كتبت – زينب مصطفى رويحة

باحثة في الشؤون الأفريقية

تشهد منطقة الساحل الأفريقي حرب نفوذ ضارية بين تنظيمي داعش والقاعدة؛ حيث أسهمت الظروف العالمية المرتبطة بالحرب الروسية الأوكرانية وكذا الظرف الإقليمي المتعلق بالحالة الأمنية والاقتصادية داخل القارة الأفريقية في تنامي طموحات الجماعات الإرهابية حول مزيد من السيطرة والنفوذ، ووفقًا لتقرير الإرهاب العالمي GTI لعام 2023، احتلت 3 من دول الساحل قائمة الترتيب من حيث أكثر الدول تعرضًا للهجمات الإرهابية.

وتأتي جماعة نصرة الإسلام والمسلمين التابعة لتنظيم القاعدة (JNIM) في المركز الرابع عالميًّا من حيث حجم النشاط الإرهابي بإجمالي 77 هجومًا وحوالي 500 ضحية[1]، بينما جاءت داعش ولاية غرب أفريقيا (ISWA) في الترتيب السادس بإجمالي 65 هجومًا ونحو 350 ضحية على مدار عام 2022.

وتعكس ذروة النشاط الإرهابي في منطقة الساحل حدة التنافس الراهن بين داعش والقاعدة، والذي لم يقتصر على توسيع رقعة الهجمات، ولكن شمل خطابات تصعيدية وحرب إعلامية شرسة، كما انتقل إلى الميدان، إذ أسفرت الحملة التي شنتها داعش ضد القاعدة “جماعة نصرة الإسلام والمسلمين”، عن مقتل 50 جهاديًّا خلال الشهرين الماضيين، وتلعب تلك الظروف دورًا مضاعفًا في تقويض الديمقراطية وتفشي عدم الاستقرار في الإقليم.

طبيعة التنافس

بدأت العلاقة بين تنظيمي داعش والقاعدة تأخذ بعدًا تنافسيًّا في أفريقيا منذ عام 2017، لا سيما مع ظهور جماعة “نصرة الإسلام والمسلمين” تحت قيادة إياد أغ أغالي بشكلها الحالي والتي تدين بالولاء للقاعدة، وأدى سيطرة الجماعة على مواقع استراتيجية إلى إشعال وتيرة التنافس بين داعش والقاعدة والتي بلغت حد المواجهة المباشرة، إذ تم الإبلاغ عما يقرب من 200 اشتباك، ومقتل أكثر من 1100 مقاتل من الفريقين من الفترة بين منتصف عام 2019 حتى يناير 2023 في سلسلة من المعارك الكبرى في منطقتي غاو وميناكا وعلى طول الحدود بين بوركينا فاسو ومالي[2].

ويتنافس كلا التنظيمين على تأسيس دولة الخلافة، وتعتبر القاعدة صاحبة النفوذ الأكبر في أفريقيا، كما تسعى داعش نحو إعادة رسم خريطة انتشارها في القارة عبر استحداث ولايات جديدة (الساحل وموزمبيق)، وتوسيع أنماط النشاط العملياتي، وتتسع ساحة التنافس بينهما من موريتانيا ومالي وبوركينا فاسو إلى حدود النيجر وتشاد، وتوجو وغانا والسنغال وصولا إلى خليج غينيا.

وفيما وصف أبو عبيدة يوسف العنابي، أمير تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي، طبيعة العلاقة بينهم وبين داعش، مشددًا: “حاليًّا ليس بيننا وبينهم إلا الحرب”، مع التأكيد على تسميتهم بالخوارج[3]. تعتمد استراتيجية داعش في الساحل الأفريقي في مواجهة خصومه على 3 عوامل رئيسة، أولها: الجانب الشرعي؛ حيث وصفت داعش عبر صحيفة النبأ الرسمية عناصر القاعدة بالمرتدين بهدف إرساء الأسباب الشرعية لاستهدافهم. ثانيها: الترويج الإعلامي لفشل وتراجع القاعدة، وقد أعلنت داعش في النبأ العدد 390 الصادر في 11 مايو الماضي عن فشل حملة تنظيم القاعدة المضادة في شمال مالي[4]، والتأكيد على تراجعها عن معاقلها في شمال غرب ميناكا. ثالثهما: الإشارة إلى المكاسب الميدانية التي حققتها داعش، باستيلائها على بلدة تيدرمين في مالي، وعزل ميناكا، التي كانت تحت سيطرة “نصرة الإسلام والمسلمين”.

