كتب – حسام عيد

مع تسارع التحديات العالمية من توترات جياسية إلى تغيرات مناخية، أصبحت أفريقيا في معترك المجاعات التي تهدد القارة اليوم باتساع نطاقها.

انعدام الأمن الغذائي يهدد 48 مليون شخص

وقد حذرت منظمات تابعة للأمم المتحدة من أن عدد المهددين بانعدام الأمن الغذائي في غرب ووسط قارة أفريقيا خلال الصيف وصل إلى 48 مليون شخص، وهو الأعلى منذ 10 سنوات.

وقال بيان مشترك عن برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة “WFP”، ووكالة الإغاثة الإنسانية “OCHA”، ومنظمة الأغذية والزراعة “الفاو”، ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف)، صدر في 18 أبريل 2023، إن الظروف المناخية، مثل نقص الأمطار، والسياسة، مثل الحرب الروسية الأوكرانية، أسهمت في تفاقم الأزمة، حسبما نقلت مجلة “فوربس”.

ويتوقع البيان أن تصل الأزمة إلى ذروتها في موسم الجفاف خلال فصل الصيف، وتحديدًا بين يوليو وأغسطس، إذ يتوقع أن يواجه 45 ألف شخص في منطقة ساحل جنوب الصحراء جوعًا “كارثيًا”، وهو مستوى أقل بقليل من المجاعة.

وتشهد المنطقة بين دولتي مالي وبوركينا فاسو على وجه التحديد تمردًا لميليشات متطرفة، أدى إلى مقتل الآلاف، وشرد نحو 2.5 مليون آخرين، ويمنع وصول المساعدات للمنطقة.

وأشار التقرير إلى أن اعتماد المنطقة على واردات الغذاء جعلها أكثر عرضة لمعدلات التضخم العالمية المرتفعة بسبب الحرب في أوكرانيا، على الرغم من أن أجزاء كثيرة من غرب أفريقيا شهدت تحسنًا في هطول الأمطار في عام 2022 وزيادة في إنتاج الحبوب.

16 بلدًا في أفريقيا يعاني الجوع

ويعاني 349 مليون شخص في 79 بلدًا من انعدام الأمن الغذائي الحاد، وفقًا لبرنامج الأغذية العالمي.

وقالت منظمة الفاو وبرنامج الأغذية العالمي إن 24 بلدًا في العالم تعاني من بؤر الجوع، منها 16 بلدًا في أفريقيا.

ويتوقع البنك الدولي أن يتفاقم هذا الوضع، مع انخفاض الإمدادات الغذائية العالمية إلى أدنى مستوى لها في 3 سنوات في 2022-2023.

وسبق أن قالت الفاو إن أسعار الغذاء ارتفعت عالميًا، على وقع الحرب الروسية على أوكرانيا، بنسبة 14.3% خلال عام 2022، ليبلغ في المتوسط 143.7 نقطة، مقارنة بالعام السابق، مسجلًا أعلى مستوياته منذ عام 1990.

حاجة ملحة لاستثمارات ضخمة

من جانبه، حذر كريس نيكوي، المدير الإقليمي لبرنامج الأغذية العالمي في غرب أفريقيا من تصاعد حالة انعدام الأمن الغذائي في المنطقة.

وأضاف: “هناك حاجة ماسة لاستثمارات ضخمة في تعزيز قدرات المجتمعات والأفراد على تحمل الصدمات مع إعطاء الأولوية للحلول المحلية وطويلة الأجل لإنتاج الغذاء وتحويله والوصول إليه بالنسبة للفئات الضعيفة”.

كما حذر البرنامج من الوضع الغذائي الصعب الذي تمر به المجتمعات في جميع أنحاء المنطقة؛ حيث من المقرر أن يواجه 16.5 مليون طفل دون سن الخامسة سوء التغذية الحاد في عام 2023.

وقالت ماري بيير بويرير، المديرة الإقليمية لليونيسف لغرب ووسط أفريقيا “إن تزايد انعدام الأمن والصراع يعني تزايد حالة الهشاشة في المنطقة، ويصبح من الصعب مساعدة المجتمعات في المناطق المعزولة. نحن ندعم الحكومات لتعزيز النظم الصحية لاكتشاف سوء التغذية وعلاجه بنجاح، مع التركيز على الوقاية”.

