كتب – د. محمود زكريا محمود إبراهيم

مدرس العلوم السياسية بكلية الدراسات الأفريقية العليا- جامعة القاهرة

تبلورت مساعي جماعة شرق أفريقيا (EAC) للاضطلاع بدور سياسي وعسكري لتسوية الصراع الدائر في شرق جمهورية الكونغو الديموقراطية منذ أبريل 2022، وذلك نتيجة لتنامي التهديدات والمخاطر الأمنية المرتبطة بالجماعات المسلحة والمتمردة وعلى رأسها “حركة 23 مارس”، ولعل هذا ما شكل أحد الدوافع الرئيسية المحركة لانضمام الدولة إلى هذا التجمع في أواخر فبراير2022، وذلك على الرغم من عضويتها في كل من “السوق الأفريقية المشتركة للشرق والجنوب الأفريقي” (COMESA) و”جماعة التنمية للجنوب الأفريقي” (SADC)، وهو ما يطرح معه مركزية الاعتبارات الأمنية كعامل حاسم في هذا الانضمام، وذلك إلى جانب الاعتبارات الاقتصادية بطبيعة الحال، وفي ضوء ما سبق تستهدف هذه الدراسة تناول الأطر الحاكمة لدور جماعة شرق أفريقيا في تسوية الصراعات، وإلقاء الضوء على واقع هذا الدور في جمهورية الكونغو الديموقراطية والتحديات المحتملة المواجهة له، وذلك على النحو التالي:

أولًا- الأطر الحاكمة لدور جماعة شرق أفريقيا في تسوية الصراعات 

تنقسم الأطر الناظمة لدور الجماعة في تسوية الصراعات المتعلقة بالدول الأعضاء إلى شقين رئيسيين، أما الأول فيتعلق بالأطر القانونية، بينما يتعلق الثاني بالأطر المؤسسية، ويمكن تناول ذلك كما يلي:  

1- الأطر القانونية الناظمة لدور الجماعة في تسوية الصراعات

  • الاتفاقية المنشئة للجماعة عام 1999: نصت على تعزيز الأمن والسلم والاستقرار والعلاقات الجيدة بين الدول الأعضاء، وتعميق التعاون البيني في مجال الشؤون الدفاعية والأمنية وذلك ضمن الأهداف التي تسعى الجماعة لتحقيقها، كما نصت ضمن مبادئها على التعايش السلمي وعلاقات حسن الجوار، والتسوية السلمية للنزاعات[1]، وأشارت الاتفاقية أيضًا إلى أن تأسيس سياسات أمنية مشتركة وتنسيق السياسات الدفاعية، والتأكيد على مسألة أن تحقيق الأمن والسلم تعد بمثابة شروط مسبقة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية في إطار الجماعة[2].
  • مذكرة تفاهم بشأن التعاون في مجال الدفاع في نوفمبر 2001: تم التوقيع عليها من جانب ثلاث دول وهي: تنزانيا وكينيا وأوغندا، ونصت على التعاون في مجال التدريب العسكري والعمليات المشتركة والمساعدات الفنية والزيارات وتبادل المعلومات، كما وضعت ترتيبات مؤسسية من أجل تنفيذ ما بها من بنود ونصوص، والتي تشمل مجلس التعاون للشؤون الدفاعية، اللجنة الاستشارية للتعاون في الشؤون الدفاعية، اللجنة القطاعية للتعاون في الشؤون الدفاعية، فضلًا عن مجموعات عمل خبراء الدفاع[3].
  • استراتيجية السلم والأمن في نوفمبر 2006: هدفت إلى تحديد مستوى تدخل الجماعة في قطاع السلم والأمن، ومثلت إطارًا مرشدًا ومرجعيًا للتعامل مع كافة التحديات الأمنية الجديدة، كما شملت تعزيز التعاون البيني في مجالات الجريمة العابرة للحدود، مكافحة تهريب المخدرات، الإرهاب، فضلًا عن غسيل الأموال والجرائم الأخرى، ولدعم التعاون البيني في المجالات السابقة تم تأسيس ما عُرِف بــــ “المجلس القطاعي بشأن الأمن البيني” Sectoral Council on Interstate Security، وذلك من أجل مراقبة تنفيذ التعاون حيال القضايا الأمنية ذات الاهتمام المشترك[4].
  • الاتفاقية الموقعة مع الاتحاد الأفريقي في سبتمبر 2011: هدفت بالأساس إلى تنفيذ بناء السلم والأمن الأفريقي على المستوى الإقليمي.
  • مذكرة تفاهم في مجال الدفاع في أبريل 2012: تضمنت التنسيق والتدريب المشترك لقوات دفاع الدول الأعضاء من أجل مكافحة الإرهاب وعمليات دعم السلم وتخفيف آثار الكوارث[5]
  • بروتوكول السلم والأمن في 16 فبراير 2013: صدر بالفعل بعد نحو خمسة أعوام من المفاوضات بشأنه، وحدد جملة من الأهداف من أجل تعزيز السلم والأمن الإقليمي، من قبيل منع وإدارة وحل الصراعات، مكافحة الإرهاب والقرصنة، عمليات دعم السلم، منع الإبادة الجماعية، إدارة الكوارث والاستجابة للأزمات، إدارة شؤون اللاجئين، السيطرة على انتشار الأسلحة الصغيرة والمتوسطة، فضلًا عن محاربة الجريمة العابرة للحدود وغيرها[6]. وقد طرح هذا البروتوكول إقامة إدارة السلم والأمن من أجل المساهمة في تنفيذ البنود الواردة في البروتوكول وكافة المسائل المتعلقة بالسلم والأمن في الإقليم[7].

