كتب – حسام عيد
على مسار دعم التحول الطاقوي واستشراف المستقبل النظيف، أصبحت أفريقيا في حاجة ملحة إلى توفير تمويل بأكثر من 700 مليار دولار على مدى العقد المقبل لتطوير الطاقة المتجددة والمناجم لاستخراج المعادن اللازمة للتحول إلى الطاقة الخضراء.
ستاندرد بنك جروب قال في أحدث تقاريره إن المؤسسات المالية في القارة لن يتسنى لها توفير حتى نصف ذلك المبلغ، ولا بدّ أن تأتي معظم الأموال من مستثمرين خارجيين.
البنك الذي يُعد أحد البنوك الرئيسية في جنوب أفريقيا وأكبر مقرض في أفريقيا من حيث الأصول، أشار إلى العديد من المعادن اللازمة لبناء الألواح الشمسية وبطاريات الليثيوم وتوربينات الرياح وما إلى ذلك، تتوفر في جنوب الصحراء الكبرى الأفريقية.
وتمكن البنك أيضاً من تحديد مقدار الاستثمار المطلوب في تلك المساحة بما يصل إلى مئات المليارات من الدولارات.


معضلة توفير الطاقة لـ600 مليون أفريقي
الحكومات الأفريقية، اليوم، تتعرض لضغوط من أجل التوسع بإمدادات الطاقة إلى 600 مليون شخص، أي حوالي نصف سكان القارة، والذين لا يحصلون حالياً على الكهرباء؛ وفق ما أوردت وكالة “بلومبيرج”.
في الوقت نفسه، يُنظر إلى تكوينات النحاس والكوبالت في جمهورية الكونغو الديمقراطية وزامبيا، واحتياطيات الليثيوم في زيمبابوي، والبلاتين والمنغنيز في جنوب أفريقيا على أنها أساسية لتوفير المواد اللازمة لكل شيء، من الألواح الشمسية إلى بطاريات السيارات الكهربائية.
بدوره، قال كيني فيهلا، الرئيس التنفيذي لوحدة الخدمات المصرفية للشركات والاستثمار في “ستاندرد بنك”، إن الموارد المالية التي يمتلكها القطاع المصرفي في جنوب الصحراء الأفريقية لن تكفي لدعم هذه المبادرات بشكل كامل. لذلك؛ يتعين أن يأتي الجزء الأكبر من هذه الأموال من المستثمرين الدوليين الذين يرغبون في النمو في مجال الموارد المتجددة أو لعب دور بها أو في تعدين تلك المعادن الهامة.
رجّح فيهلا أنه في جنوب أفريقيا وحدها سيصل “ستاندرد بنك” إلى “الحد الأقصى” من الإقراض الذي يتراوح بين 250 مليار راند (13.7 مليار دولار) و300 مليار راند (15.9 مليار دولار) مخصصة لمبادرات الطاقة المتجددة بحلول عام 2026.


فرص هائلة.. وفجوة تمويلية
ما زال قطاع الطاقة المتجددة في أفريقيا عاجزًا عن جذب الاستثمارات الدولية بصورة ملحوظة للعيان، رغم الفرص الهائلة التي تمتلكها القارة السمراء في هذا القطاع الرائد عالميًا.
واستطاع القطاع جذب استثمارات ضخمة على مستوى العالم بقيمة 382 مليار دولار خلال 2022، وفقًا لتقرير صادر عن وكالة الطاقة الدولية، حسبما نقلت منصة “الطاقة attaqa” المتخصصة في أسواق الطاقة.
ورغم اقتراب الرقم العالمي من حاجز الـ400 مليار دولار، فإن نصيب قطاع قطاع الطاقة المتجددة في أفريقيا لم يتجاوز 13 مليار دولار خلال عام 2022، وفقًا لتقرير نشره مؤخرًا موقع ذا إيست أفريكان المتخصص.
ولا يتجاوز هذا الرقم 3% من إجمالي الاستثمارات العالمية، ما يشير إلى فجوة تمويلية كبيرة تعوق القارة السمراء عن اللحاق بركب الطاقة النظيفة عالميًا، وفقًا لما رصدته منصة الطاقة المتخصصة.
إن المنافسة العالمية على مشروعات أفريقيا ما زالت ضعيفة، رغم وفرة الإمكانات الفنية، ما يعني سهولة دخول المستثمرين إلى القطاع دون عقبات أو اشتراطات كبيرة مقارنة بغيرها من الدول الأوروبية والآسيوية، لكن في الوقع لا تزال أغلب الجهات الفاعلة في القطاع الخاص مترددة في ضخ استثمارات بمشروعات الطاقة المتجددة في أفريقيا، ما يتسبب في خلق فجوة تمويلية ضخمة بمليارات الدولارات تتصاعد عامًا بعد عام؛ وفق معهد الموارد العالمية (دبليو آر آي).


