بقلم – د.أماني الطويل

مدير البرنامج الأفريقي بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

يُشكل ترؤس مصر للوكالة الإنمائية للاتحاد الأفريقي “نيباد” متغيرًا مهمًّا خلال العامين المقبلين فيما يتعلق بالأجندة التنموية الأفريقية ومدى القدرة على التطوير، خصوصًا أن الوكالة ينخرط في عضويتها 33 دولة أفريقية، وهي معنية بمتابعة تنفيذ أهداف النيباد، خاصةً في مجالات الزراعة والأمن الغذائي وإدارة الموارد الطبيعية وتغير المناخ، والتكامل الإقليمي والبنية التحتية، وتنمية الموارد البشرية، وتكنولوجيا الاتصالات والمعلومات، والحوكمة الاقتصادية؛ حيث تُعد هذه الملفات الأعمدة الرئيسة للأجندة التنموية للاتحاد الأفريقي المعلنة عام ٢٠١٣ والممتد عملها لخمسين عامًا.

ولعل أهمية أجندة التنمية الأفريقية أنها تستجيب للتحديات التي تواجهها أفريقيا استجابات مناسبة في كافة المجالات، كما أنها تتماهى مع مخطط الأمم المتحدة للتنمية المستدامة المعلن في منتصف العقد الثاني من الألفية الثالثة، وقد تكون إحدى الآليات الأممية التي يتم اللجوء إليها حاليًّا لتشكل روافع إقليمية للأجندة الأممية.

ويفرض متغير قيادة مصر لوكالة الاتحاد الأفريقي للتنمية “نيباد” التعرض لثلاثة محاور في هذه الدراسة:

 المحور الأول: ماهية وطبيعة الأجندة التنموية الأفريقية

المحور الثاني: المسار الذي انتهجته القارة الأفريقية للإنجاز على طريق التنمية والعلاقات الاقتصادية البينية

المحور الثالث: فرص القاهرة في دعم الخطط التنموية للقارة الأفريقية.

أولًا: الأجندة التنموية الأفريقية بين المفردات والآليات

ربما يجدر بنا قبل التعرض للخطوات التي أنجزتها القارة في سبيل التقدم في تنفيذ مخطط التنمية فيها إلى التعرف على مفردات أجندة التنمية الأفريقية من حيث المسار، وكذلك المشروعات الكبرى التي تستند عليها، وذلك في أجندة القارة للتنمية المعروفة بـ(٢٠١٣ – ٢٠١٦٣)؛ حيث  تمثل هذه الوثيقة رؤية أفريقية خالصة، تستهدف تحقيق الانطلاقة المرجوة لأفريقيا. وهي تُعتبر تتويجًا للجهود الأفريقية التاريخية صوب تعزيز التعاون والتكامل بين الدول الأفريقية، وتحقيق التنمية الشاملة في القارة، وذلك منذ تأسيس منظمة الوحدة الأفريقية عام 1963؛ حيث مرت هذه الجهود بمحطات محورية، شملت: إعلان منورفيا 1979، وخطة عمل لاجوس 1980، ومعاهدة أبوجا 1991، وأجندة القاهرة للعمل 1995، ومبادرة المشاركة الجديدة لتنمية أفريقيا “نيباد”، وتأسيس الاتحاد الأفريقي 2001، وصولًا لأجندة (٢٠١٣ – ٢٠٦٣).

ويمكن القول إن الأجندة قد تواضعت على حتمية تحقيق سبعة طموحات هي:

قارة أفريقية، تنعم بالازدهار، القائم على النمو الشامل والتنمية المستدامة.

قارة متكاملة سياسيًّا، انطلاقًا من المُثل العليا للوحدة الأفريقية الشاملة، ورؤية النهضة الأفريقية.

قارة يسودها الحكم الرشيد والديموقراطية واحترام حقوق الإنسان والعدل وسيادة القانون.