2- الأطر المؤسسية الناظمة لدور الجماعة في تسوية الصراعات

تجسد الإطار المؤسسي للسلم والأمن في إطار جماعة شرق أفريقيا بالأساس من خلال آلية منع وإدارة وحل الصراعات (CPMR)، والتي تم تبنيها في إطار الاجتماع المشترك للمجالس القطاعية بشأن التعاون في مجال الدفاع والأمن وتنسيق السياسة الخارجية في يناير 2012، وتم الموافقة عليها في أغسطس 2012، وتعد بمثابة إطار لمنع وإدارة وحل الصراعات في الدول الأعضاء بالجماعة، وتتكون مما يلي[8]:

  • آلية الإنذار المبكر Early Warning Mechanism (EACWARN)

تأسست وفقًا لنص المادة (124) من الاتفاقية المنشئة للجماعة، وتكمن وظيفتها في دعم تبادل المعلومات والتعاون بين الدول الأعضاء، وذلك وفقًا لمبادئ رئيسية متمثلة في الشفافية والتعاون وحرية تدفق المعلومات وتوقيتها، جمع ومعالجة وتحليل وتصنيف المعلومات المتعلقة بالصراعات في الإقليم وتقديم تقارير للوحدات الوطنية للإنذار المبكر، تبادل كافة هذه المعلومات وتقديمها لصانعي القرار في إطار أجهزة صنع السياسة الخاصة بالجماعة، فضلًا عن صنع السلم بما في ذلك المساعي الحميدة والوساطة والتحقيق والتوفيق[9]، ويشمل الإطار التنفيذي لهذه الآلية مركز “غرفة عمليات” الإنذار المبكر الإقليمي (REWC-Situation Room)، ومراكز الإنذار المبكر الوطنية (NEWC) في الدول الأعضاء بالجماعة، وتعتمد الآلية على المصادر المفتوحة (التقارير الإعلامية، التقارير الميدانية) وتصنيف وتحليل ونشر ومشاركة المعلومات، وتتمثل الوظيفة الرئيسية لها بالأساس في جمع البيانات وتحليل الصراعات وصياغة بدائل الاستجابة للصراعات.