آمال معلقة على الطاقة الشمسية
الطاقة الشمسية والكهرباء المستخرجة منها نظيفة ومحايدة بيئيًا وتكاليفها واضحة، وفي نفس الوقت الحاجة كبيرة وماسة للطاقة الكهربائية في أفريقيا. وفي شمال وجنوب القارة السمراء الظروف والشروط مناسبة تمامًا لإقامة مزارع الطاقة الشمسية. وحسب بيانات الوكالة الدولية للطاقة “IEA” فإن 60% من أفضل المساحات لإقامة مزارع الطاقة الشمسية في العام تقع هناك. ورغم ذلك فإن واحد بالمائة فقط من هذه المزارع تقع في أفريقيا.
لكن الوضع سيتغير قريبا، إذ إن مارك هاورد الخبير في الشركة البريطانية لاستشارات الطاقة “أفريقيا إنرجي”، يتوقع تضاعف إنتاج الكهرباء في أفريقيا من الطاقة الشمسية ثلاث مرات حتى عام 2025 مقارنة بما تنتجه الآن.
وحسب معلومات الشركة فإن هناك الآن 1100 موقع نصبت فيه ألواح الطاقة الشمسية والتي تنتج حوالي 7.4 جيحاواط. وللمقارنة فقط، في ألمانيا وحدها بلغ إنتاجها للكهرباء من الطاقة الشمسية حوالي 58 جيجاواط عام 2020. وإنتاج أفريقيا ينبغي أن يصل إلى 23 جيجاواط أو أكثر عام 2024؛ حيث إن تخطيط وتنفيذ مشاريع الطاقة الشمسية لا تستغرق وقتًا طويلًا، كما أورد موقع “دويتشه فيله”.
وتُعد جنوب أفريقيا سوقًا مزدهرة لألواح الطاقة الشمسية، لأن الموردين التجاريين عليهم تقديم طلب للترخيص من أجل مزرعة للطاقة الشمسية بقدرة 100 ميجاواط على الأقل، وهذه ستكون مزرعة ضخمة.
وهنا يتعلق الأمر على سبيل المثال بشركات من قطاع المناجم التي تحتاج لكمية كبيرة من الطاقة الكهربائية ولا تريد الاعتماد على شركة إيسكوم/ Eskom الحكومية المضطربة لتوريد الكهرباء.


لقد أدت عقود من سوء الإدارة وعدم الصيانة إلى عدم قدرة إيسكوم على تأمين حاجة البلاد من الكهرباء، وفصل مناطق بالتناوب عن شبكة الكهرباء لعدة ساعات، وهو ما يسمى “توزيع الأحمال” في جنوب أفريقيا. وإن نصب ألواح للطاقة الشمسية على سطح المنزل يمكن أن يساعد في الاستغناء عن موردي الكهرباء غير الموثوق بهم، حتى في الليل، “ويمكن أن تتخلص من توزيع الأحمال، حينما تنصب ألواح الطاقة الشمسية وتزودها ببطارية لتخزين الطاقة”، كما ترى ميجان يوستون براون، مديرة منظمة أفريقيا للطاقة المستدامة غير الربحية.

وختامًا، حين يريد مستثمر قوي اقتصاديًا، مثل الشركات العاملة في قطاع المناجم، إقامة مزرعة للطاقة الشمسية أو تدشين مشروع للطاقة المتجددو، فإنها تحصل على قروض ميسرة ورخيصة نسبيًا. بينما بالنسبة لكثير من شركات توريد الكهرباء الحكومية، فإن حصولها على تمويل صعب، لكن هل تتغير تلك المعادلة “الصعبة حاليًا” ويتكاتف العالم على مسار العمل المناخي، وبالتالي توفير وضخ التمويل اللازم لتسريع وتوسيع شبكة مشروعات الطاقة المتجددة في أفريقيا؟