بقلم د/ نرمين محمد توفيق

باحثة متخصصة في شئون الحركات المتطرفة والشئون الأفريقية

شهدت السنوات الأخيرة انتشارا لجماعات متطرفة في منطقة القرن الأفريقي أثرت على أمن هذه المنطقة الهامة، وعلى الدول التي تقع في نطاقها، وهي المنطقة التي تضم كل من الصومال وإرتريا وجيبوتي وتؤثر تأثيرا مباشرا على مسار التجارة العالمي حيث تقع على مجاري مائية هامة مثل المحيط الهندي والبحر الأحمر ومضيق باب المندب وخليج عدن، كما أنها تعد امتدادا لأمن المنطقة العربية وخاصة مصر وكذلك أمن منطقة الخليج العربي نظرا لقربها الجغرافي منه، وعليه فإن أي اضطراب بها لا يمثل خطرا على دولها فقط وإنما على هذه الدائرة بشكل عام.

وسيتم الحديث عن أبرز الحركات المتطرفة في تلك المنطقة كالتالي:

  • حركة الشباب المجاهدين بالصومال[2]

تعد حركة الشباب المجاهدين الصومالية من أخطر الحركات المتطرفة التي استطاعت التواجد والانتشار بقوة في منطقة القرن الأفريقي، وقد أعلنت الحركة عن نشأتها العلانية في الصومال عام 2007 بعد أن كانت الجناح العسكري لاتحاد المحاكم الإسلامية الذي استطاع فرض سيطرته على الصومال في 2006 قبل الهجوم العسكري لإثيوبيا على الصومال، وقاتلت القوات الإثيوبية وكان لها دور ملموس في هزيمة تلك القوات التي اضطرت إلى الخروج من الصومال في 2009[3]، لكن الحركة رفضت تحالف أعضاء المحاكم الإسلامية مع المعارضة الصومالية، واتهمتهم بالتحالف مع العلمانيين، والتخلي عن الجهاد في سبيل الله، ووصفت الحكومة الصومالية بـ “المرتدة”[4]، ومنذ ذلك الحين، ظهرت الحركة على أنها الأكثر قوى وفاعلية على أرض الواقع.[5]

وأكدت الحركة في بياناتها ثباتها على مبادئها الجهادية، وسعيها لإقامة الدولة الإسلامية في منطقة القرن الأفريقي، واستمرارها في قتال القوات الحكومية والحركات التي لا تتفق مع أيديولوجيتها، والقوات الأجنبية الموجودة في الصومال، هذه التداعيات أدت إلى إدراج الولايات المتحدة لها على قائمة الحركات الإرهابية العالمية في 29 فبراير 2008[6]، بل إن بعض المحللين الأمريكيين أكدوا أنها تمثل خطرا على أمن الولايات المتحدة، بيد أن الحركة رحبت بهذا الوصف مشيرة أن واشنطن تلصق هذه الاتهامات بمن لا يرضخ لأهدافها، وأنها ماضية في استراتيجيتها الجهادية ولن تتراجع.

ودخلت الحركة في قتال عنيف مع قوات الحكومة الانتقالية الصومالية بدءً من قوات حكومة الرئيس عبدالله يوسف ومن بعده شيخ شريف شيخ أحمد الذي كان رئيس اتحاد المحاكم الإسلامية ثم تولى رئاسة الصومال بعد ذلك، كما رفضت الاعتراف بالرئيس الصومالي حسن شيخ محمود واتهمته بالخيانة والعمالة للغرب، وأشارت أن الانتخابات الصومالية التي أدت إلى وصوله للحكم لم تكن إلا “خدعة” وحاولت اغتياله بعد يوم واحد من إعلان فوزه كرئيس للصومال إلا أن محاولتها باءت بالفشل، وقاتلت قوى إسلامية أخرى لا تتفق مع أيديولوجيتها مثل “أهل السنة والجماعة” وقوى تتفق معها أيديولوجيا مثل “الحزب الإسلامي” لانتزاع مناطق مهمة منه.[7]

واتخذت نفس الموقف المتشدد من الرئيس عبدالله فرماجو الرئيس الحالي للصومال، واستمرت في القيام بعملياتها العنيفة التي كان أخرها في شهر أكتوبر عام 2017 والتي نفذتها في العاصمة مقديشيو وأدت إلى مقتل ما يقرب من 500 شخص.

