كتب – د. غادة كمال  

خبيرة الشؤون الأفريقية وقضايا الإرهاب ورئيس تحرير مجلة صوت أفريقيا

 يتفاعل تغير المناخ مع المخاطر ونقاط الضعف الموجودة في المجتمعات الأفريقية ويؤدي إلى تفاقمها، وهذا بدوره يؤثر بشكل متزايد على سبل العيش والأمن في جميع أنحاء القارة. ويعد حوض بحيرة تشاد أحد الأماكن التي تم تحديد تغير المناخ فيها باعتباره محركًا مهمًا للنزاع المسلح والتطرف العنيف، ومهددًا للأمن الأفريقي؛ فقد أسهمت التغيرات المناخية في تأجيج انعدام الأمن في المجتمعات المحلية التي تعتمد سبل عيشها الاقتصادية على البحيرة، ما أدى إلى أزمة إنسانية في جميع أنحاء البلاد. كما واجهت الدول المحيطة بحوض بحيرة تشاد، بما في ذلك الكاميرون وتشاد والنيجر ونيجيريا، التطرف العنيف والإرهاب، وانتشار الجماعات الإرهابية، بالإضافة إلى النزاعات العرقية والدينية والصراعات بين المزارعين، الأمر الذي زاد من التداعيات السلبية لتدخل المنطقة في دائرة مفرغة من عدم الاستقرار وفقدان الأمن.

 ومن هذا المُنطلق تبحث هذه الدراسة، تأثير تغير المناخ على الموارد المتناقصة في حوض بحيرة تشاد، فضلاً عن انعكاساته على الاستقرار والأمن في المنطقة.

أولاً: التغيرات المناخية في حوض بحيرة تشاد

  تعد منطقة حوض بحيرة تشاد من أكثر مناطق العالم التي شهدت تغيرات مناخية حادة وعميقة الأثر في العقود الخمسة الماضية، خاصة مع تنامي معدلات جفاف بحيرة تشاد والذي مثل مصدرًا لتغيرات بيئية متعددة أخرى.

  اشتهرت بحيرة تشاد بكونها إحدى أكبر البحيرات في العالم من حيث مساحتها واحتوائها على الماء بمساحة تقدر بـ 2.5 مليون كم2 تقريبًا، ويطل على البحيرة كل من تشاد والنيجر ونيجيريا والكاميرون، ورغم أن كلا من الجزائر وليبيا والسودان بالإضافة إلى أفريقيا الوسطى، ليست دولًا مشاطئة لها، إلا أنها مرتبطة بها بشكل غير مباشر، وتتوسط المنطقة بحيرة تشاد والتي تعد بحيرة للمياه العذبة تتشاركها كل من تشاد والكاميرون والنيجر ونيجيريا.

 وتمثل بحيرة تشاد المصدر الرئيس لحياة أكثر من 30 مليون شخص، وتعد مصدرًا اقتصاديًا مهمًا، إذ أسهمت في زيادة معدلات الإنتاج الزراعي، والثروة الحيوانية، وكانت موردًا مهمًا لصيد الأسماك وزراعة المحاصيل، وموردًا مائيًا لسكان تلك المجتمعات، يستفيدون من مياهها في الشرب، وغيرها من الأنشطة الاقتصادية المختلفة[1].  

  ومع ذلك، على مدى العقود الستة الماضية، أثرت التغيرات المناخية بشكل كبير على حجم البحيرة ومواردها. في الستينيات، كانت مساحة بحيرة تشاد تزيد عن 26 ألف كيلومتر مربع، وبحلول عام 1997 تقلصت إلى أقل من 1500 كيلومتر مربع[2]، وتضاءلت أكثر إلى 1350 كيلومتر مربع بحلول عام 2014[3]، كما انخفض متوسط هطول الأمطار السنوي في المنطقة من 320 ملم إلى 210 ملم[4]. بسبب تضاؤل النهرين الرئيسيين اللذين يتدفقان إلى البحيرة – نهر شاري، الذي ينبع من هضبة وسط أفريقيا ويمد البحيرة بنسبة 90% من مياهها، ونهر كومادوغو – يوبي، الذي يوفر حوالي 5%؛ ما أدى إلى تضرر الدول المطلة عليها وتدهور أوضاع الملايين في تلك المنطقة.