محفزات التنافس

تواجه منطقة الساحل الأفريقي خطرًا إرهابيًّا متناميًا ينذر بسقوط بعض الدول في قبضة الإرهابيين؛ وقد زادت الهجمات 4 أضعاف منذ 2019، وطال النشاط الإرهابي نحو 84 منطقة إدارية من بين 135 منطقة في مالي وبوركينا فاسو وغرب النيجر خلال عام 2022، واحتلت بوركينا فاسو المركز الثاني عالميًّا كأكثر الدول تأثرًا بالإرهاب، وجاءت مالي في المركز الرابع عالميًّا، ثم النيجر في المركز العاشر عالميًّا، وأخيرًا تشاد في المركز التاسع عشر.

انتهاز الظروف الداخلية

تمر منطقة الساحل بأزمة سياسية عميقة؛ حيث تعرضت منذ عام 2020 إلى 4 انقلابات عسكرية (مالي، النيجر، بوركينافاسو)[5]، مما كشف مدى تمسك العسكريين بالسلطة وهدد مقومات الديمقراطية، وأسهم في سيطرة نخب هشة، وتفشي الصراع القبلي المسلح، وتمدد شبكات الإجرام في المنطقة كتهريب البشر والمخدرات والسلاح، فضلًا عن تدهور الأوضاع الاقتصادية، وهو ما يعني تراجع دور الدولة سياسيًّا واقتصاديًّا وأمنيًّا، وأسهمت تلك العوامل مجتمعة في ظهور أزمة ثقة بين المواطنين والأنظمة الحاكمة، وبالتالي خلق ظروف مواتية أمام الجماعات الإرهابية لجذب أكبر قدر من المهمشين وضحايا المظالم المحلية.

خروج القوات الغربية

يمثل خروج القوات الفرنسية من دول الساحل فرصة ثمينة أمام الجماعات الإرهابية[6]؛ بعد أن تمكنت القوات الفرنسية والدولية المنضوية تحت فرقة عمل برخان وتاكوبا من تصفية عديد من العناصر الجهادية، ولكن أقدمت الانقلابات العسكرية في المنطقة على إنهاء اتفاقات التعاون العسكري مع القوات الفرنسية والأوروبية، آخرها طلب المجلس العسكري في مالي سحب الأمم المتحدة قواتها من البلاد(مينوسما)، وفي ظل جيوش وطنية غير مجهزة، تفتقر إلى المقومات الرئيسية لمواجهة المتطرفين، وانسحاب القوات الأجنبية بشكل مفاجئ دون خطة أو تنسيق، تواجه دول الساحل حملة إرهابية شرسة منذ بداية العام.

الأهمية الاستراتيجية لإقليم الساحل

كشف تقرير الإرهاب لعام 2022، أن منطقة الساحل هي المنطقة الأكثر تضررًا في العالم؛ والتي تمثل 43% من وفيات الإرهاب العالمي، ارتفاعًا بنسبة 7% عن وفيات العام السابق، كما يتمركز 4 من الدول العشر الأكثر تأثرًا بالإرهاب في عام 2022 في الساحل.

وحتى مارس 2022، صنفت داعش إقليم الساحل تحت فصيل الصحراء الكبرى في ولاية غرب أفريقيا التابعة (ISWAP)، ولكن يشير انسلاخها مؤخرا كولاية منفصلة إلى خصوصية المنطقة من ناحية كونها في قلب التفاعلات الدولية المرتبطة بالتنافس الحاد بين روسيا والغرب في الإقليم، وهو ما يخدم الحملة الدعائية لداعش، ومن ناحية أخرى يضيف بعدًا جديدًا في استراتيجية التنظيم التوسعية وقدرته على بسط هيمنته على مناطق جديدة.

تعويض الخسائر في الشرق الأوسط

بينما شهدت منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تراجعًا كبيرًا في الإرهاب على مدى السنوات الست الماضية، مع انخفاض نسبة الوفيات الناجمة عن الإرهاب من 57 % في عام 2016 إلى 12 % فقط في عام 2022، أصبح الساحل أكثر عنفًا بشكل متزايد على مدى السنوات الـ 16 الماضية، مع ارتفاع عدد القتلى بسبب الإرهاب بأكثر من 2000% بين عامي 2007 و 2022.

وتعرض تنظيم داعش لهزات عنيفة متوالية منذ هزيمته في معركة الباغوز بسوريا في مارس 2019، ثم مقتل مؤسس التنظيم أبي بكر البغدادي في أكتوبر من العام نفسه، وكذلك الحال بالنسبة لتنظيم القاعدة، الذي قتل قائده أيمن الظواهري على يد القوات الأمريكية في يوليو 2022 في أفغانستان، وتفرض الانتكاسات التي تلقاها كلا التنظيمين حتمية التركيز على الأفرع الإقليمية والاستثمار في الأزمة الأفريقية من أجل الحفاظ على هيمنتهما. 