قارة مسالمة وآمنة تفارق الانقسامات والصراعات المسلحة.

قارة ذات هُوية ثقافية قائمة على تراثها الإنساني المتنوع  وقيم أخلاقية مشتركة صهرت الأفارقة مجتمعين.

قارة تقود فيها الشعوب عملية التنمية، اعتمادًا على كافة الطاقات الكامنة دون استبعاد للمرأة والشباب.

قارة قوية متوازنة تقوم بدور فاعل ومؤثر في الشؤون العالمية.

وطبقًا لهذه الطموحات فإن الأجندة القارية الأفريقية قد تطلب تفعيلها تضمين جدول زمني يهتم بالمفردات الاقتصادية في الخطة كمحرك رئيس؛ حيث تم تقسيم أجندة 2063 الخمسينية إلى خمس مراحل زمنية، يستغرق كل منها عشر سنوات، وذلك تحت إشراف إدارة التخطيط الاستراتيجي بالاتحاد الأفريقي، ومن هذه المفردات التحول إلى البث التليفزيوني الرقمي في كل أنحاء أفريقيا بحلول 2016 .

وإقامة بنك للاستثمار الأفريقي، وكذلك سوق للأسهم الأفريقية بحلول 2016، وصندوق للنقد الأفريقي بحلول 2018، وبنك مركزي أفريقي 2028 – 2034.

وذلك كله فضلًا عن تسريع إنشاء منطقة قارية للتجارة الحرة بحلول 2017، ورفع نسبة التجارة الأفريقية البينية من 12 % عام 2013 إلى 50 % عام 2045.

وكذلك تحسين حصة أفريقيا في التجارة الدولية من 2 % إلى 12 %.

ثانيًا: الآليات التنموية الأفريقية:

اعتمدت الوكالة الإنمائية للاتحاد الأفريقي على تراث منظمة الوحدة الأفريقية الاقتصادي، والتي انبثق منها الاتحاد، خصوصًا تراث التجمعات الاقتصادية الأفريقية؛ حيث سمحت هذه التجمعات الجهوية ببلورة الآليات القارية الشاملة كمنطقة التجارة الحرة الأفريقية.

في هذا السياق نتعرض للتجمعات الجهوية الاقتصادية الأفريقية، كما نرصد مستويات النجاح التي حققتها وكذلك طبيعة التحديات التي تواجهها.

أ – تجمع شرق وجنوب أفريقيا الكوميسا:

نجحت السوق المشتركة لشرق وجنوب أفريقيا في رفع حجم التجارة البينية للسوق من 3.1 مليار دولار عام 2000 الى 12.7 مليار دولار عام 2009 ثم إلى 17.4 مليار دولار عام  2010، وأخيرًا سجلت 23.93 مليار دولار عام 2021 [1]، كما ارتفعت التجارة البينية في تجمع شرق أفريقيا بنسبة 49% بعد إطلاق مشروع الاتحاد الجمركي داخل التجمع.

وقد اعتمدت الكوميسا لتحقيق هذا التقدم على عدد من الآيات منها، وقد قامت الكوميسا بإنشاء المؤسسات التمويلية، ليس فقط لتوفير الائتمان الذي تشتد إليه الحاجة مثل (بنك التجارة والتنمية).

ولكن اهتمت أيضًا بتوفير التأمين بالنسبة للمخاطر غير التجارية (الوكالة الأفريقية للتأمين التجاري)، وفيما يخص تيسير المدفوعات الدولية تم إنشاء (النظام الإقليمي للسداد والتسوية)، ولتعزيز المنافسة شُكلت لجنة المنافسة المعنية بتنظيم المنافسة ومنع الاحتكار[2].

