بقلم – د. محمد فؤاد رشوان

باحث فى الشئون الأفريقية

عانت القارة الأفريقية لعقود طويلة من التجريف المتعمد من قبل القوى الاستعمارية الأوروبية التقليدية لمواردها الطبيعية والبشرية، حيث قامت تلك القوى باستغلال موارد القارة الأفريقية لعقود طويلة، كذلك نقل أعداد لا تقل عن 16 مليون شاب من قوتها البشرية للعمل فى البلدان الاوربية والأمريكتين المكتشفتين حديثًا ذاك الوقت، ولم يقتصر الأمر على ذلك فقط بل قامت بتقسيم القارة لوحدات سياسية لم تراعِ الطبيعة الاثنية والاجتماعية لسكانها مما خلف قارة عانت جراء  أكثر من 80 حربًا أهلية بخلاف الحروب والصراعات على الحدود بين تلك الدول، وهو ما أوقعها فى مزيد من الفقر والمجاعات والصراعات لتصبح تلك القوى الاستعمارية المسيطرة على مقاليد الأمور بها وبحكامها من خلال القروض المشروطة تارة، وعبر الاستثمار فى القارة الأفريقية وبطرق أشبه باعادة استعمار للقارة مرة أخرى.

إلا أن الأمر لم يقتصر على القوى التقليدية بل أصبحت أفريقيا هى المسرح الاول لتنافس القوى الإقليمة والدولية من أجل الاستحواذ على مقدرات وموارد تلك القارة البكر، فبعض الدول تسعى للخروج من عزلتها الدولية مثل إيران والتى تسعى للتحرك فى قارة تضم 55 دولة مختلفة ومحاولة إيجاد موطئ قدم لها وبخاصة من منطقة شرق وغرب أفريقيا عبر العديد من الوسائل الاقتصادية واستثمار التقارب الأيديولوجى بين مسلمي غرب أفريقيا ( صوفى المذهب ) وبين إيران من خلال استغلال حب آل البيت وتقديم المساعدات الاقتصادية والمشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر، كذلك تسعى للحصول على تأييد الدول الافريقية فى المنظمات الدولية  والهيئات التابعة لها وتشكيل رأى عام عالمى متوافق والمواقف الإيرانية.

 كما تسعى لاستغلال السوق الأفريقية الواسعة لتوزيع منتجاتها التى تلقى تضييق واسع النطاق فى ظل العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، واستغلال الموارد الأفريقية مثل اليورانيوم والفوسفات اللازمة لتحقيق حلم الامبراطورية الفارسية فى امتلاك سلاح ردع نووى يمكنها من فرض سيطرتها على دول الجوار.

ومن ناحيةٍ أخرى فقد عملت تركيا بقوةٍ على دعم علاقاتها بالدول الأفريقية فى إطار خطة الانفتاح على أفريقيا التى أعدتها تركيا منذ عام 1998 وقطعت تركيا شوطًا كبيراً فيها،ومن ثم بدأت تجنى ثمار تلك الخطة الطموحة؛ حيث وصل عدد السفارات التركية فى القارة الافريقية الى 42 سفارة، وفى المقابل وصل عدد سفارت الدول الافريقية فى أنقرة الى 34 سفارة فى عام 2018، أما من ناحية التبادل التجارى فقد بلغ حجم التبادل التجارى بين تركيا والدول الافريقية 23.7 مليار دولار عام 2018، اما عن علاقة تركيا بدول شرق أفريقيا، وذلك في إطار رؤية أنقرة الجديدة باعتبارها دولةٌ مركزية، وفاعلٌ دوليٌ في منطقة الشرق الأوسط، وقد تمكنت تركيا بالفعل من خلال سياستها الخارجية في أفريقيا من إنشاء أول قاعدةٍ عسكريةٍ لها في الصومال عام 2017، كما عقدت مع السودان إتفاقاً يقضي بإدارتها لجزيرة سواكن القريبة من الحدود المصرية، ووهو ما يدل على تنامي الدور التركي في الإقليم ويهدد أمن الدول العربية.

وفى ذات السياق فقد تبنت الصين السياسات والبرامج الاستراتيجية التى تمكنها من الحفاظ على نجاحها الاقتصادى المتزايد وبما يعزز مكانتها الدولية والإقليمية فى النظام العالمى وقد حظيت القارة الافريقية باهتمام كبير فى أجندة السياسة الخارجية الصينيه،حيث بدأت  العلاقات الصينية الأفريقية تكتسب أهميتها عقب الزيارة التى أجراها الرئيس الصينى السابق جيانج زيمين عام 1996 للقارة الأفريقية  وقيامة بطرح اقتراحاته الخمسة التى تبنى تلك العلاقة المشتركة من خلال تحقيق المساواة بين الطرفين فى التجارة البينية والوحدة والتعاون والتنمية والشراكة والنظرة الواحدة للمستقبل وقد تم بلورة تلك المقترحات عن طريق تأسيس منتدى التعاون الصينى الافريقي فوكاك عام 2000 ، ومن ثم اصبحت الصين أكبر شريك استراتيجى لافريقيا منذ عام 2009 وقد بلغ حجم التبادل التجارى بين الصين وأفريقيا 200.1 مليار دولار فى عام 2018 بزيادة قدرها 15 % عن عام 2017 والتى بلغ حجم التبادل التجارى فيها 170 مليار دولار .

