بقلم / تيكواج فيتر

باحث ماجستير في العلوم السياسية من دولة جنوب السودان

عانى السودان لسنوات طوال منذ أن تولى نظام الجبهة الإسلامية المعروف بـ (جبهة الإنقاذ) على السلطة بالانقلاب العسكري في السودان في يونيو 1989, من العديد من الأزمات المتعددة والمتنوعة وبخاصة في علاقاتها الخارجية سواء كانت مع الدول الكبرى أو الصغرى, وبالتبعية مع المنظمات بأنواعها المختلفة, مما ترتب فرض العديد من العقوبات السياسية والاقتصادية والتجارية وغيرها على السودان ضد شخصيات ومؤسسات رسيمة بعينها تضطرر منها المواطن والاقتصاد السوداني, ومن أهم تلك العقوبات التي أعاقت من تطور البلاد في كافة الجوانب المختلفة هو إدراج اسم السودان ضمن الدول الراعية للإرهاب منذ عام 1993 وتبعتها عقوبات اقتصادية وتجارية وسياسية متتالية.

لذا نرى أنه من الضرورة تناول التغييرات التي طرأت على السياسة الأمريكية تجاه السودان بعد عزل عمر البشير الرئيس السابق من السلطة إثر انتفاضة شعبية بدأت منذ ديسمبر 2018 نتج عنها إسقاط رأس النظام في أبريل 2019. وكيف تعاملت مع الثورة السودانية المدنية والمفاوضات وما نتج عنها من وثيقة للتسوية السياسية بين الأطراف الفاعلة داخلياً قبل وبعد نجاح الثورة ومن ثم الحكومة التي شكلت لاحقاً. وهو ما يمكن حصره في النقاط التالية:

أولاً- موقف الولايات المتحدة الأمريكية من الثورة السودانية

منذ قيام الثورة المدنية في السودانية ظلت الولايات المتحدة التي تسارعت في التعاطي مع الثورة ودعم عملية تولي المجلس العسكري للسلطة بعد تمكن الشارع السوداني من الصمود حتى أجبر المجلس العسكري على إسقاط  نظام البشير الذي وصل إلى السلطة عن طريق انقلاب عسكري في ١٩٨٩، الإ أن الولايات المتحدة الأمريكية ظلت في تردد من الثورة وطبيعة أطرافها الفاعلة لئلا تكون امتداداً لذات الأيديولوجية الإسلامية وبقت في موقفها السابق من السودان عامة والتمسك بالمسارات المشروطة لرفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب وفق التصنيف الأمريكي.[i]

 وأخيراً جاء الموقف الرسمي بعد أن تاكد نوعاً ما للولايات المتحدة الأمريكية بعد اليوم التالي لعزل البشير برفع ملف عن الأوضاع في السودان لمجلس الأمن الدولي دون أن يصدر عنها أية إدانات غير مطالب الأطراف الداخلية في السودان بتجنب العنف والتصعيد السلبي، وتمثل اللقاءان الذي تم بين القائم بأعمال السفارة الأمريكية بالسودان وحميدتي نائب المجلس العسكري نتيجة لدوره الإيجابي من الثورة برفض تولي عوض بن عوف لرئاسة المجلس عسكري لاسيما رعايته للاعتقالات التي شملت معظم قيادات حزب النظام السابق المدرج أسماءهم في إطار الحظر السياسي والاقتصادي, واللقاء الثاني جمعه مع مندوب وزير الخارجية الأمريكية للشئون الأفريقية، ويُعتبر اللقاءان دليلان لبدء الولايات المتحدة في لعب دور نحو التغييرات السياسي في السودان مع تمسكها في تحقيق التحول الديموقراطي في السودان بنقل وتسليم السلطة لحكومة مدنية بعد ثلاثين عا من حكم العسكر في ثوب ذات طابع إيديولوجي إسلامي في منطقة,[ii]

وبالتالي موقف الولايات المتحدة من الثورة لم تكن واضحة منذ انطلاقها بل اكتفت بالمتابعة مع إصدار تصريحات تحذر من قمع الثوار والاعتقالات التي تبعتها بل ومن سقوط القتلى حتى اليوم التالي من سقوط البشير برفع ملف السوادن في جلسة لمجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة لتقييم الأوضاع فيها.