ويبدو أن الآليات المستقَر عليها لتحقيق أهداف الكوميسا ترتبط بمنطقة التجارة التفضيلية وصولًا  للسوق المشتركة مرورًا بكل من منطقة التجارة الحرة والاتحاد الجمركي[3] ، ولتحقيق هذه الأهداف فقد أقدمت الكوميسا على عدد من الخطوات الإيجابية منها الاهتمام بالتقارب الاقتصادي الكلي، كما اعتمدت خطة لتطوير النظام المالي للدول الأعضاء، حيث تم تأسيس المعهد النقدي للكوميسا في نيروبي عام ٢٠١١، كما قامت بتفعيل النظام الإقليمي للدفع والتسوية.

القطاع الثاني الذي اهتمت به الكوميسا هو النقل البري، وذلك عبر صيانة أصول البنية التحتية؛ حيث أنشأت معظم دول الكوميسا صناديق ووكالات لتطوير الطرق من أجل صيانة شبكات الطرق الوطنية والإقليمية، ومن بين الدول التي أنشأت هذه الصناديق كل من جيبوتي وإثيوبيا وكينيا ومالاوي. وتم تمويل هذه العمليات من خلال ضرائب الوقود، القروض الخارجية ، ومخصصات الموازنة العامة ولو بجزء يسير.

وقد أقدمت دول الكوميسا أيضًا علي بلورة برنامج للتعاون الطاقيِّ في مجال الطاقة الجديدة اعتبارًا من نوفمبر ٢٠٠٧ تأسيسًا على إنشاء مجمع الطاقة في عام ٢٠٠٥ الذي وضع استراتيجية لدول الكوميسا حتى ٢٠٢٥ .

ب – مجموعة أفريقيا الجنوبية (السادك)

 نشأ تجمع سادك عام ١٩٩٢، وقد ضم ١٤ دولة فإلى جانب جنوب أفريقيا يضم أنجولا وبتسوانا ليسوتو، موريشيوس، موزمبيق، ناميبيا، سوزيلاند، سيشل، الكونغو الديمقراطية، مالاوي، تنزانيا، وزامبيا، فضلًا عن زيميابوي.
وتُشكل هذه المنطقة ١٢٪ من إجمالي مساحة القارة الأفريقية 9.3 مليون كيلو متر مربع، ويفوق عدد سكان هذه المنطقة ٣٧١،٨ مليون نسمة [4]، يعيش أغلبهم تحت خط الفقر، ولا يتجاوز الناتج المحلي الإجمالي لهذه الدول ٨٠٥ مليارات دولار[5].

وقد تحملت أنجولا مسئولية مشروعات الطاقة، وتختص زيمبابوي بمسؤولية قطاع الأمن الغذائي، وتقوم بتسوانا بمهمة الأبحاث في أمراض الحيوان، في حين ترتكز مهمة سوازيلاند في تدريب القوى العاملة، فيما تهتم ليسوتو بأبحاث التربة وأخذت تنزانيا على عاتقها عبء التنمية الصناعية، فيما تقوم مالاوي بالتركيز على الثروتين الحيوانية والسمكية وتنمية الغابات، ويقتصر دور ناميبيا على التعدين، أما موزمبيق فإن القطاعات المنوطة بها ترتبط بموقعها الجغرافي المُطل على المحيط الهندي، وذلك من حيث الاهتمام بالنقل والمواصلات[6].

ج – مجموعة شرق أفريقيا EAC

بدأ عمل هذه المجموعة عام ٢٠٠٠ بعضوية كل من كينيا وتنزانيا وأوغندا ولكن انضمت إليهم كل من رواندا وبروندي عام ٢٠٠٧، وانضمت جنوب السودان عام ٢٠١٧، بينما كانت جمهورية الكونغو آخر الدول المنظمة عام ٢٠٢٢، ويبلغ الناتج المحلي لهذه المجموعة من الدول ٣٠٥،٣ مليار دولار أمريكي.