ووفقاً للتقرير الذى نشرته مؤسسة (راند) بعنوان توسع العلاقات الصينية الأفريقية وآثارها على الأمن القومى الأمريكى للباحث ليود ثرال  Lloyd Thrall حيث ركز التقرير على وجود ثلاثة مصالح أساسية للحكومة الصينية والجهات التجارية الفاعلة فى القارة الأفريقية، فأولًا تمثل القارة الأفريقية مصدرًا أساسيًا لواردات الموارد الطبيعية والمواد الخام، ثانياً تعتبر أفريقيا سوق متزايد الطلب وغير مستغل نسبيًا بالنسبة للصادارات والاستثمارات الصينية وأخيرًا تمثل السوق الأفريقية فرصة للشركات الصينية لزيادة فرص العمل واكتساب الخبرات العالمية .

بيد أن الأمر لا يتوقف عند تلك المصالح فقط، فقد اتضح من الممارسة العملية ومع تغير السياسة الخارجية الصينية عقب انتزاع الصين الريادة الاقتصادية على مستوى العالم من الولايات المتحدة الامريكية فى عام 2012 تسعى الآن لاثبات وجودها العسكرى والسيطرة على أبرز الممرات الملاحية فى العالم من  أجل حماية مصالحها التجارية المتنامية بشكل سريع حول العالم لذا فقد دشنت الصين أول قواعدها العسكرية فى المناطق الحيوية فى العالم ففى أغسطس 2017 أعلنت الصين عن أول قاعدة عسكرية لها فى العالم فى منطقة القرن الأفريقي بدولة جيبوتى والتى سيترتب عليها الوجود الصينى فى جيبوتى حتى عام 2026 بقوة يصل قوامها 10000 جندى صينى وهو ما تسعى من خلالة الصين لان تصبح قوى عسكرية عالمية تهيمن على الممرات المائية وحركة التجارة العالمية لتأمين مشروع طريق الحرير الصينى .

وكذلك تسعى الصين الى ايجاد سوق كبير لها لتجارة السلاح من خلال القارة الأفريقية وهو التغير الجديد فى السياسة الخارجية الصينية فبدلأ من التعاون الاقتصادى بدأت فى  التغلغل فى أعماق السياسة الداخلية للعديد من الدول الافريقية فوفقاً لمعهد استوكهولم الدولى لأبحاث السلام تصدر الصين التى تعد خامس قوى مصدرة للسلاح فى العالم أسلحة ل18 دولة أفريقية.

كما تسعى دول الخليج العربي الى تأمين تواجدها فى القارة الافريقية وبخاصة منطقة القرن الأفريقي الذى يشرف على أكثر من 30 % من حركة تجارة النفط العالمية وذلك من أجل تأمين أمنها القومى حال قيام إيران بغلق مضيق هرمز والذى يشرف على نقل أكثر من 40 % من تجارة النفقط العالمية وبالتالى توفير منفذ بديل من خلال البحر الأحمر.

كذلك تسعى دول الخليج إلى تنويع مصادر الاستثمار الاقتصادى والتحول من دول تعتمد على الاقتصاد الريعى عبر بيع منتجات النفط والذى باتت أسعاره تشهد تذبذب كبير وبالتالى تأثر اقتصاديات دول الخليج بشكل كبير، فتسعى تلك الدول الى زيادة استثماراتها في قارة أفريقيا باعتبارها مستقبل الاقتصاد العالمى، وقد بلغ إجمالي الاستثمارت الخليجية خلال الفترة من 2004 الى 2014 وفقاً للتقارير الدولية نحو 30 مليار دولار تتوزع بين 15 مليار دولار استثمار فى البنيه التحتيه و15 مليار فى صورة مساعدات وقروض ومنح للدول الافريقية حتى باتت تشكلتلك الاستثمارت نحو 10 % من إجمالى الاسثتمارات فى القارة الافريقية بشكل عام.

مما سبق يتضح أن الدول التي تتجه نحو أفريقيا تسعى إلى تنويع مصادر استثمارتها والبحث عن فرص استثمارية بشكل يؤمن احتيجاتها الغذائية والصناعية فى دول تمتلك العديد من فرص الاستثمار بالإضافة إلى استغلال الموقع الاستراتيجي لدول القارة الأفريقية التي تجعلها دائما محط أنظار دول العالم.