كتب – حسام عيد
مع مواجهة أفريقيا لتأثيرات الحرب الروسية الأوكرانية، والتضخم الجامح في أسعار المواد الغذائية والرياح الخلفية لـ”كوفيد-19″، كان عام 2022 عامًا من الاضطرابات الاقتصادية الهائلة، لكن بحسب خبراء اقتصاديين ومصرفيين من المحتمل أن تمتد الآثار السلبية لأزمات وتحديات 2022 إلى عام 2023.
من جانبه، قال تشارلي روبرتسون، كبير الاقتصاديين في بنك الاستثمار رينيسانس كابيتال الرائد في الأسواق الناشئة والنامية، إنه مع بداية العام الجديد، من المرجح أن تشهد أفريقيا انكماشًا في نمو الناتج المحلي الإجمالي السنوي مع استمرار ارتفاع معدلات التضخم وارتفاع أسعار الفائدة، مما يحد من الاقتراض والإنفاق الحكومي.
سيكون 2023 عام التقشف للعديد من البلدان ذات الدخل المنخفض، وليس أفريقيا فقط، فتباطؤ النمو العالمي لن يساعد الصادرات، وهذا مزيج صعب. لذلك؛ سيتعين على الحكومات اتخاذ تدابير مثل إلغاء دعم الوقود أو على الأقل خفضه في النصف الثاني من عام 2023، مما قد يضر بالطبقات المتوسطة والفقيرة.
ولكن ما إذا كانت الاقتصادات الأفريقية تتداعى أكثر تحت وابل الصدمات الخارجية أو تتخذ خطوات مبدئية نحو الانتعاش، فمن المرجح أن تختلف بشكل كبير بين البلدان ذات المزايا الفردية. على وجه الخصوص، يمكن لمصدري النفط في القارة أن يكونوا مدعومين بأسعار الطاقة القوية التي تبلغ حاليًا 75 دولارًا للبرميل -على الأقل في الوقت الحالي، كما أفاد ميغيل أزيفيدو، رئيس الخدمات المصرفية الاستثمارية في الشرق الأوسط وأفريقيا (باستثناء جنوب أفريقيا) في سيتي جروب.
من ناحية أخرى، بالنسبة للدول المنتجة للطاقة، يبدو عام 2023 عامًا جيدًا بالنظر إلى الارتفاع الحالي في الأسعار، بينما سيكون عام 2024 أقل ربحية. ومع ذلك، بالنسبة لمنتجي السلع الصناعية، فإن العكس هو الصحيح: من المحتمل أن يكون عام 2023 تحت الضغط قليلاً، وفي عام 2024، مع نمو الاقتصاد العالمي، ستتحسن الأمور، حسبما أوردت مجلة “أفريكان بيزنس”.
كيف ينتعش الاقتصاد النيجيري؟
يمكن أن يعتمد الأداء الاقتصادي للقارة في عام 2023 إلى حد كبير على أداء ثلاثة اقتصادات رئيسية – نيجيريا وجنوب أفريقيا ومصر – والدلالات والمؤشرات في أول اثنين ليست جيدة.
في الأشهر الأولى من العام، ستتجه الأنظار إلى نيجيريا، أكبر اقتصاد في أفريقيا؛ حيث من المرجح أن تؤدي الانتخابات الرئاسية في 24 فبراير المقبل إلى تلطيف التوقعات الاقتصادية.
وعلى الرغم من احتياطياتها النفطية الوفيرة، فإن السرقة من خطوط الأنابيب والفساد والافتقار إلى قدرة التكرير تعني أن البلاد تواصل إنفاق المليارات على دعم الوقود المهدر. وفي الوقت نفسه، أدت سيطرة حكومة محمد بخاري المشددة على عملة النايرا المحلية وميلها لتدخل الدولة في الاقتصاد إلى تقييد النمو بشكل أكبر.
ومع توقع نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 3.2% فقط هذا العام، وفقًا لصندوق النقد الدولي، يدعو المحللون بشكل عاجل إلى إلغاء دعم الوقود وخفض قيمة النايرا إذا أرادت البلاد الاستفادة من ارتفاع أسعار النفط.
وبالتزامن مع توقعات أوسع لعجز الميزانية، أدى إعطاء الأولوية للدعم إلى تفاقم مخاطر التمويل والسياسة المالية. من المتوقع أن يستمر إنتاج النفط الباهت طوال عام 2023، مما يحد من تدفقات عائدات النفط ويضعف النمو الاقتصادي؛ وفق جي إيه فان دير ليندي، كبير الاقتصاديين في “أكسفورد إيكونوميكس”.
فيما قال روبرتسون، “إذا تراجعت قيمة النايرا، والمقومة حاليًا بأكثر من قيمتها الحقيقية بـ50%، إلى القيمة العادلة حول 680 نايرا مقابل الدولار الأمريكي الواحد، فإن إيرادات الميزانية من الطاقة -أكثر من نصف إيرادات الميزانية- يجب أن تقفز بنسبة 50%”.
بينما يرى أزيفيدو أن إلغاء الإعانات هو واحد من عدة سياسات مسبقة من شأنها أن تسمح لريادة الأعمال الطبيعية في البلاد بالازدهار.