بطبيعة الحال تتشابه إلى حد كبير أهداف كل من تجمعي الكوميسا والسادك، وذلك تحت عنوان عريض هو تقليص الضعف الهيكلي والمؤسسي في الدول الأعضاء، وذلك عن طريق التكامل الاقتصادي لتحقيق دعم النمو الاقتصادي المتراكم، وخلق بيئة مشجعة على الاستثمار المحلي والأجنبي، والتكامل في مجهودات البحث العلمي، وصولًا لتحقيق الأمن والاستقرار الداخلي والإقليمي.

وربما تكون نقطة التمايز بين التكتلين الأفريقيين وضع تجمع دول أفريقيا الجنوبية (سادك)

النمو الاقتصادي بشكل عام هو الأولوية فمن هنا كان التصنيع والتحول لمصادر الطاقة الجديدة على قمة أجندة هذه الدول، وهو ما عبَّر عنه الرئيس الجنوب أفريقي عام ٢٠١٧ في القمة الأفريقية الألمانية.[7]

أما مجموعة شرق أفريقيا فإنها تضع الوحدة السياسية من بين أهدافها؛ حيث تبنَّى رؤساءُ أفريقيا في مايو 2017 بناء كتلة اقتصادية وسياسية قوية ومستدامة في شرق أفريقيا. كما تم تبنِّي أفكار مرتبطة بالاتحاد السياسي بين هذه المجموعة [8]

وفي هذا السياق بلور تجمع السادك خطته حتى ٢٠٥٠ في رؤية تستهدف إقامة منطقة صناعية وشاملة وتنافسية ذات دخل متوسط ​​إلى مرتفع، على أساس السلام والأمن والحكم الرشيد، وترتكز على ثلاث ركائز؛ الركيزة الأولى: التنمية الصناعية وتكامل السوق، الركيزة الثانية: تطوير البنية التحتية لدعم التكامل الإقليمي، الركيزة الثالثة: تنمية رأس المال الاجتماعي والبشري.

وطبقًا لهذه الرؤية فقد تحددت المهام في عدد من النقاط منها التعاون والتكامل الإقليميين، ودعم حرية حركة السلع والعمالة ورأس المال والخدمات؛ حيث يعتمد على التعبئة الناجحة للموارد الداخلية لتحسين الاستدامة، ووضع آليات للتحول من الاعتماد السابق على الشركاء المتعاونين الدوليين نحو نهج أكثر تنوعًا وتكاملًا. وذلك بهدف تطوير استراتيجية قوية لسد فجوة التمويل اللازمة لتحقيق التطلعات في إطار الركائز التي تم تطويرها في هذه الرؤية[9].

د. تجمع دول غرب أفريقيا (الإيكواس)

بدأت هذه المجموعة عام ١٩٩٩، وتضم ١٢ دولة في غرب أفريقيا من أهمها نيجيريا والنيجر وغينيا وغينيا بيساو وتوجو ومالي، وكذلك ساحل العاج وليبريا.

تضم المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا مُؤسسات مفوضية المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، ومحكمة العدل الخاصة بالمجموعة، وبرلمان المجموعة، وبنك إيكواس للاستثمار والتنمية  (EBID)، ومنظمة الصحة لغرب أفريقيا (WAHO)، ومجموعة العمل الحكومية الدولية لمكافحة غسل الأمول وتمويل الإرهاب في غرب أفريقيا (GIABA) ، وتضُم المجموعة الاقتصادية لغرب أفريقيا أيضًا تكتلين اقتصاديين نقديين ضمنها هُما الاتحاد الاقتصادي والنقدي لغرب أفريقيا (UEMOA)، والمنطقة النقدية لغرب أفريقياWAMZ) ).

 كما تملك هذه الدول قوات حفظ سلام تتدخل لدى بعضها البعض في حال حدوث اضطرابات سياسية

وقد نجح الاتحاد الاقتصادي النقدي لدول غرب أفريقيا في تنفيذ معايير التقارب الاقتصادي الكلي، وخلق آية مراقبة فعالة لذلك كما اتفقت هذه المجموعة على قواعد منشأ مشتركة واعتماد نماذج البيان الجمركي وكذلك آليات التعويض المناسبة.