   ويرجع أسباب تقلص مساحة بحيرة تشادإلى سببين أولهما التغيرات المناخية الطبيعية؛ تتمثل في تناقص معدلات هطول الأمطار، وموجات الجفاف الطويلة والمتعددة التي حلّت على منطقة الساحل الأفريقي، وزيادة ظاهرة الاحتباس الحراري، والسبب الثاني هو الاستخدام البشري الذي يتمثل في الاستغلال المفرط لمياه البحيرة في الري الجائر، والانفجار السكاني؛ ففي ستينيات القرن العشرين قُدر حجم السكان على ضفاف البحيرة بنحو 13 مليون نسمة، وهو الرقم الذي تضاعف بحلول عام 2013 ليبلغ 47 مليون نسمة، والذي يُتوقع أن يبلغ 80 مليون نسمة بحلول العام 2030[5].

   وقد أدى جفاف حوض بحيرة تشاد وتناقص منسوب المياه، إلى تناقص الثروة السمكية والإنتاج الزراعي، وتدهور النشاط الرعوي الذي تعتمد عليه العديد من الجماعات في منطقة الحوض مثل الطوارق[6]، كما  تعاني منطقة حوض بحيرة تشاد من زيادة التصحر والتدهور الحاد في جودة الأراضي الزراعية حول ضفاف البحيرة ومن ثم الإنتاجية.

  وبالنظر إلى سرعة جفاف البحيرة، فقد تختفي تمامًا في أقل من عقد، فقد سبق لمنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (فاو) أن حذرت عام 2009 من أن بحيرة تشاد قد تنضب بشكل نهائي على المدى القريب، وأشارت المنظمة إلى تحذير للإدارة الوطنية الأميركية للفضاء (ناسا) من أن استمرار انحسار مياه البحيرة قد يؤدي إلى اختفاء رقعتها بشكل كامل خلال العشرين سنة المقبلة (أي قبل عام 2030).

  وكانت منظمة اليونسكو التابعة للأمم المتحدة قد أطلقت في فبراير 2018 مشروعًا واسع النطاق لتعزيز قدرة سكان حوض بحيرة تشاد على الصمود والتكيف مع الأضرار التي لحقت بهم جراء الجفاف الذي أهلك المنطقة على مدى العقود الأربعة الماضية. وكان المشروع يشمل وضع خريطة للموارد المائية في المنطقة وإعادة تأهيل ممرات هجرة الحيوانات البريّة ‏- ومنها الفيلة – بين الكاميرون وتشاد ونيجيريا. كما يهدف إلى معالجة بعض المستنقعات لمكافحة جفاف مصادر المياه وتشجيع أنشطة السكان المدرة للدخل، مثل زراعة السبيرولينا وهي نوع من العشب المائي تجنيه عادة النساء. ويشمل المشروع إجراءات أخرى مثل حماية بقرة الكوري، وهي نوع من الأبقار المستوطنة في حوض بحيرة تشاد[7].

ثانيًا: انعكاسات جفاف بحيرة تشاد على أمن واستقرار المنطقة

  إن تأثير تغير المناخ في حوض بحيرة تشاد – بما في ذلك درجات الحرارة والجفاف والانهيار غير المنتظم وانخفاض منسوب المياه وتدهور المراعي – قد ولّد نمطين من الصراع والعنف في المنطقة: أولاً، زيادة المنافسة على موارد المياه الشحيحة؛ وثانيًا، زيادة الهجرة البشرية.

  كانت المنافسة المتزايدة على الموارد مدفوعة بعاملين؛ زيادة عدد السكان وتدهور البحيرات، في حين أن الهجرة كانت مدفوعة إلى حد كبير بدوافع اقتصادية حيث يواصل المزارعون والرعاة البحث عن فرص لكسب العيش. وأدت الزيادة في التنافس على الموارد وهجرة السكان إلى توترات وعنف في العلاقات بين المجتمعات المضيفة والمهاجرين، بما في ذلك الصراع بين المزارعين والرعاة، والنزاعات داخل المجتمعات المحلية وفيما بينها.

  وقد ارتبط تفاقم حالات الجفاف، وعدم انتظام هطول الأمطار، والتصحر في منطقة بحيرة تشاد، بأزمات أمنية غير مسبوقة ناجمة عن استمرار الهجمات الإرهابية والمتطرفة العنيفة، فضلاً عن النزاعات العرقية والدينية وصراعات المزارعين على استخدام الأراضي، فضلًا عن صعود الجماعات الإرهابية والذي أسفر عن مقتل الآلاف في جميع أنحاء منطقة حوض بحيرة تشاد في غرب أفريقيا.

