بقلم – أماني ربيع

«ثلاثاء حزين» عاشته أسرة الدراسات السياسية والأفريقية بجامعة القاهرة، مع إعلان نبأ رحيل «أستاذة الأجيال»، الدكتورة إجلال محمود رأفت، أستاذ العلوم السياسية في الجامعة العريقة.
هالة النمر، نجلة الراحلة أعلنت عبر صفحتها الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك”، وفاة والدتها، قائلةً: “أمي الجميلة، دكتورة إجلال رأفت، أنهت رحلتها منذ قليل.. لكل من أحبها وأحبته وكان له معها رحلته الخاصة جدًّا، البقية في حياتنا وحياتكم.. أعزي أسرتي الحبيبة وكل من شاركنا المحنة وواسانا بمحبة بالغة أحاطتها حتى النهاية”.


رائدة الدراسات الأفريقية
الدكتورة إجلال رأفت هي إحدى رائدات العلوم السياسية عمومًا، والدراسات الأفريقية بشكل خاص، في مصر والوطن العربي، وهو التخصص الذي كان نادرًا في فترة الستينيات.
وللفقيدة بصمة قيمة في مجال الأبحاث والدراسات المتعلقة بأزمات السودان، وطبيعة العلاقات المصرية السودانية، وهي أحد أبرز الخبراء المختصين في هذا الشأن وخلال مسيرتها الحافلة كانت مرجعًا علميًا هامًا للمراكز البحثية المتخصصة في الشأن السوداني وكذلك للدبلوماسية المصرية في كل ما يتعلق بالسودان ومنطقة القرن الأفريقي.
حصلت الراحلة على درجة البكالوريوس بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية من جامعة القاهرة عام 1964، بينما حصلت على درجة الماجستير في العلوم السياسية عام 1973، ونالت درجة الدكتوراه في رسالة عن قضايا الدراسات الأفريقية بمعهد البحوث والدراسات الأفريقية بجامعة القاهرة عام 1978.
شاركت الدكتورة إجلال رأفت في الكثير من المؤتمرات الدولية داخل مصر وخارجها عن قضايا الدول الأفريقية، واهتمت بصورة خاصة بقضايا السودان الشقيق، وفي حديث تلفزيوني قديم لها أوضحت أن ما يربطنا بالسودان هو النسيج الاجتماعي، وبخاصة منطقة شمال السودان التي تتداخل في علاقات وثيقة مع منطقة جنوب مصر، فهناك نسب ومصاهرة وثقافة متقاربة واللغة، وهو ما يصنع استعدادًا طيبًا وقاعدة جيدة للعلاقات سواء الاقتصادية والسياسية.
وأضافت الدكتورة إجلال – في حديثها للتلفزيون – أنه إذا كان السياسة والاقتصاد وجهان لعملة واحدة، فالاقتصاد يأتي أولا ثم تتبعه السياسة، لافتة إلى أهمية بناء علاقات على مستوى الناس وليس الحكومات، لأن العلاقات على مستوى الحكومات تتغير بتغير المواقف السياسة وبتغير هذه الحكومات، لذا فمن المهم الاستثمار في السودان على مستوى المجتمع المدني والقطاع الخاص.


مدرسة مصرية في الدراسات الأفريقية
اتسمت آراء الدكتورة إجلال رأفت بالموضوعية، فكانت لا تعرف تحيزًا أو مجاملة، وكانت نموذجًا حيًا لما كانت عليه قيم وأخلاقيات الجيل الأول في مجال الدراسات السياسية والأفريقية مثل الدكتور عبد الملك عودة والأستاذ حلمي شعراوي والدكتور إبراهيم نصر الدين، وكانت مدرسة مصرية حقيقية في مجال الشؤون الأفريقية.
بذلت الراحلة جهودًا صادقة في مجال الدراسات الأفريقية، مدركة لضرورة اهتمام مصر بالقارة الأفريقية وبخاصة السودان كظهير اقتصادي وأمني، ونظرًا لأهمية أبحاثها العلمية وجهودها في الدراسات الأفريقية، كانت واحدة من المدعوين لحضور حفل استقلال أريتريا عام 1993، وكرمها الرئيس عبد الفتاح السيسي خلال احتفالية تكريم المرأة المصرية والأم المثالية عام 2021.
كانت إحدى أبرز أولويات الدكتورة إجلال رأفت هو إخراج أجيال جديدة من الباحثين الجادين في مجال الدراسات السياسية والدراسات الأفريقية، وأشرفت على العديد من رسائل الماجستير والدكتوراه في هذا المجال.
وكانت لا تبخل أبدًا على أي طالب باستشاراتها العلمية وخبرتها، وخلال فترة إشرافها على وحدة المنح والبعثات بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، قدمت الكثير من الخدمات لطلاب الكلية، وطلاب الدراسات العليا بالتعاون مع الجهات المانحة المختلفة بهدف تقديم الدعم المالي والفني للمستحقين من أجل استكمال رحلتهم التعليمية بالخارج ومنحهم فرص أكاديمية تساعد في تنمية قدراتهم وتصقل معارفهم.


شغلت الراحلة عدة مناصب خلال مسيرتها منها:

  • منصب مدير برنامج الدراسات الأفريقية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة من مايو 2006 وحتى مايو 2012
  • منصب المدير التنفيذي لوحدة المنح والبعثات الدراسية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية في عام 2011.
    من أبرز دراساتها:
  • كتاب القرن الأفريقي القرن الأفريقي المتغيرات الداخلية والصراعات الدولية، دكتور إبراهيم أحمد نصر – إجلال رأفت، الناشر دار النهضة العربية، 1985.
  • أزمة دارفور بين التجاذبات الداخلية والمصالح الخارجية والاعتبارات الإنسانية ، بحث نشر في مجلة الشؤون العربية التابعة لجامعة الدول العربية، 2006.
  • الوعي الاجتماعي والتجارب الأفريقية العربية في مجال الديمقراطية والإصلاح السياسي، دراسة حالة: موريتانيا والسودان، بحث مقدم إلى ندوة الديمقراطية في أفريقيا والوطن العربي، نواكشوط أغسطس2007 .
  • نتائج انفصال السودان علي مصر واستراتيجية المواجهة، بحث مقدم إلي مركز دراسات الشرق الأوسط، ديسمبر 2010.
  • انعكاس قيام دولة جنوب السودان على الوضع داخل السودان وعلى دول الجوار، بحث نشر في كتاب حول السودان، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، الدوحة ، فبراير 2011.
  • تقاطع المصالح القومية للدول العربية المطلة على البحر الأحمر ودول القرن الأفريقي، بحث مقدم إلى مؤتمر العرب والقرن الأفريقي، الدوحة ، نوفمبر 2011.
  • دولة جنوب السودان بين توازنات القوى العالمية والإقليمية ودول الجوار وتأثير ذلك على علاقتها بمصر، بحث قدم إلى وزارة الري، يناير 2012.
  • الأهمية الاستراتيجية للقارة الأفريقية من المنظور الجيوبوليتيكي، بحث قدم إلى وزارة الدفاع، أغسطس 2012.
    ورغم رحيلها، ستظل الدكتورة إجلال رأفت إحدى أيقونات الدراسات السياسية والأفريقية، وستظل جهودها وأبحاثها تنير طريق الأجيال الجديدة من الباحثين، كما ستظل حاضرة في قلوب زملائها وطلابها ممن شملتهم بعلمها ومحبتها وتواضعها.