  • لجنة الشخصيات البارزة Panel of Eminent Persons

تم تبنيها من خلال مسودة استراتيجية السلم والأمن (2011 – 2014) في “بوروندي” في مارس 2012، وقد تم تأسيسها بالفعل في إطار الاجتماع (27) للمجلس الوزاري في عام 2013، وتهدف إلى توفير القدرة للجماعة بشأن القيام بمهمة الدبلوماسية الوقائية وحل الصراعات الكامنة في الإقليم، وتتكون هذه اللجنة من ممثل واحد من الشخصيات البارزة من كل دولة عضو، والذين يتمتعون بالاستقلالية والنزاهة ولهم مساهمات بارزة في مجال السلم والأمن على المستويات الوطنية والإقليمية الفرعية والقارية[10]، ويعاون هذه اللجنة “وحدة للوساطة” تتبع الأمانة الخاصة بالجماعة، والتي تكمن مهمتها في تنفيذ الدبلوماسية الوقائية من أجل نزع فتيل التوترات القائمة، والتأكيد على توظيف الوسائل السلمية لحل النزاعات بين الدول الأعضاء، فضلًا عن تسهيل التدخلات المتعلقة بصنع وبناء السلم.

  • صندوق السلم Peace Facility

تم تبنيه في إطار الاجتماع المشترك للمجالس القطاعية بشأن التعاون في مجال الدفاع والأمن وتنسيق السياسة الخارجية وذلك في فبراير 2013، ويعد بمثابة صندوق للطوارئ في أوقات الأزمات وذلك في إطار إقليم شرق أفريقيا، وتكمن مهمته في توفير الدعم المالي للأمانة الخاصة بالجماعة بشأن تنسيق ودعم جهود الدول الأعضاء من أجل تنفيذ الأنشطة المشتركة في مجالات السلم والأمن.

ثانيًا: واقع دور جماعة شرق أفريقيا في تسوية الصراع في شرق الكونغو الديمقراطية

ابتداءً يجدر القول إن جمهورية الكونغو الديمقراطية قد انضمت إلى جماعة شرق أفريقيا بناءً على قرار صادر من قمة رؤساء دول جماعة شرق أفريقيا في دورتها العادية (19) المنعقدة في 29 مارس 2022 وذلك بعد صدور توصية من قِبل القمة الاستثنائية (46) لمجلس وزراء الجماعة المنعقدة بشكل افتراضي في 8 فبراير من ذات العام، وكانت هذه القمة تحت رئاسة كينيا بقيادة الرئيس (أوهورو كينياتا)[11]، والجدير بالذكر أن الكونغو الديمقراطية قد تقدمت بطلب للانضمام منذ عام 2019، وجاء انضمامها بعد سلسلة من المفاوضات بين فريق من خبراء الجماعة والكونغو الديمقراطية في “نيروبي” خلال الفترة (14 – 25 يناير) 2022[12].

وقد شكلت الاعتبارات الأمنية دافعًا بارزًا لانضمام الكونغو الديمقراطية إلى جماعة شرق أفريقيا، ولا سيما في ضوء تفشي أوضاع عدم الاستقرار الداخلي في شرق الدولة، الذي ينشط في إطاره نحو(120) جماعة مسلحة تعمل معظمها في مقاطعتي “شمال كيفو” و”جنوب كيفو” [13]، ولعل من أهمها “حركة 23 مارس” التي تشكلت في أبريل 2012، واتخذت اسمها من اتفاقية السلام الموقعة مع الحكومة الكونغولية في 23 مارس 2009، وتضم الجماعة في إطارها نحو(1500) جندي[14]، وعلى الرغم من حالة الهدوء الناتجة عن توقيع هذه الاتفاقية بين الطرفين والتي استمرت ما يزيد عن عشر سنوات، إلا أن هذه الأوضاع انتهت مع قيام عناصر الحركة بمهاجمة مواقع للجيش الكونغولي في مدينة “روتشورو” بالقرب من الحدود مع أوغندا ورواندا في 28 مارس 2022، كما تجددت الاشتباكات بين الطرفين في 6 أبريل 2022، الأمر الذي أدى إلى فرار عشرات الآلاف من الأشخاص إلى أوغندا[15].