  1. تغذية الإرهاب والعنف

 يمثل الجفاف الذي يضرب بحيرة تشاد، أبرز مثال على المخاطر المدمرة للأمن القومي لدول حوض البحيرة، والدول المجاورة لها فى المنطقة، بسبب التغير المناخي، الذي حولها إلى بؤرة للإرهاب والعنف.

  تعد منطقة بحيرة تشاد واحدة من أكثر المناطق اضطرابًا في العالم، بل وصنف مؤشر الإرهاب العالمي في عام 2020، بلدانها من بين أقل 10 دول أمانًا في القارة الأفريقية، فتنظيم “بوكو حرام”، الذي استوطن الجزء الشمالي من نيجيريا، سرعان ما امتد نشاطه إلى كل من جنوب غرب تشاد، وشرق النيجر، وشمال الكاميرون، بفضل طبيعة بحيرة تشاد، المتميزة بأحراشها الكثيفة وجزرها الكثيرة. إلا أنه منذ عام 2015، أصبح  تنظيم “داعش غرب أفريقيا” اللاعب الأبرز في بحيرة تشاد، وتقاسم مع بوكو حرام، السيطرة على المنطقة، قبل أن يحسم معركة الصراع في شمال شرق نيجيريا، إثر مقتل أبو بكر شيكاو زعيم بوكو حرام في مايو 2021.

 وقد استغل تنظيم بوكو حرام وولاية داعش غرب أفريقيا التوترات والصراعات بين السكان، لزيادة عملياتهما في جميع أنحاء حوض بحيرة تشاد، علاوة على ذلك فقد أدى نهب الموارد الطبيعية، بما في ذلك الماشية والمحاصيل الغذائية من قبل الجماعات المتطرفة، إلى تفاقم انعدام الأمن الغذائي الناجم عن المناخ في المنطقة[8]. كما أدت الهجمات الإرهابية على المزارع إلى تدهور الإنتاج الزراعي بشكل كبير من خلال الحد من وصول المزارعين المحليين إلى الأراضي الزراعية والسيطرة عليها. وقد أدت أزمة الأمن الغذائي في المنطقة إلي ضعف مستوى معيشة الأسرة وزيادة الهجرة من قبل السكان بحثًا عن الغذاء. علاوة على ذلك، ارتفعت أسعار المواد الغذائية في المنطقة بسبب ندرة الغذاء، مما زاد من إلحاق الضرر بالسكان الضعفاء. ويصنف حاليًا أكثر من 7.5 مليون شخص على أنهم يعانون من انعدام الأمن الغذائي الشديد في المنطقة[9]، ويضاف إلى ما سبق إمكانية قيام التنظيمات الإرهابية بتحويل معضلة انعدام الأمن الغذائي إلى تكتيك تستخدمه في توليد مشاعر مناهضة للحكومة وخلق فراغ سياسي يُمكّنها من تحقيق مآربها، ما يزيد من تأجيج الأزمة الإنسانية والأمنية في المنطقة.

 كما استغل تنظيم بوكو حرام وداعش هذا الوضع المتردي في بحيرة تشاد، وزيادة الحرمان الاقتصادي بين سكان المنطقة، لتجنيد الشباب للانخراط في تهريب المخدرات والأسلحة الصغيرة والخفيفة وغيرها من السلع المهربة عبر دول حوض بحيرة تشاد التي تدعم عملياتهم الإرهابية، وتساعد على استمرار النزاعات العرقية والصراعات بين المزارعين والرعاة التي تستغلها الجماعات المتطرفة من أجل زيادة قبضتها على هذه المنطقة الهشة. كما استغلت بوكو حرام افتقاد سكان المنطقة لسبل العيش لإقناع الفقراء بأيديولوجيتها، ولو بالحوافز المالية.

  وتمكنت بوكو حرام من تحويل تركيزها نحو السيطرة على الوصول إلى أثمن مورد في المنطقة – المياه – ولم يقتصر الأمر على تعديهم على البحيرة لأغراض استراتيجية، مثل السيطرة على التضاريس لشن هجمات مستقبلية، بل قاموا أيضًا بالاستفادة من انعدام الأمن المائي لتجنيد الأفراد، واستغلال السكان الضعفاء للانضمام إلى المنظمة مقابل الحصول على المياه، وأيضًا التحكم في المياه والمطالبة بضريبة للوصول[10].

