كتب – محمد الدابولي

منذ مطلع الألفية الجديدة باتت التنمية المستدامة والشاملة هي التحدي الرئيس لمعظم الدول الأفريقية، وكانت أحد الأسباب الرئيسية لتدشين الاتحاد الأفريقي عام 2002، الذي وضع ضمن أولوياته تحقيق التنمية المستدامة والشاملة في أفريقيا، وفي هذا الإطار تم تدشين العديد من المبادرات الأفريقية لتحقيق التنمية مثل مبادرة النيباد  «الشراكة الجديدة من تنمية أفريقيا» التي تم تدشينها عام 2001، ومؤخرا دشنت “أجندة الاتحاد الأفريقي 2063” عام 2013  كأجندة تنموية للدول الأفريقية.

رغم الحرص الأفريقي المتناهي على تحقيق التنمية المستدامة والشاملة في كافة القطاعات الاقتصادية والاجتماعية إلا أن معظم الدول الأفريقية مازالت تقع في مراتب متدنية في المؤشرات الدولية التي تقيس مختلف أوجه التنمية السياسية والاقتصادية والاجتماعية على مستوي العالم ومن أهم تلك المؤشرات مؤشر التنافسية الدولية الصادر عن المنتدي الاقتصادي العالمي والذي مقره مدينة جينيف بسويسرا.

أفريقيا على مؤشر التنافسية العالمية 2019

فيديوهات مركز فاروس للاستشارات والدراسات الاستراتيجية

وللإنصاف برزت خلال السنوات الأخيرة مجموعة من الدول الأفريقية (دول إقليم أفريقيا الجنوبية والذي يضم جنوب أفريقيا ـ بتسوانا ـ موريشيوس ـ نامبيا ـ …..) في احتلالها مراتب متقدمة في تلك المؤشرات الدولية لتنبأنا عن مقدار  حقيقي من التنمية الاقتصادية والاجتماعية تم إنجازه في تلك الدول ومتجاوزه في مؤشراتها باقي الدول الأفريقية في الأقاليم المختلفة بفارق واضح وكبير.

ورغم صدارة إقليم أفريقيا الجنوبية صدارة المشهد التنموي الأفريقي إلا أن هناك منافسة على استحياء من بعض الأقاليم الأخري مثل إقليم شمال أفريقيا الذي تحقق دوله كمصر  وتونس والجزائر والمغرب نتائج متوسطة في المؤشرات الدولية وهو ما سيتم توضيحه في النقاط التالية، كما تتفرد بعض الدول في الأقاليم الأخري  في ترتيب مؤشراتها كـ«كينيا» التي احتلت مرتبة متوسطة في مؤشر التنافسية العالمية.

معايير مؤشر التنافسية العالمية

يُصدر مؤشر التنافسية العالمي عن المنتدي الاقتصادي العالمي World Economic Forum الذي يعد أكبر منتدي اقتصادي  وسياسي يضم معظم دول العالم من رؤساء حكومات وشركات وغيرها، ويهتم بشكل كبير بمسألة ريادة الأعمال ومعايير الحكم النزيه، والتوازن بين القطاعين الخاص والعام.

ينقسم مؤشر التنافسية العالمية إلي 12 مؤشر فرعي يتناولون مختلف أوجه التنمية المستدامة والحوكمة من البنية المؤسساتية إلي القدرة على الابتكار مرورا بحجم الاستقرار في الاقتصاد الكلي فضلا عن مؤشرات الصحة والمهارات وسوق المنتجات، والمؤشرات كالتالي:

  1. المؤسسات
  2. البنية التحتية
  3. إستخدام التكنولوجيا والإتصالات
  4. استقرار الإقتصاد الكلي
  5. الصحة
  6. المهارات
  7. سوق المنتجات
  8. سوق العمل
  9. الأنظمة المالية
  10. حجم السوق
  11. ديناميكية الأعمال
  12. القدرة على الابتكار

صورة قاتمة

رسم مؤشر التنافسية العالمي لعام 2019 صورة قاتمة عن وضع الاقتصاد العالمي، موضحا أنه منذ الأزمة المالية العالمية التي حدثت في عام 2009 مازال يعيش في حالة نمو منخفضة أو ثابتة رغم ضخ ما يقارب أكثر من عشرة تريليونات دولار من مختلف البنوك المركزية حول العالم في الاقتصاديات الوطنية.

دول الجنوب  في المقدمة

تصدرت دول إقليم أفريقيا الجنوبية ترتيب الدول الأفريقية في مؤشر التنافسية الدولية لعام 2019  حيث تبوأت كل من موريشيوس وجنوب أفريقيا وسيشل تصنيفات متوسطة في جدول مؤشر التنافسية العالمية، فعلي سبيل المثال احتلت موريشيوس المرتبة الأولي أفريقيا و 52 عالميا رغم تراجعها عن تصنيفها في عام 2018 الذي احتلت فيه المرتبة 45 على مستوي العالم، فيما احتلت جنوب أفريقيا المرتبة الثانية أفريقيا  والـ 60 على مستوي العالم، محققة تقدما كبيرا عن ترتيبها في عام 2018 بمقدار سبع مراكز، فيما احتلت سيشل المرتبة الرابعة أفريقيا والـ 76 عاليما بعد المغرب الذي حال ثالثا والـ75 عالميا، فيما احتلت بتسوانا المرتبة السابعة أفريقيا والـ91 عالميا، وأخيرا  احتلت نامبيا المرتبة التاسعة أفريقيا والـ94 عالميا.