وتحمل حركة الشباب المجاهدين تسميات عدة منها “حركة الشباب الصومالية” أو “الشباب المجاهدون” أو “حركة المجاهدين” أو “حركة الشباب الإسلامي” أو “حركة الشباب المجاهدين” أو “جناح الشباب” أو “الشباب الجهادي”، وتُعرف الكتابات الغربية الحركة على أنها مجموعة إسلامية متشددة لها صلات وثيقة بالقاعدة، سيطرت على أجزاء كبيرة من جنوب ووسط الصومال، ولديها معسكرات تدريب للمسلحين، وتتكون من المسلحين الصوماليين والمتشددين الوافدين إليها من خارج الصومال[8]، وتستغل حركة الشباب شبكة الإنترنت لنشر بياناتها وتسجيلاتها المصورة التي توجد في أغلب الأحيان في مواقع ذات صبغة سلفية جهادية.[9]

كانت حركة الشباب قد استطاعت في أقل من أربع سنوات من 2007 وحتى 2011 السيطرة على أكثر من 80% من مناطق وسط وجنوب الصومال، وكلما فرضت سيطرتها على مكان تعلن التطبيق المتشدد لأحكام الشريعة فيه؛ مما أدى إلى خسارتها للتأييد الشعبي والقبلي الذي حظت به أثناء قتالها للقوات الإثيوبية، ثم تغيرت الأوضاع في أواخر عام 2011؛ حينما تمكنت بعثة الاتحاد الأفريقي لحفظ السلام في الصومال المدعومة من الأمم المتحدة (أميسوم) (AMISOM) African Union Mission to Somalia  إخراجها من العاصمة مقديشو ومناطق أخرى هامة أبرزها منطقة كيسمايو وهي منطقة استراتيجية للغاية يوجد بها ميناء كيسمايو الذي كانت تعتمد عليه في تمويلها بشكل كبير من العوائد التي تحصل عليها منه. [10]

  • مبايعة حركة الشباب المجاهدين لتنظيم القاعدة

بثت مواقع الإنترنت والقنوات التلفزيونية الإخبارية في التاسع من فبراير 2012 تسجيلا مصورا لزعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري بعد مقتل أسامة بن لادن، أعلن فيه أن حركة الشباب المجاهدين الصومالية انضمت رسميا لشبكة القاعدة العالمية، وقال الظواهري في التسجيل المصور “إني اليوم أبشر أمتي المسلمة ببشرى سارة تَسُرُّ المؤمنين وتُنَغِّصُ على الصليبيين ألا وهي انضمام حركة الشباب المجاهدين بالصومال لتنظيم القاعدة دعما للتكتل الجهادي في وجه الحملة الصليبية الصهيونية وأعوانها من الحكام العملاء والخائنين”.

وخص حركة الشباب بالتقدير قائلا “إخواننا في الحركة كانوا ومازالوا الصخرة العاتية التي تحطمت عليها مؤامرات الصليبين وحلفائهم المنافقين، والتي تصدت للهجوم الأمريكي الإثيوبي الكيني الصليبي ضد المسلمين في الصومال”.[11]

وأوصى الشباب بالرفق والتواضع لإخوانهم الصوماليين وتحقيق مصالحهم خاصة من الأرامل والأيتام والمرضى والعجزة والمساكين، ونشر العدل والشورى حتى تكون لهم خلقا، وإدراك فضل الشعب الصومالي الصامد المجاهد، وأهاب بالشعب الصومالي أن يكون خير سند لأبنائه المجاهدين وأن يعينهم بقدر ما يستطيع لتطهير الصومال من الصليبين، وناشدهم بعدم اتباع قادة التخاذل الذين جلبوا الصليبيين في الصومال لتحقيق مصالح شخصية كالحصول على سلطة أو مال، ودعا الجميع بالتأسي بأسامة بن لادن الذي ترك رغد الدنيا واتجه إلى الجهاد”.[12]

وتضمن الشريط تسجيلا صوتيا لزعيم حركة الشباب المجاهدين مختار أبو الزبير (أحمد عبدي غودني الذي تم قتله بعد ذلك في غارة أمريكية جوية على معاقل الشباب) يعلن فيه الولاء للظواهري، قائلا “سنمضي قدما معك كجنود مخلصين”، مضيفا “باسم إخواني المجاهدين والقادة والجنود أتعهد بالطاعة”، وأضاف “قدنا على طريق الجهاد والاستشهاد على الخطى التي رسمها لنا شهيدنا أسامة بن لادن“.[13]