كما سعت جماعة بوكو حرام وولاية داعش في غرب أفريقيا إلى استغلال نقاط الضعف القائمة من خلال السيطرة على مناطق واسعة من الأراضي المحيطة ببحيرة تشاد، وانضمت أيضًا إلى النزاعات المجتمعية المحلية وقادتها لكسب مجندين من خلال الانحياز إلى الانقسامات بين المجموعات العرقية، مثل مجموعات الفولاني العرقية في نيجيريا.

وقد أدت الظروف البيئية المتدهورة في منطقة بحيرة تشاد وما يرتبط بها من اضطراب في الإنتاج الزراعي وانتشار الفقر إلى أن نصب كلا التنظيمين نفسيهما كمقدمي خدمات بديلين وسهلت عملية التوظيف من خلال توفير فرص العمل لهؤلاء الذين تأثرت سبل عيشهم بالتهديدات البيئية المتكررة، ولا سيما الشباب، وبالتالي تمكنوا من توسيع نفوذهم.

  بالإضافة لما سبق؛ ترتبط موارد حوض بحيرة تشاد المتضائلة بسرعة بارتفاع معدلات الجريمة المنظمة في المنطقة، خاصة الجرائم المتعلقة بالإتجار بالبشر والمخدرات، وخطف النساء والفتيات والأطفال، وكذلك تهريب البضائع غير المشروعة – وكلها أسباب تساعد في استمرار النزاعات العنيفة وعمليات الجماعات المسلحة في المنطقة. مما يُعمق العمليات الارهابية ويزيد من عدم الاستقرار في المنطقة.

  وفي السياق ذاته، استغلت التنظيمات الإرهابية حالة عدم الاستقرار وانعدام الأمن في حوض بحيرة تشاد لزيادة عملياتها الإرهابية في الدول المجاورة، كما منح قرار الحكومة الانتقالية في تشاد في أغسطس 2021 بتقليص وجودها الأمني على طول “المنطقة الحدودية الثلاثة” من 1200 جندي إلى 600 فقط، متنفسًا يمنحها حرية أكبر في الحركة في المنطقة، ما أدى إلى تمدد نشاطها الإرهابي لدول أكثر استقرارًا في أفريقيا مثل بنين وتوجو. كما يُمثل نشاط تنظيم داعش، في النيجر، وبوركينا فاسو، ونيجيريا، ووجودها المتزايد في البلدان المجاورة مثل مالي والكاميرون تهديدًا كبيرًا لمنطقة الساحل. وذلك وفقًا لمؤشر الإرهاب العالمي لعام 2022[11].

  ورغم قيام دول حوض بحيرة تشاد ومعهم بنين بتشكيل تحالف عسكري خماسي على غرار تحالف الخمسة ساحل، إلا أن ذلك لم يكن كافيًا للقضاء على هذه التنظيمات الإرهابية، التي تمكنت من تجنيد آلاف الأشخاص خلال سنوات قليلة؛ فقد أشار تقرير الارهاب لعام 2022 إلىفشل الاستجابات الدولية والإقليمية للعنف في منع ارتفاع مستويات الإرهاب، والتي تفاقمت بسبب التغيرات المناخية ومعدلات النمو السكاني المرتفعة في المنطقة، والزيادات الكبيرة في انعدام الأمن الغذائي والنزوح الواسع النطاق.

  • 2-تهديد الأمن القومي للدول

  إن مخاطر اختفاء بحيرة تشاد على المنطقة والعالم ستكون كبيرة، إذ من شأن ذلك أن يؤدي إلى مجاعة في المنطقة، لعدم قدرة السكان على توفير مياه الشرب لهم ولمواشيهم وري مزروعاتهم، وفقدانهم لأمنهم الغذائي. بل وتمثل خطرًا حقيقيًا على الاستقرار والسلام فى تلك المنطقة، ما سيؤثر على الأمن الإقليمى، فحينها ستتضاعف الجريمة والعنف بين المجتمعات المحلية على الموارد الشحيحة، ما يؤدي إلى تصاعد حدة الصراعات المسلحة، الأمر الذي قد يتحول لاحقًا إلى حربٍ أهليةٍ تمتد تداعياتها لتطال الاستقرار الداخلي. علاوة على أن تأثير التغير المناخي لبحيرة تشاد قد يتسبب في تفاقم عدم الاستقرار، فضلًا عن تنامي الاضطرابات الاجتماعية، وغياب قدرة الدولة على توفير الاحتياجات الأساسية لمواطنيها. وهو ما يؤدي بدوره إلي هشاشة الدول ونشوب مزيدٍ من الصراعات، التي قد تمتد إلى سقوط بعض الدول وانهيارها، ومن هنا قد يمثل التغير المناخي تحديًا خطيرًا لاستقرار الدول وشرعية الحكومات.