وعلى الرغم من تحسن هطول الأمطار عام 2022، لا يزال الحصول على الغذاء وتوافره مصدر قلق كبير.

ولا تزال المنطقة تعتمد على صافي الواردات، ويؤدي انخفاض قيمة العملة والتضخم المرتفع إلى ارتفاع فواتير استيراد المواد الغذائية في المنطقة.

علاوة على ذلك، هناك مخاوف من أن القيود المفروضة على حركة الترحال والتركيز الكبير للماشية في بعض المناطق يمكن أن يؤدي إلى مزيد من التدهور في الظروف الرعوية والأمنية.

معضلة الاكتفاء الذاتي

ولتحقيق الاكتفاء الذاتي بالقارة السمراء كان رئيس الاتحاد الأفريقي، رئيس السنغال، ماكي سال، قد أكد أنه يتطلب تخصيص 10% من الميزانيات الوطنية للدول لدعم الإنتاج الزراعي.

بينما تعهد “البنك الأفريقي للتنمية”، وشركاء التنمية بمبلغ 30 مليار دولار لتمويل الأغذية والأعمال التجارية الزراعية في القارة في السنوات الخمس المقبلة، وذلك خلال قمة “داكار 2 لإطعام أفريقيا” والتي استضافتها السنغال في يناير الماضي. ومن المبلغ المعلن، تعهد “البنك الأفريقي للتنمية” بتوفير 10 مليارات دولار.

وبحسب البنك، تسببت الحرب الروسية-الأوكرانية في نقص حاد يقدر بحوالي 30 مليون طن من المواد الغذائية خاصة القمح والذرة وفول الصويا في أنحاء أفريقيا، كما ارتفعت أسعار القمح بحوالي 40% في بعض الدول الأفريقية. وارتفعت أيضا أسعار الأسمدة من ثلاث إلى أربع مرات عن مستويات عام 2020، ما أدى إلى فجوة في الإمداد تبلغ مليوني طن.

وقال إن “828 مليون شخص يعانون الجوع على الصعيد العالمي، ثلثهم من الأفارقة تقريباً، في الوقت الذي تمتلك القارة الأفريقية 65% من الأراضي الصالحة للزراعة في العالم”.

وتستطيع القارة السمراء “إطعام 9 مليارات شخص بحلول 2050، إذا زادت من رقعة أراضيها الزراعية البالغة 400 مليون هكتار، تزرع منها حالياً 40 مليون هكتار فقط”، وفقاً لبيانات البنك الأفريقي للتنمية.

ويتوقع البنك “ارتفاع حجم الإنتاج الزراعي الأفريقي من 280 مليار دولار سنوياً إلى تريليون دولار عام 2050، إذا تم التغلب على العقبات التي تعترض التنمية الزراعية”، وقال إن «العقبة الأساسية أمام تنمية المشاريع الزراعية هي شح التمويل في القطاع الخاص، إذ يحتاج المزارعون إلى قروض تصل إلى 65 مليار دولار سنوياً، لإنتاج ما يكفي من الغذاء محليًا”.

في الوقت الحالي يبني القائمون على الشأن الأفريقي سياساتهم الاقتصادية على إبراز المقدرات الخاصة بكل بلدٍ وميزاته التنافسية والتكامل الاقتصادي بين البلدان والتعاون فيما بينها وإدخال التكنولوجيا الحديثة في مجال الزراعة، من أجل الرفع من مستوى الإنتاجية”.

لكن كل هذه الجهود تبقى حبرًا على ورق ما لم يتم الالتزام باتخاذ إجراءات عاجلة لمكافحة الفساد الاقتصادي والإداري وخلق مناخ استثماري ملائم لتطوير المجال وإشراك القطاع الخاص بصفة أكثر فاعلية وتهيئة الإطار القانوني والتشريعي لمواكبة التطور؛ وفق ما أوردت صحيفة “الشرق الأوسط”.

للمرة الأولى تواجه كل دول القارة دون استثناء وبمستويات متفاوتة أزمة في هذا السياق. لذلك فإن تحدي تحقيق الأمن الغذائي للقارة أصبح الأكبر لكل دول أفريقيا.