كتبت – أسماء حمدي
وصل سوء التغذية في الدولة الواقعة في شرق أفريقيا إلى أعلى مستوياته على الإطلاق، لكن جزءًا من النضال يكمن في قلب المعتقدات التقليدية في جنوب السودان.
وقدر تقرير لبرنامج الأغذية العالمي صدر في يوليو 2023، أن 737.812 امرأة حامل ومرضعة و1.4 مليون طفل دون سن الخامسة في جنوب السودان سيعانون من سوء التغذية الحاد على مدار هذا العام، ويرجع ذلك إلى عدد من العوامل، بما في ذلك انتشار الخرافات المرتبطة بعادات الأكل التي تضر بصحة الأم والطفل في ريف جنوب السودان.


لا بروتين أثناء الحمل
تحت شجرة مانجو أمام كوخه الكبير المسقوف بالقش، يجلس رجل ثري على حصيرة وبجواره سيدتين يحاولن اقناعه لتغيير عادات الأكل لدى عائلته، التي تعيش في لونجو، وهي بلدة صغيرة في جنوب السودان تقع في الضواحي الشرقية لنيمولي، على بعد حوالي 200 كيلومتر جنوب العاصمة جوبا.
تجلس جين كيجي وروز موريكو بجانب الرجل، وهما جزءا من مبادرة استراتيجية تابعة لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف)، والتي تعمل على التوعية الأوسع لتغذية الأمهات والرضع والأطفال الصغار، ويجريان محادثة عميقة حول الأكل الصحي مع آنجي (30 عامًا) وزوجها آزو داودي (39 عامًا)، وهما عائلة ميسورة الحال وفقًا للمعايير المحلية.
وبحسب صحيفة الجارديان البريطانية، تعرضت آنجي في عام 2017 للإجهاض بسبب مضاعفات تتعلق بسوء التغذية، وقد تم تشخيص طفليهما، البالغ عمرهما 4 أشهر و18 شهرا، بأنهما يعانيان من سوء التغذية.
عادة ما تكون آنجي مشغولة في المنزل خلال أشهر الحصاد، ولكن اليوم لديها أولويات أخرى: صحة الطفل الذي تحمله وطفليها الصغيرين، وتقول: “لولا تدخل رئيس القرية، لما حدث هذا الاجتماع مع كيجي وموريكو على الإطلاق، إذ تعتقد عشيرة زوجي أن المرأة الحامل التي تتناول البروتين ستتعرض للإجهاض”.
ومع نظامها الغذائي الصارم الذي يعتمد على الخضار الورقية، انتهى حمل آنجي الأول بالإجهاض، إنها لا تزال تتصارع مع الشعور بالذنب لأنها جلبت ذلك على نفسها، تقول أنجي: “نحن محظوظون بكل هذه الحيوانات الأليفة، لكن ذلك لا ينعكس على جسدي ولا على أجساد أطفالي”.


استئصال المفاهيم الخاطئة
تنتمي كيجي وموريكو إلى مجموعة دعم قوامها 4700 فرد للنساء الحوامل والأمهات الجدد بهدف استئصال المفاهيم الخاطئة المتأصلة بعمق، ويقوم المتطوعون المدربون من المجتمع بزيارات منزلية لرفع مستوى الوعي الغذائي، وتعد هذه المبادرة جزءًا من استراتيجية اليونيسف الأوسع لتغذية الأمهات والرضع والأطفال الصغار، والتي تم إطلاقها وتنفيذها في عام 2017، ومن المقرر أن تستمر حتى عام 2025.
ويأتي عملهم في وقت وصل فيه انعدام الأمن الغذائي في جنوب السودان إلى ما تصفه اليونيسف بأنه أعلى مستوياته على الإطلاق، مدفوعًا إلى حد كبير بالفيضانات والصراعات المستمرة والنزوح وارتفاع تكاليف المعيشة التي تحد من حصول الأسر على الغذاء.
وتقول أخصائية التغذية في اليونيسف في جنوب السودان، لوسي أديلينو، إن البرنامج يسمح للأمهات بمشاركة تجاربهن، مضيفة: “تنضم الأمهات الحوامل والمرضعات طواعية، وبعد 3 إلى 4 أسابيع من التدريب، يساعدون في تثقيف الأمهات الأخريات والنساء الحوامل وأفراد المجتمع حول أفضل الممارسات المتعلقة بتغذية الأطفال”.
أشارت أديلينو إلى أنهم يتعلمون عادات الأكل الصحية، وكيفية زراعة الخضروات الأساسية للأطفال في حديقة مطبخ صغيرة الحجم، ودحض الخرافات المرتبطة بالرضاعة الطبيعية.