وأنهت الحركة بهذا الفيديو جدلا كبيرا بين الباحثين بشأن العلاقة مع القاعدة، ففي الوقت الذي أشار فيه البعض إلى أن الحركة منتمية فكريا وتنظيميا إلى القاعدة، كان البعض الأخر يؤكد أن ارتباطها بالقاعدة لا يتعدى المستوى الفكري، وأن الشباب تنظيم مستقل عن القاعدة ولم تعلن الانضمام الرسمي لها.[14]

وكان قادة الشباب قبل الانضمام الرسمي يشيرون إلى وجود توافق أيدولوجي بينهم وبين القاعدة أبرزه السعي إلى دعم وتطبيق قوانين الشريعة، مع نفي الارتباط التنظيمي بها[15]، فعلى سبيل المثال، عندما سئل مختار روبو القيادي بالحركة والمتحدث الرسمي باسمها عن علاقة الشباب بتنظيم القاعدة في حوار له مع قناة الجزيرة عام 2009 أوضح أن العلاقة عبارة عن تأييد فكري فقط، ولم تصل إلى درجة الانضمام على المستوى التنظيمي.[16]

  •  وجود داعش في منطقة شمال الصومال

تظل العلاقة بين حركة الشباب الأم وتنظيم القاعدة ارتباطا قويا من الناحية التنظيمية، ولم يستطع تنظيم داعش اختراق حركة الشباب بشكل كامل أو اقناع الحركة بالعدول عن مبايعة القاعدة ومبايعته هو، رغم أنه سعى إلى ذلك خاصة بعد مبايعة حركة بوكو حرام في غرب القارة الأفريقية لداعش، فحاول التنظيم أن يكون له موطأ قدم في شرق أفريقيا وفي منطقة جيواستراتيجية مثل الصومال، غير أن جناح من أجنحة الشباب بقيادة الداعية الصومالي شيخ عبد القادر مؤمن[17] الشهير بلحيته البرتقالية أعلن بنهاية أكتوبر  2015 بعد مقتل مختار أبو الزبير زعيم الحركة مبايعته لداعش، حيث نشر تسجيل صوتي على يوتيوب ونحو 20 من أنصاره تنظيم “داعش” في أول خطوة من نوعها داخل الحركة المتشددة، جاء فيه أن مسلحي جماعة الشباب الصومالية المناصرين له بايعوا أبو بكر البغدادي زعيم تنظيم “داعش”، وأكد أحد أتباع عبد القادر مؤمن صحة التسجيل الذي أعلن فيه مبايعة أبو بكر البغدادي.[18]

أعقب ذلك إدراج واشنطن له على قائمة الإرهاب ووصفته بأنه زعيم تنظيم داعش في شرق أفريقيا، وبأنه “إرهابي عالمي”.

ورغم أن أتباع داعش في الصومال لا يتراوح عددهم 300 مقاتل حتى الآن ولم يقوموا بعمليات كبيرة منذ مبايعة التنظيم، غير أن تواجدهم في منطقة شمال الصومال بالقرب من خليج عدن أمر في غاية الخطورة، لأنه مع انهيار الصومال ومع تواجد داعش في اليمن بعد التطورات الأخيرة فإن انضمام حركة الشباب للتنظيم يعني قوة إضافية لداعش في منطقة القرن الأفريقي، وهذا أمر لن يحمد عقباه لكل دول المنطقة ومنها مصر وكذلك دول الخليج العربي.

