من قرن ونصف) بينما كانت المرأة المسلمة تتمتع دائما بهذا الحق[xv]، كذلك بينما تحرم بنات المتوفى فى كثير من الثقافات الغربية من أى نصيب فى تركة آبائهن، إذا كان له أبناء ذكور، سمحت الشريعة الإسلامية دائما بحق الميراث للأبناء جميعا، ومنعت قصر حق الإرث على أكبر الأبناء.


[1] د.حمدي عبدالرحمن،”علي مزروعي” رائد الأفروعربية،مجلة الديمقراطية،22/10/2014: http://democracy.ahram.org.eg/News/1237/Subscriptions.aspx

[ii] زاهر بن حارث المحروقي،”عن رحيل البروفيسور علي المزروعي”في: http://www.alfalq.com/?p=6976

[iii] Seifudein Adem,”Asr Focus on Ali Mazrui”, African Studies Review(London: Cambridge University, Volume 57, No. 1, April 2014) Pp. 131-133.

[iv] موقع المعرفة،في: http://www.marefa.org/index.php/%D8%B9%D9%84%D9%8A_%D9%85%D8%B2%D8%B1%D9%88%D8%B9%D9%8A

[v] د.حمدي عبدالرحمن،مرجع سبق ذكره.

[vi] المرجع السابق نفسه.

[vii] Ali Mazrui,”Africa Between Nationalism and Nation Hood”, journal of black studies(New York: Sage Publications,vol13,No1,September1982)Pp.,23-25.

[viii] Idem.

[ix] المرجع السابق.

[x] المرجع السابق.

[xi] د. محمد عاشور،قراءات افريقية في: http://www.qiraatafrican.com/view/?q=1915،14 أبريل 215.

[xii] المرجع السابق.

[xiii] د.علي الأمين مزروعي،”القيم الإسلامية والقيم الغربية”،دراسات عالمية (أبوظبي:مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية،العدد21)ص ص7-8.

[xiv] المرجع السابق.

[xv] المرجع السابق.