وقد تجسدت أولى ثمار انضمام الكونغو للجماعة في اجتماعها المنعقد في “نيروبي” في منتصف أبريل 2022؛ حيث دعت الدول الأعضاء الجماعات المتمردة في الكونغو الديمقراطية لإلقاء أسلحتهم لإجراء مباحثات سياسية في كينيا، والتي أطلق عليها “عملية نيروبي” للسلام، والتي تم خلالها الاتفاق على قيام الجماعة بنشر قوة إقليمية للحفاظ على السلام والاستقرار في شرق الدولة في حال عدم استجابة هذه الجماعات لتلك الدعوة، وهو ما أيده ورحب به الاتحاد الأفريقي في إطار بيان له صدر في 26 أبريل 2022[16]، وعلى الرغم من ذلك تصاعدت التوترات السياسية والأمنية في شرق الدولة، نتيجة استيلاء الجماعات المسلحة وعلى رأسها “حركة 23 مارس” – التي تتلقى الدعم من رواندا وفقًا لاتهامات الحكومة الكونغولية – على أجزاء من أراضي الدولة[17].

وقد دفع هذا السياق جماعة شرق أفريقيا في ظل قيادة الرئيس الكيني “أوهورو كينياتا” إلى عقد مؤتمر سلام في 20 يونيو 2022 للدعوة إلى وقف إطلاق النار والمضي قدمًا نحو نشر قوة إقليمية في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية لمساعدة الحكومة المركزية في محاربة الجماعات المسلحة،  وقد قدم رئيس قوات الدفاع الكينية ورئيس هيئة الأركان العسكرية لجماعة شرق أفريقيا الجنرال “روبرت كيبوتشي” مسودة متعلقة بخطة العمليات التي توضح بالتفصيل أهداف وقواعد الاشتباك والموارد التي يتعين توفيرها لهذه القوة المشتركة، ووفقًا لها فإن عدد القوات المحدد نشره يبلغ نحو(6500 – 12000) جندي.

ويتمثل التفويض الممنوح للقوة في احتواء وهزيمة والقضاء على القوى المتمردة والمسلحة في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية، وقد تم إسناد قيادتها إلى دولة كينيا، وسيكون مقرها في منطقة “غوما” الواقعة شمال “كيفو”، وستعمل في أربع مقاطعات تتمثل في (أويلي العليا، إيتوري، كيفو الشمالية، وكيفو الجنوبية)، ويتمثل التفويض الزمني الممنوح لها في ستة أشهر قابلة للتجديد، وتخضع لـمراجعة استراتيجية تجريها الأطراف كل شهرين، ومن المفترض أن تُسهم في هذه القوة كل من (بوروندي، كينيا، جنوب السودان، تنزانيا، أوغندا) بتقديم القوات بالاشتراك مع القوات الكونغولية، على أن تتحمل كل دولة مشاركة تمويل القوات التابعة لها في إطار هذه القوة[18].  

وقد وافقت جماعة شرق أفريقيا على نشر هذه القوة التي ستضطلع بمسؤوليتها “القوة الإقليمية لجماعة شرق أفريقيا” (EACRF) بالفعل في شرق الكونغو الديمقراطية في 15 أغسطس 2022، وقد كانت الفرقة العسكرية التابعة لبوروندي بمثابة أولى القوات العسكرية التي تصل للدولة، وقامت كينيا بنشر قوات عسكرية يصل عددها إلى نحو (100) جندي في نوفمبر من ذات العام، كما قامت أوغندا وجنوب السودان بنشر قوات تابعة لها مقدره بنحو (1000) و(750) عنصر على الترتيب في ديسمبر من ذات العام، ليصل بذلك إجمالي عدد الدول المشاركة في هذه القوة إلى أربع دول، ومن المتوقع أن تقوم باقي الدول الأخرى بنشر القوات العسكرية التابعة لها خلال الفترة المقبلة، علمًا بأنه لا يوجد جدول زمني محدد للنشر الكامل للقوة[19].

وتلا ذلك استمرار جهود جماعة شرق أفريقيا لمحاربة الجماعات المسلحة والمتمردة عبر عقد قمة استثنائية في “بوروندي” في مطلع فبراير 2023، والتي طالبت بالوقف الفوري لإطلاق النار في شرق الكونغو الديموقراطية وانسحاب كافة الجماعات المسلحة بما في ذلك القوات الأجنبية، كما تم توجيه قادة الجيش للاجتماع في غضون أسبوع لتحديد جداول زمنية للانسحاب، مع التأكيد على الحاجة إلى تعزيز الحوار السياسي بين جميع الأطراف[20].