  • الحزب الإسلامي الإرتري للعدالة والتنمية

يعتبر هذا الحزب الذراع السياسي لحركة الإخوان المسلمين في إرتريا، وقد تم تشكيله عام 1988 لمقاومة الاحتلال الإثيوبي لإرتريا، وكان يحمل اسم حركة الجهاد الإسلامي، لكنه دخل بعد ذلك في صراع مع الحركات ذات التوجه اليساري هناك، وتم تغــيير الاسم ضمن التغييرات التي خرج بها المؤتمر الثالث إلى (حركة الخلاص الإسلامي الإرتري) في أغسطس 1998م، وفي المؤتمر التنظيمي العام الرابع في أغسطس من عام 2004م وبعد دراسة المتغيرات السياسية والاجتماعية تم تغيير الاسم إلى الحزب الإسلامي الإرتري للعدالة والتنمية، غير أن هذا الحزب لم يتبنى رفع السلاح ضد المخالفين، ولم يقم بعمليات مسلحة في الداخل أو في الخارج بل إن قادته يشتكون من تعرضهم لحملات اضطهاد من النظام السياسي في إرتريا.[19]

أما عن علاقتهم بتنظيم الإخوان المسلمين في مصر فلم يتم توثيق كيفية اتصال إخوان إرتريا  بإخوان مصر، وهناك من يرجح أن البعثات العلمية للدراسة في مصر هي من ساعدت بشكل كبير على التعرف على فكر الإخوان ومنهجهم، وقد ظهر تأييد الحزب لإخوان مصر حينما أشاد قادته بتجربة وصول الإخوان المسلمين في مصر إلى الحكم في 2012 ورفضوا الإطاحة بهم في 2013 عقب أحداث 30 يونيو، غير أنه على الجانب الأخر توجد صعوبة في رصد أية تداخل بين مكتب إرشاد الجماعة في مصر، وقيادات الجماعة في إرترياخصوصا وأن قاداتهم يصدرون فكرة أن الحزب الإسلامي حزب مدني ذو مرجعية إسلامية، يؤمن بالتداول السلمي للسلطة ويرفع شعار (السلام والتنمية والعدالة لكل المواطنين).[20]

وعليه يمكن القول إن ولاء هذا الحزب لجماعة الإخوان فكري أكثر منه تنظيمي، غير أن الخطورة تكمن في أنه من السهولة بمكان على التنظيم العالمي للإخوان المسلمين استغلاله لتحقيق أهدافهم في نشر الاضطراب في منطقة القرن الأفريقي أو التأثير على أمن مضيق باب المندب الذي يؤثر بشكل مباشر على حركة السفن في قناة السويس، بالإضافة إلى أن أثيوبيا تستفيد من فلول الإخوان في معركتها ضد الحكومة المصرية في بناء سد النهضة، وأشارت بعض التقارير إلى وجود اتصالات بين الحكومة الإثيوبية والحزب الاسلامي الإرتري للعدالة والتنمية وأن تقوم بتمويلهم للاستفادة منهم عند الحاجة.

  • الحركات المتطرفة الأخرى الموجودة في شرق أفريقيا

لا يمكن قراءة وتحليل المشهد الأمني في منطقة القرن الأفريقي دون رصد الجماعات المتطرفة الأخرى التي تنتشر في منطقة شرق أفريقيا القربية من دول منطقة القرن الأفريقي، حيث أنه قد يحدث اتصال فيما بينها حتى إن اختلفت أيديولوجيتها أو أهدافها، وعلى رأس تلك الحركات جيش الرب للمقاومة بأوغندا وهو تنظيم ذات توجه مسيحي ظهر في المنطقة منذ أكثر من 30 عاما وبالتحديد عام 1986 وانتشر بقوة في 4 دول من دول شرق ووسط أفريقيا وهي أوغندا وجنوب السودان وجمهورية الكونغو الديمقراطية وجمهورية أفريقيا الوسطى لقتال قوات الرئيس الأوغندي يُوري موسيفيني، ويعد من أكثر الحركات المتشددة عنفا ليس في أفريقيا فَحَسْب ولكن على مستوَى العالم كله، وقد تسببَ في مقتل وتشريد عشرات الآلاف من مواطني دول شرقِ ووسط أفريقيا، ويُمثل حتى الآن تهديدا لأمن واستقرار هذه الدول، وعلى الرغم من العمليات العسكرية والمواجهات المتعددة التي قامت بها القوات الرسمية الأوغندية والمجتمع الدولي لمواجهة جيش الرب فإنها لم تتمَكن من القضاء على هذا التنظيمِ أو إلقاء القبض على زعيمه جوزيف كوني، المصنف رقم واحد عالميا في قائمة مجرمي الحرب الدوليين.[21]

