أماني ربيع
استجابت العديد من البلدان في منطقة الساحل الأفريقي لبناء جدار من الغابات والأراضي الخضراء المستعادة والذي يمتد على مدى أكثر من 15 ألف كيلو متر عبر القارة، من السنغال إلى جيبوتي وذلك لمعالجة آثار تغير المناخ وفقدان التنوع البيولوجي.
يعد السور الأخضر العظيم (GGW)، مبادرة رائعة تهدف إلى مساعدة الناس والطبيعة على التعامل مع التأثير المتزايد للمشكلات المناخية وتدهور النظم البيئية الحيوية، ولمنع الصحراء الكبرى من الانتشار بشكل أعمق في واحدة من أفقر مناطق العالم.


جذور السور الأخضر
تعود جذور السور الأخضر العظيم إلى سبعينيات القرن الماضي، بعد معاناة منطقة الساحل من موجات الجفاف المتتالية، ما دفع القادة السياسيين في جميع أنحاء القارة إلى مناقشة سبل حماية سكانهم من تغير المناخ، وكان الزعيم الماركسي لبوركينا فاسو، توماس سانكارا، أحد أوائل المدافعين عن السور.
وأطلق الاتحاد الأفريقي مبادرة السور الأخضر العظيم، رسميًا في عام 2007، وبدأ كحملة طموحة لغرس الأشجار، ثم تحول إلى مبادرة شاملة للتنمية الريفية، ببناء جدار فعلي من الأشجار والمناظر الطبيعية الخضراء يساعد ملايين الأشخاص في 11 دولة.


مبادرة تُحدث فرقا
لا يزال السور مبادرة تقودها أفريقيا، حيث تشارك كل دولة في تنسيق مشاريع الزراعة الخاصة بها، زرعت البذور الأولى في عام 2008، وهي بذور الأكاسيا المقاومة للجفاف، التي زرعت في قرية ويدو ثينجولي السنغالية، تحت إشراف المدير الفني للجدار الأخضر العظيم في السنغال، الكولونيل باب سار، بحسب صحيفة “تليجراف” البريطانية.
وأوضح الكولونيل أنه على مدى العقد التالي، زرعت السنغال 20 مليون شجرة، تغطي 110 آلاف فدان وتمتد ما يقرب من 340 ميلاً، مشيرًا إلى التأثير المهم للسور في استعادة الأراضي المتدهورة، وخلق صناعة لم تكن موجودة فيها، وإبقاء الأطفال في المدارس حيث كان يتم إرسالهم سابقًا لنقل الماشية بعيدًا عن المنزل سعيًا وراء تناقص الأعلاف.
كما هو الحال مع مشاريع الجدار الأخضر العظيم الأخرى، تم دفع الأموال للقرويين لزراعة الأشجار، وتزويدهم بمصدر للمياه للحفاظ على الأرض.
ويقول المزارعون إن المشروع كان له تأثير كبير على حياتهم، فهم يزرعون الخضراوات لإطعام عائلاتهم ويبيعونها مقابل المال، وحتى النساء يشعرن بالسعادة لأنها بفضل مشروعات المبادرة تخرج من المنزل وتكسب المال وأصبحت حرة.

وبحسب موقع الأمم المتحدة، قالت ميري عطالله، من برنامج الأمم المتحدة للبيئة، إن هذه المبادرة تُحدث بالفعل فرقًا في حياة العديد من الأشخاص في جميع أنحاء أفريقيا، بما في ذلك البلدان المعرضة للصراعات، مشيرة أيضًا إلى الفوائد الهائلة لاستعادة المناظر الطبيعية المعرضة بشدة لخطر تغير المناخ.
اختيرت مبادرة السور الأخضر العظيم من بين أولى 10 مبادرات عالمية لاستعادة النظام البيئي في عقد الأمم المتحدة لاستعادة النظام الإيكولوجي؛ حيث قدمت مثالًا ملهمًا لتأثير استعادة نطاق المناظر الطبيعية على معالجة أزمات الأرض البيئية، وتغير المناخ، وفقدان التنوع البيولوجي، والتلوث والنفايات.