لكن فان دير ليندي حذر من أن التغيير في القيادة السياسية قد لا يؤدي بالضرورة إلى إصلاح هيكلي للاقتصاد النيجيري. جميع المرشحين الثلاثة الرئيسيين لنيجيريا “بيتر أوبي، بولا تينوبو، أتيكو أبو بكر” هم من المطلعين السياسيين ولم يتجنب أي منهم التعهدات الراديكالية بتعطيل الوضع الراهن.
ويضيف كبير الاقتصاديين في أكسفورد إيكونوميكس، “المرشحون الثلاثة متوافقون نسبيًا في معظم النقاط السياسية، مما يعني أننا لا نتوقع أي تغيير ملحوظ في بيئة السياسة في نيجيريا بعد الانتخابات، للأفضل أو للأسوأ”.
عام آخر صعب لجنوب أفريقيا
ومن المتوقع مرة أخرى أن تواجه جنوب أفريقيا، ثاني أكبر اقتصاد في القارة، عامًا صعبًا. وفقًا لصندوق النقد الدولي، من المتوقع أن يرتفع نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 2.1% فقط في عام 2023. ومن المرجح أن تتفاقم الصدمات الخارجية بسبب عدم الاستقرار السياسي المستمر -في الأشهر الأخيرة، كان الرئيس سيريل رامافوزا يقاتل من أجل حياته السياسية بعد تقرير ضار اتهمه من سوء السلوك بعد سرقة مئات الآلاف من الدولارات في مزرعته الخاصة.
في حين أن سماسرة السلطة في حزب المؤتمر الوطني الأفريقي قاموا -في الوقت الحالي على الأقل- بحماية الرئيس من المساءلة، فمن المرجح أن يواصل المعارضون من الفصائل المتحالفة مع الرئيس السابق جاكوب زوما هجماتهم على قيادته.
في غضون ذلك، تستمر المؤسسات والخدمات في البلاد في التدهور؛ حيث يواصل مزود الطاقة الحكومي “إسكوم Eskom”، المثقل بالديون والبنية التحتية للطاقة التي عفا عليها الزمن، التخلص المنتظم من الأحمال (انقطاع التيار الكهربائي) في محاولة لتخفيف الضغط على الشبكة. في ديسمبر 2022، استقال أندريه دي رويتر، الرئيس التنفيذي لشركة إسكوم، ليصبح الرئيس الحادي عشر الذي ترك الشركة منذ ما يزيد قليلاً عن عقد من الزمان. ومع القيادة غير المستقرة والتقدم الضئيل في الإصلاح الجذري المنشود، يبدو أن عام 2023 سيكون عامًا صعبًا آخر حيث لن تتمكن الشركات والأفراد في جنوب أفريقيا من الاعتماد على مصدر طاقة مستقر.
نمو قوي في مصر
في الطرف الآخر من القارة، لا تزال مصر معرضة بشكل كبير لاضطرابات سلسلة التوريد العالمية الناجمة عن الحرب الروسية في أوكرانيا.
مع عدم وجود نهاية تلوح في الأفق للحرب، ومع استمرار انخفاض المحاصيل وصادرات القمح في البحر الأسود، ستواصل مصر النظر في تنويع إمداداتها الغذائية.
في فبراير الماضي، سحب المستثمرون الأجانب 20 مليار دولار من استثماراتهم بسوق أدوات الدين المصري خوفًا من عواقب ارتفاع أسعار النفط والسلع على الاقتصاد الشمال أفريقي. ومع ذلك؛ أنهت القاهرة العام بأداء وخطوات وإصلاحات قوية؛ حيث حصلت على قرض من صندوق النقد الدولي بقيمة 3 مليارات دولار والذي من المتوقع أن يحفز تمويلًا إضافيًا بنحو 14 مليار دولار من شركاء مصر الدوليين والإقليميين، بما في ذلك التمويل الجديد من دول الخليج وشركاء آخرين، بالإضافة إلى تشجيع وتحفيز دور القطاع الخاص في المرحلة المقبلة من خلال تخارج الدولة من النشاط الاقتصادى سواءً بشكل كلى أو جزئى؛ وفق وثيقة سياسة ملكية الدولة المصرية للأصول.
فيما تتضمن صفقة البرنامج التمويلي الجديد بين صندوق النقد الدولي ومصر تحولاً إلى نظام سعر صرف مرن، وسياسة نقدية تهدف إلى خفض التضخم تدريجيًا، وضبط أوضاع المالية العامة لضمان مسار الدين العام التنازلي.
بينما ركزت استضافة مصر لمؤتمر المناخ العالمي Cop27 في شرم الشيخ في نوفمبر 2022 على إمكانات الطاقة الخضراء الهائلة في البلاد، وسمح المؤتمر للحكومة بإبرام عدد من الصفقات للمساهمة في تحول الطاقة. وفي محادثات مع صندوق النقد الدولي، طلبت السلطات الوصول إلى مرفق الصمود والاستدامة، والذي يمكن أن يوفر ما يصل إلى مليار إضافي من حقوق السحب الخاصة لصندوق النقد الدولي لدعم أهداف السياسة المتعلقة بالمناخ.
كل هذا يعني أنه على الرغم من الضغوط الخارجية، يتوقع صندوق النقد الدولي أن تنمو مصر بنسبة 6.6% في عام 2023.