ويدعي زعيم التنظيمِ أنه ينطلق من الوصايا العشر للكتاب المقدس، ويسعى إلى إقامة دولة الرب المسيحية، ومواجهة تهميش النظام الحاكم لسكان منطقة شمال أوغندا وخاصة جماعة الأشولِي التي ينتمي لها أتباع التنظيم، وأنه يرى المسيح في منامه، إلا أن ممارسات جيش الرب خالفت تماما هذه الأهداف، وباتت أفعاله قائمة بالأساس على القتل والسرقة والاغتصاب واختطاف الأطفال، ولجأ إلى استراتيجية التوحش في التنكيل بضحاياه، فقطع الأعناق بالفؤوس، ولم يكتف بتتر الأيادي والأرجل، وإنما وصل الأمر إلى قطع الآذان والشفاه، وكان يعلن أنه يفعل ذلك باسم الرب لتطهير ضحاياه؛ مما يجعل أفعاله شبيهة بتلك الممارسات التي يقوم بها تنظيم داعش، بالإضافة إلى أن أكثر الجهات التي قدمت دعما لجيش الرب كان النظام السوداني بزعامة الرئيس عمر البشير رغم أن الأخير ينتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين، وذلك لاستغلاله في مواجهة الرئيس الأوغندي يوري موسيفني ردا على دعمه لمتمردي جنوب السودان.[22]

 ورغم حالة الضعف التي يعاني منها جيش الرب في السنوات الأخيرة بسبب العمليات العسكرية ضده، فهذا لا يعني انهيار التنظيم تماما، حيث إن زعيمه جوزيف كوني لم يتم إلقاء القبض عليه حتى الآن، يساعده على ذلك عدم الاستقرار في منطقة وسط أفريقيا وشرقها، واستغلال جيش الرب للمشكلات السياسية في هذه المناطقِ كأزمة أفريقيا الوسطى وجنوب السودان لترتيب صفوفه والانتشار بقوة من جديد، ومن ثم التأثير على أمن واستقرار المنطقة ومنها منطقة القرن الأفريقي ومنطقة حوض النيل.

  • القواعد العسكرية في منطقة القرن الأفريقي

شهدت منطقة القرن الأفريقي إنشاء أكثر من قاعدة عسكرية لدول أجنبية، فقد حدث تنافس بين عدد من الدول ليكون لها تواجد عسكري في هذه المنطقة الجغرافية الهامة، وتجسد حالة دولة جيبوتي مثالا واضحا لهذا الأمر، هذه الدولة التي تتمتع بموقع هام للغاية على الشاطئ الغربي لمضيق باب المندب، وتحدها إريتريا من الشمال وإثيوبيا من الغرب والجنوب والصومال من الجنوب الشرقي فيما تطل شرقا على البحر الأحمر وخليج عدن، وعلى الجانب المقابل لها عبر البحر الأحمر في شبه الجزيرة العربية اليمن، وهي عضو في جامعة الدول العربية، وهذه الدولة تستضيف 5 قواعد عسكرية أجنبية وهي القاعدة العسكرية اليابانية والإيطالية والفرنسية والأمريكية والصينية[23]، وتزعم هذه الدول أنها تتواجد في تلك المنطقة لحرب الإرهاب، والحقيقة أن وجودها يكمن في الأساس للحفاظ على مصالحها وتأمين مرور عبور سفنها وتجارتها في المعابر المائية التي تطل عليها منطقة القرن.

وبنفس المنطق قامت تركيا بإنشاء قاعدة عسكرية لها في الصومال، حيث شهدت العلاقات الصومالية التركية تطور جديد بقيام الرئيس الصومالي «محمد عبد الله فرماجو» بزيارة رسمية إلى تركيا في إبريل 2017، وتم استقباله بحفاوة، وكان في مقدمة مستقبيله الرئيس التركي «رجب طيب أردوغان»، وجاءت هذه الزيارة أثناء استعداد تركيا لافتتاح ثاني قواعدها العسكرية في الخارج والأكبر في أفريقيا وذلك بالعاصمة مقديشو، وكان فرماجو قد أعلن عبر حسابه على «تويتر» أن القاعدة العسكرية ستفتتح في وقت قريب، قائلا: «أكبر قاعدة عسكرية تركية في العالم شبه جاهزة، وقريباً سيعود الجيش الصومالي قوياً من جديد».[24] وبالفعل تم افتتاحها في أواخر سبتمبر 2017.