استدامة وأعمال خضراء
في عام 2013، أعيد توجيه رؤية المشروع نحو برنامج واسع للإدارة المستدامة للنظام الإيكولوجي وتحسين الظروف المعيشية لسكان الريف المتأثرين بتدهور الأراضي.
وتشمل أهداف المشروع استعادة 100 مليون هكتار من الأراضي، وعزل 250 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون من خلال الغطاء النباتي بحلول عام 2030، وخلق 10 ملايين فرصة عمل في المناطق الريفية مع المساهمة في الأمن الغذائي في واحدة من أكثر مناطق العالم سوء التغذية، وحتى الآن، تمت استعادة ما يقرب من 18 مليون هكتار من الأراضي المتدهورة.
ستستفيد المجتمعات الأكثر ضعفًا على طول الطريق من السنغال في الغرب إلى إثيوبيا في الشرق من هذه المبادرة، وبحسب موقع برنامج الأمم المتحدة، قال كريستوف بيساسير، منسق آلية استعادة الغابات والمناظر الطبيعية في منظمة الأغذية والزراعة (الفاو)، إن المبادرة تدعم رواد العمل الأخضر لضمان تنفيذ استثمارات الاستعادة المستدامة وتوفير فوائد متعددة للسكان الأكثر ضعفاً.
وأوضح بيساسير أن هذا النهج يمكن توسيع نطاقه عبر بوركينا فاسو والنيجر والبلدان المجاورة، بما يوفر الأمل بمستقبل أفضل في وقت يزيد فيه الصراع وانعدام الأمن من الضغوط على هذه المجتمعات.


“كولو” رمز الأمل
تعتبر بلدة “كولو” في النيجر، واحدة من عدة بلديات تساعد فيها منظمة الفاو وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة والسلطات الحكومية والشركاء الآخرون، المجتمعات المحلية على استعادة الغابات والتربة.
استخدم المزارعون في كولو تقنية تقليدية لاستعادة الأراضي المتدهورة ومنع التصحر عن طريق حفر الحفر أو خنادق على شكل هلال، والتي تُعرف أيضًا باسم “حفر zai” و “نصف القمر”، ووظيفتها التقاط مياه الأمطار النادرة وتوجهها نحو النباتات النامية.
هناك طريقة أخرى، تتضمن تطويق مناطق من الأرض لحماية الأشجار والنباتات الأخرى من حيوانات الرعي وحطام الأخشاب، والسماح لهذه الأراضي بالتجدد، وبمجرد إنشائها، يمكن أن توفر الأراضي المظللة أيضًا ظروفًا جيدة لزراعة المحاصيل أو تربية النحل.
ويوضح المزارع دجيبو دانداكوي، أن العلف الموجود في أرضه المسيجة يباع بنحو 0.35 دولار أمريكي لكل حزمة، وهو مصدر قيم للدخل المستدام الذي يتم تقاسمه بين العائلات التي تعتني بالأراضي وسلطات القرية والبلدية.
وأشار دانداكوي إلى أن الأرض التي يزرعها كانت جافة وعارية تماما في الماضي، وأن الأشجار والأعشاب الموجودة بها الآن، هي نتيجة العمل الشاق، من البذور التي زرعها والأشجار التي غرسها ورفاقه من المزارعين، وبهذا تلقوا جميعا رواتبهم ويحصدون الآن الفوائد.


تمكين المرأة
لا يتم تدريب الرجال وحدهم على هذه الممارسات الزراعية، فالمرأة أيضًا لها نصيب من التدريب لزيادة دخلها، ومكّن المشروع النساء في كولو من تأمين الأرض التي يزرعون فيها أشجار المورينجا، التي يمكن أن تؤكل أوراقها المغذية وبذورها كخضروات، وتجفف وتطحن إلى مسحوق، كما تُحول إلى زيت وتستخدم أيضا لتصفية المياه.
وأوضح رئيس بلدية كولو، سالاماتو سولي أن المورينجا لها قيمة تجارية وتدعم العديد من العائلات في البلدة، وأسهمت في تغيير حياة المزارعين، كما تم بناء متجر صغير حيث تقوم النساء بإعداد وبيع المنتجات، بما في ذلك الصابون والبسكويت والكعك.
وأعربت سولي عن فخرها باستعادة الأراضي الزراعية من التدهور والتصحر والتي كانت المفتاح لتطوير بلدتها الريفية وتعزيز رفاهية سكانها، ومنحهم الاستقرار والدخل، مشيرة إلى أن حافزها هو النهوض بوضع المرأة، ودعم ريادة الأعمال للنساء والشباب، والمزيد من لبلدتها.
في تشاد، يساعد برنامج الأغذية العالمي القرى في عدد من المبادرات المستوحاة جزئيًا من السور الأخضر العظيم، وبالتمويل يتم حفر الآبار وزراعة المحاصيل والاضطلاع بمشاريع غرس الأشجار على نطاق واسع حول بحيرة تشاد، بحسب نانسي والترز، المديرة القطرية لبرنامج الأغذية العالمي في تشاد.


