كتبت – أماني ربيع

في عام 1994، كان العالم على موعد مع فيلم رعب تقشعر له الأبدان، والفارق بين هذا الفيلم وأي فيلم آخر، هو أنك لست مضطرا لدخول قاعة عرض لمشاهدته، فهو يجري على أرض الواقع وضحاياه أشخاصا حقيقيون وليسوا كومبارس مدربين، كانت الحرب الأهلية التي اختارت رواندا الدولة الأفريقية الفقيرة مسرحا لبشاعتها انحطاطا جديدا للبشرية، بينما العالم اختار ألا يشاهد، أو أن يشاهد كما لو كان يتابع مسلسلا يذهب إلى العشاء بعد انتهائه، طالما أن لا مصلحة له هناك.

بعد 10 سنوات، اختار المخرج الأيرلندي، تيري جورج أن يتحدث عن تلك المذبحة ملتقطا خيطا إنسانيا يحكي لنا المأساة بعيدا عن همجية الدماء، مستندا إلى قصة حقيقية، بطلها شخص عادي قرر الإنحياز لإنسانيته هو “بول روساباجينا “، مدير فندق ” Des Milles Collins” في “كيجالي” الذي ساهم في إنقاذ أكثر من 1200 شخص من القتل على يد ميليشيات “إنتراهاموي” التابعة للجيش الرواندي ، بتخبئتهم داخل الفندق الذي يديره.

كيف بدأت المأساة؟

في 6 أبريل عام 1994، تم إسقاط طائرة رئيس رواندا وقتها “جوفينال هابياريمانا”، المنتمي لـ “الهوتو” بالصواريخ أثناء اقترابها للهبوط في مطار كيجالي، وكان عائدا من توقيع اتفاقية هدنة بين حكومته والجبهة الوطنية الرواندية التي يقودها متمردون من “التوتسي”.

وكان على متن الطائرة أيضا رئيس بوروندي “سيبريان نتارياميرا”، ورئيس أركان الجيش الرواندي “ديوجراتياس نسابيمانا”، والعقيد إيلي ساجاتوا، رئيس الأمن الرئاسي، احترقت الطائرة وسقط ما تبقى منها في حديقة القصر الرئاسي، ولم ينجو من الانفجار أحد.

احتقن الشارع الرواندي بخطابات الكراهية التي دعت إبادة “التوتسي”، وبدأت الحرب في اليوم التالي، حيث بدأت حميلة اغتيالات الوزراء والمسؤولين وبدأت ميليشيات ” إنتراهاموي” في تعقب “التوتسي” وقتلهم، ولم يستطع روساباجينا الهروب مع عائلته بسبب انتماء زوجته لـ “التوتسي”، وأولاده اصبحوا مختلطين، فأحضرهم إلى الفندق وبدأ في مراسلة أصحاب الفندق السويسريون والبلجيكيون الذين ارسلوا له خطابا يعينه مديرا عاما للفندق.

 أثارت الأحداث ذعر السواح الأجانب بالفندق الذي يديره بول، وبالطبع هبت دولهم إنقاذهم، وطمأنت تلك الدول الجميع بقرب قدوم المساعدة، لكن ما حدث هو أن المساعدة جاءت لإنقاذ السائحين دون باقي المواطنين الذين لجأوا لجدرانه هربا من القتل.

كان وقع الأمر قاسيا ويبدو أن الأفارقة منسيون إلا من الموت، ساعد ذكاء بول في حماية اللاجئين في فندقه برشوة قادة الجيش وبالكذب وإدعاء علاقات نافذة مع قادة كبار، وربما شجعه وجود الجنرال روميو دالير ، القائد الكندي لبعثة الأمم المتحدة في رواندا، على المضي بالتمثيل وإتقانه، بينما جنود الجيش يحمون مثل زبانية الموت حول الفندق.

وفي الوقت الذي هددت فيه الميليشيات باقتحام الفندق، كان روساباجينا أمن طريقة لهروب عائلته في شاحنة انطلقت غلى مطار كيجالي، لكنه رغم ذلك اختار البقاء مع المحتجزين بالفندق لشعوره بالمسؤولية تجاههم.

نظل طول الفيلم نترقب النجاة التي تأتي لإجلاء من في الفندق إلى مخيمات اللجوء فتبدو نصف نجاة لأنها تحملهم حيث المجهول، وحيث الفقر وحيث لا أمل.