هذا وقد تم الاتفاق على تأسيس القاعدة العسكرية التركية في خليج عدن قبالة السواحل الصومالية في مارس 2015 خلال زيارة قام بها «أردوغان» إلى الصومال، بهدف تدريب عناصر من الجيش الصومالي للمساهمة في مكافحة الإرهاب، وتشتمل القاعدة على ثلاث مدارس عسكرية، ومخازن للأسلحة والذخيرة، وذلك على مساحة تبلغ 400 دونم بتكلفة 50 مليون دولار، وأكدت القوات المسلحة التركية، أن هذه القاعدة هي أكبر قاعدة عسكرية لها خارج حدودها.

وقد حذر عدد من السفراء والدبلوماسيين من خطورة مخططات تركيا لإقامة قاعدة عسكرية في الصومال، مؤكدين أنها تمثل تهديدا للأمن القومي المصري والعربي، فهي تساعد تركيا على التواجد في هذه المنطقة الاستراتيجية عسكريا، حيث قالت السفيرة منى عمر مساعد وزير الخارجية للشئون الأفريقية سابقا إن الوجود التركي في مثل هذا الموقع يمثل خطرا وتهديدا كبيرا للأمن القومي المصري والعربي خاصة أن تركيا ليست دولة صديقة وتساند المنظمات الإرهابية، وبالتالي فإن تواجدها على سواحل البحر الأحمر يمثل خطا أحمر بالنسبة لمصر.[25]

ويمكن القول أن نجاح أو فشل هذه القاعدة يتوقف بقدر كبير على تقبل الداخل الصومالي لها، فالمعروف أن الصوماليين يرفضون أي تواجد عسكري أجنبي على أرضهم، وقد تتعرض هذه القوات إلى هجمات إرهابية من حركة شباب المجاهدين الصومالية، غير أن الصورة التي ترسمها تركيا حول تواجدها في الصومال وأنها لا تسعى لأي مطامع ولا تهدف إلا لمساعدة الصوماليين قد تساعدها على تقبل الصوماليون لتواجد جنودها على أرضهم.

مستقبل الأمن بمنطقة القرن الأفريقي

يرتبط الأمن في منطقة القرن الأفريقي بعاملين هامين هما: مدى قدرة الحركات المتطرفة على الاستمرار في التواجد بها، بالإضافة الى مستقبل التدخلات الأجنبية تحت حجة مواجهة الإرهاب، وهما عاملين متشابكين، فطالما استمرت التدخلات الأجنبية التي تسعى بكل جهد ترسيخ تواجدها في القرن الأفريقي وعلى المعابر المائية، تارة عن طريق ما أثارته حول القرصنة وتارة بالتذرع بانتشار الحركات المتطرفة، طالما كان من مصلحتها استمرار وجود الإرهاب، الذي بدوره يستغل الأزمات السياسية وتدهور الأوضاع الأمنية بدول القرن وعلى رأسها الصومال.

وفي ذات الوقت هناك خطورة من سهولة تواصل الحركات الإرهابية في تلك المنطقة ببعضها البعض كما سبقت الإشارة، وكذلك تواصل الحركات التابعة للقاعدة أو داعش مع مثيلاتها في اليمن وهي الدولة المقابلة لهم على خليج عدن والتي تعاني هي الأخرى من هشاشة الوضع الأمني.

وبهذا يتضح أنه على الرغم من الأهمية الجيوستراتيجة الكبيرة لموقع القرن الأفريقي فإن هذا الموقع جعل دوله مستهدفة من الحركات الإرهابية ومن التدخلات الخارجية؛ ولذلك يتوجب على الدولة المصرية التيقظ لمحاولات اختراق الأمن في منطقة القرن، والعمل على استقرار الصومال الذي لا زال يعاني من وضع الدولة الفاشلة أو اللادولة (stateless  ) لأن القوى التي تتواجد هناك تستطيع أن تؤثر بشكل مباشر في أمن مضيق باب المندب، وأمن منطقة حوض نهر النيل، وهذا يزيد من أهمية استقرار واستتباب الأمن في هذه المنطقة الحيوية.


[*] هذه الدراسة بقلم د/ نرمين محمد توفيق – باحثة حاصلة على الدكتوراه في النظم السياسية الأفريقية من جامعة القاهرة .