إجمالًا يمكن القول إن العمل التنفيذي لمخطط الاتحاد الأفريقي التنموي يعمل بمعدلات مقبولة؛ فعلى سبيل المثال تم إعلان منطقة التجارة الحرة الأفريقية، ولكن بتأخير عامين عن المخطط؛ حيث تم إعلانها في مايو ٢٠١٩.

كما أن هذه التجمعات قد حققت تقدمًا نسبيًّا في عملية التكامل الاقتصادي الجهوي؛ حيث حقق الاتحاد الجمركي لأفريقيا الجنوبية – على سبيل المثال – تقدمًا ملحوظًا في تحرير حركة عوامل الإنتاج من خلال إزالة الحواجز الجمركية والتجارية بين دول الاتحاد, كما نجح الاتحاد الاقتصادي والنقدي لغرب أفريقيا في إنشاء نظام لسياسات الاقتصاد الكلى من خلال وضع هيكل للمحاسبة المشتركة تتم مراجعته بين الدول الأعضاء بانتظام بالإضافة إلى إنشاء أسواق للأوراق المالية.

أما على المستوى الفني فإن هناك بعض النقاط التي ما تزال عالقة منها الاتفاق على قواعد المنافسة بين الدول، وهي المسألة الأكثر حساسية حيث تستخدم الحكومات الأفريقية الإجراءات الحمائية لتخفيف العبء عن شركات الدولة.

وفيما يخص قواعد الاستثمار البيني الأفريقي فتعد المؤسسات المالية القارية هي الروافع الحقيقية لها، وهي مسألة ما زالت تواجه عقبات منها إنشاء كل من: البنك المركزي الأفريقي، وصندوق النقد الأفريقي وبنك الاستثمار الأفريقي.

وهكذا يظل الاتجاه العام هو تواضع الإنجازات التي حققتها ظاهرة الإقليمية في أفريقيا خصوصًا وأن أرقام التبادل التجاري الأفريقي لم تحقق تقدمًا خلال العقد الماضي إلا بمقدار 5%، وذلك من واقع أن حجم التجارة البينية الأفريقية لا يتعدى  15% في  2018, في حين سجلت أوروبا نحو 69%، وسجلت آسيا 60% في حجم التجارة البينية لكل قارة.

ثالثًا: ملامح مرتقبة للأداء المصري في الوكالة الإنمائية للاتحاد الأفريقي  

تبدو المهام المصرية المطلوبة لتحسين أداء الوكالة الإنمائية للاتحاد الأفريقي ليست سهلة، وذلك في ضوء التحديات الراهنة، والتي تتعلق بأمرين؛ الأول: طبيعة هيكلة مؤسسات التكامل من حيث تبعيتها للنموذج الأوربي وتركيزها على تحرير التجارة الإقليمية، وذلك دون إدراك كاف أن النموذج الأوربي هو نموذج صناعي بينما تفتقر الدول الأفريقية للتصنيع من ناحية، وتعاني ومن مشكلات النقل والمواصلات والبنى التحتية التي تبدو أساسية في عمليات التبادل التجاري وتحرير التجارة من ناحية أخري. أما الأمر الثاني فهو عدم فاعلية هياكل التكتلات الإقليمية الأفريقية نظرًا لطبيعة النمط المتقارب من حيث  الهياكل الإنتاجية والاعتماد على تصدير الموارد الطبيعية في صورتها الأولية، وهو ما يجعل العلاقات البينية في هذه الحالة تنافسية وليست تكاملية، وذلك فضلًا عما يواجه الاقتصادات الأفريقية من تنافسية مدمرة مع الشركات متعددة الجنسيات سواء على صعيد المشروعات المحلية والإقليمية لها؛ في ظل احتكار هذه الشركات لعنصـري التكنولوجيا ورأس المال، ومساندة أبناء الطبقة والنخبة الحاكمة في الدول الأفريقية لنشاط هذه الشركات، بوصفهم في كثير من الحالات وكلاء لهذه الشركات في دولهم [10]