نظرة على حياة البطل الحقيقي

منذ مولده لم يكن للفرق بين الإثنيتين وجود، فوالده من “الهوتو” وأمه من ” التوتسي”، استقبله المنزل الذي يضم 8 أشقاء آخرين، في الخامس عشر من يناير عام 1954، بميراما في رواندا ويبدو أنه أظهر نبوغا فأرسله والده لإحدى المدارس التابعة للكنيسة، واستطاع بحلول سن الثالثة عشرة أن يتقن اللغتين الإنجليزية والفرنسية، وأراد في ذلك الوقت أن يصبح وزيرا، لكنه في النهاية تزوج ابنة القس عام 1967، ثم دخل الجامعة في الكاميرون.

وانتقل عام 1978 مع أسرته إلى كيجالي، والتحق بالعمل بفندق ” Des Milles Collins”، وأظهر براعة في عمله لدرجة أنه تم إرساله لإكتساب المزيد من الخبرة في إدارة الفنادق، وانفصل عن زوجته عام 1981، ليغرم من جديدة بزوجته الحالية من قبيلة “توتسي”، ويتزوجها عام 1989، ترقى إللى مساعد للمدير عام 1992.

داخل منزل “بول عاشت الإثنيتين في سلام سواء مع الزوجة اولى أو الثانية ففي الحالتين كانتا من قبيلة “التوتسي”، وكان هو نتاجا لعائلة لا تعرف الكراهية، فأصبح ذلك الشخص المثقف الهادئ الذي يقابلك باتسامة هادئة ويحل المشكلات التي تقابله في الفندق بكل دبلوماسية، ليفاجأ ذات يوم باشتعال مدينته بالكراهية.

قدمت قصته لأول مرة في كتاب لفيليب جوريفيتش بعنوان “We Wish to Inform You That Tomorrow We Will Be Killed with Our Family” الذي نشر عام 1998، وتحولت حكايته مع الفندق إلى قصة ملهمة تحولت إلى فيلم عام 2004، وقام بدوره الممصل دون شيدل الذي ترشح عن هذا الدور لجائزة الأوسكار.

ونشر سيرته الذاتية “رجل عادي” والتي حررها زاك بيل، في أبريل 2006، وأنشأ مؤسسة “فندق رواندا روساباجينا” للنضال من أجل حقوق الإنسان العالمية.

انقسام وتشكيك

نشأت عداوة بين  روساباجينا و بول كاجامي الرئيس الرواندي والرئيس السابق للجبهة الوطنية الرواندية، بسبب ما كتبه الأول، في سيرته “رجل عادي” عن رواندا التي تحكمها مصلحة مجموعة صغيرة من النخبة المنتمين إلى “التوتسي” بينما يشغل “الهوتو” مناصبا شكلية دون سلطة، والمعروفة محليا بـ ” Hutus de service”، كما انتقد انتخاب كاجامي للرئاسة.

في 6 أبريل 2006، رد كاجامي: على روساباجينا أن يجرب مواهبه في مكان آخر، إنه كاذب تماما، وفي محاضرة عامة سنة 2014 بجامعة ميتشيجان قال روساباجينا إنه اختار مسامحة كاجامي لأن هذه ه الطريقة الوحيدة لتتخطى رواندا الإبادة الجماعية.

حدث نوع من الانقسام حول روساباجينا، فعلق فرانسوا كزافييه نجارامبي، رئيس “الهيئة الجامعة لرابطات الناجين من أجل الإبادة الجماعية “: “لقد اختطف البطولة، إنه يتاجر بالإبادة الجماعية، وهو التعليق الذي وصفه مخرج فيلم “Hotel Rwanda” بأنه جزء من حملة تشويه.

في عام 2008 ، تم نشر كتاب Hotel Rwanda أو “”Tutsi Genocide كما تراه هوليوود، لألفريد نداهيرو ، مستشار العلاقات العامة لكاجامي والصحافي بريفات روتازيبوا، والكتاب يقدم صورة مغايرة لروساباجينا التي رأيناها في فيلم Hotel Rwanda.

واستمر روساباجينا في نفي مزاعم الحكومة الرواندية التي اتهمته بدعم جماعات رواندية متمردة، وفي مقابلة مع “سي إن إن” عام 2010، أكد أنه لم يرسل أية أموال للإرهابيين وأن هذا مجرد افتراء من كيجالي.

جوائز وتكريمات

 في عام 2000 نالك جائزة ” Immortal Chaplains” للإنسانية، وقلدته جامعة ميتشجان وسام والنبرج عام 2005، وفي نفس العام نال جائزة الحرية من المتحف الوطني للحقوق المدنية، ووسام الحرية الرئاسي، وففي 2007 حصل على دكتوراة فخرية في القانون من جامعة جيلف، وفي 2008 نالد شهادة فخرية من كلية توم لانتوس لحقوق الإنسان من مؤسسة لانتوس لحقوق الإنسان والعدالة.