كتبت – نداء كسبر

باحثة بالعلاقات الدولية

ظهر مفهوم الأمن الإقليمي عقب الحرب الباردة، وظهرت معه مصطلحات “أمن الشرق الأوسط, وأمن المتوسط, وأمن جنوب شرق أسيا”، وقد اكتسب مفهوم الأمن الإقليمي مع  الوقت أبعادًا جديدة تختلف عن مضمونه المباشر، فلم يعد مقتصرًا على الاتحاد بين شركاء إقليميين لمواجهة التهديد المشترك، بل صار يشمل إقامة ترتيبات استباقية وهياكل جديدة يتعاون فيها عدد من الدول لرعاية أمنها مع اتجاه هذه الهياكل إلى نزع الانتماءات أو الهويات المحلية أو القومية أو الإقليمية الأصلية وإحلال ارتباطات وانتماءات مختلطة غير أصلية، إما بهدف دمج قوى لا تنتمي تاريخيًّا إلى الإقليم من حيث نسيجها الاجتماعي السياسي، وإما من خلال الوجود السياسي المباشر لقوى أجنبية كبرى في تركيبه، حيث يتناول الأمن الإقليمي مجموعة من الدول التي تشكل نظامًا فرعيًّا في إطار النظام الدولي ويتصل أمنها بالقوى الدولية العظمي، ومن ثم تغلب الطبيعة العسكرية على هذا المفهوم، لا الارتباط القومي والجغرافي.

وقد شهدت القارة الأفريقية منذ نهاية الحرب الباردة صعود عدد من التهديدات الجديدة التي تأتي في ظل التحولات السياسية والاقتصادية التي شهدها العالم، هذه الحالة غير المسبوقة من التطورات الأمنية، انعكست على ما تعانيه دول القارة من تحديات أمنية متعددة ومتشابكة على مستوى الفرد والجماعة صعودًا نحو الدولة والتأثير على أمنها. ليس هذا فحسب بل تمتد هذه الانعكاسات لتشمل أمن الدول الإقليمية المحيطة، أو ما يعرف في الحالة الأفريقية بـ”ظاهرة العدوى”، فما تلبث أن يقع اضطراب في دولة ما حتى يمتد إلى دول الجوار.

وتواجه القارة الأفريقية نشاطًا كبيرًا لجماعات العنف والتطرف في دوائرها الجيوسياسية المختلفة، نتيجة لمجموعة من العوامل يمكن الإشارة إلى أبرزها. أولًا: التدفقات غير المشروعة للأسلحة عبر الحدود، ثانيًا: تهريب المهاجرين غير الشرعيين والإتجار بالبشر، ثالثًا: اتساع نشاط شبكات الجريمة المنظمة العابر للحدود. هذه الظواهر تتغذى على أوضاع اقتصادية واجتماعية وسياسية وثقافية وعسكرية، تعيشها دول المنطقة، تمتد تأثيراتها إلى مختلف دول الجوار، مما يقتضي التعامل معها والاستجابة لها باستراتيجية شاملة ومتعددة الأبعاد بدلًا من المقاربة الأمنية التقليدية التي تم تبنيها في مواجهة هذه التهديدات.

أولاً: مهددات الأمن الإقليمي في أفريقيا

1 – التدفقات غير المشروعة للأسلحة عبر الحدود 

         نجد أنه في الآونة الأخيرة قد تحولت القارة الأفريقية إلى واحدة من أهم مناطق التجارة غير المشروعة للأسلحة في العالم، كما أن الحالة الراهنة لبلدانها أصبحت عرضه بشكل متزايد لانعدام الأمن الذي تسببه الصراعات العرقية العنيفة وأنشطة الجماعات المتطرفة والجريمة المنظمة، بالإضافة إلى شعور جميع دول الساحل بالقلق إزاء الروابط الواضحة بين الجماعات الإرهابية الناشطة في المنطقة، وكذلك المنظمات الإجرامية الضالعة في الإتجار بالبشر والمخدرات، ومن ثم فإن جميع بلدان إقليم الساحل مهددة بأنشطة الجماعات الإرهابية، مثل حركة الوحدة والجهاد في غرب أفريقيا، وجماعة بوكو حرام، وتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، فضلًا عن المنظمات الإجرامية العابرة للحدود الوطنية الأخرى، فقد ارتكبوا اعمالًا إرهابية وهددوا الأمن الإقليمي، وزادوا أيضًا من توسيع نطاق الأسلحة فوق إقليم الساحل وانخرطوا في الإتجار بالمخدرات والبشر وغير ذلك من الأنشطة غير المشروعة[1].

