كتب – حسام عيد
على مسار التعافي من تداعيات جائحة كوفيد-19، والأزمة الروسية الأوكرانية، تتدفق الانتعاشة في مفاصل الاقتصاد المغربي بدعم من إصلاحات هيكلية واسعة تعمل الحكومة على تنفيذها، واستثمارات نوعية تنافسية بالقطاع السياحي.
نمو الاقتصاد 3% في 2023
ويتوقَّع صندوق النقد الدولي أن يصل متوسط نمو الاقتصاد المغربي عند 3.2% خلال 5 سنوات؛ إذ ستساهم الآثار الإيجابية الأولية للإصلاحات الهيكلية في تعويض الآثار المدمرة للوباء والحرب الروسية في أوكرانيا.
وبحسب تقرير مشاورات المادة الرابعة لعام 2022؛ يتوقَّع الصندوق أن ينمو اقتصاد المملكة بنحو 3% خلال العام الجاري 2023، مقابل 1.2% العام الماضي عندما تضررت البلاد من الجفاف وتداعيات الحرب في أوكرانيا.
وتأتي توقُّعات الصندوق أقل من مستهدف الحكومة في موازنة 2023 عند 4%، مراهنةً على أداء متوسط للقطاع الزراعي الذي يسهم بـ14% في الاقتصاد الوطني.
ووفق التقرير، من شأن تحقيق المغرب لموسم زراعي جيد أن ينعكس إيجابًا على بقية الاقتصاد.
وربط الصندوق تعزيز النمو المحتمل في المملكة بضرورة بذل جهود لتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري، ومعالجة ندرة المياه، والحد من عدم المساواة بين الجنسين، كما أوردت وكالة “بلومبيرج””.
وعلى مستوى التضخم؛ تشير توقُّعات التقرير إلى تراجعه 4% خلال العام الجاري، مقابل 6.5% العام الماضي، بعد أن بلغ ذروته في شهري سبتمبر ونوفمبر بـ8.3%، وهو المستوى الأعلى منذ عقود.
استثمارات نوعية.. وانتعاشة سياحية
فيما يترقب المغرب استقطاب 27 مليار درهم (2.66 مليار دولار) كاستثمارات في القطاع السياحي خلال الفترة من 2023 إلى 2026، مع توجيه حصة مهمة نحو المشاريع الترفيهية، حسبما قالت وزيرة السياحة فاطمة الزهراء عمور في مقابلة مع منصة “اقتصاد الشرق”.
ويُسهم قطاع السياحة في المغرب بنحو 7% من الناتج المحلي الإجمالي، ويلعب دوراً كبيرًا في رفد اقتصاد المملكة بالعملة الصعبة، فضلًا عن توفيره الوظائف لاسيما للشباب.
كما أشارت وزيرة السياحة إلى أن حجم الاستثمارات السياحية، المحلية والأجنبية، ناهزت العام الماضي 8.5 مليار درهم، مقابل 7 مليارات عام 2019 (أي ما قبل كوفيد-19)، ويُقدّر أن يرتفع الرقم إلى 9 مليارات درهم كمتوسط سنوي في الأعوام المقبلة.
وتَعتبر “عمور” أن هذه الاستثمارات تؤكد على “الثقة الكبيرة التي يحظى بها المغرب كوجهة استثمارية”، كاشفةً أن “هناك رغبة كبيرة لدى مستثمرين دوليين لتطوير عدّة فنادق على مدى السنوات المقبلة؛ حيث نطمح لرفع عدد السياح إلى 26 مليون زائر بحلول 2030”.
وكان عام 2022 استثنائيًا لقطاع السياحة المغربية؛ حيث تمكّنت المملكة من استقطاب 10.9 مليون سائح أجنبي، رغم إغلاق الحدود في الأسابيع الخمسة الأولى من العام الماضي، وهو رقم يمثل 84% من مستوى عام 2019، وجاء ذلك نتيجة “تطوير المنتج السياحي، ومجهودات الترويج، وزيادة المعروض من الغرف الفندقية، وتعزيز سعة النقل الجوي”، كما أوضحت للوزيرة.
وساهمت السياحة ما بين يناير إلى نوفمبر 2022 في ضخ إيرادات بالعملة الصعبة بأكثر من 8 مليارات دولار، أي بزيادة 12% عن عام 2019، وذلك “بفضل ارتفاع معدل إنفاق السائح الواحد بنحو 23%، من 6000 إلى 7400 درهم.