السور الأخضر العظيم يصل جنوب أفريقيا
ورغم هذه الإنجازات الواعدة، إلا أنه وفقًا لدراسة للأمم المتحدة نُشرت في عام 2020، لم يحقق “السور الأخضر العظيم” سوى نحو 20٪ من أهدافه، وبخاصة في السنغال وإثيوبيا.
وفي فبراير 2023، قرر الاتحاد الأفريقي تمديد مشروع السور الأخضر العظيم ليشمل جنوب أفريقيا، بسبب التحديات الأمنية التي تواجه دول الساحل، منطقة المشروع الأصلية، ووفقًا لإلفيس بول تانجيم، منسق مشروع السور الأخضر العظيم، يكاد يكون من المستحيل الاستمرار في زراعة الأشجار واستعادة الأراضي المتدهورة في مالي وبوركينا فاسو والنيجر وتشاد ونيجيريا وإريتريا وشمال الكاميرون بسبب انعدام الأمن وإعادة تخصيص الأموال للمساعدات الإنسانية.


تغير المناخ وتحدي انعدام الأمن
وأوضح تانجيم، أن المشروع الآن ينتقل إلى مناطق أقل تهديدًا أمنيًا وأقل عرضة للصراع، وبدأوا في النظر أيضًا إلى الجزء الجنوبي من أفريقيا، والأخذ في الاعتبار أن دولًا مثل: مدغشقر وأنجولا وناميبيا وجنوب أفريقيا قد عانت من الجفاف الشديد والتصحر في السنوات الأخيرة، لذا حان الوقت ليمتد السور الأخضر العظيم إلى هذه الدول.
بناءً على تقييم الاتحاد الأفريقي لأسباب تباطؤ مشروع السور الأخضر العظيم في منطقته الأصلية، يمكن اعتبار انعدام الأمن عاملاً من عوامل التصحر في أفريقيا، والعكس صحيح.
ومن خلال المشاركة في النقاش رفيع المستوى لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة حول المناخ والأمن في 23 فبراير 2021، حدد العديد من القادة الأفارقة تغير المناخ باعتباره أحد المحركات الرئيسية لانعدام الأمن في أفريقيا، وتمت مناقشة المخاطر الأمنية الجسيمة المتعلقة بالمناخ في أفريقيا، بما في ذلك في غرب أفريقيا والصومال ودارفور والساحل ومالي وحوض بحيرة تشاد.
عقد الأمم المتحدة لاستعادة النظام البيئي
كانت الجمعية العامة للأمم المتحدة، أعلنت السنوات من 2021 إلى 2030 عقدًا للأمم المتحدة لاستعادة النظام البيئي، وذلك بقيادة برنامج الأمم المتحدة للبيئة ومنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة إلى جانب دعم الشركاء.
وتم تصميم أهداف واستراتيجية هذا البرنامج لمنع ووقف وعكس فقدان وتدهور النظم البيئية في جميع أنحاء العالم، وإحياء مليارات الهكتارات، وهو نداء عالمي لوقف آثار التغيرات المناخية على النظم البيئية في الأرض والبحر، ويجمع عقد الأمم المتحدة بين الدعم السياسي والبحث العلمي والتمويل المالي لتوسيع نطاق الاستعادة على نطاق واسع.
ووعدت العديد من الدول الفعل باستعادة مليار هكتار، وهي مساحة أكبر من الصين، كجزء من التزاماتها باتفاقية باريس للمناخ، والأهداف العالمية للتنوع البيولوجي، وسوف يكرم عقد الأمم المتحدة لاستعادة النظام الإيكولوجي أفضل الأمثلة على استعادة النظام البيئي على نطاق واسع وطويل الأجل في أي بلد أو منطقة، وستتم مراقبة التقدم المحرز من خلال إطار عمل مراقبة استعادة النظام الإيكولوجي، وهو منصة عقد الأمم المتحدة لتتبع جهود الاستعادة العالمية.