2 – تهريب المهاجرين غير الشرعيين والاتجار بالبشر

تعد قضية تدفق اللاجئين واحدة من أهم القضايا الدولية المعاصرة ليس فقط من منظورها الإنساني وإنما أيضًا من منظورها السياسي والأمني والاقتصادي والاجتماعي والقانوني[2]. كما فرض تدفق اللاجئين، خاصة من الجوار الإقليمي الأفريقي نتيجة للنشاط الملحوظ للجماعات المسلحة من دون الدولة، ضغوطًا داخلية وخارجية على الدول المضيفة التي واجهت معادلة صعبة بين الالتزام بالحقوق الإنسانية للاجئين، وفقًا للاتفاقيات والمواثيق الدولية، وبين ممارسة سياسات تحدُّ من تأثير تدفقاتهم على أمنها وسيادتها[3].

أما فيما يتعلق بالهجرة غير الشرعية فيتم تعريفها بأنها الدخول غير الشرعي لأجانب من دولهم الأصلية برًا وبحرًا  وجوًا إلى دولة أخرى، بما فيها مناطق العبور، وحددت المادة 2 من اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 143 الهجرة غير المنظمة بأنها وجود المهاجر في طريق رحلته أو وصوله أو مدة إقامته وعمله في وضع يتنافى والقوانين والاتفاقيات الدولية المتعددة الأطراف أو الثنائية الأطراف أو التشريعات الوطنية، وطبقًا لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية فإن الهجرة غَير الشرعية تعني عبور الحدود (دون تقيد بالشروط اللازمة للدخول المشروط إلى الدول المستقبلة)[4].

أما منظمة الهجرة الدولية فأشارت إلى المهاجر غير الشرعي بأنه المهاجر الذي لا تتوافر لديه الوثائق اللازمة والمنصوص عليها بموجب لوائح الهجرة من أجل الدخول والإقامة أو العمل في بلد ما، ويشمل هذا: الأفراد الذين ليس لديهم وثائق قانونية للدخول إلى الدولة (دولة الاستقبال) ولكن استطاعوا الدخول سرًّا حسب اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الدولة الوطنية يكون هذا الدخول عبر إحدى الطرق التالية: برًا، بحرًا، وجوا[5].

3 – اتساع نشاط شبكات الجريمة المنظمة العابر للحدود

أصبحت الجريمة المنظمة التي تقودها شبكات التهريب مصدر خطر حقيقي على دول المنطقة، خاصة وأنّ هذه الشبكات أصبحت تمتاز ببنية مؤسسية كبيرة ذات ارتباط بأطراف خارجية فاعلة، إضافة إلى ذلك فإنّ تنامي الجريمة المنظمة يشكل مصدرًا من مصادر عدم الاستقرار خاصة على المناطق الحدودية بين دول المنطقة، ويلعب التمويل الخارجي دورًا كبيرًا في إشعال الحروب حيث يبحث المتمردون عن الأسلحة والأموال والتدريبات لتحقيق مطالبهم، كما أنّ السكان في هذه المناطق أصبحوا یبحثون عن السلاح ليس للتمرد، وإنما للدفاع عن النفس من قطاع الطرق وعصابات الجريمة المنتشرة بكثرة[6].

ومن الجدير بالذكر أن العالم يهتم بالصراعات الداخلية والتهديدات التي يتعرض لها المجتمع مثل: العنف العشوائي، الهجرة غير المشروعة، الإتجار بالمخدرات، والجريمة .

كما أن التعريفات الجديدة للأمن تؤكد على الاعتبارات الجديدة للأمن سواء كانت ناتجة من داخل حدود الدولة المهددة، مثل تدفقات اللاجئين أو الإرهاب العابر للحدود الوطنية، أو تتجاوز الحدود ذاتها مثل الشواغل البيئية. وقد حاول العديد من المحللين التركيز على التهديدات غير العسكرية التي تواجه الجهات الفاعلة من غير الدول وتحليل الطبيعة العدوانية فى ظل الفوضى، وكذلك فإن التهديدات الخارجية للسلامة الإقليمية تشكل تهديدًا فعليًّا في أنحاء كثيرة من العالم. وقد أوضحت الدراسة أن النظام الدولي يتأثر بالدول غير المستقرة، لا سيما الانهيارات الناجمة عن القضايا الداخلية للدول. كما أن الأمن البشري يؤثر على الدولة ويشكل بالتالي مسألة أمنية دولية حيث يتدخل المجتمع الدولي عندما يكون خطر الأمن البشري بهذه الضخامة التي تهدد الدولة المعنية. وترى الدراسة أنه وفقًا لميثاق الأمم المتحدة فإن مجلس الأمن يمنح الحق في التدخل في أي مسألة يرى إنها تشكل تهديدًا للسلم والأمن الدوليين عندما يقرر المجتمع الدولي فرض إرادته من أجل التخفيف من تفاقم المشكلة؛ لأنه ينظر إليها باعتبارها قضية أمن دولي بغض النظر عما إذا كانت نشأت كمشكلة داخلية، ومن ثم فإن التركيز على أثر التهديدات يسمح للاستجابة الدولية والآحادية على حد سواء تبعًا لطبيعة التهديد الفعلي أو الأثر المحتمل، وهكذا يبدو أن الأمن البشري وغيره من مفاهيم الأمن الموسعة ينظر إليها على نحو أفضل[7].