ويعد نشر هذه القوة الإقليمية بمثابة إحدى المحاولات على المستوى متعدد الأطراف لدعم الاستقرار في الدولة؛ حيث سبق وأن اقترح “المؤتمر الدولي لمنطقة البحيرات الكبرى” (ICGLR) إرسال “لواء قوة تدخل” (FIB) في الكونغو الديمقراطية لمحاولة قمع تمرد “حركة 23 مارس” في عام 2013، والذي تم وضعه في نهاية المطاف تحت رعاية الأمم المتحدة في إطار “بعثة الأمم المتحدة المتكاملة ومتعدد الأبعاد لتحقيق الاستقرار في جمهورية الكونغو الديمقراطية” (MONUSCO).

وعلى الرغم من أن قرار نشر هذه القوة يعد الأول من نوعه لجماعة شرق أفريقيا منذ تأسيسها في عام 1999، إلا أن الوحدات العسكرية المشاركة في هذه القوة المشتركة ستعزز في الغالب من القوات التي تم نشرها بالفعل من قبل في جمهورية الكونغو الديمقراطية؛ حيث إنه من المقرر أن يساعد الجنود الأوغنديون المشاركون في هذه القوة المشتركة القوات الأوغندية الموجودة بالفعل في إطار “عملية شجاع” (Operation Shujaa) والمقدر عددها بنحو (1700) عنصر منذ أواخر عام 2021 وذلك لمواجهة “قوات التحالف الديمقراطية” (ADF)، والتي تعتبرها الحكومة الأوغندية بمثابة منظمة إرهابية، وأعلنت ولاءها لتنظيم الدولة الإسلامية في “شمال كيفو” و”إيتوري”، كما ستلاحق القوات الكينية المشاركة في هذه القوة المتمردين في “شمال كيفو”، وتخطط القوات البوروندية للعمل في “جنوب كيفو” لإضفاء الطابع الرسمي بشكل فعال على وجود الجيش البوروندي الذي يقاتل ميليشيا “ريد- تابارا” (RED-Tabara) في المنطقة بموافقة ضمنية من الكونغو الديمقراطية منذ ديسمبر 2021، كما ستحارب وحدة صغيرة من جنوب السودان ما تبقى من حركة “جيش الرب للمقاومة” في منطقة “أوت أويلي”[21].

ثالثًا: التحديات المواجهة لجماعة شرق أفريقيا في تسوية الصراع في الكونغو الديمقراطية

على الرغم من أهمية الجهود العسكرية التي تضطلع بها جماعة شرق أفريقيا في تسوية الصراع الدائر في شرق الكونغو الديمقراطية، إلا أن ثمة جملة من التحديات الرئيسية التي قد تعترض مسار القوة الإقليمية التي تعمل تحت مظلتها، والمتمثلة فيما يلي:

1- الانتهاكات المحتملة لحقوق الإنسان

يمثل حماية المدنيين أحد أبرز التحديات المحتملة المواجهة لهذه القوة، والتي تؤثر بشكل مباشر على الشرعية المرتبطة بها، ويعزز من ذلك بعض الاعتبارات المتمثلة في كون أن جماعة شرق أفريقيا لم تضع ضمن تفويض هذه القوة ما يتصل بحماية المدنيين بشكل مباشر، كما أنه ليس واضحًا إلى أي مدى ستُعطي الأولوية في تخطيطها وعملياتها للتخفيف من الأضرار ضد المدنيين، وهو ما يختلف عن نطاق الاختصاص بالنسبة لبعثة الأمم المتحدة المتكاملة ومتعددة الأبعاد لتحقيق الاستقرار في جمهورية الكونغو الديمقراطية الذي شمل حماية المدنيين بشكل مباشر.