البريد الإلكتروني :  nermeentawfiek2005@yahoo.com

[2] لمزيد من المعلومات حول حركة الشباب المجاهدين. انظر : د.نرمين توفيق، حركة الشباب المجاهدين بالصومال وعلاقتها بالقاعدة.. النشأة والأفكار والسيناريوهات المستقبلية ( القاهرة: المكتب العربي للمعارف، 2015).

[3] Christopher Harnisch, The Terror Threat from Somalia the Internationalization of Al Shabaab (Washington: the Critical Threats Project of the American Enterprise Institute, Feb.12,2010) p.1

[4] إسماعيل دبارة، “الشباب المجاهدون… مُمثلو القاعدة في الصومال والقرن الأفريقي”، في موقع إيلاف، 19 سبتمبر 2010.

الرابط: http://www.elaph.com/Web/news/2010/9/597323.htmll.

[5] Human Rights Watch, Harsh War, Harsh Peace Abuses by Al-Shabaab, The Transitional Federal Government, and AMISOM in Somalia (New York : Human Rights Watch, April 2010) p.p14:15

[6] The senlis council security and development policy group, Chronic Failures in the War on Terror from Afghanistan to Somalia (London: Great Britain, 2008 ) p.26

[7] County House, How Country of Origin Information Can Help Win Asylum Cases, Somalia (London: Research, Information & Policy Unit Immigration Advisory Service County House, Sep. 2009) p.10

[8] Christopher Harnisch, op.cit., p.1

[9] إسماعيل دبارة، مرجع سبق ذكره.

([10]) Amnesty International, “The State of World’s Human Rights”,  in Amnesty International Report 2012, (London : Amnesty International Publications,  2012)  p.302

[11] موقع يوتيوب الإلكتروني، شريط فيديو مصور لأيمن الظواهري زعيم القاعدة بعنوان حركة الشباب المجاهدين تبايع تنظيم القاعدة، نشر على الانترنت في 9 فبراير 2012،

الرابط:  http://www.youtube.com/watch?v=y9DG_DfovHg

[12] المرجع السابق.

[13] موقع الجزيرة نت، “الظواهري: الشباب انضمت للقاعدة”، في الموقع الإلكتروني لقناة الجزيرة الإخبارية، 10 فبراير2012، الرابط: http://www.aljazeera.net/NR/exeres/EE5FB245-C696-47E3-80D3-C6B3DC984F1E.htm?GoogleStatID=9

[14] Max Taylor, Somalia and the Horn of Africa, in Alex P. Schmid and Garry F. Hindle (editors), After the War on Terror Regional and Multilateral Perspective on Counter-Terrorism Strategy (London: The Royal United Services Institute for Defence and Security Studies, 2009), p.p. 79:80

[15] Melissa Simnpson, “An Islamic Solution to State Failure in Somalia?”, in Geopolitics of the Middle East (Rome: Institute for Global Studies and the Faculty of  Economics of La Sapienza University of  Rome, Number 1, Year 2,  Jan. – Mar. 2009), p.34

[16] يقول مختار روبو الذي كان متحدثا باسم حركة الشباب في حواره مع الجزيرة “علاقتنا بهم هي علاقة المسلم بأخيه المسلم، ومن صميم عقيدة المسلم الولاء والبراء، أن تبتعد عن الكفار وأن تواصل جميع المسلمين وتحبهم، يدعون لنا وندعو لهم وفي بعض الأحيان ينشرون في الإنترنت استشارات نستفيد منها كثيرا.. لا يوجد لدينا علاقة قريبة بحيث يكونون منا أو نكون منهم، لكن هم منا ونحن منهم عندما ننظر إلى أنهم مسلمون أنهم مجاهدون وأن عدوهم واحد، يقاتلون الأمريكيين ونقاتلهم، يقاتلون كفارا آخرين ونقاتلهم يريدون تطبيق شريعة الله على الأرض ونحن كذلك، نرفض تلك الحدود الوهمية التي تمنع العراقي أن يصل الأردن والسعودي أن يصل اليمن وندعو إلى رمي هذه الأوراق الوهمية  التي صنعها الاستعمار ونطالب بتوحيد البلدان الإسلامية وهم يريدون ذلك أيضا، هذا كل ما في الأمر لكن تنظيميا لسنا منهم ولكننا نحبهم كثيرا،..  للمزيد انظر: موقع الجزيرة نت، برنامج لقاء اليوم، حوار مع مختار روبو المتحدث من قيادات حركة الشباب المجاهدين، حلقة بعنوان “مختار روغو.. أهداف شباب المجاهدين في الصومال”، في الموقع الإلكتروني لقناة الجزيرة الإخبارية، 24 فبراير 2009، الرابط: http://www.aljazeera.net/NR/exeres/93865B75-2241-448F-AC67-BCF29CA15876