انعكاسات السباق الإرهابي

يعاني الساحل الأفريقي أزمة إنسانية حادة، إذ أدى الصراع السياسي والوضع الأمني ​​المتدهور وأزمة الغذاء وعواقب تغير المناخ إلى نزوح السكان قسرًا في منطقة الساحل بنحو 4.1 مليون شخص متضمنة 3 ملايين نازح داخليًا[7]، هذا فضلًا عن وقوع المنطقة في بؤرة الإرهاب.

وعلى صعيد الحالة السياسية نجد أن تراجع الديمقراطية يعد سببًا رئيسًا وراء تغلغل الجماعات المتطرفة داخل الساحل الأفريقي، لكن انتشار تلك الجماعات لعب دورًا مضاعفًا في تدهور العملية السياسية. على سبيل المثال، أطيح بحكومات مدنية منتخبة ديمقراطيًا في 25 انقلابًا في تشاد وبوركينا فاسو ومالي وموريتانيا والنيجر بين عامي 1960 و 2022، مدفوعًا بعدم قدرة الأنظمة على دحر الإرهاب، كذلك في الاستفتاء الأخير على الدستور في مالي[8]، لم يتمكن جميع الناخبين من الإدلاء بأصواتهم نتيجة إغلاق بعض اللجان لأسباب أمنية.

أما بالنسبة للأمن الإقليمي؛ فقد حذرت مساعدة الأمين العام للأمم المتحدة لشؤون أفريقيا، مارثا بوبي، في اجتماع مجلس الأمن في 16 مايو 2023، من أن الآثار المدمرة لهجمات الإرهاب في الساحل ستمتد لخارج أفريقيا، وتعتبر منطقة الساحل في مفترق طرق، حيث تحتاج جهودًا هائلة لأجل انتشالها من براثن الإرهاب، وإلا سيفسح المجال لمزيد من الولايات تحت سيطرة الحركات الإرهابية.

وبالمقارنة بين موريتانيا ونظيراتها في الساحل، يمكن تفسير العوامل التي آلت لتلك الدرجة من الفوضى الأمنية، ولم تتعرض موريتانيا إلى أي هجوم إرهابي منذ عام 2011 حتى نهاية العام الماضي، كما تعد نموذجًا رائدًا في مكافحة الإرهاب، ويرجع ذلك نتيجة اتباعها استراتيجية محكمة شاملة للجوانب القانونية والأيديولوجية والأمنية والتنسيق مع القوى الدولية من أجل تعبئة كل الجهود اللازمة لمواجهة التطرف، وتتطلب مكافحة الإرهاب في دول الساحل تشريح الظروف الاقتصادية والاجتماعية والحالة الدينية التي هي الحاضنة الأولى التي تولد منها الخلايا الإرهابية.


[1]  Global terrorism index 2023, institute for economics and peace>

https://www.visionofhumanity.org/wp-content/uploads/2023/03/GTI-2023-web-170423.pdf

[2]  The Islamic State Sahel Province, The Armed Conflict Location & Event Data Project (ACLED), Jan 13, 2023.

[3] نصر وسيم، كيف أصبحت القارة الأفريقية في صلب نشاط الحركات الجهادية، أوريان 21، مارس 21، 2023

https://orientxxi.info/magazine/article6318

[4] صحيفة النبأ، العدد 390، مايو 11، 2023.

https://i3l.co.za/334195/

[5] Dan Suleiman, Muhammad, Why West Africa has had so many coups and how to prevent more, the conversation, February 15, 2022.

https://theconversation.com/why-west-africa-has-had-so-many-coups-and-how-to-prevent-more-176577

[6]  Violent Extremism in the Sahel, Center for Preventive Action, March 27, 2023.

https://www.cfr.org/global-conflict-tracker/conflict/violent-extremism-sahel

[7] Sahel situation, UNHCR, the UN Refugee Agency, 2022.

https://reporting.unhcr.org/operational/situations/sahel-situation#:~:text=In%202022%20the%20escalating%20conflict,internally%20displaced%20people%20(IDPs).

[8] استفتاء حول دستور جديد في مالي وتعذر الاقتراع في شمال البلاد ووسطها، SWI swissinfo.ch، يونيو 18، 2023. https://www.swissinfo.ch/ara/afp/%D8%A7%D8%B3%D8%AA%D9%81%D8%AA%D8%A7%D8%A1-%D8%AD%D9%88%D9%84-%D8%AF%D8%B3%D8%AA%D9%88%D8%B1-%D8%AC%D8%AF%D9%8A%D8%AF-%D9%81%D9%8A-%D9%85%D8%A7%D9%84%D9%8A-%D9%88%D8%AA%D8%B9%D8%B0%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%82%D8%AA%D8%B1%D8%A7%D8%B9-%D9%81%D9%8A-%D8%B4%D9%85%D8%A7%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%A8%D9%84%D8%A7%D8%AF-%D9%88%D9%88%D8%B3%D8%B7%D9%87%D8%A7/48599542