ضحية الأساطير
كانت موريكو، البالغة من العمر 27 عامًا، ضحية لهذه الأساطير، قائلة: “على الرغم من أن طفلي البكر يبلغ الآن السابعة من عمره، فإنه يبدو أصغر بكثير من عمره لأن حماي أصر على اتباع تقاليدهم في الغذاء أثناء الحمل”.
وفي عشيرة باتيبي التي تنتمي إلى قبيلة مادي، من المتوقع أن تصوم المرأة الحامل في الأشهر الـ3 الأخيرة مع قيود على تناول البروتين، ويقال أن هذا ينقي الجسم ويؤدي إلى طفل سليم، مثل بعض كبار السن في قريتهم، اعتقد والد زوج موريكو أن تناول البروتين أو الفواكه مع البذور أثناء الحمل من شأنه أن يسبب الضرر.
قالت موريكو: “عندما اتبعت هذه النصيحة، حدث العكس تمامًا، لكن عندما كنت حاملا بطفلتي الثانية فيونا، أقنعت مجموعة من الأمهات زوجي بخطورة الصيام أثناء الحمل والرضاعة، مشيفة: “يلاحظ الجميع مدى نشاط فيونا وصحتها، ولهذا السبب انضممت إلى المجموعة منذ 3 سنوات لمساعدة الأمهات الأخريات اللاتي يعانين من نفس الوضع.
في مركز كيمو للرعاية الصحية الأولية في جوبا، يشير أديلينو من اليونيسف إلى المقاعد الفارغة، قائلا: “قبل 6 سنوات فقط، كان هذا المركز مليئًا بالأطفال الذين يعانون من سوء التغذية، قبل أن تطلق شريكتنا منظمة الرؤية العالمية البرنامج هنا، واليوم، يتم قبول عدد قليل من الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية”.
وأظهر تقرير تقييم للأمم المتحدة لعام 2021 زيادة في الرضاعة الطبيعية من 45% في عام 2010 إلى 68% في عام 2020، لكنه أكد أنه يجب بذل المزيد من الجهود للحد من سوء التغذية والوقاية منه في المقام الأول.


المعرفة قوة
تعتقد موريكو أن قضية أنجي وآزو أصبحت قصة تحذيرية، وتقول: “إنها علامة على أن المعرفة قوة وأن النساء يتخذن موقفا لأنه يؤثر عليهن”.
وتقول إحدى أعضاء مجموعة الدعم، بيتي إليفيرا، إنه على الرغم من انتشار هذه الخرافات، إلا أن معظم النساء الحوامل والأمهات يلجأن الآن إلى المجموعة أو الطاقم الطبي قبل الالتزام بأي نظام غذائي محظور على الأسرة، مهما كانت العواقب المترتبة عليهن.
تضيف إليفيرا: “إذا قالت إحدى مجموعات الدعم أن هناك شيئًا ضارًا، فلن تفعل ذلك لأن النساء يقدرن الصحة والطفل السليم أكثر من البقاء في الزواج، وما قيمة أن يكون لديك زوج إذا لم يكن هناك ولد أو كان الولد مريضا؟”.
يقول خبير التغذية السابق في منظمة أطباء بلا حدود، فرانسيس شانديجا، إن افتقار النساء المتزوجات إلى الحرية في اتخاذ القرارات بشكل مستقل في المجتمعات الرعوية يمثل مشكلة رئيسية، مضيفا: “لا يمكن أن يتحقق النجاح إلا من خلال تثقيف الرجال الذين يعملون، في معظم الحالات، خارج المنزل”.
لكن التحدي الأكبر على الإطلاق الذي يواجه التغذية هو النزوح المستمر للأسر بسبب الصراعات والكوارث المناخية، مضيفا: “بغض النظر عن التزامكم، فإن معدل النجاح يعتمد على أمن البلاد، إذا كان هناك سلام، يمكننا التغلب على جميع العقبات الأخرى، وبخلاف ذلك، يمكن محو المكاسب التي تحققت خلال عامين أو أكثر في يوم واحد من القتال”.