فضلًا عن وجود تاريخ سابق من الانتهاكات التي ارتكبتها القوات الأجنبية في السابق في الكونغو الديمقراطية، ولعل هذا ما جعل الأخيرة ترفض السماح لرواندا بنشر قوات عسكرية تابعة لها كجزء من هذه القوة الإقليمية، كما أن لدى الدول الأخرى المساهمة في القوة ماضي متصل بدعم الجماعات المسلحة في الدولة، بالإضافة إلى ما سبق فإن تنامي احتمالات الأضرار بشأن حماية المدنيين يعززه تنوع الأطر الإقليمية والدولية المعنية بتسوية الصراع الدائر في الدولة، والتي تصاحبها تعددية في التفسيرات المعنية بتحديد الالتزامات المتعلقة بحماية المدنيين وعدم الوضوح فيما يتعلق بالمساءلة والمحاسبة بشأن الانتهاكات[22].

 2- صعوبة الدمج بين المسارين السياسي والعسكري في تسوية الصراع

يمثل أحد التحديات المحتملة المواجهة للقوة الإقليمية لجماعة شرق أفريقيا؛ حيث إن الجهود السياسية والعسكرية التي تقودها جماعة شرق أفريقيا لتسوية الصراع الدائر في شرق الكونغو الديمقراطية تحتاج إلى قدر كبير من التنسيق الفعال، فعلى الرغم من قيادة الجماعة لمسار الحوار السياسي عبر ما يعرف بـ “عملية نيروبي” ومحاولتها لربطها بتدخلها العسكري، غير أنه ثمة صعوبات تعترض نجاح هذه الجهود، والمرتبطة بالأساس باستمرار حالة العنف المزمن في الدولة على مدار عقود زمنية، نتيجة حصول العديد من الجماعات الإرهابية على الدعم من جهات وأطراف فاعلة إقليمية، وعلى رأس هذه الجماعات “حركة 23 مارس”، والتي لا تمتلك أسلحة وتكتيكات أكثر تطورًا فحسب، ولكنها باتت تتمتع أيضًا بقيادة وسيطرة أكثر مركزية على الأرض وعملت بشكل استراتيجي بالمقارنة بما كانت عليه في عام 2013.

ويزيد من قوة هذه الجماعات عدم تبني المجتمع الدولي إجراءات فاعلة للحد من هذا الدعم الإقليمي، وكذلك رفض الكونغو الديمقراطية الدخول في حوار سياسي مع حركة 23 مارس باعتبارها منظمة إرهابية، وذلك خشية أن يشجع ذلك الجماعات المسلحة الأخرى. ويعزز من احتمالية هذا التحدي بوجه عام، كونه بمثابة إحدى نقاط الضعف الرئيسية للاستجابات العسكرية السابقة في الكونغو الديمقراطية؛ فعلى الرغم من أن “لواء قوة التدخل” (FIB) لمواجهة “حركة 23 مارس” المتمردة في عام 2013 كان من المفترض أن يكون نقطة انطلاق لإجراء اتفاق سياسي شامل في الكونغو الديمقراطية، غير أنه لم يكن له دور في قيادة العملية السياسية، وهو ما ترتب عليه صعوبات إجرائية في الحفاظ على الانسجام بين التدخلات العسكرية والسياسية[23]

 3- غياب الإرادة السياسية المشتركة الحقيقية لتسوية الصراع

تشكل أحد التحديات الممكنة المواجهة للقوة الإقليمية للجماعة، فعلى الرغم من أن القرب الجغرافي للدول الأعضاء من الصراع الدائر في الكونغو الديمقراطية من المفترض أن يسهم في بلورة إرادة سياسية أكثر استدامة بشأن مواجهة العنف وإيجاد حل سياسي، إلا أن المصالح الفردية “الذاتية” لهذه الدول قد تغلب على المصلحة الفوقية لمواجهة الحركات المسلحة والمتمردة في شرق الكونغو الديمقراطية، وهو ما قد يجعل استجابة هذه الدول للصراع الدائر مرتبطًا بالحد الذي سيؤثر على أمنها الوطني بشكل مباشر فحسب، ولا سيما في ضوء أن كل دولة مساهمة في هذه القوة الإقليمية يتعين أن تلتزم بدفع المساهمات المالية للقوات العسكرية التابعة لها، وبالتالي فقد تتأثر فعالية هذه القوة في دعم جهود القوات الكونغولية لمواجهة هذه المخاطر والتهديدات الأمنية في الكونغو الديمقراطية، ويلاحظ أن غياب الإرادة السياسية التوافقية قد أثر بشكل سلبي على فعالية لواء قوة التدخل (FIB) لمحاربة “حركة 23 مارس” المتمردة في عام 2013 وذلك على رغم من قوة التفويض الممنوح لها.