[17] ولد عبد القادر مؤمن في منطقة بونتلاند الصومالية التي تتمتع بنوع من الحكم الذاتي وعاش في السويد قبل أن ينتقل الى بريطانيا في سنة 2000 ويحصل على الجنسية البريطانية، في لندن وفي ليستر (وسط بريطانيا) اشتهر بخطبه الحماسية في المساجد ذات التوجه المتطرف ونشر عدة اشرطة فيديو على الانترنت، يفيد جهاز المخابرات الداخلية البريطاني “ام آي 5” ان مؤمن كان يعرف محمد اموازي القاتل الشهير لدى تنظيم داعش المعروف باسم “الجهادي جون” ومايكل اديبولاجو احد اللذين ادينا بقتل الجندي لي ريغبي في لندن في 2013.

في 2010، سافر مؤمن الى الصومال وانضم الى حركة الشباب الموالية لجماعة القاعدة، قيل أنه بعد وصوله قام بحرق جواز سفره البريطاني ثم انخرط في أنشطة الدعاية لدى الشباب، ارسل مؤمن الى منطقة صومالي لاند الجبلية الشرقية المحاذية لبونتلاند في 2012 لشحذ همم المقاتلين تحت إمرة أمير الشباب في المنطقة وزعيم عشيرة ورسنجيلي محمد سعيد اتوم، استسلم اتوم للحكومة الصومالية في 2014 وتسلم مؤمن قيادة فصيل بونتلاند الذي اعتبر على الدوام فصيلا معزولا لبعده عن الحركة المركزية للشباب في جنوب الصومال، في جبال غوليس الوعرة، نصب مؤمن نفسه قائدا رغم افتقاده للخبرة القتالية، وأعلن في أكتوبر الماضي مبايعته لتنظيم داعش مع مجموعة من المقاتلين في رسالة صوتية.

للمزيد انظر .. صحيفة النهار اللبنانية، “عبد القادر مؤمن الشهير بلحيته البرتقالية.. زعيم “داعش” في الصومال!، تاريخ النشر 2 سبتمبر 2016    https://goo.gl/RFdihw

[18] موقع روسيا اليوم الإخباري، “الصومال.. قائد مجموعة من حركة الشباب يبايع البغدادي“، تاريخ النشر 23 أكتوبر 2015    https://arabic.rt.com/news/797892 /

[19] بوابة الحركات الإسلامية، “الإخوان المسلمون في إرتريا”.. “الإسلامي للعدالة والتنمية” ذراع الجماعة السياسي، تاريخ النشر 18 يناير 2015 http://www.islamist-movements.com/25702

[20] المرجع السابق.

[21] للمزيد من المعلومات حول تنظيم جيش الرب يمكن الإطلاع على:

د.نرمين محمد توفيق، “جيش الرب للمقاومة بأوغندا منذ عام 1986: دراسة لإحدى حركات الأصولية المسيحية في أفريقيا”، رسالة دكتوراه ( القاهرة: قسم السياسة والاقتصاد، معهد البحوث والدراسات الأفريقية، جامعة القاهرة، 2017).

[22] المرجع السابق.

[23] د.باسم عدلي رزق، “عرض مقال حول الانتشار العسكري الأمريكي الاستراتيجي في جيبوتي“، مجلة الشئون الأفريقية ( القاهرة: الجمعية العلمية للشئون الأفريقية، المجلد الخامس، العدد 19، يوليو 2017).

[24] الصومال .. بوابة تركيا الاستراتيجية في أفريقيا، تاريخ النشر 27 إبريل 2017

http://www.thenewkhalij.org/node/66202.

[25] دبلوماسيون يحذرون من خطورة إقامة قاعدة عسكرية تركية في الصومال، البوابة نيوز، تاريخ النشر 30 مايو 2015.

http://www.albawabhnews.com/2549713