مزاحمة شمالية

نجحت دول شمال أفريقيا (مصر ـ تونس ـ المغرب ـ الجزائر) في مزاحمة دول أفريقيا الجنوبية في وسط جدول مؤشر التنافسية العالمية، فعلي سبيل المثال نجحت المغرب في الاحتفاظ بترتيبها العالمي (75) لتحل ثالثا بين الدول الأفريقية،  وعلي غرار المغرب نجحت تونس أيضا في الاحتفاظ بترتيبها العالمي (87) لتحل خامسا من الناحية الأفريقية، أما الجزائر فنجحت في تحقيق طفرة لتقفز ثلاث مراكز في ترتيبها العالمي لتحتل المرتبة (89) علي مستوى العالم وتحل سادسا أفريقيا، وأخيرا حققت مصر تقدما طفيفا لتحل المرتية 93 عالميا بعدما كانت 94 في التصنيف الماضي وتحتل المرتبة الثامنة أفريقيا.

تراجع مؤشرات شرق وغرب أفريقيا

رغم نجاح دول شمال وجنوب أفريقيا في احتلال ترتيب متوسط في مؤشر التنافسية الدولية، إلا أن دول شرق وغرب أفريقيا لم تحرز تقدما في ترتيب مؤشر التنافسية الدولية لهذا العام الذي ضم 141 دولة على مستوي العالم.

حيث احتلت معظم الدول الأفريقية التي شملها التصنيف المراتب المتأخرة في التصنيف، فعلي سبيل المثال احتلت كينيا المرتبة (95)  عالميا متخلفة مركزين عما كانت عليه في عام 2018، في حين تقدمت رواندا ثماني مراكز دفعة واحدة لتحتل المرتبة 100 على مستوي العالم مما يوضح حجم الانجازات التنموية التي حدثت في البلد الذي شهد أكبر إبادة جماعية في نهاية القرن العشرين.

فيما احتلت دول غانا، الرأس الأخضر ، السنغال، أوغندا، نيجيريا، تنزانيا، كوت ديفوار، الجابون، زامبيا،  إسواتيني، غينيا، الكاميرون،جامبيا، بنين، غثيوبيا، زيمبابوي، مالاوي، مالي، بوركينافاسو، ليسوتو، مدغشقر، موريتانيا، بروندي، انجولا، موزمبيق، الكنغو الديمقراطية، تشاد المراتب المتدنية من 111 إلي نهاية التصنيف 141، حيث تعد تشاد هي أقل دول العالم تحقيقا للتنافسية، ولم تتخلل الدول الأفريقية سوي دول قليلة وهي جمهورية لاوس الأسيوية في  المرتبة 113 وفنزويلا في المرتبة 133 وهايتي في المرتبة 138 وأخيرا اليمن في المرتبة 140 قبل تشاد.

تدني المؤشرات الفرعية

مثلما احتلت الدول الأفريقية مراتب متدنية في المؤشرات الكلية للتنافسية احتلت أيضا مراتب متدنية في المؤشرات الفرعية (12 مؤشر فرعي) المُشكلة لمؤشر التنافسية فالجدول القادم يوضح حصول منطقة أفريقيا جنوب الصحراء على أقل النقاط في كل المؤشرات الفرعية في حين احتلت منطقة شرق أسيا والباسفيك على أعلي النقاط في المؤشرات الفرعية.

فعلي سبيل المثال حصلت دول أفريقيا جنوب الصحراء مجتمعة علي 46.9 نقطة في مؤشر المؤسسية و 45 نقطة في مؤشر البنية التحتية،في حين حصد مؤشر استخدام التكنولوجيا علي أقل النقاط 34.3 0، في حين حظي مؤشر استقرار الاقتصاد الكلي علي أعلي النقاط  69.4 وتراوحت بقية المؤشرات الفرعية لأفريقيا جنوب الصحراء ما بين 40 و 50 درجة من مائة.

تقدم طفيف

رغم تدني المؤشرات الفرعية لأفريقيا جنوب الصحراء في تقرير 2019 إلا أنها حققت تقدما طفيفا في أرقامها عن العام 2018، فعلى سبيل شهد مؤشر  استخدام التكنولوجيا طفرة كبيرة بمقدار  15 فيما حققت باقي المؤشرات زيادة تتراوح ما بين 0.7 و5.8 درجة فيما حققت مؤشرات المؤسسية والبنية التحتية وسوق المنتجات تراجعا بمقدار  1.2 2.9 و2.3 درجة على الترتيب.

وأخيرا.. يلاحظ أن التقرير قسم الدول الأفريقية إلي مجموعتين هما مجموعة أفريقيا جنوب الصحراء  ومجموعة دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث احتلت أرقام دول شمال أفريقيا  والشرق الأوسط مرتبة متقدمة عن  دول أفريقيا جنوب الصحراء في المؤشرات الفرعية ويعود ذلك إلي أن دول الشرق الأوسط تضم في طياتها دول الخليج العربي كالإمارات والسعودية وعمان والكويت وقطر التي تحتل بدورها مراتب متقدمة في مؤشر التنافسية الدولية.