ثانياً- موقف الولايات المتحدة الأمريكية من وثيقة التسوية السياسية

بعد عزل البشير وتولي المجلس العسكري للحكم تبعتها العديد من جولات التفاوض بين المجلس العسكري وقوى إعلان الحرية والتغيير باعتبارها ممثلة للشارع السوداني, كان موقف الولايات المتحدة من جولات تلك المفاوضات هو ضرورة تسليم السلطة لحكومة مدنية تحقق التحول الديموقراطي في السودان, وتفاعلت الولايات المتحدة الأمريكية بالإيجاب نحو وصول الأطراف إلى توقيع الوثيقة السياسية التي نصت على تشكيل حكومة انتقالية مدنية ويتشارك فيها العسكرين والمدنيين في المجلس السيادي على أن يتم التناوب في رئاسة المجلس السيادي بحيث يكون الأشهر الأولى من نصيب العسكرين والعمل على حل قضايا الحرب وتحقيق السلام.[iii]

وأكد التصريحات الأمريكية عبر ديفيد هيل وكيل الشؤؤون السياسية في وزارة الخارجية ان التوقيع يعتبر حدث تاريخي وضرورة تمسك الأطراف بالعمل نحو وضع وتحديد مستقبل البلاد, مع التأكيد على أن الولايات المتحدة قد تشطب اسم السودان من لائحة الإرهاب في حال تحقق التحول إلى حكومة مدنية والالتزام بالشروط الأمريكية ومن ضمن تلك الشروط العمل على مكافحة الإرهاب في المنطقة.[iv]

ثالثاً- التغييرات التي طرأت على السياسة الأمريكية تجاه السودان بعد عزل البشير

إن موقف الولايات المتحدة الأمريكية تجاه السودان منذ وصول نظام الإنقاذ ظل في حالةٍ من التوتر تارة ونوع من التعاون النسبي تارة, بيد أن ذلك لم يؤد إلى حسم ما، وانتهى في عام 1993 بإدراج اسم السودان ضمن الدول الراعية للإرهاب نتيجة للأحداث المرتبطة بالأعمال الإرهابية منها إيواء أسامة بن لادن زعيم القاعدة السابق وغيره من قيادات وتنظيمات ذات صلة بالأعمال الإرهابية في المنطقة وخارجها، ومن ثم اتهامها بمحاولة اغتيال حسني مبارك الرئيس المصري الأسبق في أديس أبابا, ونتيجة لذلك تم فرض العديد من العقوبات السياسية والاقتصادية التي تأثر بها السودان، وكان لتلك العوامل دور تدهور الاقتصاد السوداني.

وبالتالي يمكن أن نعتبر أن أبرز التغييرات التي طرأت على السياسة الأمريكية تجاه السودان بعد عزل البشير كالتالي:

  •  في المجال السياسي تمثل في وجود شخصية تحظى بقبول دولي وهو عبد الله حمدوك، مما يعني امكانية تعامل الولايات المتحدة الأمريكية مع رأس الدولة وقدرته على المشاركة خارجياً بفاعلية بخلاف البشير المطلوب جنائياً لتورطه في جرائم حرب.
  • تأكيد ضمني على اتخاذ خطوة تمهيدية لرفع اسم السودان من قائمة الإرهاب بقيام دبلوماسيين أمريكيين بفتح حساب في أحد البنوك السودانية. 
  • وبالتالي في المجال الاقتصادي الانفتاح في التبادل الاقتصادي المرتقب بين البلدين.

مما سبق يبدو من أن العلاقات بين البلدين آخذة في التحسن المتسارع لانتفاء الأسباب التي أدت سابقاً لاتخاذ الولايات المتحدة الأمريكية سياسات معادية للسودان ما لم يطرأ تغييرات في الحكومة الانتقالية وسياساتها, أبرزها وأكثرها تأثيراً على السودان في نواحي كثيرة هو فرض العقوبات السياسية على السودان ضد سياسيين, بسقوط البشير المطالب جنائياً والداعم للتنظيمات الإرهابية بالسلاح والإيواء والذي تسبب في اعتبار السودان دولة تدعم الجماعات والتظيمات الإرهابية في الدول المجاورة,  ولاسيما وجود حكومة تنادي بتبنى العلمانية كنهج للسودان الجديد بعد سقوط حكومة البشير ذات الأيديولوجية الإسلامية المهددة للوجود الأمريكي في المنطقة, ودعم السودان لعملية السلام في جنوب السودان ، وظهرت بعض التغيرات في  السعي لحل قضايا الحرب وتحقيق السلام في السودان بالتفاوض مع المعارضة المسلحة السودانية لإنهاء الحرب في السودان.قائمة المراجع


[i]  د. أسامة الأشقر: الثورة السودانية الخلفيات والتداعيات والتوقعات (بيروت: مركز الزيتونة للدراسات والإستشارات, ابريل 2019) ص 18-19

[ii] المرجع السابق نفسه

[iii] وثيقة التسوية السياسية

[iv]  الثورة السودانية نحو طريق النجاح.. والتحديات الإقتصادية والإدراج في قائمة الإرهاب والنزاعات المسلحة أبرز العقبات“, مجلة المواطن (لندن: مجلة المواطن, 13/9/2019), متاح على https://muwatin.net/archives/6886 , تاريخ الدخول 20/10/2019