ثانيًا: سبل مواجهة مهددات الأمن الإقليمي

1 – الاعتماد على تفعيل مبدأي الأمن والتنمية بصورة متوازية:

فمثلًا ترتكز استراتيجية الاتحاد الأوروبي للأمن والتنمية التي أُنشئت في 22 سبتمبر2011، على “مبدأ المزيد من أجل المزيد”، وتعتمد على معادلة الأمن والتنمية كمدخل للإصلاح واستتباب الأمن والسلام في الأقاليم التي تشهد تفككًا اجتماعيًّا وأزمات سياسية واقتصادية بالغة، فهناك علاقة طردية بين كل من الأمن والتنمية، فيتم اعتبارهما عنصرين متلازمين لا يمكن فصل أحدهما عن الآخر؛ حيث عند حدوث خلل في أحدهما ينعكس بطريقة سلبية على الآخر، وبالتالي فأي استقرار أو تطور في أي منهما ينعكس بطريقة إيجابية على كليهما، فالأمن هو المحرك الحقيقي للتنمية والداعم لها والمؤكد على استقرارها وازدهارها[8].

2 – محاولة تفعيل دور مجموعة دول الساحل الخمس 5G من أجل مواجهة التهديدات والتحديات الأمنية والاقتصادية في القارة الأفريقية عمومًا وإقليم الساحل الأفريقي بصفة خاصة:

تضم “مجموعة دول الساحل الخمس 5G” خمس دول، وهي: موریتانیا، مالي، النيجر، تشاد، وبوركینا فاسو، ويتمثل الهدف الرئيس من إنشاء مجموعة الدول الساحل الخمس، في مواجهة مجموعة من التحديات الأمنية والاقتصادية، فضلًا عن حشد التمويلات واستقطاب الاستثمار الأجنبي، ذلك حتى تتمكن من تحقيق التنمية المستدامة في القارة الأفريقية، عبر تعزيز قدراتها الأمنية الوطنية وتقوية دولة القانون، حيث اتضح أن سبب عدم الاستقرار في المنطقة يرجع إلى غياب مفهوم التنمية وأيضًا هشاشة رقابة الأجهزة الحكومية[9]

3 – اتباع الدول الأفريقية سياسة أمنية تعتمد على التعاون والتكامل:

تسعي من خلال التعاون العسكري فيما بينها إلى منع أية قوة خارجية من التدخل في ذلك الإقليم، بحيث تعتمد على تفعيل الأمن الداخلي والأمن الاقتصادي والأمن الاجتماعي والأمن العسكري والأمن القومي، بالإضافة إلى قيام الدول الأفريقية بتأمين حدودها داخليًّا ودفع التهديدات الخارجية عن طريق صياغة تدابير محددة، تراعي التكامل مع دول الجوار، لتحقيق الأمن الإقليمي، ومن ثم تعزيز أمن القارة الأفريقية.


[1]  André Desmarais, Monitoring Illicit Arms Flows: National Forensic Institutions in the Sahel”, Security Assessment in North Africa Briefing Paper (Geneva: Small Arms Survey, June 2018), Pp. 5-6.

[2]– أحلام عبد الله المفلحي، ” السياسة اليمنية تجاه قضية اللاجئين من دول الجوار 1994-2006″، رسالة ماجستير (جامعة القاهرة: كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، 2012)، ص2.

[3]– خالد حنفى علي، “اللاجئون الاختبار الكاشف للدولة والإقليم والعالم”، مجلة السياسة دولية (العدد 205يوليو، 2016)، ص 3.

[4] المادة 3 من برتوكول مكافحة تهريب المهاجرين عن طريق البر والبحر والجو المكمل لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية.

[5]“Termes clés de la migration “, Available at: http://www.iom.int/fr/termes-cles-de-la-migration      

[6]. Mehdi Taji, “Sécurité et stabilitédans le Sahel africain”, Collège de Défense de l’OTAN (Research Branch • Rome, December 2016), p9.

[7]–  Ibid، p66.

[8] Laurent Boussard, “Le complexe Sécurité et développement: Défis régionaux”,EOU Secrétariat club du Sahel (N°.06. Septembre2012), P6.

[9] محمد بشر جوب، ” جهود المؤسسات الإقليمية الأفريقية في مكافحة الإرهاب، دراسة تطبيقية عن المجموعة 5(G5) للساحل الأفريقي”، قراءات افریقیة ( العدد 34 ، اكتوبر- دیسمبر 2017) ، ص30.