4- صعوبة بناء الثقة بين الأطراف الإقليمية الفاعلة

يستند ذلك بالأساس إلى تضارب المصالح بين الأطراف الإقليمية الفاعلة في القوة الإقليمية التابعة لجماعة شرق أفريقيا، وذلك بفعل وجود توتر في العلاقات بين بعض هذه الأطراف والكونغو الديمقراطية وعلى رأسها دولة رواندا؛ حيث إن هناك تبادل للاتهامات بين الجانبين، فالكونغو الديمقراطية ترى أن رواندا هي الداعم الرئيسي لــ “حركة 23 مارس” المتمردة، وأنها تقوم بتهريب الذهب والمعادن الأخرى إلى رواندا، وفي المقابل توجه رواندا اتهامات للكونغو الديمقراطية بشأن تقديمها الدعم إلى “القوات الديمقراطية لتحرير رواندا” (F.D.L.R.)، والتي تصفها “كيجالي” بأنها جماعة متمردة، حيث تضم أفرادًا من جماعة “الهوتو” الذين ارتكبوا الإبادة الجماعية في عام 1994[24].

وقد أدت هذه التوترات بين الجانبين إلى قيام الكونغو الديمقراطية بإصدار قرار بطرد سفير رواندا المعتمد لديها في أواخر أكتوبر 2022[25]، وتلا ذلك إصدارها أمرًا لقائد القوة الإقليمية لجماعة شرق أفريقيا بمطالبة الضباط الروانديين الموجودين في مقر القوة المتمركزة في عاصمة شمال كيفو “غوما” بالمغادرة إلى بلادهم وذلك في أواخر يناير 2023، وفي أعقاب هذا القرار استدعت رواندا ضباطها المنتمين إلى جميع الآليات الإقليمية المتمركزة في الكونغو الديمقراطية[26].

5- ظهور بعض الصعوبات التشغيلية والإجرائية المحتملة

تشير المؤشرات الأولية إلى وجود بعض الإشكاليات الممكنة المتعلقة بالاتصال والتنسيق المناسبين ليس على مستوى القوات العسكرية المشتركة في إطار القوة الإقليمية لجماعة شرق أفريقيا فحسب، بل أيضًا فيما يخص “بعثة الأمم المتحدة المتكاملة متعددة الأبعاد لتحقيق الاستقرار في الكونغو الديمقراطية”، ويعزز من احتمالية ذلك تحمل جماعة شرق أفريقيا مسؤولية نشر هذه القوة الإقليمية بشكل منفرد، والتي سيكون لها السلطة العليا على هذه القوة مع احتفاظ القوات الوطنية للكونغو الديمقراطية بالاضطلاع بمسؤولية عمليات هذه القوة على إقليمها، وذلك على الرغم من وجود محاولات جادة من جانب الأمم المتحدة من أجل الإشراف على هذه القوة.

وختامًا، يمكن القول إن نجاح جماعة شرق أفريقيا في جهودها لتسوية الصراع في الكونغو الديمقراطية مرتهن بجملة من العوامل الرئيسية، أما الأول فيتمثل في تحديد القوة الإقليمية التابعة للجماعة نطاق مشاركتها وأدوار الوحدات المختلفة التابعة لها ووضع هياكل القيادة والتحكم بشكل دقيق، بينما يكمن الثاني في ضرورة التنسيق مع المبادرات الإقليمية والدولية الأخرى التي تعد جمهورية الكونغو الديمقراطية جزءًا منها، في حين يتمثل الثالث في أهمية الاستفادة من تجارب عمليات الانتشار المماثلة من قبيل بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال “AMISOM” وقوة المهام المشتركة متعددة الجنسيات لمواجهة جماعة بوكو حرام MNJTF)) في حوض بحيرة تشاد، وتشمل هذه الدروس الحاجة إلى التنسيق الاستراتيجي والتفاهم مع الشركاء المحليين ودعم بناء السلم وتأمين الموارد اللازمة، وبالتالي فبدون مراعاة هذه العوامل سالفة الذكر قد يؤدي وجود قوة إقليمية تابعة لجماعة شرق أفريقيا إلى زيادة العسكرة في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية دون المساعدة الفعلية في استعادة السلام والاستقرار.