  ومن المتوقع أن تجتذب بحيرة تشاد المزيد من التنظيمات الإرهابية، وتفتح المجال لها أمام مزيدٍ من التمكن والنفوذ، خاصة في ظل حالة انعدام الاستقرار وتصاعد معدلات الفقر، وهنا ستجند الجماعات الإرهابية آلافًا من المعدمين واليائسين، وستنفق الكثير من الأموال على ميزانيات الدفاع بدل التنمية، ما يهدد الأمن الإقليمي للدول.

  كما يؤدي جفاف البحيرة إلى الهجرة السكانية بين دول الجوار المحيطة للبحيرة، وهذا يهدد ويؤثر على الأمن القومي لتلك البلدان لو لم تقوم الجهات المعنية بدعم مشروع إحياء بحيرة تشاد.

 وأيضًا ستدخل دول المنطقة في نزاع لإعادة رسم الحدود على أنقاض “البحيرة المنقرضة”، ما قد يعمق مأساة هذه المنطقة، التي ستتغير تركيبتها البشرية بفعل النزوح والهجرة، ما سيؤدي بالتبعية إلى تغير خريطة الموارد الاقتصادية، ومن ثم اندلاع المزيد من الصراعات في المستقبل القريب حول الموارد الطبيعية؛ لذا تحاول الجماعات الإرهابية أن تكون فاعلًا رئيسًا في الصراعات المستقبلية حول الموارد الاقتصادية.

 كما ستتضرر أوروبا من اختفاء بحيرة تشاد؛ لأن ملايين الناس الذين فقدوا مصادر عيشهم  سيحاولون الهجرة إلى القارة العجوز بحثًا عن من وسائل العيش. فإذا كان إنقاذ بحيرة تشاد يكلف العالم اليوم مليارات الدولارات، فإن الأزمات الأمنية والإنسانية التي ستنتج عن اختفاء بحيرة تشاد، لن تقدَّر بثمن، وسوف تضر بدول العالم.

 وأخيراً، يسلط تقرير “الاتجاهات العالمية 2040” الصادر عن “مجلس الاستخبارات القومي الأمريكي”، في مارس 2021، الضوء على آثار التغيرات المناخية واحتمالية أنها ستعمل على تفاقم المخاطر على الأمن الإنساني ومن ثم القومي، ولذا ستكون الدول مُجبرة على اتخاذ خيارات صعبة ومقايضات، وربما سيتم توزيع الأعباء بشكل غير متساو، ما يزيد من حدة المنافسة، ويُسهم في زعزعة الاستقرار، ويُجهد الجاهزية العسكرية، ويشجع الحركات السياسية وحركات التمرد والإرهاب على تهديد أمن الدول وبقائها.  

رؤية مستقبلية

    تتلخص الرؤية المقترحة لمواجهة التحديات الأمنية وتغير المناخفيتطوير وتفعيل الاستراتيجيات والاستجابات للتغلب على تحديات الأمن المرتبطة بتغير المناخ. تتألف من نُهج متوسطة وطويلة الأجل للصمود والتعافي. تسعى الاستجابة متوسطة الأجل إلى استعادة سبل العيش والوصول إلى الخدمات الاجتماعية مثل المياه والصحة والتعليم، وتعزيز التماسك الاجتماعي في المجتمعات الهشة. تركز الاستجابة طويلة المدى على تحديث الزراعة وتوسيعها لتحسين سبل العيش، ويشمل أيضًا تعزيز التكيف مع تغير المناخ وإدارة الموارد الطبيعية من خلال تطوير حوكمة محلية أكثر فعالية، مع تعزيز التماسك الاجتماعي والمصالحة. (النازحون واللاجئون والعائدون) في المناطق الأكثر تضررً مثل شمال الكاميرون ومنطقة البحيرة في تشاد وشمال شرق نيجيريا ومنطقة ديا النيجر. مع الوضع في الاعتبار أن الإرهابيين والجماعات المتطرفة العنيفة الأخرى يواصلون التكيف مع الظروف واستغلال نقاط الضعف لزيادة انتشار العنف في المنطقة.