في هذا السياق أصدر الاتحاد الأفريقي تقريرًا تحت عنوان دليل التكامل الأفريقي بشأن تقييم حالة الاندماج الاقتصادي للتجمعات الأفريقية، ومدى تحقيقها لأهدافها، وذلك في نسختين أحدهما عام ٢٠١٦، والثاني عام ٢٠١٩؛ حيث لم تحز القارة الأفريقية طبقًا للمؤشرات الرئيسية والفرعية إلا على ٠.٤٥بشأن النجاح في عملية التكامل الاقتصادي وهو معدل دون المتوسط، بينما سجل تقرير ٢٠١٩ انخفاضًا في هذه النسبة [11]من هنا تم التوجه نحو تدشين منطقة التجارة الحرة الأفريقية بهدف رئيس هو رفع مستوى التبادل التجاري بين دول القارة الأفريقية الذي لم يتجاوز ١٨٪ طبقًا للتقرير السنوي للكوميسا لعام ٢٠٢١[12]، وذلك في وقت يبلغ حجم التبادل التجاري بين الدول الأوربية ٧٠٪.

في هذا السياق قدم مؤشر الاتحاد الأفريقي في نسخة ٢٠١٩ عددًا من التوصيات بشأن العمل على تحسين مستوى كفاءة عمليات التكامل الاقتصادي المستهدفة ومن بين هذه التوصيات:

  • تحسين البنية التحتية من خلال زيادة الشراكات بين القطاعين العام والخاص، والاستفادة من الموارد الوطنية واستخدام صناديق تطوير البنية التحتية الإقليمية والعالمية وغيرها من أدوات التمويل المبتكرة، مصحوبة بمنافسة صارمة وشفافية في عمليات الشراء والبناء.

– تحسين الشبكات الإقليمية للإنتاج والتجارة من خلال تعزيز القدرات الإنتاجية والتوزيعية والتسويقية للبلدان.

– وكذلك بناء أطر عمل مبتكرة وسلسلة القيمة الإقليمية في مختلف القطاعات باستخدام التكنولوجيا المحسنة والمدخلات عالية الجودة وتقنيات التسويق المحدثة.

– التنفيذ الكامل لاتفاقية التجارة الحرة القارية الأفريقية لإزالة الحواجز غير الجمركية، والتي لا تزال تمثل تحديًا كبيرًا للتكامل الإقليمي.

– تعزيز كفاءات العمال الأفارقة لتتناسب مع التكنولوجيا ودعم قدرات الإنتاج الاقتصاد.

– تنفيذ بروتوكول حرية تنقل الأشخاص، الذي سيعزز النمو الاقتصادي من خلال زيادة فرص السياحة والتجارة والاستثمار، وحركة رأس المال البشري، والسماح للشركات بالعثور على المهارات بسهولة أكبر، مما يؤدي بدوره إلى زيادة الإنتاجية.[13]

وطبقًا لدليل الاتحاد الأفريقي فإن ترشيح الدول الأفريقية لمصر بشأن ترؤسها للوكالة الإنمائية للاتحاد الأفريقي  قد تأسس على أمرين؛ الأول: أنها دول صناعية متوسطة، وأفريقيا تترقب التحول نحو الصناعة، أما الأمر الثاني فهو مساهمتها في تحسين البنية التحتية الأفريقية بمشروعات تنموية عملاقة أهمها سد جيوليوس نيريري في تنزانيا، والكثير من المشروعات في غرب أفريقيا، والتي قامت شركة المقاولين العرب المصرية بتأسيس شراكات مع شركات أفريقيا.