[1] – EAC, The Treaty for the Establishment of the East African Community, Arusha, 30th November 1999, Chapter.1, Articles. 5,6. 

[2] –  Ibid., Chapter. 23, Articles. 123,124

[3]–  African Union, Solemn Declaration on a Common African Defense and Security Policy, Sirte , 28 Feb 2004, p.28

[4]– EAC, “Peace and Security :Overview”, Available at : http://eac.int/sectors/peace-and-security

[5] – EAC, Towards Political Federation in the East African Community Achievements and Challenges, Arusha, Aug.2014, P.27

[6] – East African Community, Protocol on Peace and Security, Dar el Salaam, 15 Feb 2013.

[7]– EAC, Towards Political Federation in the East African Community Achievements and Challenges, Op.Cit., p.27,30

[8]Ibid., p.28, 30

[9] – African union, “Status of Implementation of Early Warning Systems in the Regional Economic Communities (RECs)”, Op.Cit., p.19

[10]–  Eric Kabeera, “EAC to set up Panel of Eminent Persons, The News Times”, 5 March 2012, Available at: https://bit.ly/3YVYmBf

[11] – EAC, “The Democratic Republic of the Congo joins EAC as its 7th Member”, Available at : https://bit.ly/3NoPy16

[12] – EAC, “Democratic Republic of Congo inches closer to joining EAC”, Access Date: 29 Jan 2023,Available at: https://bit.ly/38HmIKK

[13]– International Institute for Strategic Studies, “Security Challenges in the Democratic Republic of the Congo”, 10 April 2019, Available at: https://bit.ly/3yRXOmj

[14]– Reliefweb, “What is the M23 Movement in Eastern Congo?”, 29 Aug 2012, Available at: https://bit.ly/3G5O35w

[15]  Martina Schwikowski, “M23 rebels resurface in DR Congo”, 8 April 2022, Available at: https://bit.ly/3wLiytr

[16] – The East African News, “African Union endorses EAC force deployment to DR Congo”, 26 April 2022, Available at: https://bit.ly/3MAOBD3

[17]Koffi sawyer, “can the east African community stabilize eastern DRC?”, 1 Nov 2022, Available at: https://bit.ly/3lNHFtK

[18] – Sam Mednick& Claude Muhindo Sengenya, “East African military force met with scepticism in DR Congo”, 25 November 2022, Available at: https://bit.ly/3Ib0GxM

[19]Mary wambui, “EAC leaders express hope for lasting solution to DRC conflict”, 29 Nov 2022, Available at: https://bit.ly/3SbhdWP

[20] – France 24, “East African leaders urge ‘immediate ceasefire’ in east DR Congo”, 4 Feb 2023, Available at: https://bit.ly/3xzcnta

[21] – Sam Mednick& Claude Muhindo Sengenya, Op.Cit.

[22] – Jenna Russo, “East African troops hope to bring peace in the DRC but there may be stumbling blocks”, 9 Dec 2023, Available at: https://bit.ly/3Ei4QCA

[23] Idem

[24] – Andrew Dickson, “D.R.C. And East African Community Work To End Conflict With M23”, 30 December, 2022, Available at: https://bit.ly/3YFW9KA

[25] – DAVID SADLER, “Rwanda “Regrets” The Expulsion Of Its Ambassador By The Democratic Republic Of Congo”, 30 Oct 2022, Available at: https://bit.ly/3XK6xjl

[26] – Rwanda News Agency, “DRC expels Rwandan officers who are members of the EAC regional force”, 31 Jan 2023, Available at: https://bit.ly/3KmiKYm