خاتمة

 إن الدوافع الأساسية للأزمة الأمنية المعقدة في حوض بحيرة تشاد متعددة الأوجه ومتشابكة. والدافع الأساسي هو تقلص وجفاف بحيرة تشاد بسبب تغير المناخ؛ فقد أدى تضاؤل ​​موارد البحيرة إلى تدمير ملايين الأشخاص الذين تعتمد سبل عيشهم الاقتصادية على نظامها البيئي.

وقد ساعد ذلك في تأجيج الإرهاب والعنف المتطرف والجريمة المنظمة وزيادة الأزمة الإنسانية عبر حوض بحيرة تشاد. وعلى الرغم من كثرة استراتيجيات الاستجابة للتخفيف من التهديدات الأمنية في المنطقة، فإن ما نحتاجه لتحقيق الاستقرار الفعال في حوض بحيرة تشاد هو أن يضمن أصحاب المصلحة المواءمة القوية لاستراتيجيات التكيف مع تغير المناخ مع استراتيجيات مكافحة الإرهاب.

من الضروري أيضًا للشركاء الدوليين تعزيز تعاونهم وتنسيقهم ومواءمة أعمالهم مع الاستراتيجيات المحلية والوطنية والإقليمية التي تهدف إلى التخفيف من الأزمة الإنسانية المتنامية، وتعزيز الحوكمة، وتعزيز التماسك الاجتماعي في المجتمعات في جميع أنحاء المنطقة، كما يجب دمج البعد البيئي في فهم الأسباب الجذرية للإرهاب والصراعات، ومحاولة تسويتها بصورة مستدامة، وإدراجه في مبادرات التسوية التي تطرح على المستويات الوطنية والإقليمية، وحتى الدولية.


[1] – Kateřina Rudincová, “Desiccation of Lake Chad as a cause of security instability in the Sahel region”, GeoScape (Ústí nad Labem: Jan Evangelista Purkyně University Vol. 11, No. 2, 2017). Pp. 113-115.

[2] – Nagarajan et al, “Climate-Fragility Profile: Lake Chad Basin,” Adelphi, (2018), Available at: https://www.academia.edu/36601661/Climate-Fragility_Profile_Lake_Chad_Basin.

[3]– “Restoring a Disappearing Giant: Lake Chad,” Word Bank, March 27, 2014, Available at:https://www.worldbank.org/en/news/feature/2014/03/27/restoring-a-disappearing-giant-lake-chad.

[4]– “Lake Chad Basin Commission (LCBC),” Global Security, accessed May 19, 2020, Available at:https://www.globalsecurity.org/military/world/int/lcbc.htm.

[5] – Jason Rizzo, “A Shrinking Lake and a Rising Insurgency: Migratory Responses to Environmental Degradation and Violence in the Lake Chad Basin”, in François Gemenne Caroline Zickgraf Dina Ionesco (eds.), The State of Environmental Migration (Le Grand-Saconnex: International Organization for Migration (IOM), 2015). Pp. 13-14.

[6] – Freedom C. Onuoha, “Environmental Degradation, Livelihood and Conflicts: A Focus on the Implications of the Diminishing Water Resources of Lake Chad for North-Eastern Nigeria”, African Journal on Conflict Resolution (Durban: The African Centre for the Constructive Resolution of Disputes (ACCORD), Vol. 8, No. 2, 2008). P. 45.

-[7] منظمة اليونسكو، ضفاف بحيرة تشاد تحظى بعناية اليونسكو. متاح على:

https://ar.unesco.org/courier/2018-4/dff-bhyr-tshd-thz-bny-lywnskw

[8] – United States Agency for International Development, “Lake Chad Basin-Complex Emergency,” USAID, March 31, 2020, Available at: https://www.usaid.gov/humanitarian-assistance/lake-chad#:~:text=USAID%20is%20responding%20to%20the.

[9] -“Lake Chad Crisis,” Plan International, accessed on May 16, 2020, Available at: https://plan-international.org/emergencies/lake-chad-crisis.

[10] – Thomas E. Griffin, Lake Chad: Changing Hydrography, Violent Extremism, and Climate-Conflict Intersection,  Marine Corps University Press (MCUP),  27 July 2020. Available at:

https://www.usmcu.edu/Outreach/Marine-Corps-University-Press/Expeditions-with-MCUP-digital-journal/Lake-Chad/

[11]-Institute for Economics and Peace (IEP), Global Terrorism Index 2022.