في هذا السياق أعلن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في خطاب ترؤس مصر للوكالة الإنمائية توجُّه القاهرة خلال العامين القادمين بالاهتمام بالملفين الأهم حاليًّا لتفعيل منطقة التجارة الحرة الأفريقية، وهي تحسين البنية التحتية التي هي أهم مشروعات أجندة 2063 للاتحاد الأفريقي والتحول الصناعي الذي هو شرط لازم للتجارة البينية من ناحية وتحسين الموازنات العامة الأفريقية على مستوى قُطري من ناحية أخرى.

ولعل هذه الأجندة المصرية تتماهى مع اهتمام مصري سابق لترؤسها الوكالة الإنمائية خصوصًا ما يتعلق بتدشين طرق برية تسهم في التشبيك مع كل من جنوب مصر وغربها؛ حيث تم التواصل البري مع كل من  السودان وإرتيريا، كنقطة انطلاق لطريق القاهرة كيب تاون في جنوب أفريقيا، كما تضع مصر على أجندتها تشبيك السكك الحديدية مع السودان طبقًا لما أعلنه كامل الوزير وزير النقل المصري، كما يوجد مشروع مصري للتواصل البري مع تشاد بدأ الاهتمام به منذ زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي لتشاد عام ٢٠١٨، حين وعد أن يكون لأنجمينا منصة تجارية على المتوسط.

ويبدو أن معالجة التحديات الباقية لتفعيل منطقة التجارة الحرة الأفريقية على النحو المطلوب مرتبط بضرورة بذل مجهود مضاعف من دول القارة الكبرى مثل مصر ونيجيريا وجنوب أفريقيا، وكذلك كل من غانا والسنغال في غرب القارة، وربما يكون وعي الشباب الأفريقي الراهن بضرورات التحرر من كل أشكال الاستعمار الغربي الجديدة هي الوقود الدافع في المرحلة المقبلة لخلق الاندماج الأفريقي المطلوب لعملية التنمية المستدامة المرجوة للقارة الأفريقية.


[1] – د. بلعابد سيف الإسلام النوي، د.عزيز بنذير، د. بلفايدة عبدلله، دراسة تحليلية حول مساهمة الكوميسا في تطوير التجارة البينية،١٩٩١-٢٠٢١، جامعة قسطنطينة، الجزائر، متاح على:

https://www.asjp.cerist.dz/en/downArticle/342/17/1/210170

-[2] الموقع الرسمي لتكتل الكوميسا متاح على :

https://www.comesa.int/home/?lang=ar#overlappable-1 –

[3]https://2u.pw/y7roLD

https://2u.pw/Aae0eQ معوقات التكتلات الاقتصادية الأفريقية وآفاقها المستقبلية ،متاح على: لانصاي، رقية، بن الدين محمد،

[4]  SADC – Southern African Development Community،available on:

– https://countryeconomy.com/countries/groups/southern-african-development-community

[5] متاح على :

https://www.albawabhnews.com/4473912

[6] – Southern African Development Community )SADC(available on

: https://www.sis.gov.eg/Newvr/africa/8/8.pdf

[7] https://2u.pw/VZl82P-متاح على

[8] -Over View of EAC ,available on: https://www.eac.int/overview-of-eac

[9] – خطة سادك ٢٠٣٠ بين الرؤية والمهمة متاح على :

https://www.sadc.int/pillars/vision-and-mission-risdp-2020-2030

[10] -د. محمد مهدي عاشور ، مستقبل التكامل الإقليمي الأفريقي، قراءات أفريقية، متاح على:

https://2u.pw/AjbO3j /

[11]Availableon: https://www.integrate-africa.org/

[12]  -التقرير السنوي للكوميسا ، مرجع سابق :

[13] – Africa Regional Integration Index underlines integration as key to building more resilient economies,available on: https://www.afdb.org/en/news-and-events/press-releases/africa-regional-integration-index-underlines-integration-key-building-more-resilient-economies-35742