ورغم فترة أزمة كورونا التي كانت قاسية على القطاع، شهد عدد الغرف الفندقية المصنفة، خلال السنوات العشر الأخيرة، قفزةً من 64.4 ألف غرفة إلى 121 ألف غرفة، ما يمثل زيادةً تناهز 88%.
وتعزز أيضًا المعروض الفندقي الفخم، بافتتاح عدّة منشآت تابعة لعلامات دولية مثل “أكور” و”ماريوت” و”هيلتون”، ما مكّن من مضاعفة الطاقة الاستيعابية لوحدات الـ5 نجوم، على مدى العقد الأخير، من 11.6 ألف إلى 21.9 ألف غرفة.
وكان القطاع السياحي المغربي قد عانى منذ بداية 2020 من تداعيات جائحة كورونا التي شلّت حركة النقل الجوي عبر العالم، لكنه حقق العام الماضي انتعاشة قوية مع إعادة فتح الحدود في فبراير. كما خصصت الحكومة دعماً ماليًا لشركات القطاع بملياري درهم.
إصلاحات واسعة
اليوم، تستهدف موازنة المغرب لعام 2023، تحقيق التوازن بين الاحتياجات لتقليل العجز وتخفيف الأثر الاجتماعي والاقتصادي للصدمات وتمويل الإصلاحات الهيكلية. لكن المؤسسات الدولية دعت المغرب إلى اعتماد إجراءات ضريبية جديدة من أجل خفض نسبة الدين العمومي البالغ 69.2% من الناتج المحلي الإجمالي في 2022، وتكوين هوامش مالية على مستوى الموازنة.
وأشاد صندوق النقد الدولي بالتزام المغرب بتنفيذ إصلاحات هيكلية شاملة، منها إصلاح أنظمة الحماية الاجتماعية والصحة والتعليم، وهو ما اعتبره الخبراء ضروريًا لتحسين المساواة، والإنفاق المستهدف، والحفاظ على الرأسمال البشري على المدى الطويل.
وأوصى خبراء الصندوق بضرورة “إصلاح الشركات المملوكة للدولة، واعتماد مبادرات من أجل تحفيز الاستثمار لتعزيز نمو القطاع الخاص”. وتتماشى هذه التوصية مع مستهدف الحكومة برفع حصة الاستثمار الخاص من الثلث إلى الثلثين بحلول 2035 بعد تفعيل صندوق محمد السادس للاستثمار، واعتماد ميثاق يتيح حوافز مالية وضريبية للشركات الخاصة للتشجيع على الاستثمار.
فيما رحب مديرو الصندوق بتشديد بنك المغرب المركزي للسياسة النقدية في عام 2022، ودعموا زيادة إضافية لسعر الفائدة الرئيسي لاحتواء الضغوط التضخمية.
وكان المركزي قد رفع سعر الفائدة العام الماضي مرتين إلى 2.5%، وهي المرة الأولى التي لجأ فيها إلى زيادة الفائدة منذ عام 2008، إذ كان قد ثبّتها منذ يونيو 2020 عندما خفّضها بمقدار 50 نقطة إلى 1.5% لدعم اقتصاد البلاد الذي تضرّر من جائحة كورونا.
فيما يتعلق بنظام سعر صرف الدرهم؛ شجع الصندوق على مواصلة الانتقال إلى إطار لاستهداف التضخم بمجرد انخفاض معدله وتبدد حالة عدم اليقين الحالية.
وكان المغرب قد بدأ تحرير سعر صرف عملته عام 2018 باعتماد نطاق تقلّب بنسبة 2.5% صعوداً وهبوطاً عوضاً عن 0.3% كما في السابق. وفي 2020؛ تمّ توسيع النطاق إلى حدود 5% ارتباطًا بسلة عملات تضم اليورو بنسبة 60% والدولار بنسبة 40%.
ويستمر صندوق النقد الدولي بالإصرار على دعوة السلطات المغربية إلى المرور نحو مرحلة جديدة من التحرير لاستهداف التضخم. لكنَّ بنك المغرب يبدي تحفظاً حيال الأمر، ويَعتبر أنَّ الوقت غير مناسب خصوصاً في الظروف الحالية.